منتدى المدية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى, و شكرا.
إدارة المنتدى

منتدى المدية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى, و شكرا.
إدارة المنتدى

منتدى المدية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب العرش1

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Hamykaly
 
 
Hamykaly


عدد المساهمات : 176
تاريخ التسجيل : 09/02/2010
العمر : 34
الموقع : سوق أهـــراس

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: كتاب العرش1   كتاب العرش1 Emptyالخميس 4 مارس 2010 - 23:25

كتاب العرش
تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748هـ)


دراسة وتحقيق: د. محمد بن خليفة التميمي
الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد:
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة هي عقيدة الطائفة المنصورة الباقية، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" .
وهي الفرقة الناجية التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" .
فعلامتهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يكونون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتلك ميزة تميزت بها عقيدة أهل السنة والجماعة لا توجد عند غيرهم، فعقيدتهم تتميز بأصولها التي تُستمدُ منها كل مسائل هذا العلم.
فالقرآن الكريم الذي هو حبل الله المتين، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو الأصل الأول من أصول أهل السنة والجماعة.
والأصل الثاني السنة النبوية الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد أوجب الله على الناس اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر 7]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب 21].
فأهل السنة والجماعة كان اعتصامهم بالكتاب والسنة "بخلاف أهل البدعة والفرقة، فإن عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والسنة، ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم عليها يعتمدون في التوحيد والصفات والقدر والإيمان بالرسول وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفها تأولوه؛ فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما، ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى؛ والآيات والأحاديث التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن، فليس مقصودهم أن يفهموا مراد الله ومراد رسوله، بل أن يدفع منازعه عن الاحتجاج بها" .
وأما أهل السنة والجماعة فأصولهم التي اعتمدوا عليها هي الكتاب والسنة ومرادهم اتباع شرع الله الذي شرعه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "آمنت بما جاء عن الله، وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله" .
ولذلك لم يستقلوا بفهومهم وإنما اعتمدوا في فهم تلك الأصول على ما فهمه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين عاشوا فترة نزول الوحي، وعلموا مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه ميزة ثانية، فإذا كانت أصول أهل السنة واحدة وهي الكتاب والسنة فكذلك أئمة أهل السنة هم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، فعلى علمهم وفهمهم يعولون وعن قولهم يصدرون.
قال الإمام أحمد رحمه الله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين.
والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول والأهواء، إنما هي الاتباع وترك الهوى" .
فأمور هذا الدين ترجع إلى سند متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك كان لأهل السنة سندهم المتصل، ولذلك يقال لأهل البدع هذه هي أصولنا وأسانيدنا ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيا ترى أصول أهل البدع إلى أي شيء ترجع ؟!
ومن هذا المنطلق كان الاعتناء بالمأثور عن سلف الأمة سمة بارزة من سمات أهل السنة والجماعة ولذلك زخرت مؤلفاتهم بالمأثور من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واقتدى طريقهم، وسلك سبيلهم.
ويحق لكل صاحب سنة أن يفخر بما تركه علماء السنة من تراث عظيم حوى منهج أهل الحق وتضمن أقوال علماء وأئمة شرحوا طريق الهدى ونافحوا ودافعوا عن العقيدة الصحيحة لكي تبقى نقية صافية، كما تركها لنا النبي صلى الله عليه وسلم.
ويصدق على أولئك الأئمة الأعلام وصف الإمام أحمد رحمه الله تعالى حيث قال: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين" .
فلله در أولئك الأئمة الذين حموا حياض هذا الدين ودافعوا عن صراط الله المستقيم، وتركوا لنا تراثاً عظيماً سطروا فيه بيراعهم منهج الحق القويم وأبطلوا فيه شبهات حزب الشيطان الرجيم.
فحري بذلك التراث أن يخدم وأن يخرج من خزائن المكتبات وحيز المخطوطات.
وهذا وإن من بين تراثنا السلفي الجدير بالعناية والاهتمام، كتاب ظل حبيس عالم المخطوطات ردحاً طويلاً من الزمن، ألا وهو كتاب "العرش" للإمام الذهبي، وهو كتاب نفيس في بابه، حشد فيه المؤلف العشرات من النصوص والآثار التي توضح عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة من كبريات مسائل توحيد الأسماء والصفات ألا وهي مسألة إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه.
وقد دفعني لخدمة هذا الكتاب وإخراجه ما تضمنه من مادة علمية مهمة في بابها، وإضافة إلى المنهج السلفي الذي سلكه هذا الإمام في تقرير الحق وإثباته.
وقد حرصت على إخراج الكتاب على أفضل صورة وأبهى حلة، فنهجت المنهج العلمي في تحقيق نصه وضبطه، وتخريج أحاديثه وآثاره، والترجمة لأعلامه، وشرح غريبه، ووضع فهارس فنية لمحتوياته.
ونظراً لأهمية الكتاب وموضوعه فقد خدمت الكتاب بدراسة موضوعية احتوت على الأمور التالية.
القسم الأول: الدراسة الموضوعية
الباب الأول: أقوال الناس في أسماء الله وصفاته.
الفصل الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته.
المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة.
المبحث الثاني: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته‎.
الفصل الثاني: أقوال المعطلة في أسماء الله وصفاته.
المبحث الأول: التعريف بالمعطلة.
تمهيد.
المطلب الأول: الفلاسفة‎.
المطلب الثاني: أهل الكلام.
المبحث الثاني: درجات تعطيلهم.
المطلب الأول: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عموماً.
المطلب الثاني: درجات تعطيلهم في باب الأسماء الحسنى.
المطلب الثالث: درجات تعطيلهم في باب صفات الله تعالى.
الفصل الثالث: المشبهة‎.
المبحث الأول: التعريف بالتمثيل والتشبيه‎.
المبحث الثاني: التعريف بالمشبهة.
الباب الثاني: الأقوال في صفتي العلو والاستواء.
الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو.
المبحث الأول: قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم‎.
المبحث الثاني: أقوال المخالفين.
الفصل الثاني: الأقوال في صفة الاستواء.
المبحث الأول: مذهب السلف في الاستواء‎.
المبحث الثاني: أقوال المخالفين.
الفريق الأول: نفاة الاستواء‎.
الفريق الثاني: القول بالتفويض‎.
الفريق الثالث: قول المشبهة.
الفصل الثالث: مسائل متعلقة بالعلو والاستواء‎.
المبحث الأول: هل يخلو العرش منه حال نزوله.
المبحث الثاني: مسائل الحد والمماسة‎.
المطلب الأول: حكم الألفاظ المجملة‎.
المطلب الثاني: مسألة الحد‎.
المطلب الثالث: مسألة المماسة.
الباب الثالث: العرش وما يتعلق به من مسائل.
الفصل الأول: تعريف العرش.
المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش.
المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش.
الفصل الثاني: الأدلة على إثبات العرش من الكتاب والسنة.
المبحث الأول: الأدلة القرآنية على إثبات العرش.
المبحث الثاني: الأدلة من السنة على إثبات العرش.
الفصل الثالث: صفة العرش وخصائصه‎.
المبحث الأول: خلق العرش وهيئته.
المبحث الثاني: مكان العرش‎.
المبحث الثالث: خصائص العرش‎.
الفصل الرابع: الكلام على حملة العرش و على الكرسي‎.
المبحث الأول: الكلام على حملة العرش‎.
المبحث الثاني: الكلام على الكرسي.
القسم الثاني: التعريف بالمؤلف والكتاب.
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف.
أولاً: اسمه وكنيته.
ثانياً: أصله.
ثالثاً: نسبته.
رابعاً: مولده.
خامساً: أسرته.
سادساً: نشأته في طلب العلم.
سابعاً: رحلاته.
ثامناً: شيوخه.
تاسعاً: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
عاشراً: عقيدته.
الحادي عشر: مؤلفاته‎.
الثاني عشر: تلاميذه.
الثالث عشر: وفاته.
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب.
أولاً: اسم الكتاب.
ثانياً: توثيق نسبة الكتاب للمؤلف‎.
ثالثاً: الفرق بين كتاب العرش وكتاب العلو.
رابعاً: موارد كتاب العرش.
خامساً: منهج المصنف في الكتاب‎.
سادساً: أهمية الموضوع والكتاب‎.
سابعا: دراسة النسخة الخطية‎.
ثامناً: عملي في الكتاب.
وبعد: فهذا جهد المقل، أضعه بين يدي القارئ الكريم، وقد بذلت فيه قصارى جهدي، وغاية وسعي، فما كان فيه من صواب وحق فالحمد لله على توفيقه، وذلك من فضله ومنّه، وما كان فيه من خطل، أو زلل، أو خلل، فأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة.
وأستسمح القارئ الكريم عذراً إذا ما وجد في عملي هذا تقصيراً، فهذا جهد البشر، فأرجو من كل من اطلع على خطأ أو قصور أن يبادرني النصيحة مشكوراً مأجوراً.
والله أسأل أن ينفع بهذا العمل ويبارك فيه، وأن يجعله عملاً صالحاً ولوجهه خالصاً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
القسم الأول: الدراسة الموضوعية
الباب الأول: أقوال الناس في أسماء الله وصفاته.
الفصل الأول : معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته.

المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة
المقصود بأهل السنة والجماعة: الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، ومن سلك سبيلهم، وسار على نهجهم، من أئمة الهدى، ومن اقتدى بهم من سائر الأمة أجمعين.
فيخرج بهذا المعنى كل طوائف المبتدعة وأهل الأهواء.
فالسنة هنا في مقابل البدعة، والجماعة هنا في مقابل الفُرقة.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران 106] قال: "تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة والفُرقة" .
والجدير بالذكر هنا أن نعرف أن العلماء يستعملون هذه العبارة لمعنيين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلفظ أهل السنة يراد به:
1ـ من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة .
2ـ وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: "إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يُرَى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة" .
ومقصودنا بعبارة أهل السنة هو المعنى الثاني الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، ذلك أن لأهل السنة أصولهم التي اتفقوا عليها ونصوا عليها في كتب الاعتقاد المعروفة.
ولأهل السنة عدة مسميات منها: أهل الحديث، الفرقة الناجية، الجماعة، وغير ذلك.
ويمكن حصر قواعد منهج أهل السنة في النقاط التالية:
أولاً: ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها.
ثانياً: التقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث. وذلك يتم بـ:
أ- الاجتهاد في تمييز صحيحيه من سقيمه.
ب- الاجتهاد في الوقوف على معانيه وتفهمه .
ثالثاً: العمل بذلك والاستقامة عليه اعتقاداً، وتفكيراً، وسلوكاً، وقولاً، والبعد عن كل ما يخالفه ويناقضه.
رابعاً: الدعوة إلى ذلك باللسان والبنان.
فمن التزم هذه القواعد في الاعتقاد، والعمل، فهو على نهج أهل السنة بإذن الله.


المبحث الثاني: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته
معتقد أهل السنة في أسماء الله وصفاته، يقوم على أساس الإيمان بكل ما وردت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة إثباتاً ونفياً، فهم بذلك:
1ـ يسمون الله بما سمى به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يزيدون على ذلك ولا ينقصون منه.
2ـ ويثبتون لله عز وجل الصفات ويصفونه بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ، ولا تمثيل .
3ـ وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مع اعتقاد أن الله موصوف بكمال ضد ذلك الأمر المنفي.
فأهل السنة سلكوا في هذا الباب منهج القرآن والسنة الصحيحة، فكل اسم أو صفة لله سبحانه وتعالى وردت في الكتاب والسنة الصحيحة فهي من قبيل الإثبات فيجب بذلك إثباتها.
وأما النفي فهو أن ينفى عن الله عز وجل كل ما يضاد كماله من أنواع العيوب والنقائص مع وجوب اعتقاد ثبوت كمال ضد ذلك المنفي.
قال الإمام أحمد: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وطريقة سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، و لا تعطيل، ولا تكييف، و لا تمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، إثبات الصفات ونفي ممثالة المخلوقات قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فهذا رد على الممثلة {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} رد على المعطلة.
وقولهم في الصفات مبني على أصلين:
أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى منـزهٌ عن صفات النقص مطلقاً كالسِّنَةِ، والنوم، والعجز، والجهل، وغير ذلك.
والثاني: أنه متصف بصفات الكمال التي لا نقص فيها، على وجه الاختصاص بما له من الصفات، فلا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات" .
ويمكن إجمال معتقد أهل السنة في أسماء الله في النقاط التالية:
1ـ الإيمان بثبوت الأسماء الحسنى الواردة في القرآن والسنة، من غير زيادة ولا نقصان.
2ـ الإيمان بأن الله هو الذي يسمي نفسه، ولا يسميه أحد من خلقه، فالله عز وجل هو الذي تكلم بهذه الأسماء، وأسماؤه منه، وليست محدثة مخلوقة كما يزعم الجهمية، والمعتزلة، والكلابية، والأشاعرة، والماتريدية.
3ـ الإيمان بأن هذه الأسماء دالة على معانٍ في غاية الكمال، فهي أعلام وأوصاف، وليست كالأعلام الجامدة التي لم توضع باعتبار معانيها، كما يزعم المعتزلة.
4ـ احترام معاني تلك الأسماء، وحفظ ما لها من حرمة في هذا الجانب، وعدم التعرض لتلك المعاني بالتحريف والتعطيل كما هو شأن أهل الكلام.
5ـ الإيمان بما تقتضيه تلك الأسماء من الآثار وما ترتب عليها من الأحكام .
ويمكن إجمال معتقد أهل السنة في "صفات الله" في النقاط التالية:
1ـ إثبات تلك الصفات لله عز وجل حقيقةً على الوجه اللائق به، وأن لا تعامل بالنفي والإنكار.
2ـ أن لا يتعدى بها اسمها الخاص الذي سماها الله به، بل يحترم الاسم كما يحترم الصفة، فلا يعطل الصفة، ولا يغير اسمها ويعيرها اسماً آخر.
كما تسمي الجهمية المعطلة سمعه، وبصره، وقدرته، وحياته، وكلامه أعراضاً.
ويسمون وجهه ويديه وقدمه -سبحانه- جوارح وأبعاضاً، ويسمون حكمته وغاية فعله المطلوبة: عللاً وأعراضاً.
ويسمون أفعاله القائمة به: حوادث.
ويسمون علوه على خلقه واستواءه على عرشه: تحيزاً. ويتواصون بهذا المكر الكُبَّار إلى نفي ما دل عليه الوحي والعقل والفطرة، وآثار الصنعة من صفاته.
فيسعون بهذه الأسماء التي سموها هم وأباؤهم على نفي صفاته وحقائق أسمائه.
3ـ عدم تشبيهها بما للمخلوق. فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
4ـ اليأس من إدراك كنهها وكيفيتها. فالعقل قد يئس من تعرف كنه الصفة وكيفيتها. فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف بلا كيف أي بلا كيف يعقله البشر فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟. ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعروفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك" .
5ـ الإيمان بما تقتضيه تلك الصفات من الآثار وما يترتب عليها من الأحكام.
وقد بسطت معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته في الدراسة الأولى من سلسلة "دراسات في مباحث توحيد الأسماء والصفات"، فمن أراد الاستزادة والتوسع فليرجع إلى تلك الدراسة.

الفصل الثاني: أقوال المعطلة في أسماء الله وصفاته.

المبحث الأول: التعريف بالمعطلة.

المطلب الأول
الفــلاسفة
"الفلاسفة، اسم جنس لمن يُحِبُ الحكمة ويُؤثِرُها.
وقد صار هذا الاسم في عرف كثير من الناس مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء، ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه.
وأخص من ذلك أنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع أرسطو، وهم المَشَّاؤُون خاصة وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها. وهي التي يعرفها، بل لا يعرفُ سواها، المتأخرون من المتكلمين" .
أما الفلاسفة فإن إيمانهم بالله تبارك وتعالى لا يكاد يتعدى الإيمان بوجوده المطلق، -أي بوجوده في الذهن والخيال دون الحقيقة-، وأما ما عدا ذلك فلا يكادون يتفقون على شيء، فالمباحث العقدية عندهم من أسخف وأفسد ما قالوا به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما الإلهيات فكلياتهم فيها أفسد من كليات الطبيعة، وغالب كلامهم فيها ظنون كاذبة فضلاً عن أن تكون قضايا صادقة" .
ويتجلى فساد معتقد الفلاسفة في الله أكثر عندما نعرض لك بعض أقوالهم في ذات الله وصفاته.
فالفلاسفة يطلقون على الله مسمى (واجب الوجود)، وتوحيد واجب الوجود عندهم يكفي مجرد تصوره للعلم الضروري بفساده.
فالتوحيد عندهم يقتضي تجريده من كل صفات الكمال اللازمة له، فهو ليس له حياة ولا علم ولا قدرة ولا كلام، ولا غير ذلك من الصفات، ويقولون بدلاً من ذلك: ( إنه عاقل ومعقول وعقل، ولذيذ وملتذ ولذة، وعالم ومعلوم وعلم )، وجعلوا كل ذلك أموراً عدمية.
ودفعهم إلى ذلك زعمهم أن تعدد الصفات موجب للتركيب في حق الله، وفساد هذا القول جلي واضح.
فالله وصف نفسه بالصفات، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم وثبت ذلك في الكتاب والسنة نقلاً.
كما أن العقل يشهد بفساد قولهم، فإن تعدد الصفات لم تقل لغة ولا شرع ولا عقل سليم إنه يوجب تركيب الموصوف إلا عند الفلاسفة .
ومن شنيع كلامهم كذلك زعمهم أن الله لا يعلم الجزئيات، فهو عندهم لا يعرف عين موسى، ولا عيسى، ولا محمداً عليهم الصلاة والسلام، فضلاً عن الوقائع التي قصها القرآن وغيرها من أمور المخلوقات. وفساد هذا القول واضح جلي في النقل والعقل.
أما النقل فالله يقول: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام 59]. وكذا العقل أيضاً شاهد بفساد هذا المعتقد، فكيف يجهل الله أموراً سيرها بأمره وأجراها بقدره وأخبر عنها في كتابه .
ومن شنيع قولهم ما قالوه في قدرة الله من أنه فاعل بالطبع لا بالاختيار لأن الفاعل بالطبع يتحد فعله، والفاعل بالاختيار يتنوع فعله، وما دروا أنهم بهذا جعلوا الإنسان الفاعل بالاختيار أكمل من الله الفاعل بالطبع على حد زعمهم. وهذا القول مردود بقول الله {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَار}[القصص 68]. ومردود بالعقل لأن الله هو أكمل الفاعلين فكيف يُشبَّه فعله بفعل الجماد.
والفلاسفة يدأبون حتى يثبتوا واجب الوجود، ومع إثباتهم له فهو عندهم وجود مطلق، لا صفة له ولا نَعْتَ، ولا فعل يقوم به، لم يخلق السموات والأرض بعد عدمها، ولا له قدرة على فعل، ولا يعلم شيئاً.
ولا شك أن الذي كان عند مشركي العرب من كفار قريش وغيرهم أهون من هذا، فعباد الأصنام كانوا يثبتون رباً خالقاً عالماً قادراً حياً، وإن كانوا يشركون معه في العبادة.
ففساد أقوال الفلاسفة في الله لا يضاهيه فساد، وسنعرض لأقوالهم في أسماء الله وصفاته فيما بعد إن شاء الله تعالى.
فهذا ما عند هؤلاء من خبر الإيمان بالله عز وجل.
"وأما الإيمان بالملائكة فهم لا يعرفون الملائكة، ولا يؤمنون بهم. وإنما الملائكة عندهم ما يتصوره النبيُّ بزعمهم في نفسه من أشكال نُورانِية، هي العقول عندهم، وهي مجرَّدات ليست داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوق السموات ولا تحتها، ولا هي أشخاص تتحرك، ولا تصعد، ولا تنـزل، ولا تدبِّر شيئاً، ولا تتكلم، ولا تكتب أعمال العبد، ولا لها إحساس ولا حركة البتة، ولا تنتقل من مكان إلى مكان، ولا تُصَفُّ عند ربها، ولا تصلي، ولا لها تصرف في أمر العالم البتة، فلا تقبض نفس العبد، ولا تكتب رزقه وأجله وعمله، ولا عن اليمين وعن الشمال قعيد، كل هذا لا حقيقة له عندهم البتة.
وربما تقرب بعضهم إلى الإسلام، فقال: الملائكة هي القوى الخَيِّرة الفاضلة التي في العبد، والشياطين هي القوى الشريرة الرَّديئة، هذا إذا تقربوا إلى الإسلام وإلى الرسل.
وأما الكتب فليس لله عندهم كلام أنزله إلى الأرض بواسطة الملك، فإنه ما قال شيئاً، ولا يقول، ولا يجوز عليه الكلام. ومن تقرب إليهم ممن ينتسب للمسلمين يقول: الكتب المنـزلة فَيْضٌ فاضَ من العقل الفَعَّال على النفس المستعدة الفاضلة الزكية، فتصورت تلك المعاني، وتشكلت في نفسه بحيث توهم أصواتاً تخاطبه، وربما قَوِيَ الوهم حتى يراها أشكالا نورانية تخاطبه، وربما قوي ذلك حتى يُخَيِّلها لبعض الحاضرين، فيرونها ويسمعون خطابها، ولا حقيقة لشيء من ذلك في الخارج.
وأما الرسل والأنبياء فللنبوة عندهم ثلاث خصائص، من استكملها فهو نبيُّ:
أحدها: قوة الحدس، بحيث يدرك الحد الأوسط بسرعة.
الثانية: قوة التخيل والتخييل، بحيث يتخيل في نفسه أشكالاً نورانية تخاطبه، ويسمع الخطاب منها، ويخيلها إلى غيره.
الثالثة: قوة التأثير بالتصرف في هيولى العالم. وهذا يكون عنده بتجرد النفس عن العلائق، واتصالها بالمفارقات، من العقول والنفوس المجردة.
وهذه الخصائص تحصل بالاكتساب. ولهذا طلبَ النبوة من تصوف على مذهب هؤلاء كابن سبعين، وابن هود، وأضرابهم. والنبوة عند هؤلاء صنعةٌ من الصنائع، بل من أشرف الصنائع، كالسياسة، بل هي سياسة العامة، وكثير منهم لا يرضى بها، ويقول: الفلسفة نبوة الخاصة. والنبوة: فلسفة العامة.
وأما الإيمان باليوم الآخر فهم لا يقرون بانفطار السموات، وانتثار الكواكب، وقيامة الأبدان، ولا يقرون بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، وأوجد هذا العالم بعد عدمه.
فلا مبدأ عندهم، ولا معاد، ولا صانع، و لا نبوة، ولا كتب نزلت من السماء، تكلم الله بها، ولا ملائكة تنـزلت بالوحي من الله تعالى.
فدين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خير من دين هؤلاء.
وحَسبُكَ جهلاً بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، من يقول: إنه سبحانه لو علم الموجودات لحقه الكلال والتعب، واستكمل بغيره. وحسبك خذلاناً، وضلالاً وعمى: السير خلف هؤلاء، وإحسان الظن بهم، وأنهم أولو العقول" .
والذي ينبغي معرفته أن الفلاسفة لا يؤمنون بوجود الله حقيقة، ولا يؤمنون بوحي ولا نبوة ولا رسالة، وينكرون كل غيب، فالمبادىء الفلسفية جميعها تقوم على أصلين هما:
الأصل الأول: أن الأصل في العلوم هو عقل الإنسان، فهو عندهم مصدر العلم.
الأصل الثاني: أن العلوم محصورة في الأمور المحسوسة المشاهدة فقط.
فتحت الأصل الأول أبطلوا الوحي، وتحت الأصل الثاني أبطلوا الأمور الغيبية بما فيها الإيمان بالله واليوم الآخر.
وقد تسلط الفلاسفة على المسائل الاعتقادية وزعموا أنها مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة لها ولا وجود لها في الخارج، فلا الله موجود حقيقة، ولا نبوة ولا نبي على التحقيق، ولا ملائكة، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور.

المطلب الثاني
أهل الكلام
وأما أهل الكلام فقد شاركوا الفلاسفة في بعض أصولهم، وأخذوا عنهم القواعد المنطقية والمناهج الكلامية، وتأثروا بها إلى درجة كبيرة.
وسلكوا في تقرير مسائل الاعتقاد المسلك العقلاني على حد زعمهم، وهم وإن كانوا يخالفون الفلاسفة في قولهم إن هذه الحقائق مجرد وهم وخيال، إلا أنهم شاركوهم في تشويه كثير من الحقائق الغيبية، فلا تجد في كتب أهل الكلام على اختلاف طوائفهم تقريراً لمسائل الاعتقاد كما جاءت بها النصوص الصحيحة، فبدل أن تسمع أو تقرأ "قال الله" أو "قال رسوله صلى الله عليه وسلم" أو "قال الصحابة"، فإنك لا تجد في كتبهم إلا "قال الفضلاء"، "قال العقلاء"، "قال الحكماء"، ويعنون بهم فلاسفة اليونان من الوثنيين، فكيف جاز لهم ترك كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والأخذ بكلام من لا يعرف الله ولا يؤمن برسوله؟!
والمطَّلِع على كتب أهل الكلام يدرك عِظَم الضرر الذي جَنَتْهُ على الأمة المسلمة، إذ تسببت تلك الكتب في حجب الناس عن المعرفة الصحيحة لله ورسوله ولدينه، وجُعِلَ بدل ذلك مقالات التعطيل والتجهيل والتخييل.
وأهل الكلام ليسوا صنفاً واحداً بل هم عدة أصناف، وهم:
1ـ الجهمية، 2ـ المعتزلة، 3ـ الكلابية، 4ـ الأشاعرة، 5ـ الماتريدية.
وهذه الأصناف الخمسة كل له قوله ورأيه بحسب الشبه العقلية التي استند إليها.
أولاً: فأما الجهمية فهم أتباع جهم بن صفوان الذي أخذ عن الجعد ابن درهم مقالة التعطيل عندما التقى به بالكوفة ، وقد نشر الجهم مقالة التعطيل وامتاز عن شيخه الجعد بمزية المغالاة في النفي وكثرة إظهار ذلك والدعوة إليه نظراً لما كان عليه من سلاطة اللسان وكثرة الجدال والمراء.
من أشهر معتقداتهم:
1ـ إنكارهم لجميع الأسماء والصفات كما سيأتي تفصيله.
2ـ أنهم في باب الإيمان مرجئة، يقولون: إن الإيمان يكفي فيه مجرد المعرفة القلبية، وهذا شر أقوال المرجئة.
3ـ أنهم في باب القدر جبرية، ينكرون قدرة العبد واختياره في فعله.
4ـ ينكرون رؤية الخلق لله يوم القيامة.
5ـ يقولون أن القرآن مخلوق.
6ـ يقولون بفناء الجنة والنار.
إلى غير ذلك من المعتقدات الباطلة التي قال بها الجهمية.
ثانياً: المعتزلة، وهم أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وهم فرق كثيرة يجمعها ما يسمونه بأصولهم الخمسة وهي:
1ـ التوحيد، 2ـ العدل، 3ـ الوعد والوعيد، 4ـ المنـزلة بين المنـزلتين، 5ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والاعتزال في حقيقته يحمل خليطاً من الآراء الباطلة التي كانت موجودة في ذلك العصر، فقد جمع المعتزلة بين أفكار الجهمية، والقدرية، والخوارج، والرافضة.
فقد شاركوا الجهمية في بعض أصولهم، فوافقوهم في إنكار الصفات، فزعموا أن ذات الله لا تقوم بها صفة ولا فعل، كما سيأتي تفصيله. وقالوا بإنكار رؤية الله يوم القيامة وقالوا إن القرآن مخلوق إلى غير ذلك.
كما شاركوا القدرية في إنكارهم لقدرة الله في أفعال العباد، وأخذوا عنهم القول بأن العباد يخلقون أفعالهم.
كما شاركوا الخوارج في مسألة الإيمان، وقالوا بقولهم إن الإيمان قول، واعتقاد، وعمل، لا يزيد ولا ينقص، وأنه إذا ذهب بعضه زال كلّه.
وبناءً على ذلك شاركوهم في مسألة مرتكب الكبيرة، فالمعتزلة وإن قالوا بأن مرتكب الكبيرة في منـزلة بين المنـزلتين في الدنيا، لكنهم وافقوا الخوارج في قولهم بأن مرتكب الكبيرة في الآخرة خالد مخلد في النار.
وأخذوا كذلك عن الخوارج رأيهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما أنهم شاركوا الروافض في الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان من كلام واصل بن عطاء في أهل صفين قوله: "إن كليهما فاسق لابعين" وقوله عن علي ومعاوية رضي الله عنهما: "لو أن كليهما جاء عندي يشهد على حزمة بقل ما قبلت شهادتهما"، وأواخر المعتزلة كانوا أقرب إلى التشيع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقدماء الشيعة كانوا مخالفين للمعتزلة بذلك (يعني مسائل الصفات والقدر)، فأما متأخروهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك، فإنهم صار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم، والمعتزلة شيوخ هؤلاء إلى ما يوجد في كلام ابن النعمان المفيد وصاحبيه أبي جعفر الطوسي، والملقب بالمرتضى ونحوهم هو من كلام المعتزلة، وصار حينئذ في المعتزلة من يميل إلى نوع من التشيع إما تسوية علي بالخليفتين، وإما تفضيله عليهما، وإما الطعن في عثمان، وإن كانت المعتزلة لم تختلف في إمامة أبي بكر وعمر.
وقدماء المعتزلة كعمرو بن عبيد وذويه كانوا منحرفين عن علي حتى كانوا يقولون: لو شهد هو وواحد من مقاتليه شهادة لم نقبلها، لأنه قد فسق أحدهما لا بعينه. فهذا الذي عليه متأخرو الشيعة والمعتزلة خلاف ما عليه أئمة الطائفتين وقدماؤهم" .
كما أخذوا عن الشيعة الرافضة أكثر آرائهم الخاصة بالإمامة.
وعلى هذا فأفكار المعتزلة إنما هي خليط من آراء الفرق المخالفة في عصرهم.
وأفكار المعتزلة يحملها اليوم كل من: الرافضة الإمامية، والزيدية، والإباضية، وكذلك من يسمون بالعقلانيين.
ثالثاً: متكلمة الصفاتية (الكلابية -الأشاعرة -الماتريدية).
1ـ أما الكلابية:
وهم أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان (ت 243هـ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين:
فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها.
والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا.
فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها. ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري وغيرهما.
وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه ثم قيل عن الحارث: إنه رجع عن قوله" .
فهذا النهج الذي أحدثه ابن كلاب هو ما صار يعرف فيما بعد بمنهج متكلمة الصفاتية لأن ابن كلاب كان في طريقته يميل إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن كان في طريقته نوع من البدعة، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله، ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته.
وقد كانت له جهود في الرد على الجهمية ولكنه ناظرهم بطريق قياسية سلم لهم فيها أصولاً هم واضعوها من امتناع تكلمه تعالى بالحروف، وامتناع قيام الصفات الاختيارية بذاته مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك. فأصبح بعد ذلك قدوة وإماماً لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات وناقضوا نفاتها، لكن شاركوهم في بعض أصولهم الفاسدة التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول ومخالفته لسنة الرسول".
فابن كلاب أحدث مذهباً جديداً، فيه ما يوافق السلف وفيه ما يوافق المعتزلة و الجهمية. وبذلك يكون قد أسس مدرسة ثالثة وهي مدرسة «الصفاتية» التي اشتهرت بمذهب الإثبات، لكن في أقوالهم شيء من أصول الجهمية .
وقد سار على هذا النهج القلانسي، والأشعري، والمحاسبي، وغيرهم، وهؤلاء هم سلف الأشعري والأشاعرة القدماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكان أبو محمد بن كلاب هو الأستاذ الذي اقتدى به الأشعري في طريقه هو وأئمة أصحابه، كالحارث المحاسبي، وأبي العباس القلانسي، وأبي سليمان الدمشقي، وأبي حاتم البستي"
فابن كلاب هو إمام الأشعرية الأول، وكان أكثر مخالفة للجهمية، وأقرب إلى السلف من الأشعري .
ولكن هذا النهج الكلابي ابتعد شيئاً فشيئاً عن منهج السلف، وأصبح يقرب أكثر فأكثر إلى نهج المعتزلة وذلك على يد وارثيه من الأشاعرة.
فابن كلاب كما أسلفنا كان أقرب إلى السلف من أبي الحسن الأشعري، وأبو الحسن الأشعري أقرب إلى السلف من القاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي أبو بكر وأمثاله أقرب إلى السلف من أبي المعالي الجويني وأتباعه .
ولهذا يوجد في كلام الرازي والغزالي ونحوهما من الفلسفة مالا يوجد في كلام أبي المعالي الجويني وذويه، ويوجد في كلام الرازي والغزالي والجويني من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقدماء أصحابه، ويوجد في كلام أبي الحسن الأشعري من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد بن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقته.
ويوجد في كلام ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة ما لا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة. وإذا كان الغلط شبراً صار في الأتباع ذراعاً ثم باعاً حتى آل إلى هذا المآل والسعيد من لزم السنة .
وقد تلاشت الكلابية كفرقة، لكن أفكارها حملت بواسطة الأشاعرة، فقد احتفظ الأشعري وقدماء أصحابه بأفكار الكلابية ونشروها، وبذلك اندرست المدرسة الكلابية الأقدم تاريخاً والأسبق ظهوراً في الأشعرية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والكلابية هم مشايخ الأشعرية، فإن أبا الحسن الأشعري إنما اقتدى بطريقة أبي محمد بن كلاب، وابن كلاب كان أقرب إلى السلف زمناً وطريقة. وقد جمع أبو بكر بن فورك (ت406هـ) كلام ابن كلاب والأشعري وبين اتفاقهما في الأصول" .
فالكلابية أسبق في الظهور من الأشاعرة والماتريدية، فقد نشأت الكلابية في منتصف القرن الثالث، وهي أول الفرق الكلامية بعد الجهمية والمعتزلة، فقد توفي ابن كلاب سنة (243هـ).
وفي أول القرن الرابع الهجري نشأت بقية فرق أهل الكلام وهم الأشاعرة المنتسبون إلى أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة (324هـ) والماتريدية: أتباع أبي منصور الماتريدي المتوفى سنة (333هـ) وهي الفرق القائمة حتى زماننا هذا.
2ـ الأشعرية:
يعتبر أبو الحسن الأشعري امتداداً للمذهب الكلابي فأبو الحسن الأشعري الذي عاش في الفترة ما بين (260هـ -324هـ) كان معتزلياً إلى سن الأربعين، حيث عاش في بيت أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في البصرة، ثم رجع عن مذهب المعتزلة وسلك طريقة ابن كلاب وتأثر بها مدة طويلة، ولعل السبب في ذلك أنه وجد في كتب ابن كلاب وكلامه بغيته من الرد على المعتزلة وإظهار فضائحهم وهتك أستارهم، وكان ابن كلاب قد صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم. ولكن فات الأشعري أن ابن كلاب وإن رد على المعتزلة وكشف باطلهم وأثبت لله تعالى الصفات اللازمة، فقد وافقهم في إنكار الصفات الاختيارية التي تتعلق بمشيئته تعالى وقدرته، فنفى كما نفت المعتزلة أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته. كما نفى أيضاً الصفات الاختيارية مثل الرضى، والغضب، والبغض، والسخط وغيرها.
وقد مضى الأشعري في هذا الطور نشيطاً يؤلف ويناظر ويلقى الدروس في الرد على المعتزلة سالكاً هذه الطريقة.
ثم التقى بزكريا بن يحي الساجي فأخذ عنه ما أخذ من أصول أهل
السنة والحديث ، وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى وذلك بآخر أمره.
ولكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول، وبين الانتصار للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام، والصفات الخبرية وغير ذلك .
وقال عنه السجزي: "رجع في الفروع وثبت في الأصول" أي أصول المعتزلة التي بنوا عليها نفي الصفات، مثل دليل الأعراض وغيره .
وقال ابن تيمية: "أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاَّب البصري، وأبو الحسن الأشعري كانا يخالفان المعتزلة ويوافقان أهل السنة في جمل أصول السنة. ولكن لتقصيرهما في علم السنة وتسليمهما للمعتزلة أصولاً فاسدة، صار في مواضع من قوليهما مواضع فيها من قول المعتزلة ما خالفا به السنة، وإن كانا لم يوافقا المعتزلة مطلقاً" .
وقال أيضاً: "والذي كان أئمة السنة ينكرونه على ابن كلاب والأشعري بقايا من التجهم والاعتزال، مثل اعتقاد صحة طريقة الأعراض وتركيب الأجسام، وإنكار اتصاف الله بالأفعال القائمة التي يشاؤها ويختارها، وأمثال ذلك" .
وقد مرت الأشعرية بأطوار ومراحل كان أولها زيادة المادة الكلامية، ثم الجنوح الكبير للمادة الاعتزالية، ثم خلط هذه العقيدة بالمادة الفلسفية.
فالأشعرية المتأخرة مالوا إلى نوع التجهم بل الفلسفة وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه .
فقدماء الأشاعرة يثبتون الصفات الخبرية بالجملة، كأبي الحسن الأشعري وأبي عبد الله بن مجاهد، وأبي الحسن الباهلي والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وأبي بكر بن فورك، وأبي محمد بن اللبان، وأبي علي بن شاذان، وأبي القاسم القشيري، وأبي بكر البيهقي وغير هؤلاء .
لكن المتأخرين من أتباع أبي الحسن الأشعري كأبي المعالي الجويني وغيره لا يثبتون إلا الصفات العقلية، وأما الخبرية فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف فيها كالرازي والآمدي وغيرهما.
ونفاة الصفات الخبرية منهم من يتأول نصوصها ومنهم من يفوض معناها إلى الله تعالى.
وأما من أثبتها كالأشعري وأئمة أصحابه. فهؤلاء يقولون: تأويلها بما يقتضي نفيها تأويل باطل، فلا يكتفون بالتفويض بل يبطلون تأويلات النفاة .
وهذا الاضطراب في العقيدة الأشعرية بين المتقدمين والمتأخرين سببه ما أسلفنا من ميل الأشاعرة بأشعريتهم إلى الإعتزال أكثر فأكثر بل إنهم خلطوا معها الفلسفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالأشعرية وافق بعضهم المعتزلة في الصفات الخبرية، وجمهورهم وافقهم في الصفات الحديثية، وأما الصفات القرآنية فلهم قولان:
فالأشعري والباقلاني وقدماؤهم يثبتونها، وبعضهم يقر ببعضها؛ وفيهم تجهم من جهة أخرى.
فإن الأشعري شرب كلام الجبائي شيخ المعتزلة، ونسبته في الكلام إليه متفق عليها عند أصحابه وغيرهم.
وابن الباقلاني أكثر إثباتاً بعد الأشعري، وبعد ابن الباقلاني ابن فورك، فإنه أثبت بعض ما في القرآن.
وأما الجويني ومن سلك طريقته فمالوا إلى مذهب المعتزلة فإن أبا المعالي كان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم، قليل المعرفة بالآثار، فأثر فيه مجموع الأمرين .
فما إن جاء أبوبكر الباقلاني (ت403هـ)، فتصدى للإمامة في تلك الطريقة وهذبها ووضع لها المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة، وجعل هذه القواعد تبعاً للعقائد الإيمانية من حيث وجوب الإيمان بها وأسهم إلى حد كبير في تنظير المذهب الأشعري الكلامي وتنظيمه مما أدى إلى تشابه منهجي بين المذهب الأشعري والمذهب المعتزلي فقد كان الأشعري يجعل النص هو الأساس والعقل عنده تابع، أما الباقلاني فالعقيدة كلها بجميع مسائلها تدخل في نطاق العقل ويعتبر الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري .
ثم جاء بعده إمام الحرمين الجويني (ت478هـ) فاستخدم الأقيسة المنطقية في تأييد هذه العقيدة، وخالف الباقلاني في كثير من القواعد التي وضعها. وإن كان الجويني قد استفاد أكثر مادته الكلامية من كلام الباقلاني، لكنه مزج أشعريته بشيء من الاعتزال استمده من كلام أبي هاشم الجبائي المعتزلي على مختارات له، وبذلك خرج عن طريقة القاضي وذويه في مواضع إلى طريقة المعتزلة.
وأما كلام أبي الحسن الأشعري فلم يكن يستمد منه، وإنما ينقل كلامه مما يحكيه عنه الناس وعلى طريقة الجويني اعتمد المتأخرون من الأشاعرة، كالغزالي (ت505هـ) وابن الخطيب الرازي (ت606هـ) وخلطوا مع المادة الاعتزالية التي أدخلها الجويني مادة فلسفية، وبذلك ازدادت الأشعرية بعداً وانحرافاً.
فالغزالي مادته الكلامية من كلام شيخه الجويني في "الإرشاد" و"الشامل" ونحوهما مضموماً إلى ما تلقاه من القاضي أبي بكر الباقلاني. ومادته الفلسفية من كلام ابن سينا، ولهذا يقال أبو حامد أمرضه "الشفا"، ومن كلام أصحاب رسائل إخوان الصفا ورسائل أبي حيان التوحيدي ونحو ذلك.
وأما الرازي فمادته الكلامية من كلام أبي المعالي والشهرستاني فإن الشهرستاني أخذه عن الأنصاري النيسابوري عن أبي المعالي، وله مادة اعتزالية قوية من كلام أبي الحسين البصري (ت436هـ)، وفي الفلسفة مادته من كلام ابن سينا والشهرستاني ونحوهما .
والأشعرية الأغلب عليهم أنهم مرجئة في باب الأسماء والأحكام وجبرية في باب القدر، وأما الصفات فليسوا جهمية محضة بل فيهم نوع من التجهم، ولا يرون الخروج على الأئمة بالسيف موافقة لأهل الحديث وهم في الجملة أقرب المتكلمين إلى أهل السنة والحديث .
وهناك عدة عوامل أدت إلى انتشار الأشعرية واشتهارها لعل من أبرزها ما يلي:
أولاً: نشأةُ المذهب في "بغداد" التي كانت حاضرة الخلافة العباسية ومحط أنظار طلاب العلم الذين كانوا يفدون إليها من شتى الأقطار، فهذا العامل أدى بدوره إلى تبني البعض للمذهب الأشعري والسعي لنشره في الأقطار الأخرى بسبب تواجد كثير من أعيان المذهب الأشعري في بغداد في ذلك الحين.
ثانياً: التقارب الذي كان موجوداً بين الأشعرية والحنبلية وما نفقت الأشعرية وراجت إلا بتوالفها مع الحنبلية. ولولا ذلك لكان مصيرها مصير المعتزلة الذين كان للحنابلة دور كبير في مقاومتهم والرد عليهم. وقد كان بين الأشعرية والحنبلية شيء من التوالف والمسالمة وكانوا قديما متقاربين.
فإن أبا الحسن الأشعري ما كان ينتسب إلا إلى مذهب أهل الحديث، وإمامهم عنده أحمد بن حنبل، وكان عداده في متكلمي أهل الحديث.
والأشعرية فيما يثبتونه من السنة فرع على الحنبلية كما أن متكلمة الحنبلية فيما يحتجون به من القياس العقلي فرع عليهم.
وإنما وقعت الفرقة بسبب فتنة القشيري وكان تلميذاً لابن فورك الذي كان من أشعرية خراسان الذين انحرفوا إلى التعطيل، فلما صنف القاضي أبو يعلى الحنبلي كتابه «إبطال التأويلات» رد فيه على ابن فورك شيخ القشيري وكان الخليفة وغيره مائلين إليه. فلما صار للقشيرية دولة بسبب السلاجقة جرت تلك الفتنة .
ثالثاً: انتساب بعض الأمراء والوزراء للمذهب الأشعري وتبنيهم له ومن أبرزهم:
أـ الوزير نظام الملك الذي تولى الوزارة لسلاطين السلاجقة فتولى الوزارة لألب أرسلان وملكشاه مدة ثلاثين سنة وذلك من سنة (455هـ إلى 485هـ).
وفي عهده أنشئت المدارس النظامية نسبة إليه وذلك في عدة مدن منها البصرة، وأصفهان، وبلخ، وهراة، ومرو، والموصل، وأهمها وأكبرها المدرسة النظامية في نيسابور وبغداد.
وكان نظام الملك معظماً للصوفية والأشعرية، إذ كان هؤلاء الذين يلقون الدروس في هذه المدارس، فكان لذلك دوره الكبير في نشر أصول العقيدة الأشعرية .
ب- المهدي بن تومرت (524هـ) صاحب دولة الموحدين واسمه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت، الذي تلقب بالمهدي، وكان قد ظهر في المغرب في أوائل المائة الخامسة، وكان قد دخل إلى بلاد العراق، وتعلم طرفاً من العلم، وكان فيه طرف من الزهد والعبادة، ولما رجع إلى المغرب صعد إلى جبال المغرب ونشر دعوته بين أناس من البربر وغيرهم من الجهال الذي لا يعرفون من دين الإسلام إلا ما شاء الله فعلمهم بعض شرائع الإسلام واستجاز أن يظهر لهم أنواعاً من المخاريق ليدعوهم بها إلى الدين، وادعى أنه المهدي الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعظم اعتقاد أتباعه فيه، واستحلوا بسبب ما علمهم من المعتقد الأشعري والفلسفي دماء ألوف مؤلفة من أهل المغرب المالكية الذين كانوا على معتقد أهل السنة واتهموهم زوراً وبهتاناً أنهم مشبهة مجسمة ولم يكونوا من أهل هذه المقالة .
فكان ابن تومرت هو السبب في إدخال العقيدة الأشعرية في بلاد المغرب التي كانت قبل ذلك سنية سلفية فحسبنا الله ونعم الوكيل.
جـ- صلاح الدين الأيوبي، وكان صلاح الدين الأيوبي أشعرياً، فقد حفظ في صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوريى ...-[size=24]يتبع لكتاب
2


عدل سابقا من قبل Hamykaly في الأحد 7 مارس 2010 - 0:21 عدل 3 مرات (السبب : تعديل)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://hamykaly113.skyrock.com
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: المتابعة 2   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 22:28

والأشاعرة يخالفون أهل السنة في الكثير من مسائل الاعتقاد.
ومنها على سبيل المثال:
1ـ أن مصدر التلقي عندهم في قضايا الإلهيات (أي التوحيد) والنبوات هو العقل وحده، فهم يقسمون أبواب العقيدة إلى ثلاثة أبواب: إلهيات، نبوات، سمعيات، ويقصدون بالسمعيات ما يتعلق بمسائل اليوم الآخر من البعث والحشر والجنة والنار وغير ذلك.
وسموها سمعيات لأن مصدرها عندهم النصوص الشرعية وأما ما عداها أي الإلهيات والنبوات فمصدرهم فيها العقل.
2ـ زعمهم أن الإيمان هو مجرد التصديق، فأخرجوا العمل من مسمى الإيمان.
3ـ بناءً على تعريفهم للإيمان فقد أخرجوا توحيد الألوهية من تقسيمهم للتوحيد، فالتوحيد عندهم هو أن الله واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في أفعاله لا شريك له، وواحد في صفاته لا نظير له. وهذا التعريف خلا من الإشارة إلى توحيد الألوهية، فلذلك فإن أي مجتمع أشعري تجد فيه توحيد الإلهية مختلاً، وسوق الشرك والبدعة رائجة لأن الناس لم يعلّموا أن الله واحد في عبادته لا شريك له.
4ـ وبناءً كذلك على تعريفهم للإيمان فقد أخرجوا الاتباع من تعريفهم للإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم فحصروا الإيمان بالنبي في الأمور التصديقية فقط، ومن أجل ذلك انتشرت البدع في المجتمعات الأشعرية.
5ـ خالفوا أهل السنة في أسماء الله وصفاته وهذا سيأتي بيانه.
6ـ خالفوا أهل السنة في باب القدر، فقولهم موافق لقول الجبرية.
7ـ خالفوا أهل السنة في مسألة رؤية الله من جهة كونهم يقولون يرى لا في مكان.
8ـ خالفوا أهل السنة في مسألة الكلام، فهم لا يثبتون صفة الكلام على حقيقتها بل يقولون بالكلام النفسي. إلى غير ذلك من أنواع المخالفات.
3ـ الماتريدية:
تعد الماتريدية شقيقة الأشعرية، وذلك لما بينهما من الائتلاف والاتفاق حتى لكأنهما فرقة واحدة، ويصعب التفريق بينهما. ولذلك يصرح كل من الأشاعرة والماتريدية بأن كلاً من أبى الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي هما إماما أهل السنة على حد تعبيرهم .
ولعل هذا التوافق مع كونه يرجع إلى سبب رئيسي وهو توافق أفكار الفرقتين وقلة المسائل الخلافية بينهما وخاصة مع الأشعرية المتأخرة، إلا أن هناك أسباب مهمة يرجع إليها ويجب اعتبارها وأخذها في الحسبان ولعل أهمها التزامن في نشأة الفرقتين مع كون كل فرقة استقلت بأماكن نفوذ لم تنازعها فيها الفرقة الأخرى. فالماتريدية انتشرت بين الأحناف الذين كانوا متواجدين في شرق العالم الإسلامي وشماله فقل أن تجد حنفياً على عقيدة الأشاعرة إلا ما ذكر من أن أبا جعفر السمناني -وهو حنفي- كان أشعرياً.
بينما نجد الأشعرية قد انتشرت بين الشافعية والمالكية وهم اليوم يتواجدون في وسط وغرب وجنوب وجنوب شرق العالم الإسلامي، فجل الشافعية والمالكية على الأشعرية. ولست اعني بذلك عوامهم وإنما الطبقة المثقفة منهم.
والماتريدية تنسب إلى أبي منصور محمد بن محمد بن محمود بن محمد الماتريدي المتوفى سنة (333هـ) كان معدوداً في فقهاء الحنفية، وكان صاحب جدل وكلام ولم يكن له دراية بالسنن والآثار ، وقد نهج منهجاً كلامياً في تقرير العقيدة يشابه إلى حد كبير منهج متأخري الأشاعرة، وعداده في أهل الكلام من الصفاتية من أمثال ابن كلاب وأبي الحسن الأشعري وأمثالهما. وقد تابع الماتريدي ابن كلاب في مسائل متعددة من مسائل الصفات وما يتعلق بها .
ومن المعلوم أن الأحناف وأهل المشرق عموماً كانوا من أسبق الناس تأثراً بعلم الكلام، فقد كانت بداية الجهم من تلك الجهات، وفي هذا يقول الإمام أحمد في معرض كلامه عن الجهم: "وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ..." .
فبشر بن غياث المريسي (228هـ) والقاضي أحمد بن أبي دؤاد (240هـ) وغيرهما كانوا من الأحناف، فلا غرابة أن يكون الماتريدي الحنفي من أولئك الذين ناصروا علم الكلام وسعوا في تأسيسه وتقعيده، إلى أن أصبح علماً من أعلامه وصاحب إحدى مدارس الكلام التي صارت فيما بعد تعرف باسمه.
فالماتريدي لا يبعد كثيراً عن أبي الحسن الأشعري (في طوره الثاني) فهو خصم لَدُود للمعتزلة، إلا أنه كان متأثراً بالمنهج الكلامي على طريقة ابن كلاب من الاعتماد على المناهج الكلامية في تقرير المسائل الاعتقادية شأنه في ذلك شأن أبي الحسن الأشعري، فكلاهما يعتبر امتداداً لمدرسة ابن كلاب التي عرفت كمدرسة ثالثة بعد أن كان الخلاف دائراً بين أهل السنة والجماعة من جهة، والجهمية والمعتزلة من جهة أخرى، فجاء ابن كلاب وأحدث منهجاً ثالثاً حاول فيه التلفيق بين النصوص الشرعية والمناهج الكلامية كما سبق الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن الكلابية.
فالمذهب الكلابي كان له وجوده في العراق والري وخراسان وكان له انتشار في بلاد ما وراء النهر التي كانت تغص بمختلف الطوائف والفرق .
ولم تتعرض الماتريدية للتطور الذي حصل على العقيدة الأشعرية والذي سبق بيانه في الحديث عن الأشعرية فالماتريدية بقيت على ما كانت عليه.


المبحث الثاني: درجات تعطيلهم.

المطلب الأول
درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عموماً
من سبر أقوال أهل التعطيل يجدها من حيث العموم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: نفي جميع الأسماء والصفات.
وهذا قول الجهمية أتباع جهم بن صفوان ، والفلاسفة، سواء كانوا أصحاب فلسفة محضة كالفارابي ، أو فلسفة باطنية إسماعيلية قرمطية كابن سينا ، أو فلسفة صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: " والتحقيق أن التجهم المحض وهو نفي الأسماء والصفات، كما يُحكي عن جهم والغالية من الملاحدة ونحوهم من نفي أسماء الله الحسنى، كفر بين مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول "
القسم الثاني: نفي الصفات دون الأسماء.
وهذا قول المعتزلة، ووافقهم عليه ابن حزم الظاهري ، والزيدية، والرافضة الإمامية، والإباضية. فالمعتزلة يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه.
يقول ابن المرتضى المعتزلي: " فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم مُحدثاً قديماً قادراً عالماً حياًّ لا لمعان....." .
القسم الثالث: إثبات الأسماء وبعض الصفات ونفي البعض الآخر.
وهذا قول الكلابية والأشاعرة والماتريدية.
فالكلابية وقدماء الأشاعرة: يثبتون الأسماء والصفات ما عدا الصفات الاختيارية (أي التي تتعلق بمشيئته واختياره) فهم إما يؤولونها أو يثبتونها على اعتبار أنها أزلية وذلك خوفاً منهم على حد زعمهم من حلول الحوادث بذات الله أو يجعلونها من صفات الفعل المنفصلة عن الله التي لا تقوم به .
وأما الأشاعرة المتأخرون ومعهم الماتريدية، فهم يثبتون الأسماء وسبعاً من الصفات هي (الحياة، العلم، القدرة، السمع، البصر، الإرادة، الكلام) ويزيد بعض الماتريدية صفة ثامنة هي (التكوين) وينفون باقي الصفات ويؤولون النصوص الواردة فيها ويحرفون معانيها.

المطلب الثاني
درجات تعطيلهم في باب الأسماء الحسنى.
القول الأول: من يقول إن الله لا يسمى بشيء.
وهذا قول الجهمية أتباع جهم بن صفوان، والغالية من الملاحدة كالقرامطة الباطنية والفلاسفة.
وهؤلاء المعطلة لهم في تعطيلهم لأسماء الله أربعة مسالك هي:
المسلك الأول: الاقتصار على نفي الإثبات فقالوا: لا يسمى بإثبات.
المسلك الثاني: أنه لا يسمى بإثبات ولا نفي.
المسلك الثالث: السكوت عن الأمرين الإثبات والنفي.
المسلك الرابع: تصويب جميع الأقوال بالرغم من تناقضها.
فهذا الصنف من المعطلة اتفقوا على إنكار الأسماء جميعها، ولكن تنوعت مسالكهم في الإنكار.
1ـ فأصحاب المسلك الأول: اقتصروا على قولهم: بأنه ليس له اسم كالحي والعليم ونحو ذلك. وشبهتهم في ذلك:
أ- أنه إذا كان له اسم من هذه الأسماء لزم أن يكون متصفا بمعنى الاسم كالحياة والعلم، فإن صدق المشتق -أي الاسم كالعليم- مستلزم لصدق المشتق منه -أي الصفة كالعلم- وذلك محال عندهم.
ب- ولأنه إذا سمي بهذه الأسماء فهي مما يسمى به غيره. والله منـزه عن مشابهة الغير .
فهؤلاء المعطلة المحضة -نفاة الأسماء- يسمون من سمى الله بأسمائه الحسنى مشبهاً. فيقولون: إذا قلنا حي عليم فقد شبهناه بغيره من الأحياء العالمين وكذلك إذا قلنا هو سميع بصير فقد شبهناه بالإنسان السميع البصير، وإذا قلنا رؤوف رحيم فقد شبهناه بالنبي الرؤوف الرحيم، بل قالوا إذا قلنا موجود فقد شبهناه بسائر الموجودات لاشتراكهما في مسمى الوجود .
وهذا المسلك ينسب لجهم بن صفوان، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية: " جهم كان ينكر أسماء الله تعالى فلا يسميه شيئاً لا حيا ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز " وهو قول الباطنية من الفلاسفة والقرامطة فهم يقولون لا نسميه حيًّا ولا عالماً ولا قادراً ولا متكلماً إلا مجازاً بمعنى السلب والإضافة: أي هو ليس بجاهل ولا عاجز وهذا كذلك قول ابن سينا وأمثاله .
2ـ وأما أصحاب المسلك الثاني: فقد زادوا في الغلو فقالوا: لا يسمى بإثبات ولا نفي، ولا يقال موجود ولا لا موجود ولا حي ولا لاحي. لأن في الإثبات تشبيهاً بالموجودات، وفي النفي تشبيهاً له بالمعدومات. وكل ذلك تشبيه. وهذا المسلك ينسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية والمتفلسفة .
3ـ وأما أصحاب المسلك الثالث فيقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول ليس بموجود ولا معدوم، ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم.
ومن الناس من يحكى هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه .
وأصحاب هذا المسلك هم المتجاهلة اللاأدرية.
وأصحاب المسلك الثاني هم المتجاهلة الواقفة الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي.
وأصحاب المسلك الأول هم المكذبة النفاة.
والملاحظ أن كل فريق من هؤلاء يهدم ما بناه من قبله فلما اقتصر أصحاب المسلك الأول على النفي وامتنعوا عن الإثبات بحجة أن في الإثبات تشبيهاً له بالموجودات جاء أصحاب المسلك الثاني فزادوا في الغلو وزعموا أن في النفي كذلك تشبيهاً له بالجمادات فمنعوا النفي أيضا ثم جاء أصحاب المسلك الثالث فاتهموا أصحاب المسلك الثاني بأنهم شبهوه بالممتنعات لأن قولهم يقوم على نفي النقيضين وهذا ممتنع.
4ـ وهناك مسلك رابع: وهو مسلك أصحاب وحدة الوجود الذين يعطون أسماءه سبحانه لكل شيء في الوجود، إذ كان وجود الأشياء عندهم هو عين وجوده ما ثمت فرق إلا بالإطلاق والتقييد .
وهذا منتهى قول طوائف المعطلة وغاية ما عندهم في الإثبات قولهم هو: (وجود مطلق) أي وجود خيالي في الذهن، أو وجود مقيد بالأمور السلبية .
القول الثاني: أن الله يسمى باسمين فقط هما: "الخالق" و "القادر".
وهذا القول منسوب للجهم بن صفوان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان الجهم وأمثاله يقولون: إن الله ليس بشيء، وروى عنه أنه قال: لا يسمى باسم يسمى به الخلق، فلم يسمه إلا "بالخالق" و"القادر" لأنه كان جبريا يرى أن العبد لا قدرة له" .
وقال رحمه الله: "ولهذا نقلوا عن جهم أنه لا يسمي الله بشيء، ونقلوا عنه أنه لا يسميه باسم من الأسماء التي يسمى بها الخلق: كالحي، والعالم، والسميع، والبصير، بل يسميه قادراً خالقاً، لأن العبد عنده ليس بقادر، إذ كان هو رأس الجهمية الجبرية " .
القول الثالث: إثبات الأسماء مجردة عن الصفات.
وهذا قول المعتزلة ووافقهم عليه ابن حزم الظاهري. وتبع المعتزلة على ذلك الزيدية، والرافضة الإمامية، وبعض الخوارج.
فالمعتزلة يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه.
يقول ابن المرتضى المعتزلي: "فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم مُحدثاً قديماً، قادراً، عالماً، حياًّ لا لمعان" .
وابن حزم وافق المعتزلة في ذلك فهو يرى أن الأسماء الحسنى كالحي، والعليم، والقدير، بمنـزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم، ولا قدرة، وقال: "لا فرق بين الحي وبين العليم في المعنى أصلاً" .
والمعتزلة لهم في نفيهم لتضمن الأسماء للصفات مسلكان:
المسلك الأول: من جعل الأسماء كالأعلام المحضة المترادفة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قائم به. فهم بذلك ينظرون إلى هذه الأسماء على أنها أعلام محضة لا تدل على صفة. و(المحضة) الخاصة الخالية من الدلالة على شيء آخر، فهم يقولون: إن العليم والخبير والسميع ونحو ذلك أعلام لله ليست دالة على أوصاف، وهي بالنسبة إلى دلالتها على ذات واحدة هي مترادفة، وذلك مثل تسميتك ذاتاً واحدة (بزيد وعمرو ومحمد وعلي) فهذه الأسماء مترادفة وهي أعلام خالصة لا تدل على صفة لهذه الذات المسماة بها .
والمسلك الثاني: من يقول منهم إن كل عَلَم منها مستقل، فالله يسمى عليماً وقديراً، وليست هذه الأسماء مترادفة، ولكن ليس معنى ذلك أن هناك حياة أو قدرة ولذلك يقولون عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر.
القول الرابع: إثبات الأسماء الحسنى مع إثبات معاني البعض وتحريف معاني البعض الآخر.
وهذا قول الكلابية والأشاعرة والماتريدية.
فهؤلاء وإن كانوا يوافقون أهل السنة والجماعة في إثبات ألفاظ الأسماء الحسنى لكنهم يخالفونهم في إثبات بعض معاني تلك الأسماء.
فمن المعلوم أن كل اسم من أسماء الله متضمن لصفة. وللكلابية والأشاعرة والماتريدية قول في الصفات يخالف قول أهل السنة والجماعة. فالكلابية وقدماء الأشاعرة ينفون صفات الأفعال الاختيارية وبالتالي لا يثبتون الصفات التي تضمنتها الأسماء إذا كانت من هذا القبيل كالخالق والرزاق ونحوها، على تفصيل سيأتي ذكره عند الحديث عن موقفهم من الصفات.
وأما المتأخرون من الأشاعرة ومعهم الماتريدية، فإنهم لا يثبتون من الصفات سوى سبع صفات هي (العلم، القدرة، الحياة، السمع، البصر، الإرادة، الكلام) ويزيد بعض الماتريدية صفة ثامنة هي (التكوين). فالاسم عندهم إن دل على ما أثبتوه من الصفات، أثبتوا ما دل عليه من المعنى، وإن كان دالاً على خلاف ما أثبتوه صرفوه عن حقيقته وحرفوا معناه.
ومعلوم أنه لم يرد في باب الأسماء من تلك الصفات التي ذكروها إلا خمسة فقط وهي (العليم) و (القدير) و (الحي) و(السميع) و(البصير) فهذه الخمسة يثبتون معانيها، وإن كان هناك من يرجع صفتي (السمع) و(البصر) إلى (العلم)، ولكن جمهورهم على خلاف ذلك .
وأما بقية الأسماء التي لا تتفق مع ما أثبتوه من الصفات، فإنهم لا يثبتون ما دلت عليه من المعاني، بل يحرفونها كتحريفهم لمعنى (الرحمة) في اسمه (الرحمن) إلى إرادة الثواب أو إرادة (الإنعام)، و(الود) في (الودود) بـ(إرادة إيصال الخير) .

المطلب الثالث
درجات تعطيلهم في باب صفات الله تعالى.
القول الأول: نفاة جميع الصفات
وهذا قول الغلاة من المعطلة، ومنهم الجهمية أتباع جهم والفلاسفة سواء كانوا أهل فلسفة محضة كالفارابي أو فلسفة باطنية رافضية إسماعيلية كابن سينا وإخوان الصفا أو فلسفة صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين.
وهذا القول بنفي الصفات هو قول المعتزلة ومن تبعهم كالزيدية والرافضة الإمامية والخوارج الإباضية وكذلك هو قول النجارية والضرارية.
فهؤلاء جميعاً لا يثبتون الصفات لله تعالى، وقد تنوعت أساليب تعطيلهم وطرق إنكارهم لها، ويمكن تصنيفهم إلى صنفين:
1ـ غلاة المعطلة
2ـ المعتزلة ومن وافقهم.
1ـ فغلاة المعطلة: يمنعون الإثبات بأي حال من الأحوال ولهم في النفي درجات:
الدرجة الأولى: درجة المكذبة النفاة.
وهي التي عليها الجهمية وطائفة من الفلاسفة وهو كذلك قول ابن سينا وأمثاله .
فهم يصفون الله بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون له إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان فهؤلاء وصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات .
الدرجة الثانية: المتجاهلة الواقفة.
الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي، وهذه الدرجة تنسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية المتفلسفة .
فهؤلاء هم غلاة الغلاة لأنهم يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود، ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بداهة العقول؛ وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقعوا في شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين، كلاهما من الممتنعات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، بل قالوا لا يوصف بالإيجاب ولا بالسلب، فلا يقال حي عالم ولا ليس بحي عالم، ولا يقال هو عليم قدير ولا يقال ليس بقدير عليم، ولا يقال هو متكلم مريد، ولا يقال ليس بمتكلم مريد، قالوا لأن في الإثبات تشبيهاً بما تثبت له هذه الصفات، وفي النفي تشبيه له بما ينفي عنه هذه الصفات " .
الدرجة الثالثة: المتجاهلة اللاأدرية.
الذين يقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول: ليس بموجود ولا معدوم ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم.
ومن الناس من يحكي نحو هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه .
الدرجة الرابعة: أهل وحدة الوجود
الذين لا يميزون الخالق بصفات تميزه عن المخلوق، ويقولون بأن وجود الخالق هو وجود المخلوق. فعلى سبيل المثال هم يقولون بأن الله هو المتكلم بكل ما يوجد من الكلام وفي ذلك يقول ابن عربي:
ألا كل قول في الوجود كلامه *** سواء علينا نثره ونظامه
يعم به أسماع كل مكون *** فمنه إليه بدؤه وختامه

فيزعمون أنه هو المتكلم على لسان كل قائل. ولا فرق عندهم بين قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [ النازعات 24 ]و {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص 28] وبين القول الذي يسمعه موسى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [ طه 14]. بل يقولون: إنه الناطق في كل شيء، فلا يتكلم إلا هو، ولا يسمع إلا هو، حتى قول مسيلمة الكذاب، والدجال، وفرعون، يصرحون بأن أقوالهم هي قوله" .
وهذا قول أصحاب وحدة الوجود كابن عربي، وابن سبعين وابن الفارض، والعفيف التلمساني.
وأصل مذهبهم: أن كل واحد من وجود الحق، وثبوت الخلق يساوى الآخر ويفتقر إليه، وفي هذا يقول ابن عربي:
فيعبدني وأعبده *** ويحمدني وأحمده

ويقول: إن الحق يتصف بجميع صفات العبد المحدثات، وإن المحدث يتصف بجميع صفات الرب، وإنهما شيء واحد إذ لا فرق في الحقيقة بين الوجود والثبوت. فهو الموصوف عندهم بجميع صفات النقص والذم والكفر والفواحش والكذب والجهل، كما هو الموصوف عندهم بصفات المجد والكمال فهو العالم والجاهل، والبصير والأعمى، والمؤمن والكافر، والناكح والمنكوح، والصحيح والمريض، والداعي والمجيب، والمتكلم والمستمع، وهو عندهم هوية العالم ليس له حقيقة مباينة للعالم، وقد يقولون لا هو العالم ولا غيره، وقد يقولون: هو العالم أيضا وهو غيره، وأمثال هذه المقالات التي يجمع فيها في المعنى بين النقيضين مع سلب النقيضين .
وهؤلاء الاتحادية يجمعون بين النفي العام والإثبات العام فعندهم أن ذاته لا يمكن أن ترى بحال وليس له اسم ولا صفة ولا نعت، إذ هو الوجود المطلق الذي لا يتعين، وهو من هذه الجهة لا يرى ولا اسم له.
ويقولون: إنه يظهر في الصور كلها، وهذا عندهم هو الوجود الاسمي لا الذاتي، ومن هذه الجهة فهو يرى في كل شيء، ويتجلى في كل موجود، لكنه لا يمكن أن ترى نفسه، بل تارة يقولون كما يقول ابن عربي: ترى الأشياء فيه، وتارة يقولون يرى هو في الأشياء وهو تجليه في الصور، وتارة يقولون كما يقول ابن سبعين:
عين ما ترى ذات لا ترى *** وذات لا ترى عين ما ترى

وهم مضطربون لأن ما جعلوه هو الذات عدم محض، إذ المطلق لا وجود له في الخارج مطلقاً بلا ريب، لم يبق إلا ما سموه مظاهر ومجالي، فيكون الخالق عين المخلوقات لا سواها، وهم معترفون بالحيرة والتناقض مع ما هم فيه من التعطيل والجحود .
وفي هذا يقول ابن عربي:
فإن قلت بالتنـزيه كنت مقيداً *** وإن قلت بالتشبيه كنت محدداً
وإن قلت بالأمرين كنت مسدداً *** وكنت إماماً في المعارف سيداً
فمن قال بالإشفاع كان مشركاً *** ومن قال بالإفراد كان موحداً
فإياك والتشبيه إن كنت ثانياً *** وإياك والتنـزيه إن كنت مفرداً
فما أنت هو بل أنت هو وتراه *** في عين الأمور مسرحا ومقيداً

خلاصة أقوال غلاة المعطلة:
كلام غلاة المعطلة المتقدم ذكره يدور على أحد أصلين:
1ـ الأصل الأول:
النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه، بأن جعلوا الحق لا وجود له، ولا حقيقة له في الخارج أصلاً وإنما هو أمر مطلق في الأذهان. وهذا الذي عليه المكذبة النفاة، والمتجاهلة الواقفة، والمتجاهلة اللاأدرية.
2ـ الأصل الثاني:
أن يجعلوا الحق عين وجود المخلوقات، فلا يكون للمخلوقات خالق غيرها أصلاً، ولا يكون رب كل شيء ولا مليكه. وهذا الذي عليه حال أهل وحدة الوجود الاتحادية في أحد حاليهم فهذا حقيقة قول القوم وإن كان بعضهم لا يشعر بذلك.
ولذلك كان الغلاة من القرامطة والباطنية والفلاسفة والاتحادية نسخة للجهمية الذين تكلم فيهم السلف والأئمة، مع كون أولئك كانوا أقرب إلى الإسلام. فقد كان كلام الجهمية يدور أيضاً على هذين الأصلين فهم يظهرون للناس والعامة أن الله بذاته موجود في كل مكان، أو يعتقدون ذلك.
وعند التحقيق يصفونه بالسلب الذي يستوجب عدمه كقولهم: ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايث، ولا متصل به ولا منفصل عنه، وأشباه هذه السلوب.
فكلام أول الجهمية وآخرهم يدور على هذين الأصلين:
1ـ إما النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه.
2ـ وإما الإثبات الذي يقتضي أنه هو المخلوقات. أو جزء منها أو صفة لها.
وكثير منهم يجمع بين هذا النفي وهذا الإثبات المتناقضين، وإذا حوقق في ذلك قال: ذاك السلب مقتضى نظري. وهذا الإثبات مقتضى شهودي وذوقي. ومعلوم أن العقل والذوق إذا تناقضا لزم بطلانهما أو بطلان أحدهما
وهذا حال الجهمية دائماً يترددون بين هذا النفي العام المطلق، وهذا الإثبات العام المطلق، وهم في كليهما حائرون ضالون لا يعرفون الرب الذي أمروا بعبادته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والجهمية نفاة الصفات تارة يقولون بما يستلزم الحلول والاتحاد، أو يصرحون بذلك. وتارة بما يستلزم الجحود والتعطيل، فنفاتهم لا يعبدون شيئاً، ومثبتتهم يعبدون كل شيء" .
ولا ريب أن هؤلاء المعطلة بصنيعهم هذا قد أعرضوا عن أسمائه وصفاته وآياته وصاروا جهالاً به، كافرين به، غافلين عن ذكره، موتى القلوب عن معرفته ومحبته وعبادته، وهذا هو غاية القرامطة الباطنية والمعطلة الدهرية أنهم يبقون في ظلمة الجهل وضلال الكفر، لا يعرفون الله ولا يذكرونه .
2ـ المعتزلة ومن وافقهم:
المعتزلة ومعهم النجارية، والضرارية، والرافضة، الإمامية، والزيدية، والإباضية وغيرهم. وهؤلاء مشتركون مع الجهمية والفلاسفة في نفي الصفات وإن كان بين الفلاسفة والمعتزلة نوع فرق فالمعتزلة تجمع على غاية واحدة وهي نفي إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنها. ولكنهم سلكوا طريقين في موقفهم من الصفات.
الطريق الأول: الذي عليه أغلبيتهم وهو نفيها صراحة فقالوا: إن الله عالم بذاته لا بعلم وهكذا في باقي الصفات.
والطريق الثاني: الذي عليه بعضهم وهو إثباتها اسماً ونفيها فعلاً فقالوا: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته وهكذا بقية الصفات، فكان مجتمعاً مع الرأي الأول في الغاية وهي نفي الصفات.
والمقصود بنفي الصفات عندهم: هو نفي إثباتها حقيقة في الذات ومتميزة عنها، وذلك أنهم يجعلونها عين الذات فالله عالم بذاته بدون علم أو عالم بعلم وعلمه ذاته .
وهناك آراء أخرى للمعتزلة لكنها تجتمع في الغاية مع الرأيين الأولين، وهو التخلص من إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنها .
وهذه الآراء للمعتزلة حملها عنهم الزيدية، والرافضة الإمامية والإباضية. وابن تومرت ، وابن حزم .
فالمعتزلة يرون امتناع قيام الصفات به، لاعتقادهم أن الصفات أعراض، وأن قيام العرض به يقتضي حدوثه فقالوا حينئذ إن القرآن مخلوق، وإنه ليس لله مشيئة قائمة به، ولا حب ولا بغض ونحو ذلك.
وردوا جميع ما يضاف إلى الله إلى إضافة خلق، أو إضافة وصف من غير قيام معنى به .
النجارية:
وهم أتباع حسين بن محمد بن عبد الله النجار المتوفى سنة (220هجرية) تقريباً. وكان يزعم أن الله سبحانه لم يزل جواداً بنفي البخل عنه، وأنه لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل غير عاجز عن الكلام، وأن كلام الله سبحانه محدث مخلوق، وكان يقول بقول المعتزلة في التوحيد، إلا في باب الإرادة والجود، وكان يخالفهم في القدر ويقول بالإرجاء .
الضرارية:
وهم أتباع ضرار بن عمرو الغطفاني المتوفى سنة (190هجرية) تقريباً، وكان يزعم أن معنى أن الله عالم قادر أنه ليس بجاهل ولا عاجز، وكذلك كان يقول في سائر صفات الباري لنفسه .
فكل من النجارية والضرارية يحملون النصوص الثبوتية على المعاني السلبية، كما قال البغدادي عنهم: "من غير إثبات معنى أو فائدة سوى نفي الوصف بنقيض تلك الأوصاف عنه" .
وكان الجهمية والمعتزلة والنجارية والضرارية هم خصوم أهل السنة زمن فتنة القول بخلق القرآن .
القول الثاني: نفي الصفات الاختيارية المتعلقة بالمشيئة.
وهو قول الكلابية: أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب،وقول الحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري في طوره الثاني، وقدماء الأشاعرة كأبي الحسن الطبري، والباقلاني، وابن فورك، وأبي جعفر السمناني ومن تأثر بهم من الحنابلة كالقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وأبي الحسن بن الزاغوني، والتميميين وغيرهم .
وهؤلاء يسمّون الصفاتية لأنهم يثبتون صفات الله تعالى خلافاً للمعتزلة، لكنهم لم يثبتوا لله أفعالاً تقوم به تتعلق بمشيئته وقدرته، بل ولا غير الأفعال مما يتعلق بمشيئته وقدرته .
وأصلهم الذي أصلوه في هذا أن الله لا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته لا فعل ولا غير فعل .
والفرق بينهم وبين المعتزلة:
أن المعتزلة تقول: (لا تحله الأعراض والحوادث) فالمعتزلة لا يريدون [بالأعراض] الأمراض والآفات فقط، بل يريدون بذلك الصفات. ولا يريدون [بالحوادث] المخلوقات، ولا الأحداث المحيلة للمحل ونحو ذلك -مما يريده الناس بلفظ الحوادث- بل يريدون نفي ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها فلا يجوزون أن يقوم به خلق، ولا استواء، ولا إتيان، ولا مجيء، ولا تكليم، ولا مناداة، ولا مناجاة، ولا غير ذلك مما وصف بأنه مريد له قادر عليه.
ولكن ابن كلاب ومن وافقه خالفوا المعتزلة في قولهم: "لا تقوم به الأعراض" وقالوا: "تقوم به الصفات ولكن لا تسمى أعراضاً".
ووافقوا المعتزلة على ما أرادوا بقولهم: لا تقوم به الحوادث من أنه لا يقوم به أمر من الأمور المتعلقة بمشيئته .
ففرقوا بين الأعراض -أي الصفات- والحوادث -أي الأمور المتعلقة بالمشيئة .
فالكلابية ومن تبعهم ينفون صفات أفعاله ، ويقولون: "لو قامت به لكان محلاً للحوادث. والحادث إن أوجب له كمالاً فقد عدمه قبله وهو نقص، وإن لم يوجب له كمالاً لم يجز وصفه به .
ولتوضيح قولهم نقول: إن المضافات إلى الله سبحانه في الكتاب والسنة لا تخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها: إضافة الصفة إلى الموصوف
كقوله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} [البقرة 255]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات 58]، فهذا القسم يثبته الكلابية ولا يخالفون فيه أهل السنة، وينكره المعتزلة.
والقسم الثاني: إضافة المخلوق.
كقوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس 13]، وقوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج 26]، وهذا القسم لا خلاف بين المسلمين في أنه مخلوق.
والقسم الثالث: -وهو محل الكلام هنا- ما فيه معنى الصفة والفعل.
كقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء 164]، وقوله تعالى: {إنّ الله يَحكمُ ما يُريد} [المائدة 1]، وقوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغضبٍ على غَضَب} [البقرة 90].
فهذا القسم الثالث لا يثبته الكلابية ومن وافقهم على زعم أن الحوادث لا تحل بذاته. فهو على هذا يلحق عندهم بأحد القسمين قبله فيكون:
1ـ إما قديماً قائماً به.
2ـ وإما مخلوقاً منفصلاً عنه.
ويمتنع عندهم أن يقوم به نعت أو حال أو فعل ليس بقديم ويسمون هذه المسألة: (مسألة حلول الحوادث بذاته) وذلك مثل صفات الكلام، والرضا، والغضب، والفرح، والمجيء، والنـزول والإتيان، وغيرها. وبالتالي هم يؤولون النصوص الواردة في ذلك على أحد الوجوه التالية:
1ـ إرجاعها إلى الصفات الذاتية واعتبارها منها، فيجعلون جميع تلك الصفات قديمة أزلية، ويقولون: نزوله، ومجيئه وإتيانه، وفرحه، وغضبه، ورضاه، ونحو ذلك: قديم أزلي وهذه الصفات جميعها صفات ذاتية لله، وإنها قديمة أزلية لا تتعلق بمشيئته واختياره .
2ـ وإما أن يجعلوها من باب "النسب" و"الإضافة" المحضة بمعنى أن الله خلق العرش بصفة تحت فصار مستوياً عليه، وأنه يكشف الحجب التي بينه وبين خلقه فيصير جائياً إليهم ونحو ذلك. وأن التكليم إسماع المخاطب فقط .
فهذه الأمور من صفات الفعل منفصلة عن الله بائنة وهي مضافة إليه، لا أنها صفات قائمة به. ولهذا يقول كثير منهم: "إن هذه آيات الإضافات وأحاديث الإضافات، وينكرون على من يقول آيات الصفات وأحاديث الصفات" .
3ـ أو يجعلوها "أفعالاً محضة" في المخلوقات من غير إضافة ولا نسبة .
مثل قولهم في الاستواء إنه فعل يفعله الرب في العرش بمعنى أنه يحدث في العرش قرباً فيصير مستوياً عليه من غير أن يقوم بالله فعل اختياري .
وكقولهم في النـزول إنه يخلق أعراضاً في بعض المخلوقات يسميها نزولاً .
ونفاة الصفات الاختيارية يثبتون الصفات التي يسمونها عقلية وهي الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام. واختلفوا في صفة البقاء.
ويثبتون في الجملة الصفات الخبرية كالوجه، واليدين، والعين ولكن إثباتهم لها مقتصر على بعض الصفات القرآنية، على أن إثبات بعضهم لها من باب التفويض.
وأما الصفات الخبرية الواردة في السنة كاليمين، والقبضة، والقدم، والأصابع فأغلب هؤلاء يتأولها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "بل أئمة المتكلمين يثبتون الصفات الخبرية في الجملة، وإن كان لهم فيها طرق كأبي سعيد بن كلاب وأبي الحسن الأشعري، وأئمة أصحابه: كأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الباهلي، والقاضي أبي بكر بن الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وأبي بكر بن فورك، وأبي محمد بن اللبان، وأبي علي بن شاذان، وأبي القاسم القشيري، وأبي بكر البيهقي، وغير هؤلاء. فما من هؤلاء إلا من يثبت من الصفات الخبرية ما شاء الله تعالى. وعماد المذهب عندهم: إثبات كل صفة في القرآن.
وأما الصفات التي في الحديث فمنهم من يثبتها ومنهم من لا يثبتها" .
القول الثالث: من يقول بإثبات سبع صفات فقط أو ثمان ونفي ما عداها.
وهذا قول المتأخرين من الأشاعرة والماتريدية الذين لم يثبتوا من الصفات إلا ما أثبته العقل فقط، وأما ما لا مجال للعقل فيه عندهم فتعرضوا له بالتأويل والتعطيل.
ولا يستدل هؤلاء بالسمع في إثبات الصفات، بل عارضوا مدلوله بما ادعوه من العقليات.
وهذا القول لمتأخري الأشاعرة إنما تلقوه عن المعتزلة، لما مالوا إلى نوع التجهم، بل الفلسفة، وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه، الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل، بل انتصبوا لإقامة أدلة عقلية توافق السمع، ولهذا أثبت الأشعري الصفات الخبرية بالسمع، وأثبت بالعقل الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع، فلم يثبت بالعقل ما جعله معارضاً للسمع، بل ما جعله معاضداً له، وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل.
وهؤلاء خالفوه وخالفوا أئمة أصحابه في هذا وهذا، فلم يستدلوا بالسمع في إثبات الصفات، وعارضوا مدلوله بما ادعوه من العقليات .
فالصفات الثبوتية عند متأخري الأشاعرة هي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام وزاد الباقلاني وإمام الحرمين الجويني صفة ثامنة هي الإدراك .
والصفات الثبوتية عند الماتريدية هي ثمان: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والتكوين وهم قد خصوا الإثبات بهذه الصفات دون غيرها، لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم، وأما غيرها من الصفات فإنه لا دليل عليها من العقل عندهم، فلذا قالوا بنفيها .
وهؤلاء لا يجعلون السمع طريقاً إلى إثبات الصفات ولهم فيما لم يثبتوه طريقان:
1ـ منهم من نفاه.
2ـ ومنهم من توقف فيه فلم يحكم فيه بإثبات ولا نفي، ويقولون بأن العقل دلّ على ما أثبتناه ولم يدل على ما توقفنا فيه .
والصفات السبع التي يثبتها هؤلاء يسمونها صفات المعاني.
وضابطها في اصطلاحهم هي: ما دل على معنى وجودي قائم بالذات، ولم يقر هؤلاء إلا بسبعة منها هي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام. ونفوا ما عداها من صفات المعاني كالرأفة والرحمة والحلم .
وقد زاد بعضهم في عده للصفات فأوصلها إلى عشرين صفة وقسمها إلى أربعة أقسام:
1ـ صفات المعاني
2ـ الصفات المعنوية
3ـ الصفات السلبية
4ـ الصفة النفسية.
فصفات المعاني تقدم ضابطها وعدها. وهي القدر الذي عند هؤلاء من الإثبات، أما الأقسام الثلاثة الباقية فليس فيها إثبات على الحقيقة.
القسم الثاني: الصفات المعنوية
وهي الأحكام الثابتة للموصوف بها معللة بعلل قائمة بالموصوف وهي كونه "حياً، عليماً، قديراً، مريداً، سميعاً، بصيراً، متكلماً" وهذا العد لا وجه له لأنه في الحقيقة تكرار لصفات المعاني المتقدم ذكرها.
ثم إن من عدها من هؤلاء عدوها بناءً على ما يسمونه الحالة المعنوية التي يزعمون أنها واسطة ثبوتية لا معدومة ولا موجودة .
والتحقيق أن هذا خرافة وخيال، وأن العقل الصحيح لا يجعل بين الشيء ونقيضه واسطة البتة، فكل ما ليس بموجود فهو معدوم قطعاً، وكل ما ليس بمعدوم فهو موجود قطعاً، ولا واسطة البتة كما هو معروف عند العقلاء .
3ـ الصفات السلبية:
وضابطها عندهم: ما دل على سلب ما لا يليق بالله عن الله من غير أن يدل على معنى وجودي قائم بالذات.
والذين قالوا هذا جعلوا الصفات السلبية خمساً لا سادس لها وهي عندهم: القدم، البقاء، والمخالفة للحوادث، والوحدانية، والغنى المطلق الذي يسمونه القيام بالنفس الذي يعنون به الاستغناء عن المخصص والمحل .
وعلى ضابطهم الذي ذكروه فإن هذه الخمس لا تتضمن معنى وجودياً. وإنما تتضمن أمراً سلبياً فعلى سبيل المثال:
القدم: المقصود بها نفي الحدوث.
والبقاء: المقصود بها نفي الفناء.
والوحدانية: المقصود بها نفي النظير المساوي له.
والقيام بالنفس: عدم افتقاره للمحل وعدم افتقاره للمخصص: أي الموجد.
4ـ الصفة النفسية:
وضابطها هي: كل صفة إثبات لنفس لازمة ما بقيت النفس غير معللة بعلل قائمة بالموصوف.
وهي عندهم صفة واحدة هي: الوجود. وهي عندهم لا تدل على شيء زائد على الذات.
يقول شارح جوهرة التوحيد: "واعلم أن الوجود صفة نفسية وإنما نسبت للنفس أي الذات، لأنها لا تعقل إلا بها فلا تعقل نفس إلا بوجودها، والمراد بالصفة النفسية: صفة ثبوتية يدل الوصف بها على نفس الذات دون معنى زائد عليها.
فقولنا: (صفة) كالجنس.
وقولنا: (ثبوتية) يخرج السلبية كالقدم والبقاء.
وقولنا: (يدل الوصف بها على نفس الذات) معناه أنها لا تدل على شيء زائد على الذات.
وقولنا: (دون معنى زائد عليها) تفسير مراد لقولنا (على نفس الذات) ويخرج بذلك المعاني لأنها لا تدل على معنى زائد على الذات، وكذلك «المعنوية» فإنها تستلزم المعاني فهي تدل على معنى زائد على الذات لاستلزامها المعاني" .
وبهذا يعلم أنه ليس عند هؤلاء من الإثبات إلا الصفات السبع التي يسمونها صفات المعاني وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام وما عداها من الصفات الثبوتية لا يثبتونها ولهم في نصوصها أحد طريقين إما التأويل أو التفويض وفي هذا يقول قائلهم:
وكل نص أوهم التشبيها *** أوله أو فوضه ورم تنـزيها

فنصوص الصفات التي وردت في إثبات ما عدا الصفات السبع التي يثبتونها، يسمونها نصوصاً موهمة للتشبيه، فهم يصرفونها عن ظاهرها، ولكنهم تارة يعينون المراد كقولهم استوى: استولى، واليد: بمعنى النعمة والقدرة؛ وتارة يفوضون فلا يحددون المعنى المراد ويكلون علم ذلك إلى الله عز وجل.
ولكنهم يتفقون على نفي الصفة لأن ناظمهم يقول: (ورم تنـزيهاً) وشارح الجوهرة يقول: (أو فوض) أي بعد التأويل الإجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى .
فهم بذلك متفقون على نفي تلك الصفات، ويخيرون في تحديد المعنى المراد أو السكوت عن ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأبو المعالي وأتباعه نفوا هذه الصفات -أي الصفات الخبرية- موافقة للمعتزلة والجهمية. ثم لهم قولان:
أحدهما: تأويل نصوصها، وهو أول قولي أبي المعالي، كما ذكره في الإرشاد.
والثاني: تفويض معانيها إلى الرب، وهو آخر قولي أبي المعالي كما ذكره في "الرسالة النظامية" وذكر ما يدل على أن السلف كانوا مجمعين على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب.
ثم هؤلاء منهم من ينفيها ويقول: إن العقل الصريح نفى هذه الصفات. ومنهم من يقف ويقول: ليس لنا دليل سمعي ولا عقلي، لا على إثباتها ولا على نفيها، وهي طريقة الرازي والآمدي"

يتـــــــبع لكتــــــاب3
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع 3   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 22:31

الفصل الثالث: المشبهة‎.

المبحث الأول
التعريف بالتمثيل والتشبيه
المثيل لغة: الند والنظير.
والمماثلة: هي مساواة الشيء لغيره من كل وجه.
والمشابهة: هي مساواة الشيء لغيره من أغلب الوجوه.
والتمثيل: هو الاعتقاد في صفات الخالق أنها مثل صفات المخلوق.
وهو كقول الممثل: له يد كيدي، وسمع كسمعي، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
والتمثيل والتشبيه هنا بمعنى واحد وإن كان هناك فرق بينهما في أصل اللغة .
والمقصود بالتشبيه هنا: هو التمثيل في نفس الذوات أو بالصفات القائمة بالذوات.
وهذا التشبيه منتف عن الله، وإنما خالف فيه المشبهة الممثلة الذين وصفهم الأئمة وذموهم. كما قال الإمام أحمد: "المشبه الذي يقول بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، ومن قال هذا فقد شبه الله بخلقه" .
فكل قول يتضمن إثبات شيء من خصائص المخلوقين لله، فهذا هو التشبيه الممتنع على الله تعالى .
الفرق بين التمثيل والتكييف:
قيل أن التكييف هو: جعل الشيء على حقيقة معينة من غير أن يقيدها بمماثل .
كقول الهشامية: "طوله طول سبعة أشبار بشبر نفسه"، وقولهم: "طوله كعرضه" .
فالتكييف على هذا التعريف ليس فيه تقييد بمماثل.
وأما التمثيل: فهو اعتقاد أنها تماثل صفات المخلوقين.
ولعل الصواب أن التكييف أعم من التمثيل، فكل تمثيل تكييف لأن من مثل صفات الخالق بصفات المخلوقين فقد كيف تلك الصفة أي جعل لها حقيقة معينة مشاهدة.
وليس كل تكييف تمثيلاً؛ لأن من التكييف ما ليس فيه تمثيل بصفات المخلوقين كقولهم: "طوله كعرضه".
معنى قول أهل السنة (من غير تمثيل ولا تكييف)
مقصود أهل السنة بنفي المماثلة: أن خصائص الرب تعالى لا يوصف بها شيء من المخلوقات، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته وهذا ما دل عليه القرآن، قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء} فهذا رد على المشبهة.
فمن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوقين فهو المشبه المبطل المذموم، ومن جعل صفات المخلوق مثل صفات الخالق فهو نظير النصارى في كفرهم" .
ومعنى قول أهل السنة (من غير تكييف) أي من غير كيف يعقله البشر، وليس المراد من قولهم (من غير تكييف) أنهم ينفون الكيف مطلقاً، فإن كل شيء لابد أن يكون على كيفية ما، ولكن المراد أنهم ينفون علمهم بالكيف إذ لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه .
فمن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفاته عز وجل لأنه تعالى أخبرنا عن الصفات ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تعمقنا في أمر الكيفية قفواً لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به.
وقد أخذ العلماء من قول الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" قاعدة ساروا عليها في هذا الباب.
مقصود المخالفين بنفي التشبيه:
التشبيه في اصطلاح المتكلمين وغيرهم هو التمثيل، والمتشابهان هما المتماثلان، وهما ما سد أحدهما مسد صاحبه وقام مقامه وناب منابه .
ومقصود المتكلمين بنفي التشبيه: أن يراد به أنه لا يثبت لله شيء من الصفات، فلا يقال له قدرة، ولا علم، ولا حياة، لأن العبد موصوف بهذه الصفات، ولازم هذا القول أنه لا يقال له حي، عليم، قدير، لأن العبد يسمى بهذه الأسماء وكذلك كلامه وسمعه وبصره وإرادته وغير ذلك .
وأصل الخطأ والغلط توهمهم أن هذه الأسماء العامة الكلية يكون مسماها المطلق الكلي هو بعينه ثابتاً في هذا المعين وليس كذلك، فإن ما يوجد في الخارج لا يوجد مطلقاً كلياً، بل لا يوجد إلا معيناً مختصاً، وهذه الأسماء إذا سمي الله بها كان مسماها معيناً مختصاً به.
فإذا سمي بها العبد كان مسماها مختصاً به، فوجود الله وحياته لا يشاركه فيها غيره، بل وجود هذا الموجود المعين لا يشاركه فيه غيره، فكيف بوجود الخالق.
وبهذا ومثله يتبين لك أن المشبهة أخذوا هذا المعنى فزادوا فيه على الحق فضلوا. وأن المعطلة أخذوا نفي المماثلة بوجه من الوجوه وزادوا فيه على الحق حتى ضلوا. وإن كتاب الله دل على الحق المحض الذي تعقله العقول السليمة الصحيحة، وهو الحق المعتدل الذي لا انحراف فيه .
أقسام التمثيل:
قال ابن القيم: "حقيقة الشرك هو:
1ـ التشبه بالخالق.
2ـ التشبيه للمخلوق به.
هذا هو التشبيه في الحقيقة" .
وإذا كان التشبيه هو حقيقة الشرك كما ذكر ابن القيم، فإنه يمكن توضيح صوره بناءً على أقسام التوحيد الثلاثة المعروفة وذلك على النحو التالي:
أولاً: التمثيل في جانب الربوبية
وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: التشبيه للمخلوق به، ومثاله:
1ـ شرك القدرية القائلين بأن العبد هو الذي يخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته.
2ـ شرك غلاة عباد القبور الذين يعتقدون في أصحاب القبور أنهم يتصرفون وينفعون ويضرون من دون الله.
ولا شك أن من خصائص الرب التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل به وحده. فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل ما لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، -فضلاً عن غيره- شبيهاً لمن له الأمر كله، فأزمة الأمور كلها بيده، ومرجعها إليه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
فمن أقبح التشبيه: تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات، بالقادر الغني بالذات .
القسم الثاني: التشبه بالخالق، ومن أمثلته:
1ـ من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم .
ففي الصحيح عنه رضي الله عنه قال: "يقول الله عز وجل: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته".
ثانياً: التمثيل في جانب الألوهية
وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: التشبيه للمخلوق به، ومن أمثلة ذلك:
السجود لغير الله، والذبح لغير الله، والتوبة لغير الله، والحلف بغير الله.
فمن خصائص الإلهية، العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما:
1ـ غاية الحب
2ـ مع غاية الذل
هذا تمام العبودية، وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين. فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه في خالص حقه.
فإذا عرف هذا، فمن خصائص الإلهية السجود، فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به.
ومنها التوكل، فمن توكل على غيره فقد شبهه به.
ومنها التوبة، فمن تاب لغيره فقد شبهه به.
ومنها الحلف باسمه تعظيماً وإجلالاً له، فمن حلف بغيره فقد شبهه به .
القسم الثاني: التشبه به، ومثاله:
من دعا الناس إلى تعليق القلب به خوفاً، ورجاءً، وتوكلاً، والتجاءً، واستعانةً ، كما يفعله بعض مشايخ طرق الصوفية مع مريديهم.
أقسام التمثيل في باب الأسماء والصفات:
ينقسم التمثيل في باب الأسماء والصفات إلى قسمين:
القسم الأول: تمثيل المخلوق بالخالق
وهذا ما زعمه النصارى في شأن عيسى عليه السلام إذ أعطوه خصائص الخالق عز وجل وجعلوه إلهاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها، ويشبهون المخلوق بالخالق، حيث قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة، وقالوا المسيح ابن الله" .
ومن هذا القسم كذلك السبيئة من غلاة الروافض: الذين شبهوا علياً رضي الله عنه بالله، وجعلوه إلهاً، وقالوا: أنت الله حتى حرقهم، فإنه خرج ذات يوم فسجدوا له. فقال لهم: ما هذا؟ فقالوا: أنت هو. قال: من أنا؟ قالوا: أنت الله الذي لا إله إلا هو.
فقال: ويحكم هذا كفر، فارجعوا عنه، وإلا ضربت أعناقكم، فصنعوا به في اليوم الثاني والثالث كذلك، فأخرهم ثلاثة أيام -لأن المرتد يستتاب ثلاثة أيام- فلما لم يرجعوا، أمر بأخاديد من نار فخدت عند باب كندة، وقذفهم في تلك النار، وروي عنه أنه قال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً *** أججت ناري ودعوت قنبراً"

القسم الثاني: تشبيه الخالق بالمخلوق
وهذا ما زعمه اليهود قاتلهم الله إذ وصفوا الخالق ببعض صفات المخلوقين، كما ذكر الله ذلك عنهم في كتابه العزيز حيث قال: {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} [آل عمران:181]، وقال تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} [المائدة:64].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فاليهود تصف الرب بصفات النقص التي يتصف بها المخلوق، كما قالوا: إنه بخيل، وإنه فقير، وإنه لما خلق السموات والأرض تعب" .
وإنّه رمد وعادته الملائكة وإنّه بكى على طوفان نوح عليه السلام .
ويدخل في هذا القسم المشبهة الذين جعلوا ما ورد من صفات الله جل وعلا مماثلاً ومشابهاً لصفات المخلوقين كقولهم له يد كيدي، وسمع كسمعي، وبصر كبصري.


المبحث الثاني
التعريف بالمشبهة
توحيد الأسماء والصفات له ضدان هما:
1ـ التعطيل
2ـ التمثيل
ولذلك ذم السلف والأئمة، المعطلة النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن السلف والأئمة كثر كلامهم في ذم الجهمية النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضاً، وذلك في كلامهم أقل بكثير من ذم الجهمية، لأن مرض التعطيل أعظم من مرض التشبيه".
وتقوم عقيدة أهل التمثيل على دعواهم أن الله عز وجل لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا له يد كيدي، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
لكن المشبهة لا يمثلون الخالق بالمخلوق من كلّ وجه وإنما قالوا بإثبات التماثل من وجه والاختلاف من وجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مع أن مقالة المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وقدم كقدمي، وبصر كبصري، مقالة معروفة، وقد ذكرها الأئمة كيزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، وأنكروها وذموها، ونسبوها إلى مثل داود الجواربي البصري وأمثاله. ولكن مع هذا صاحب هذه المقالة لا يمثله بكل شيء من الأجسام، بل ببعضها، ولابد مع ذلك أن يثبتوا التماثل من وجه، لكن إذا أثبتوا من التماثل ما يختص بالمخلوقات كانوا مبطلين على كل حال" .
وأكثر من عرف بمقالة التشبيه قدماء الرافضة:
فأول من تكلم في التشبيه هم طوائف من الشيعة وإن التشبيه والتجسيم المخالف للعقل والنقل لا يُعرف في أحد من طوائف الأمة أكثر منهم في طوائف الشيعة.
وهذه كتب المقالات كلها تخبر عن أئمة الشيعة المتقدمين من المقالات المخالفة للعقل والنقل في التشبيه والتجسيم بما لا يعرف نظيره عن أحد من سائر الطوائف.
وقدماء الإمامية ومتأخروهم متناقضون في هذا الباب، فقدماؤهم غلو في التشبيه والتجسيم، ومتأخروهم غلو في النفي والتعطيل" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذه المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم لم نر الناس نقلوها عن طائفة من المسلمين أعظم مما نقلوها عن قدماء الرافضة. ثم الرافضة حُرِموا الصواب في هذا الباب كما حُرِموه في غيره، فقدماؤهم يقولون بالتجسيم الذي هو قول غلاة المجسمة، ومتأخروهم يقولون بتعطيل الصفات موافقة لغلاة المعطلة من المعتزلة ونحوهم، فأقوال أئمتهم دائرة بين التعطيل والتمثيل، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا وهذا" .
وأما قدماؤهم فهم:
1ـ البيانية: من غالية الشيعة وهم أتباع بيان بن سمعان التيمي الذي كان يقول: إن الله على صورة الإنسان وإنه يهلك كله إلا وجهه، وادعى بيان أنه يدعو الزُهَرَة فتجيبه، وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم، فقتله خالد ابن عبد الله القسري .
2ـ المغيرية: وهم أصحاب المغيرة بن سعيد، ويزعمون أنه كان يقول إنه نبي وإنه اسم الله الأكبر وإن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج، وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل، وله جوف وقلب تنبع منه الحكمة، وإن حروف (أبي جاد) على عدد أعضائه، قالوا: والألف موضع قدمه لاعوجاجها، وذكر الهاء فقال: لو رأيتم موضعها منه لرأيتم أمراً عظيما، يعرِّض لهم بالعورة وبأنه قد رآه، لعنه الله وأخزاه .
3ـ الهشامية: ويسمون بالهشامية نسبة إلى هشام بن الحكم الرافضي، وأحياناً تنسب إلى هشام بن سالم الجواليقي، وكلاهما من الإمامية المشبهة، والجدير بالذكر أن الرافضة الإمامية كان ينتشر فيهم التشبيه وهذا في أوائلهم .
4ـ الجواربية: أتباع داود الجواربي الذي وصف معبوده بأن له جميع أعضاء الإنسان إلا الفرج واللحية .
وقال: "أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك" . تعالى الله عما يقوله علواً كبيراً.
وقال الأشعري في المقالات: "وقال داود الجواربي: إن الله جسم، وأن له جُثةٌ وأنه على صورة الإنسان له لحم ودم وشعر وعظم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين، وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره" .
وحكي عن داود الجواربي أنه كان يقول: إنه أجوف من فِيهِ إلى صدره، مُصْمَتٌ ما سوى ذلك .
قال أبو الحسن الأشعري في كتاب "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين": "اختلف الروافض وأصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق:
فالفرقة الأولى: (الهشامية)، أصحاب هشام بن الحكم الرافضي.
يزعمون أن معبودهم جسم، وله نهاية وحَدٌّ، طويل، عريض، عميق، طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، لا يُوفي بعضه على بعض، وزعموا أنه نور ساطع، له قدر من الأقدار، في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية، يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها، ذو لون وطعم، ورائحة، ومجسَّة، لونه هو طعمه، وطعمه هو رائحته" وذكر كلاماً طويلاً.
وذكر عن هشام أنه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل، زعم مرة أنه كالبلورة، وزعم مرة أنه كالسبيكة، وزعم مرة أنه غير صورة، وزعم مرة أنه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام.
الفرقة الثانية: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام، وإنما يذهبون في قولهم: إنه جسم، إلى أنه موجود، ولا يثبتون الباري ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.
الفرقة الثالثة: من الرافضة، يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، ويمنعون أن يكون جسماً.
الفرقة الرابعة: من الرافضة (الهشامية) أصحاب هشام بن سالم الجواليقي، يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً. ويقولون: هو نور ساطع يتلألأ بياضاً، وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان، له يد، ورجل، وأنف، وأذن، وعين، وفم، وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عنده.
وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وَفْرَة سوداء وأن ذلك نور أسود.
الفرقة الخامسة: يزعمون أن لرب العالمين ضياءً خالصاً، ونوراً بحتاً، وهو كالمصباح الذي من حيث جئته يلقاك بأمر واحد، وليس بذي صورة ولا أعضاء، ولا اختلاف في الأجزاء. وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان.
الفرقة السادسة: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس. وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من متأخريهم، فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه.
قال شيخ الإسلام: "وأما متأخريهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك فإنهم صار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم" .
وقال أيضاً: "وكتب الشيعة مملوءة بالاعتماد في ذلك -يعنى مسائل الصفات والقدر- على طرق المعتزلة وهذا كان في أواخر المائة الثالثة، وكثر في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي والطوسي.
وأما قدماء الشيعة فالغالب عليهم ضد هذا القول، كما هو قول الهشامية وأمثالهما.
فالرافضة الإمامية وكذلك الزيدية على عقيدة المعتزلة في مسائل الصفات إلى يومنا هذا.
غلاة المتصوفة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال الأشعري: وفي الأمة قوم ينتحلون النسك، يزعمون أنه جائز على الله تعالى الحلول في الأجسام، وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري، لعل، ربما، هو.
ومنهم من يقول: إنه يرى الله في الدنيا على قدر الأعمال، فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن.
ومنهم من يجوِّز على الله تعالى المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا، ومنهم من يزعم أن الله تعالى ذو أعضاء وجوارح وأبعاض: لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح.
وكان من الصوفية رجل يُعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه، ويغتم ويحزن إذا عَصَوْهُ.
وفي النسَّاك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منـزلة تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم -من الزنا وغيره- مباحات لهم. وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يروا الله، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا، ويحاربوا الشياطين.
ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين.
وقلت: هذه المقالات التي حكاها الأشعري -وذكروا أعظم منها- موجودة في الناس قبل هذا الزمان. وفي هذا الزمان منهم من يقول بحلوله في الصور الجميلة، ويقول إنه بمشاهدة الأمرد يشاهد معبوده أو صفات معبوده أو مظاهر جماله، ومن هؤلاء من يسجد للأمرد. ثم من هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد العام، لكنه يتعبد بمظاهر الجمال، لما في ذلك من اللذة له، فيتخذ إلهه هواه، وهذا موجود في كثير من المنتسبين إلى الفقر والتصوف. ومنهم من يقول إنه يرى الله مطلقاً ولا يعيِّن الصورة الجميلة، بل يقولون إنهم يرونه في صور مختلفة. ومنهم من يقول: إن المواضع المخضرَّة خطا عليها، وإنما اخضرت من وطئه عليها، وفي ذلك حكايات متعددة يطول وصفها.
وأما القول بالإباحة وحل المحرمات -أو بعضها- للكاملين في العلم والعبادة فهذا أكثر من الأول، فإن هذا قول أئمة الباطنية القرامطة الإسماعيلية وغير الإسماعيلية وكثير من الفلاسفة، ولهذا يُضرب بهم المثل فيقال: فلان يستحل دمي كاستحلال الفلاسفة محظورات الشرائع، وقول كثير ممن ينتسب إلى التصوف والكلام، وكذلك من يفضل نفسه أو متبوعه على الأنبياء، موجود كثير في الباطنية والفلاسفة وغلاة المتصوفة وغيرهم، وبسط الكلام على هذا له موضع آخر.
ففي الجملة هذه مقالات منكرة باتفاق علماء السنة والجماعة، وهي -وأشنع منها- موجودة في الشيعة.
وكثير من النسَّاك يظنون أنهم يرون الله في الدنيا بأعينهم، وسبب ذلك أنه يحصل لأحدهم في قلبه بسبب ذكر الله تعالى وعبادته من الأنوار ما يغيب به عن حسه الظاهر، حتى يظن أن ذلك شيء يراه بعينه الظاهرة، وإنما هو موجود في قلبه.
ومن هؤلاء من تخاطبه تلك الصورة التي يراها خطاب الربوبية ويخاطبها أيضاً بذلك، ويظن أن ذلك كله موجود في الخارج عنه، وإنما هو موجود في نفسه، كما يحصل للنائم إذا رأى ربه في صورة بحسب حاله. فهذه الأمور تقع كثيراً في زماننا وقبله، ويقع الغلط منهم حيث يظنون أن ذلك موجود في الخارج.
وكثير من هؤلاء يتمثل له الشيطان، ويرى نوراً أو عرشاً أو نوراً على العرش، ويقول: أنا ربك. ومنهم من يقول: أنا نبيك، وهذا قد وقع لغير واحد. ومن هؤلاء من تخاطبه الهواتف بخطاب على لسان الإلهية أو غير ذلك، ويكون المخاطب له جنياًّ، كما قد وقع لغير واحد.
لكن بسط الكلام على ما يُرى ويُسمع وما هو في النفس والخارج، وتمييز حقه من باطله ليس هذا موضعه، وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع.
وكثير من الجهَّال أهل الحال وغيرهم يقولون: إنهم يرون الله عياناً في الدنيا، وأنه يخطو خطوات" .
فأدخلوا في ذلك من الأمور ما نفاه الله ورسوله، حتى قالوا: إنه يُرى في الدنيا بالأبصار، ويصافح، ويعانق، وينـزل إلى الأرض، وينـزل عشية عرفة راكباً على جمل أورق يعانق المشاة ويصافح الركبان. وقال بعضهم: إنه يندم ويبكى ويحزن، وعن بعضهم أنه لحم ودم، ونحو ذلك من المقالات التي تتضمن وصف الخالق جل جلاله بخصائص المخلوقين.
والله سبحانه منـزه عن أن يوصف بشيء من الصفات المختصة بالمخلوقين، وكل ما اختص بالمخلوق فهو صفة نقص، والله تعالى منـزَّه عن كل نقص ومستحق لغاية الكمال، وليس له مثل في شيء من صفات الكمال، فهو منـزه عن النقص مطلقاً، ومنـزه في الكمال أن يكون له مثل، كما قال تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص 1-4]، فبين أنه أحدٌ صمدٌ، واسمه الأحد يتضمن نفي المثل، واسمه الصمد يتضمن جميع صفات الكمال، كما قد بيَّنا ذلك في الكتاب المصنَّف في تفسير قل هو الله أحد" .
من نُسب إلى التشبيه:
الكرامية:
الفرق بين التشبيه والتجسيم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وفي الجملة الكلام في التمثيل والتشبيه ونفيه عن الله مقام، والكلام في التجسيم ونفيه مقام آخر.
فإن الأول دل على نفيه الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة، واستفاض عنهم الإنكار على المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وبصر كبصري، وقدم كقدمي.
وقد قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء} [الشورى 11]، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص 4]، وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِّيَا} [مريم 65]، وقال تعالى {فَلاَ تَجْعَلُوا لله أَنْدَاداً} [البقرة 22]. وأيضا فنفي ذلك معروف بالدلائل العقلية التي لا تقبل النقيض، وأما الكلام في الجسم والجوهر، ونفيهما أو إثباتهما، فبدعة ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا تكلم أحد من السلف والأئمة بذلك نفياً ولا إثباتاً.
والنـزاع بين المتنازعين في ذلك: بعضه لفظي، وبعضه معنوي، أخطأ هؤلاء من وجه وأخطأ هؤلاء من وجه.
فإن كان النـزاع مع من يقول: هو جسم أو جوهر، إذا قال: لا كالأجسام ولا كالجواهر، وإنما هو في اللفظ.
فمن قال: هو كالأجسام والجواهر، يكون الكلام معه بحسب ما يفسره من المعنى.
فإن كان فسر ذلك بالتشبيه الممتنع على الله تعالى، كان قوله مردوداً.
وذلك بأن يتضمن قوله إثبات شيء من خصائص المخلوقين لله، فكل قول تضمن هذا فهو باطل.
وإن فسر قوله: جسم لا كالأجسام بإثبات معنى آخر، مع تنـزيه الرب عن خصائص المخلوقين، كان الكلام معه في ثبوت ذلك المعنى وانتفائه.
فلابد أن يلحظ في هذا إثبات شيء من خصائص المخلوقين للرب أولا، وذلك مثل أن يقول: أصفه بالقدر المشترك بين سائر الأجسام والجواهر، كما أصفه بالقدر المشترك بينه وبين سائر الموجودات، وبين كل حي عليم سميع بصير، وإن كنت لا أصفه بما تختص به المخلوقات، وإلا فلو قال الرجل: هو حي لا كالأحياء، وقادر لا كالقادرين، وعليم لا كالعلماء، وسميع لا كالسمعاء، وبصير لا كالبصراء، ونحو ذلك، وأراد بذلك نفي خصائص المخلوقين، فقد أصاب.
وإن أراد نفي الحقيقة التي للحياة والعلم والقدرة ونحو ذلك، مثل أن يثبت الألفاظ وينفي المعنى الذي أثبته الله لنفسه، وهو من صفات كماله، فقد أخطأ.
إذا تبين هذا فالنـزاع بين مثبتة الجوهر والجسم ونفاته، يقع من جهة المعنى فسر شيئين: أحدهما: أنهم متنازعون في تماثل الأجسام والجواهر على قولين معروفين.
فمن قال بتماثلها، قال: كل من قال: إنه جسم لزمه التمثيل.
ومن قال إنها لا تتماثل، قال: إنه لا يلزمه التمثيل.
ولهذا كان أولئك يسمون المثبتين للجسم مشبهة، بحسب ما ظنوه لازماً لهم، كما يسمى نفاة الصفات لمثبتيها مشبهة ومجسمة، حتى سموا جميع المثبة للصفات مشبهة، ومجسمة، وحشوية، وغثاء، وغثراء، ونحو ذلك، بحسب ما ظنوه لازماً لهم.
لكن إذا عرف أن صاحب القول لا يلتزم هذه اللوازم، لم يجز نسبتها إليه على أنها قول له، سواء كانت لازمة في نفس الأمر أو غير لازمة، بل إن كانت لازمة مع فسادها، دل على فساد قوله.
التعريف بالكرامية:
الكرامية هم أتباع محمد بن كرام بن عراق بن حزبة السجستاني المتوفى سنة (255هـ).
وهم في باب الصفات يثبتونها ولكنهم خالفوا أهل السنة في مسألتين:
المسألة الأولى: أنهم يبالغون في الإثبات ويخوضون في شأن الكيفية، ودخل عليهم ذلك من جهة إطلاقهم لألفاظ مبتدعة كلفظ (الجسم)، و(المماسة).
ومن بدع الكرامية أنهم يقولون في المعبود إنه جسم لا كالأجسام .
ومن بدعهم قولهم: إن الأزلي الخالق جسم لم يزل ساكنا .
ويقولون: إن الله جسم قديم أزلي، وإنه لم يزل ساكناً ثم تحرك لما خلق العالم، ويحتجون على حدوث الأجسام المخلوقة بأنها مركبة من الجواهر المفردة، فهي تقبل الاجتماع والافتراق، ولا تخلوا من اجتماع وافتراق، وهي أعراض حادثة لا تخلو منها، ومالا يخلو من الحوادث فهو حادث.
وأما الرب فهو عندهم واحد لا يقبل الاجتماع والافتراق، ولكنه لم يزل ساكناً. والسكون عندهم أمر عدمي، وهو عدم الحركة عمَّا من شأنه أن يتحرك، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة. وهؤلاء يقولون: إن الباري لم يزل خالياً من الحوادث حتى قامت به، بخلاف الأجسام المركَّبة من الجواهر المفردة، فإنها لا تخلو من الاجتماع والافتراق .
ويقولون: إن الصفات والأفعال لا تقوم إلا بجسم، ويجوزون وجود جسم ينفك من قيام الحوادث به ثم يحدث فتقوم به بعد ذلك .
ويقول ابن كرام: إن الله مماس للعرش من الصفحة العليا .
ويقول كذلك: له حد من الجانب الذي ينتهي إلى العرش ولا نهاية له .
وقد غالى أتباع ابن كرام في شأن الكيفية فزعم بعضهم أنه تعالى على بعض أجزاء العرش .
وادعى بعضهم أن العرش امتلأ به بحيث لا يزيد على عرشه من جهة المماسة، ولا يفضل منه شيء على العرش .
المسألة الثانية: إن الكرامية يثبتون الصفات بما فيها أن الله تعالى تقوم به الأمور التي تتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن ذلك عندهم حادث بعد أن لم يكن، أنه يصير موصوفاً بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك، وقالوا: لا يجوز أن تتعاقب عليه الحوادث، ففرقوا في الحوادث بين تجددها ولزومها، فقالوا بنفي لزومها دون حدوثها.
فعندهم أن الله يتكلم بأصوات تتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه تقوم به الحوادث المتعلقة بمشيئته وقدرته، لكن ذلك حادث بعد أن لم يكن، وأن الله في الأزل لم يكن متكلماً إلا بمعنى القدرة على الكلام، وأنه يصير موصوفاً بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك .
ومعلوم أن عقيدة السلف تقوم على إثبات جميع الصفات الذاتية منها والفعلية، وأثبتوا أن الله متصف بذلك أزلاً، وأن الصفات الناشئة عن الأفعال موصوف بها في القدم، وإن كانت المفعولات محدثة .
مقاتل بن سليمان:
نُسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر أنه من المشبهة وذكروا أنه هو الذي قال فيه الإمام أبو حنيفة: "أتانا من المشرق رأيان خبيثان؛ جهم معطل، ومقاتل مشبه" .
وقال ابن حبان:"كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي وافق كتبهم، وكان يشبه الرب بالمخلوقات وكان يكذب في الحديث" .
وقال أبو الحسن الأشعري في "المقالات": "وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان: إن الله جسم وإنه جثة على صورة الانسان لحمٌ ودمٌ وشعر وعظم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما مقاتل فالله أعلم بحقيقة حاله، والأشعري ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة، وفيهم انحراف على مقاتل بن سليمان، فلعلهم زادوا في النقل عنه، أو نقلوا عنه، أو نقلوا عن غير ثقة، وإلا فما أظنه يصل إلى هذا الحد. وقد قال الشافعي: من أراد التفسير فهو عيال على مقاتل، ومن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة. ومقاتل بن سليمان وإن لم يكن ممن يحتج به في الحديث -بخلاف مقاتل بن حيان فإنه ثقة- لكن لا ريب في علمه في التفسير وغيره واطلاعه، كما أن أبا حنيفة وإن كان الناس خالفوه في أشياء وأنكروها عليه، فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه، وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعاً، مثل مسألة الخنـزير البري ونحوها، وما يبعد أن يكون النقل عن مقاتل من هذا الباب" .
وجاء في "وفيات الأعيان" في ترجمة مقاتل بن سليمان: "حكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: الناس كلهم عيال على ثلاثة، على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الكلام" .
يتـــــــــــــــــــــبع4
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع 4   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 22:38

الباب الثاني: الأقوال في صفتي العلو والاستواء.

الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو.

المبحث الأول: قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم
يؤمن أهل السنة بعلو الله على خلقه واستوائه على عرشه، وأنه بائن من خلقه وهم بائنون منه.
وقد وافقهم على قولهم في إثبات العلو عامة الصفاتية، كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأتباعه، وأبي العباس القلانسي ، وأبي الحسن الأشعري والمتقدمين من أصحابه.
وهو قول الكرامية ومتقدمي الشيعة الإمامية .
وقد استدل أهل السنة والجماعة على إثبات صفة العلو بالقرآن، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة.
وقد أورد الذهبي رحمه الله في كتاب "العرش" الكثير من الأدلة من القرآن، والسنة، وإجماع سلف الأمة، وأئمتها، فلا حاجة إلى تكرار ذلك. فقد وفى هذا الجانب حقه.
وسأشير هنا إلى دليل العقل، والفطرة.
أما الأدلة العقلية فهي كثيرة وسأورد ههنا ثلاثة منها:
الدليل الأول: قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله تعالى حين زعم أنه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟
فسيقول: نعم.
فقل له: حين خلق الشيء هل خلقه في نفسه؟ أم خارجاً عن نفسه؟
فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال:
واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه، كفر حين زعم أنه خلق الجن والشياطين وإبليس في نفسه.
وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم، كان هذا أيضاً كفر حين زعم أنه في كل مكان وحش قذر رديء.
وإن قال: خلقهم خارجاً عن نفسه ثم لم يدخل فيهم، رجع عن قوله كله أجمع"
الدليل الثاني: قول ابن القيم: "إن كل من أقر بوجود رب للعالم مدبرله، لزمه الإقرار بمباينته لخلقه وعلوه عليهم.
فمن أقر بالرب، فإما أن يقر بأن له ذاتاً وماهية مخصوصة أو لا؟
فإن لم يقر بذلك، لم يقر بالرب، فإن رباً لا ذات له ولا ماهية له هو والعدم سواء، وإن أقر بأن له ذاتاً مخصوصة وماهية، فإما أن يقر بتعينها أو يقول إنها غير معينة؟
فإن قيل إنها غير معينة كانت خيالاً في الذهن لا في الخارج، فإنه لا يوجد في الخارج إلا معيناً، لا سيما وتلك الذات أولى من تعيين كل معين فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها، وأن يوجد لها نظير، فتعيين ذاته سبحانه واجب.
وإذا أقر بأنها معينة لا كلية، والعالم مشهود معين لا كلي، لزم قطعاً مباينة أحد المتعينين للآخر، فإنه إذا لم يباينه لم يعقل تميزه عنه وتعينه.
فإن قيل: هو يتعين بكونه لا داخلاً فيه ولا خارجاً عنه.
قيل: هذا -والله أعلم- حقيقة قولكم، وهو عين المحال، وهو تصريح منكم بأنه لا ذات له ولا ماهية تخصه، فإنه لو كان له ماهية يختص بها لكان تعينها لماهيته وذاته المخصوصة، وأنتم إنما جعلتم تعيينه أمراً عدمياً محضاً ونفياً صرفاً وهو كونه لا داخل العالم ولا خارجا عنه، وهذا التعيين لا يقتضي وجوده مما به يصح على العدم المحض.
وأيضاً فالعدم المحض لا يعين المتعين، فإنه لاشيء وإنما يعينه ذاته المخصوصة وصفاته، فلزم قطعاً من إثبات ذاته تعيين تلك الذات، ومن تعيينها مباينتها للمخلوقات، ومن المباينة العلو عليها لما تقدم من تقريره" .
الدليل الثالث: أنه قد ثبت بصريح المعقول أن الأمرين المتقابلين إذا كان أحدهما صفة كمال والآخر صفة نقص، فإن الله يوصف بالكمال منهما دون النقص، فلما تقابل الموت والحياة، وصف بالحياة دون الموت، ولما تقابل العلم والجهل، وصف بالعلم دون الجهل، ولما تقابل القدرة والعجز، وصف بالقدرة دون العجز، ولما تقابل المباينة للعالم والمداخلة له، وصف بالمباينة دون المداخلة، وإذا كان مع المباينة لا يخلو إما أن يكون عالياً على العالم أو مسامتا له، وجب أن يوصف بالعلو دون المسامتة، فضلاً عن السفول.
والمنازع يسلم أنه موصوف بعلو المكانة وعلو القهر، وعلو القهر، وعلو المكانة معناه أنه أكمل من العالم، وعلو القهر مضمونه أنه قادر على العالم، فإذا كان مبايناً للعالم كان من تمام علوه أن يكون فوق العالم، ولا محاذياً له ولا سافلا عنه.
ولما كان العلو صفة كمال، وكان ذلك من لوازم ذاته، فلا يكون مع وجود غيره إلا عالياً عليه، ولا يكون قط غير عالٍ عليه .
وبهذه النماذج التي أوردناها عن الأدلة العقلية يتضح لنا مدى دلالة المعقول الصريح على إثبات علو الله ومباينته لخلقه وكذلك مدى مخالفة أقوال المعطلة والحلولية لصريح المعقول وصحيح المنقول.
أما دليل الفطرة:
فمن المعلوم أن الفطرة السليمة قد جبلت على الاعتراف بعلو الله سبحانه وتعالى، ويظهر هذا الأمر عندما يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى أن يقصد جهة العلو ولو بالقلب حين الدعاء، وهذا الأمر لا يستطيع الإنسان دفعه عن نفسه فضلاً عن أن يرد على قائله وينكر هذا الأمر عليه.
ومن أجل ذلك لم يجد الجويني -إمام الحرمين- جواباً حين سأله الهمداني محتجاً عليه بها، فقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الاستاذ أبا المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهو يتكلم في نفي صفة العلو ويقول: "كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان". فقال الشيخ أبو جعفر: "يا أستاذ دعنا من ذكر العرش -يعني لأن ذلك إنما جاء في السمع- أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا الله، إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة على قلوبنا؟
قال: فلطم أبو المعالي على رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني
الهمداني" .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "علو الخالق على المخلوق وأنه فوق العالم، أمر مستقر في فطر العباد، معلوم لهم بالضرورة، كما اتفق عليه جميع الأمم، إقراراً بذلك، وتصديقاً من غير أن يتواطؤا على ذلك ويتشاعروا، وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون التصديق بذلك في فطرهم.
وكذلك هم عندما يضطرون إلى قصد الله وإرادته، مثل قصده عند الدعاء والمسألة، يضطرون إلى توجه قلوبهم إلى العلو، فكما أنهم مضطرون إلى أن يوجهوا قلوبهم إلى العلو إليه، لا يجدون في قلوبهم توجهاً إلى جهة أخرى، ولا استواء الجهات كلها عندها وخلو القلب عن قصد جهة من الجهات بل يجدون قلوبهم مضطرة إلى أن تقصد جهة علوهم دون غيرها من الجهات.
فهذا يتضمن بيان اضطرارهم إلى قصده في العلو وتوجههم عند دعائه إلى العلو، كما يتضمن فطرتهم على الإقرار بأنه في العلو والتصديق بذلك" .


المبحث الثاني
أقوال المخالفين
القول الأول:
قول المعطلة من الفلاسفة ، والجهمية ، والمعتزلة ، ومتأخري الأشاعرة ، والقرامطة الباطنية .
وهؤلاء جميعاً ينفون علو الله وارتفاعه فوق خلقه، وكل ذلك تحت دعوى التوحيد والتنزيه ونفي التشبيه، فهم يزعمون أن إثبات العلو لله تعالى فيه إثبات للجهة، والمحايثة، والحد، والحركة، والانتقال، وهذه الأمور على زعمهم تستلزم الجسمية، والأجسام حادثة، والله منـزه عن الحوادث فمن أجل ذلك نفوا العلو، وأولوا النصوص الثابتة فيه بأن المراد بها علو القهر والغلبة.
وقد انقسم الجهمية المعطلة النافون لعلو الله إلى فريقين في هذه المسألة:
الفريق الأول:
وهم الذين يقولون أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا هو مباين له ولا محايث له.
وهذا القول هو ما يذهب إليه النظار والمتكلمون من هؤلاء المعطلة ، وهم بقولهم هذا قد نفوا الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما، وذلك خشية منهم أن يشبهوا، فهم قالوا بهذه المقالة هرباً منهم -على حد زعمهم- من إثبات الجهة والمكان والحيز، لأن فيها كما يدعون تجسيماً وهو تشبيه، فقالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات فنحن نسد الباب بالكلية.
وقد استند أصحاب هذا القول في قولهم هذا على حجج زعموا أنها عقلية أسسوها وابتدعوها وجعلوها مقدمة كل نص، وليس لهؤلاء أي دليل من القرآن أو السنة على صحة قولهم هذا. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص، كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة وغيرهم إلا الجهمية، فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي" .
وسنأتي بعد ذكر القول الثاني إلى ذكر بعض تلك الحجج التي زعمها هؤلاء.
القول الثاني:
وهم الذين يقولون بأن الله بذاته في كل مكان.
وهذا القول هو ما يذهب إليه النجارية ، وكثير من الجهمية وبخاصة عبادهم وصوفيتهم وعوامهم وأهل المعرفة والتحقيق منهم .
ويحتج هؤلاء ببعض الحجج العقلية المزعومة بالإضافة إلى بعض الآيات القرآنية الدالة على المعية والقرب.
وقد يجمع كثير من هؤلاء المعطلة بين القولين، فهو في حالة نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كليهما، فيقول لا هو داخل العالم ولا خارجه.
وفي حالة تعبده وتألهه يقول بأنه في كل مكان ولا يخلو منه شيء .
شبهة المعطلة العقلية:
إن جل ما اعتمد عليه هؤلاء المعطلة من أدلة على نفي صفة العلو وغيرها من الصفات إنما هو عبارة عن حجج عقلية مزعومة ومبتدعة بناها هؤلاء المعطلة على أصول فلسفية كانوا قد تأثروا بها، وليس لهؤلاء المعطلة في نفيهم هذا أساس من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جعل هؤلاء المعطلة لتلك الحجج حكم الأمر المحكم الذي يجب اتباعه واعتقاد موجبه والتسليم به، وقد بلغ من تقديسهم لها أنهم جعلوها مقدمة على الكتاب والسنة فإذا ورد النص من الكتاب أو السنة عرضوه على تلك الأسس العقلية، فإن وافقها احتجوا به اعتضادا لا اعتمادا، وإن خالفها فهم يحرفون الكلم عن مواضعه فيؤولون نصوص القرآن ويطعنون في نصوص السنة، وكل ذلك تحت دعوى التنـزيه والتوحيد ونفي التشبيه.
وقد أفرط هؤلاء المعطلة في هذا الجانب -أي جانب نفي التشبيه- فجعلوا من قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى 11] جنة يتترسون بها لنفي علو الله سبحانه فوق عرشه وتكليمه لرسله وإثبات صفات كماله، وغير ذلك مما أخبر الله به عن نفسه، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه قد آل ببعض هؤلاء المعطلة إلى نفي ذاته خشية التشبيه فقالوا: هو وجود محض لا ماهية له، ونفى آخرون وجوده بالكلية خشية التشبيه -على حد زعمهم- حيث قالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات والكلام والعلو فنحن نسد الباب بالكلية .
وسوف نتعرض في هذا البحث لبعض أسس تلك الشبه العقلية المزعومة التي جعلها هؤلاء المعطلة مستندا لهم في نفي صفة العلو وغيرها من الصفات، ونبين ما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مع بيان ما في تلك الأسس من تناقض وبخاصة من الناحية العقلية.
ونظراً لتعدد مذاهب المعطلة واختلاف بعضها عن بعض في القول والرأي، فسوف نعرض شبهة كل فرقة من الفرق السابقة الذكر على حدة فنبدأ أولاً بـ:
1ـ شبهة الفلاسفة :
الفلاسفة ينفون صفة العلو وباقي صفات الباري عز وجل -كما سبق أن ذكرنا- تحت دعوى التوحيد والتنـزيه عن مشابهة المخلوقين، فابن سينا يقول: "إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط لا تكثر فيه بوجه من الوجوه، فهو ليس بجسم، ولا صورة جسم، ولا مادة معقولة لصورة معقولة، ولا صورة معقولة في مادة معقولة، ولا له قسمة في الكلم ولا في المبادىء المقومة له، ولا في قول الشارح ولا غير ذلك مما ينافي وحدة واجب الوجود وبساطته المطلقة" .
والمتأمل لهذه العبارات التي أوردها ابن سينا يعرف أنها إنما هي مجرد اصطلاحات اصطلحها هو وأمثاله من الفلاسفة الذين تأثروا بفلسفة اليونان، فجعلوا من تلك العبارات المبتدعة ما أسموه بالتوحيد، وادعوا أن ما تضمنته هو التنـزيه، مع أنها في الحقيقة متضمنة لنفي جميع الصفات بما فيها العلو والاستواء.
فقوله: (إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط لا تكثر فيه بوجه من الوجوه) يعني به أنه ليس لله تعالى صفة ولا قدر، لأن ذلك على رأيه يستلزم التجسيم والتجزئة والتركيب فيلزم نفيه، لأنه يلزم من ذلك الحدوث والافتقار وذلك ينافي واجب الوجود.
فابن سينا وأمثاله من الفلاسفة يعتمدون في نفي الصفات على حجة التركيب والتي هي: (أنه لو كان له صفة لكان مركباً، والمركب يفتقر إلى جزئيه، وجزءاه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجباً بنفسه) وهم بهذا الكلام تجدهم قد نفوا صفات الباري جميعها.
ولو توقفنا عند العبارة السابقة وهي قوله: (أن واجب الوجود بذاته واحد بسيط ...) من أجل بيان ما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وحتى مخالفتها للعقل الذي يقدمه هؤلاء على كل شيء. لوجدنا هذه العبارة هي تفسير للواحد بما لا أصل له في الكتاب أو السنة، بل هو تفسير باطل شرعاً وعقلاً ولغة.
أما في اللغة: فإن أهل اللغة مطبقون على أن هذا القول ليس هو معنى الواحد في اللغة، إذ القرآن ونحوه من الكلام العربي متطابق على ما هو معلوم بالاضطرار في لغة العرب وسائر اللغات أنهم يصفون كثيراً من المخلوقات بأنه واحد ويكون ذلك جسماً، إذ المخلوقات إما أجسام وإما أعراض عند من يجعلها غيرها أو زائدة عليها.
وإذا كان أهل اللغة متفقين على تسمية الجسم الواحد واحداً، امتنع أن يكون في اللغة معنى الواحد الذي لا ينقسم إذا أريد بذلك أنه ليس بجسم وأنه لا يشار إلى شيء منه دون شيء، ولا يوجد في اللغة اسم الواحد إلاّّ على ذي صفة ومقدار لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء 1]، ومعلوم أن النفس الواحدة المراد بها هنا آدم عليه السلام، وحواء خلقت من ضلع آدم، فمن جسده خلقت لا من روحه حتى لا يقول القائل: الوحدة هي باعتبار النفس الناطقة التي لا تركيب فيها، وإذا كانت حواء خلقت من جسد آدم، وجسد آدم جسم من الأجسام التي سماها الله نفساً واحدة علم أن الجسم قد يوصف بالوحدة. وأبلغ من ذلك ما ذكره الإمام أحمد وغيره من قوله تعالى {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر 11]، فإن الوحيد مبالغة في الواحد فإذا وصف البشر الواحد بأنه وحيد في صفة فإنه واحد من باب أولى، ومع هذا فهو جسم من الأجسام.
وأما في العقل:
فإن الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة إنه أمر لا يعقل، ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن، فليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر ولا يتميز من شيء عن شيء بحيث يمكن أن يرى ولا يدرك ولا يحاط به وإن سماه المسمى جسماً.
وأما في الشرع:
فنقول: إن مقصود المسلمين أن الأسماء المذكورة في القرآن والسنة وكلام المؤمنين المتفق عليه بمدح أو ذم، تعرف مسميات تلك الأسماء حتى يعطوها حقها، ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم (الواحد) في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات وسلب إدراكه بالحواس ولا نفي الحد والقدر ونحو ذلك من المعاني التي ابتدعها هؤلاء .
وأما حجة التركيب التي اعتمد عليها هؤلاء الفلاسفة في نفي الصفات وهي قولهم: (إنه لو كان صفة لكان مركبا والمركب يفتقر إلى جزئيه وجزءاه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجباً بنفسه) فهي تتكون من ألفاظ مجملة بمعنى أن كل لفظة منها تحتمل عدة معان فلا بد من توضيح المراد من كل لفظ أولاً حتى يتكلم فيه.
فلفظ (المركب) مثلاً: قد يراد به ما ركبه غيره، أو ما كان مفترقاً فاجتمع، أو ما يقبل التفريق، والله منـزه عن هذه المعاني باتفاق.
وأما الذات الموصوفة بصفاتها اللازمة لها فإذا سميتم هذا تركيباً كان ذلك اصطلاحاً لكم، وليس هو المفهوم من لفظ المركب ولن تستطيعوا أيها الفلاسفة إقامة الدليل على نفيه.
وأما قولهم: (لكان مركباً) فإن أرادوا لكان غيره ركبه، أو لكان مجتمعاً بعد افتراقه، أو لكان قابلاً للتفريق. فاللازم باطل فإن الكلام إنما هو في الصفات اللازمة للموصوف الذي يمتنع وجوده بدونها.
وإن أراد بالمركب الموصوف أو ما يشبه ذلك فلِم قالوا أن ذلك يمتنع؟!
وأما قولهم (والمركب مفتقر إلى غيره) فالجواب عنه: أما المركب بالتفسير الأول فهو مفتقر إلى ما يباينه وهذا ممتنع على الله تعالى.
وأما الموصوف بصفات الكمال اللازمة لذاته الذي سميتموه أنتم مركباً فليس في اتصافه هذا ما يوجب كونه مفتقراً إلى مباين له.
وإن قالوا: هي غيره وهو لا يوجد إلا بها وهذا افتقار إليها، قيل لهم: إن أرادوا بقولهم هي غيره أنها مباينة له فذلك باطل. وإن أرادوا أنها ليست إياه، قيل لهم: إذا لم تكن الصفة هي الموصوف فأي محذور في هذا.
وإذا قالوا: هو مفتقر إليها، قيل: أتريدون بالافتقار أنه مفتقر إلى فاعل يفعله أو محل يقبله؟ أم تريدون أنه مستلزم لها فلا يكون موجوداً إلا وهو متصف بها؟
أما الثاني فأي محذور فيه؟ وأما الأول فباطل إذ الصفة اللازمة للموصوف لا يكون فاعلاً لها .
أما قولهم: (أنه لو كان صفة لكان مركباً والمركب مفتقر إلى جزئيه)، فهذا القول لا يتم إلا عند من يثبت الجوهر الفرد، أما نفاته فعندهم أن الجسم في نفسه واحد بسيط ليس مركباً من الجواهر المنفردة.
وهذه المسألة خلافية قد توقف فيها أذكى المتأخرين من الأشعرية وإمامهم أبو المعالي الجوني وكذلك أذكى متأخري المعتزلة أبو الحسين البصري وكذلك الرازي فهي مقدمة ممنوعة لا تصلح دليلا لوجود النـزاع فيها حتى بين الفلاسفة أنفسهم .
2ـ شبهة المعتزلة:
وأما شبهة المعتزلة التي اعتمدوا عليها في نفي صفات الباري عز وجل بما فيها صفة العلو فهي ما تسمى بطريقة الأعراض، ذلك أنهم يزعمون أن الصفات إنما هي أعراض، والأعراض لا تقوم إلا بجسم، والأجسام حادثة، والله منـزه عن الحوادث، ومن أجل ذلك كان قول المعتزلة في الله: إنه قديم واحد ليس معه في القدم غيره، فلو قامت به الصفات لكان معه غيره ولكان جسماً إذ إن ثبوت الصفات يقتضي كثرة وتعدداً في ذاته ويقتضي أنه جسم وذلك خلاف التوحيد.
فهم يزعمون أن توحيد الله وتنـزيهه متوقف على أنه ليس بجسم، وكونه ليس بجسم موقوف على عدم قيام الأعراض والحوادث به التي هي الصفات والأفعال، ونفي ذلك عندهم موقوف على ما يدل عليه حدوث الأجسام، والذي دلهم على حدوث الأجسام أنها لا تخلو من الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث لا يسبقها، وما لا يسبق الحوادث فهو حادث.
ويزعمون أيضاً أن الأجسام لا تخلو من الأعراض، والأعراض لا تبقى زمانين فهي حادثة، فإذا لم تخل الأجسام منها لزم حدوثها.
ويزعمون أيضاً أن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، والمركب مفتقر إلى جزئيه وجزءاه غيره، وما افتقر إلى غيره لم يكن إلا حادثاً مخلوقاً، فالأجسام متماثلة فكل ما صح على بعضها صح على جميعها، وقد صح على بعضها التحليل والتركيب والاجتماع والافتراق فيجب أن يصح على جميعها .
والمعتزلة يقولون أننا بهذا الطريق أثبتنا حدوث العالم ونفي كون الصانع جسماً وإمكان المعاد.
الرد عليهم:
مما تقدم نعلم أن المعتزلة إنما بنوا دليلهم في نفي الصفات على أن القديم لا يكون محلا للصفات والحركات فلا يكون جسماً ولا محيزاً لأن الصفات أعراض وهم يستدلون على حدوث الجسم بحدوث الأعراض والحركات، وأن الجسم لا يخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
فهم بهذا القول نفوا صفات الباري وجعلوا نفيها يتوقف عليه ثبوت الصانع وحدوث العالم، فإذا جاء في القرآن والسنة ما يدل على إثبات الصفات لم يمكن القول بموجبه.
والمتدبر لحجج المعتزلة يرى فيها الأمور التالية:
أولاً: أنهم يستدلون لأقوالهم بعبارات مبتدعة وفيها الكثير من الاشتباه والإجمال، وذلك كلفظ العرش والجسم والحيز والمركب وغير ذلك، فهم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ليخدعوا به جهال الناس بما يشبهون عليهم، وهذه الألفاظ المجملة تتضمن معاني باطلة ومعاني أخرى صحيحة فهم بهذا ينفون كلا المعنيين الحق والباطل.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ما في هذه الألفاظ من معانٍ، وما تدل عليه من عبارات ، وكيف استعملها هؤلاء المعطلة في نفي صفات الباري عز وجل حيث ادعوا أن هذه الأمور من مستلزمات الجسمية، والله منـزه من ذلك، وقد بين شيخ الإسلام أن استعمال هذه الألفاظ نفياً وإثباتاً لم يرد عن السلف ولا جاء به أثر صحيح ولم يستعملها الأقدمون بالمعنى الاصطلاحي الذي اتفق عليه هؤلاء، بل جميعهم معترفون بأن العلو صفة كمال كما أن السفل صفة نقص، وما ثبت لله من العلو فهو العلو المناسب لكمال ذاته المنـزهة عن اعتبارات المحدثين ومماثلتهم.
ومعلوم أن القول بأن العلو يستلزم هذه المعاني المبهمة إنما هو مأخوذ من قياس الغائب على الشاهد، ومحاولة تطبيق الاعتبارات الإنسانية على الصفات الإلهية، وهذا قياس خاطئ إذ ليس معنى كونه في السماء أن السماء تحويه وتحيط به وتحصره، أو هي محل وظرف له، بل هو سبحانه محيط بكل شيء وسع كرسيه السموات والأرض، وهو فوق كل شيء وعالٍ على كل شيء .
ثانيا: أن ما استدل به المعتزلة لا أصل له من الكتاب أو السنة بل هو مأخوذ من كلام الفلاسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعاً ليس بعالم ولا قادر ولا حي .
كما أن مذهب المعتزلة في الذات قريب من مذهب اليونان القائلين بأن ذات الله واحدة لا كثرة فيها بوجه من الوجوه .
ثالثاً: أن أصل هذه القاعدة التي اعتمد عليها المعتزلة في نفي الصفات إنما هي مأخوذة من قولهم في دليل حدوث العالم الذي أثبتوا فيه حدوث العالم بحدوث الأجسام. وهذا الدليل قد بين الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر: أنه دليل محرم في شرائع الأنبياء، ولم يستدل به أحد من الرسل ولا أتباعهم ، فهي بهذا طريق يحرم سلوكها لما فيها من الخطر والتطويل وما يلزم عليها من لوازم باطلة لأنها مستلزمة لنفي الصانع بالكلية، وهي مستلزمة لنفي صفاته ونفي أفعاله ونفي المبدأ والمعاد، فهذه الطريق لا تتم إلا بنفي سمع الرب وبصره وقدرته وحياته وإرادته وكلامه فضلاً عن نفي علوه على خلقه ونفي الصفات الخبرية من أولها إلى آخرها، فلو صحت هذه الطريقة لنفت الصانع وأفعاله وصفاته وكلامه وخلقه للعالم وتدبيره له.
وما يثبته أصحاب هذه الطريقة من ذلك لا حقيقة له بل هو لفظ لا معنى له، وأن الله بذاته في كل مكان، وقال إخوانهم إنه ليس داخل العالم ولا خارج العالم، وقالوا بخلق القرآن إلى غير ذلك من اللوازم الباطلة .
3ـ شبه متأخري الأشاعرة:
وهم أيضاً ينفون صفة العلو لأنها من الصفات الخبرية ، ومعلوم أن مذهب متأخري الأشاعرة في الصفات أنهم يثبتون سبع صفات فقط وهي ما يسمونها بصفات المعاني وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام، وهم يثبتون لهذه الصفات أربعة أحكام هي:
1ـ أن هذه الصفات ليست هي الذات بل زائدة عليها فصانع العالم عندهم عالم بعلم وحي بحياة وقادر وهكذا.
2ـ أن هذه الصفات كلها قائمة بذات الله تعالى ولا يجوز أن يقوم شيء منها بغير ذاته لأن الدليل دل على أنه متصف بها ولا معنى لاتصافه بها إلا قيامها بذاته، حتى لو قلنا: إنه عالم كان هو بعينه مفهوم قولنا قام بذاته علم، فلا تكون الصفة لشيء إلا إذا قامت به لا بغيره.
3ـ أن هذه الصفات كلها قديمة لأنها إن كانت حادثة كان القديم محلاً للحوادث وهذا محال، أو متصف بصفة لا تقوم به وذلك أظهر استحالة.
4ـ أن الأسماء المشتقة لله تعالى من هذه الصفات السبع صادقة عليه أزلاً وأبداً فهو في القدم كان حياً قادراً عليماً سميعاً بصيراً متكلماً .
فهم على قولهم هذا لا يثبتون سوى هذه الصفات السبع فقط لأنها قديمة. أما باقي الصفات التي يسمونها الصفات الخبرية فهم ينفونها جميعها، بدعوى تنـزيه ذات الله عن الحوادث.
ومتأخرو الأشاعرة هؤلاء وإن كانوا يخالفون المعتزلة في جعلهم الصفة غير الذات كما في الحكم الأول فيثبتون الصفات القديمة من هذا الباب، إلا أنهم قد وافقوا المعتزلة في دليلهم المسمى بدليل نفي الحوادث فنفوا باقي الصفات الأخرى، ذلك لأن قولهم في الحكم الثالث من الأحكام الأربعة التي أوردناها إنها لو كانت حادثة لكان القديم محلا للحوادث، هو بعينه ما استدل به المعتزلة على نفي الصفات .
ويقول متأخرو الأشاعرة في دليلهم العقلي على نفي العلو إن إثبات العلو يقتضي إثبات الجهة وإثبات الجهة يقتضي كونه جسماً، وكونه جسماً يقتضي كونه مركباً، والمركب مفتقر إلى جزئيه، والمفتقر إلى جزئيه لا يكون إلا حادثا والله سبحانه منـزه عن الحوادث .
فعلى قولهم هذا يكونون هم والمعتزلة على دليل واحد، وقد سبق أن ذكرنا الرد على المعتزلة فيكون الرد على هؤلاء من جنس الرد على أولئك، ويضاف إلى ذلك أن القول في الصفات التي نفاها هؤلاء هو كالقول في الصفات التي أثبتوها، فإن كان هذا تجسيماً وقولا باطلاً فهذا كذلك.
وإن قالوا: إن إثباتها على الوجه الذي يليق بالرب.
قيل لهم: وكذلك هذا.
فإن قالوا: نحن نثبت تلك الصفات وننفي التجسيم.
قيل لهم: وهذا كذلك، فليس لكم أن تفرقوا بين المتماثلين .
4ـ شبه النفاة السمعية في نفي صفة العلو:
لقد سبق وأن ذكرنا أن المعطلة قد انقسموا في هذه المسألة إلى فريقين:
فأما الفريق الأول: وهم القائلون بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته وهؤلاء كما سبق أن ذكرنا ليس لهم دليل واحد من الكتاب أو السنة.
وأما الفريق الثاني: وهم القائلون بأن الله بذاته في كل مكان فقد احتجوا لقولهم هذا بنصوص "المعية" و"القرب" الواردة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة 7]، وقوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُم} [النساء 108]، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد 4]، وقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة 40]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق 16]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف 84]، وقوله تعالى: {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام3].
وقد زعم حلولية الجهمية أن المراد بهذه النصوص معية الذات وقرب الذات، فلذلك قالوا: إن الله بذاته في كل مكان.
الرد عليهم:
قد أبطل علماء السلف زعم هؤلاء الجهمية واستدلالهم بهذه الآيات ويبينوا أن كل نص يحتجون به هو في الحقيقة حجة عليهم، فنصوص المعية التي استدلوا بها لا تدل بأي حال من الأحوال على ما زعمه هؤلاء، وذلك لأن كلمة (مع) في لغة العرب لا تقتضي أن يكون أحد الشيئين مختلطاً بالآخر، وهي إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى.
ولفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع واقتضت في كل موضع أموراً لم تقتضها في الموضع الآخر، وذلك بحسب اختلاف دلالتها في كل موضع وهي قد وردت في القرآن بمعنيين هما:
المعنى الأول: المعية العامة
والمراد بها أن الله معنا بعلمه، فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم، ومهيمن وعالم بهم، وهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
فالله سبحانه وتعالى قد افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر ، وأبو عمرو الطلمنكي، وابن تيمية ، وابن القيم .
وعلى هذا فلا حجة للمخالفين في ظاهر هذه الآية.
وكذلك أيضاً ما جاء في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
فظاهر الآية دال على أن المراد بهذه المعية هو علم الله تبارك وتعالى واطلاعه على خلقه، فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه فوق العرش يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، فجمع تعالى في هذه الآية بين العلو والمعية، فليس بين الاثنين تناقض البتة، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: "والله فوق العرش يعلم ما أنتم عليه".
المعنى الثاني: المعية الخاصة
وهي معية الاطلاع والنصرة والتأييد، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه مثل قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}، وقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل 128].
فهذه المعية على ظاهرها وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد.
ولفظ المعية على كلا الاستعمالين ليس مقتضاه أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق، ولو كان معنى المعية أنه بذاته في كل مكان لتناقض الخبر العام والخبر الخاص، ولكن المعنى أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك .
وأما استدلالهم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "إن هذه الآية لا تخلوا من أن يراد بها قربه سبحانه أو قرب ملائكته كما قد اختلف الناس في ذلك.
فإن أريد بها قرب الملائكة: فدليل ذلك من الآية قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ففسر ذلك القرب الذي هو حين يتلقى المتلقيان، فيكون الله سبحانه قد أخبر بعلمه هو سبحانه بما في نفس الإنسان، {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} وأخبر بقرب الملائكة الكرام الكاتبين منه، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وعلى هذا التفسير تكون هذه الآية مثل قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف 80].
أما إذا كان المراد بالقرب في الآية قربه سبحانه، فإن ظاهر السياق في الآية دل على أن المراد بقربه هنا قربه بعلمه، وذلك لورود لفظ العلم في سياق الآية {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}" .
وأما استدلالهم بقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}، فمعنى الآية: أي هو إله من في السموات وإله من في الأرض.
قال ابن عبد البر: "فوجب حمل هذه الآية على المعنى الصحيح المجتمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذلك قال أهل العلم بالتفسير" .
وقال الآجري: "وقوله عز وجل {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} فمعناه: أنه جل ذكره إله من في السموات وإله من في الأرض، وهو الإله يعبد في السموات، وهو الإله يعبد في الأرض، هكذا فسره العلماء" .
وروى الآجري بسنده في تفسيره هذه الآية عن قتادة قوله: "هو إله يعبد في السماء، وإله يعبد في الأرض" .
وأما استدلالهم بقوله تعالى {هُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} فقد فسرها أئمة العلم كالإمام أحمد وغيره أنه المعبود في السموات والأرض .
وقال الآجري: "وعند أهل العلم من أهل الحق {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرّكُمْ وَجَهْرَكُم وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُون} هو كما قال الحق {يَعْلَمُ سِرّكُمْ} فما جاءت به السنن أن الله عز وجل على عرشه، وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما تسرون وما تعلنون، ويعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون" .
القول الثاني:
وهو قول من يقول: إن الله بذاته فوق العرش وهو بذاته في كل مكان.
هذا قول جماعة من أهل الكلام والتصوف كأبي معاذ التومنى ، وزهير الأثري ، وأصحابهما ، وهو موجود في كلام السالمية كأبي طالب المكي وأتباعه كأبي الحكم برجان وأمثاله ما يشير إلى نحو هذا. كما يوجد في كلامهم ما يناقض هذا فهم يقولون بأن الله في كل مكان، وأنه مع ذلك مستو على عرشه وأنه يرى بالأبصار بلا كيف، وأنه موجود الذات بكل مكان، وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول ولا المماسة، ويزعمون أنه يجيء يوم القيامة كما قال تعالى: {وَجَاَءَ رَبُّكَ} [الفجر 22]، وقولهم هذا يشبه قول بعض مثبتة الجسم الذين يقولون إنه لا نهاية له .
والفرق بين هذا القول وقول الجهمية: بأن الله في كل مكان هو أن هؤلاء يثبتون العلو ونوعا من الحلول، أما الجهمية فلا يثبتون العلو على مقصود هؤلاء من الاستواء على العرش والمباينة.
ويزعم أصحاب هذا القول أنهم بقولهم هذا قد اتبعوا النصوص كلها سواء كانت نصوص علو أو معية أو قرب.
الرد عليهم:
إنهم بقولهم هذا جمعوا بين كلام أهل السنة وكلام الجهمية، ولذلك كان قولهم ظاهر الخطأ وغاية في التناقض.
أما بيان خطئه فيكمن في أن كل من قال بأن الله بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده، ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة، فالقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تنص على علو الله بذاته فوق خلقه واستوائه على عرشه وبينونته من خلقه، كما أن السنة قد تحدثت عن هذا المعنى في كثير من الأحاديث، كقصة المعراج وصعود الملائكة ونزولها من عند الله وعروج الروح إليه واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، فكل هذه الأدلة تبين بطلان هذا القول ومخالفته.
وأما استدلال هؤلاء بنصوص المعية والقرب، فقد بينا خطأ هذا الاستدلال وبطلانه عند الرد على الأدلة السمعية لمذهب الجهمية، وقد بينا أنه ليس للمخالفين أي متمسك في جعلها لمعية الذات أو قرب الذات.
أما بيان تناقض هذا القول: فهو واضح من أقوالهم، فهم يجمعون بين أقوال متناقضة، فهم تارة يقولون إنه بذاته فوق العرش، وتارة يقولون إنه فوق العرش ونصيب العرش فيه كنصيب قلب العارف -كما يذكر ذلك أبو طالب المكي وغيره-، ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان وما يتبع ذلك.
فإن قالوا: إن العرش كذلك، فقد نقضوا قولهم بأنه بنفسه فوق العرش.
وإن قالوا بحلول ذاته في قلوب العارفين، كان ذلك قولا بالحلول الخاص، وهذا ما وقع فيه طائفة من الصوفية ومنهم صاحب منازل السائرين .

الفصل الثاني: الأقوال في صفة الاستواء.

المبحث الأول
مذهب السلف في الاستواء
والمقصود بالسلف هم الصحابة والتابعون ومن سار على نهجهم.
ولقد كان قولهم في الاستواء كقولهم في سائر صفات الله فهم وسط بين طائفتين هم المعطلة والمشبهة.
فهم لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا ذاته بذوات خلقه كما يفعل المشبهة.
وكذلك لا ينفون عن الله ما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعطلون أسماءه وصفاته، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويلحدون في أسمائه وآياته كما فعل المعطلة.
بل كان مذهبهم في سائر الصفات -بما في ذلك الاستواء- أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نفياً وإثباتاً.
وطريقتهم في الإثبات أنهم يثبتون ما أثبته الله من الصفات من غير تكييف لها، ولا تحريف، ولا تمثيل، ولا تعطيل.
وطريقتهم في النفي أنهم ينفون عن الله ما نفاه عن نفسه مع إثبات كمال ضد ذلك المنفي.
فطريقة السلف هي إثبات أسماء الله وصفاته مع نفي مماثلة المخلوقين، إثبات بلا تشبيه وتنـزيه بلا تعطيل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى 11]، ففي قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد للتشبيه والتمثيل، وفي قوله {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} رد للإلحاد والتعطيل .
ولقد كانت هذه طريقة السلف في جميع الصفات دون تفريق بين صفة وصفة، وفي ذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة" .
وبناءاً على هذه القاعدة كان مذهب السلف في صفة الاستواء أنهم يثبتون استواء الله على عرشه استواءاً يليق بجلاله وعظمته، ويناسب كبريائه، وهو بائن من خلقه وخلقه بائنون منه.
فالاستواء صفة ثابتة في القرآن والسنة وقد أجمع سلف الأمة على إثباتها.
وذكر صفة الاستواء جاء في سبعة مواضع من القرآن الكريم، وسيأتي ذكرها كما أن السنة مليئة بالأحاديث الثابتة الصحيحة الدالة على علو الله واستوائه على عرشه.
والسلف يقولون إن معنى هذا الاستواء الوارد في الكتاب والسنة معلوم في اللغة العربية، كما قال ربيعة بن عبد الرحمن، والإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
فقولهم: (الاستواء معلوم): أي أن معنى الاستواء معلوم في اللغة، وهو ههنا بمعنى العلو والارتفاع.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن لفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله بلغتهم وأنزل به كلامه نوعان: مطلق، ومقيد.
فالمطلق: ما لم يوصل معناه بحرف مثل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص 14]، وهذا معناه: كمل وتم، ويقال: استوى النبات، واستوى الطعام.
وأما المقيد فثلاثة أضرب:
أحدها: مقيد "بإلى" كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}، واستوى فلان إلى السطح وإلى الغرفة، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى المعدى بإلى في موضعين من كتابه، الأول في سورة البقرة في قوله {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}[البقرة 29]، والثاني في سورة فصلت {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان}[فصلت 11]، وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف.
الثاني: المقيد "بعلى" كقوله تعالى {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف 13]، وقوله {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود 44]، وقوله {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح 29]، وهذا أيضاً معناه العلو والارتفاع والاعتدال بإجماع أهل اللغة.
الثالث: المقرون "بواو مع" التي تعدى الفعل إلى المفعول معه نحو استوى الماء والخشبة، بمعنى ساواها وهذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم" .
ومما يؤكد أيضاً أن السلف يعلمون معنى الاستواء قول ابن عبد البر: "والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه".
قال أبو عبيدة في قوله {اسْتَوَى} قال: علا، قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد، والاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله عز وجل فقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}، وقال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}، وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون 28].
وقال الشاعر:
فأوردتهم ماء بضبضاء قفرة

وقد حلق النجم اليماني فاستوى
وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد: استولى؛ لأن النجم لا يستولي.
وقد ذكر النضر بن شميل -وكان ثقة مأموناً جليلاً في علم الديانة واللغة- قال: "حدثني الخليل -وحسبك بالخليل- قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا: استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال؟ فقال لنا أعرابي إلى جنبه: إنه أمركم أن ترتفعوا، قال الخليل: هو من قول الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} فصعدنا إليه" .
وقال ابن القيم: "إن ظاهر الاستواء وحقيقته هو العلو والارتفاع كما نص عليه جميع أهل اللغة والتفسير المقبول" .
ولما كان هذا هو معنى الاستواء في لغة العرب فقد تكلم السلف والمفسرون بهذا المعنى عند تفسير هذه الآية، فقد روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش} قال: علا على العرش .
وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن أبي العالية في تفسير الآية السابقة الذكر قال: ارتفع .
وقد روي عن الحسن البصري والربيع بن أنس مثله .
وقد روى اللالكائي بسنده عن بشر بن عمر قال: "سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، قال: على العرش استوى: ارتفع" .
وفي هذا التفسير لمعنى الاستواء من قبل السلف رد على من زعم أن مذهب السلف هو التقيد باللفظ مع تفويض المعنى المراد، وأنهم كانوا لا يفسرون الاستواء ولا يتكلمون فيه، فمن خلال ما تقدم من الأقوال التي نقلت عن السلف يتضح كذب هؤلاء وزيف ادعائهم.
ومما ينبغي معرفته أن السلف مع إثباتهم لمعنى الاستواء واعتقادهم بأن الله مستو على عرشه ومرتفع عليه، إلا أنهم يكلون علم كيفية ذلك الاستواء إلى الله عز وجل لأن أمره هو مما استأثر الله بعلمه. وفي ذلك يقول القرطبي: "ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته كما قال الإمام مالك: (الاستواء معلوم -يعني في اللغة- والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة") .
وقال ابن القيم: "إن العقل قد يئس من تعرف كنه صفات الله وكيفيتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله. وهذا معنى قول السلف (بلا كيف)، أي: بلا كيف يعقله البشر، فإنه من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟ ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك. كما أنا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف كيفيتها مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فعجزنا من معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم" .

المبحث الثاني
أقوال المخالفين
الفريق الأول: نفاة الاستواء
سبق أن ذكرنا أن المعطلة من الفلاسفة، والجهمية، و‎الأشاعرة، والماتريدية، على الرغم من أن لكل واحد منهم منهجاً مستقلاً في مسألة الصفات يتفقون جميعاً على إنكار الصفات الاختيارية بما فيها صفة الاستواء، ويذهبون إلى تأويل الآيات القرآنية الواردة في إثباتها إلى ما أدت إليه عقولهم من المعاني الفاسدة التي يزعمون أن في ذلك تنـزيهاً لله عن مشابهة المخلوقين.
وإن سبب ذلك التأويل الباطل هو اعتقاد هؤلاء المعطلة أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها النصوص، وذلك بسبب الشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الفلاسفة، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر -وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى- بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وهي التي يسميها هؤلاء المعطلة طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف، وهي التي يسمونها طريقة الخلف.
وبهذا يتبين لنا أن هذا الباطل الذي ذهب إليه هؤلاء المعطلة إنما هو مركب من فساد العقل والكفر بالسمع، وذلك لأنهم إنما اعتمدوا في نفي تلك الصفات على شبه عقلية ظنوها بينات وهي في الحقيقة شبهات.
وبناء على المسلك الثاني الذي سلكه هؤلاء المعطلة من تأويل تلك النصوص، فقد تعددت أقوالهم واختلفت في المعنى الذي يجب أن يؤول إليه لفظ الاستواء الوارد في الآيات إلى عدة أقوال منها:
القول الأول:
من هؤلاء المعطلة من يؤول معنى الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} على الاستيلاء والقهر والغلبة.
وهذا القول يذهب إليه كثير من الجهمية ، والمعتزلة ، والحرورية ، وكثير من متأخري الأشاعرة ، كسيف الدين الآمدي ،
والغزالي ، والبغدادي ، وغيرهم.
وقد استدل هؤلاء المعطلة على صحة زعمهم هذا بأن تأويل الاستواء بالاستيلاء أمر مشهور في لغة العرب من ذلك:
قول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ولا دم مهراق
وقال الآخر:
هما استويا بفضلهما جميعاً *** على عرش الملوك بغير زور
وقال الآخر:
فلما علونا واستوينا عليهم *** تركناهم صرعى لنسر كاسر

وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر -رحمه الله تعالى- أن بعضهم قد احتج بما رواه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، قال: "استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان" .
ومن هؤلاء المعطلة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع 5   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 22:38

الفصل الثالث: مسائل متعلقة بالعلو والاستواء‎.

المبحث الأول: هل يخلو العرش منه حال نزوله
لأهل السنة في المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: ينزل ويخلو منه العرش .
وهو قول طائفة من أهل الحديث .
القول الثاني: ينزل ولا يخلو منه العرش .
وهو قول جمهور أهل الحديث .
ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وحماد بن زيد، وعثمان ابن سعيد الدارمي وغيرهم .
القول الثالث: نثبت نزولاً، ولا نعقل معناه هل هو بزوال أو بغير زوال.
وهذا قول ابن بطة والحافظ عبد الغني المقدسي وغيرهما .
أما القول الأول: وهو أنه ينزل ويخلو منه العرش، فمن قال به: أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق بن منده .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد صنف أبو القاسم عبد الرحمن ابن أبي عبد الله بن محمد بن منده، مصنفاً في الإنكار على من قال لا يخلو منه العرش وسماه " الرد على من زعم أن الله في كل مكان، وعلى من زعم أن الله ليس له مكان، وعلى من تأول النزول على غير النزول" .
وقد لخص شيخ الإسلام جملة ما احتج به أبو القاسم ابن منده وبين أنه احتج بأحاديث النزول، وببعض أقوال السلف العامة كقولهمSadيفعل ما يشاء) وذكر بعض اعتراضاته على بعض النقول الواردة عن الأئمة .
وأوضح شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لم ينقل على أحد من الأئمة المعروفين بالسنة بإسناد صحيح ولا ضعيف أن العرش يخلو منه .
وذكر أن كلام أبو القاسم بن منده من جنس كلام طائفة تظن أنه لا يمكن إلا أحد القولين:
1 قول من يقول: إنه ينزل نزولاً يخلو منه العرش.
2 وقول من يقول: ما ثم نزول أصلاً، كقول من يقول: ليس له فعل يقوم بذاته واختياره.
وهاتان الطائفتان ليس عندهما نزول إلا النزول الذي يوصف به أجساد العباد الذي يقتضي تفريغ مكان وشغل آخر.
ثم منهم من ينفي النزول عنه، وينزهه عن مثل ذلك.
ومنهم من أثبت له نزولاً من هذا الجنس، يقتضي تفريغ مكان وشغل آخر .
والقول بخلو العرش حال نزوله مرتبط بمسألة: هل يقال في النزول والإتيان والمجيء إنه بحركة وانتقال؟.
وقد اختلف أصحاب الإمام أحمد وغيرهم من المنتسبين إلى السنة والحديث في المسألة على ثلاثة أقوال ذكرها القاضي أبو يعلى في كتاب "اختلاف الروايتين والوجهين" ، وهذه الأقوال هي:
1 أنه نزول انتقال وهو قول أبي عبد الله بن حامد.
2 أنه نزول بغير انتقال وهو قول أبي الحسن التميمي وأهل بيته، وأن معناه: قدرته .
3 الإمساك عن القول في المسألة، وهو قول أبي عبد الله بن بطة وغيره. ثم هؤلاء فيهم من يقف عن إثبات اللفظ مع الموافقة على المعنى وهو قول كثير منهم، ومنهم من يمسك عن إثبات المعنى وعن اللفظ .
والذي يخصنا من الأقوال الثلاثة قول ابن حامد الذي ذهب إلى أنه نزول انتقال وقال لأن هذا حقيقة النزول عند العرب، وهو نظير قوله في الاستواء بمعنى قعد.
قال القاضي أبو يعلى: "فذهب شيخنا أبو عبد الله -يعني ابن حامد- أنه نزول انتقال، وقال: لأن هذا حقيقة النزول عند العرب، وهذا نظير قوله في الاستواء، يعني قعد، وهذا على ظاهر حديث عبادة بن الصامت ، ولأن أكثر ما في هذا أنه من صفات الحدث في حقنا، وهذا لا يوجب كونه في حقه محدثاً، كما الاستواء على العرش، هو موصوف به مع اختلافنا في صفته، وإن كان هذا الاستواء لم يكن موصوفاً به في القدم، وكذلك نقول تكلم بحرف وصوت، وإن كان هذا يوجب الحدث في صفاتنا، ولا يوجبه في حقه، كذلك النزول" .
وقال ابن القيم رحمه الله: "أما قول ابن حامد أنه نزول انتقال فهو موافق لقول من يقول يخلو منه العرش، والذي حمله على هذا إثبات النزول حقيقة، وأن حقيقته لا تثبت إلا بالانتقال، ورأى أنه ليس في العقل ولا في النقل ما يحيل الانتقال عليه، فإنه كالمجيء والإتيان والذهاب والهبوط، وهذه أنواع الفعل اللازم القائم به، كما أن الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والقبض، والبسط أنواع للفعل المتعدي، وهو سبحانه موصوف بالنوعين، وقد يجمعهما كقوله {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف 54 ].
والانتقال جنس لأنواع المجيء، والإتيان، والنزول، والهبوط، والصعود، والدنو، والتدلي ونحوها؛ وإثبات النوع مع نفي جنسه جمع بين النقيضين.
قالوا: وليس في القول بلازم النزول والمجيء والإتيان والاستواء والصعود محذور البتة ولا يستلزم ذلك نقصاً، ولا سلب كمال، بل هو الكمال نفسه، وهذه الأفعال كمال ومدح، فهي حق دل عليه النقل ولازم الحق حق" .
القول الثاني: أنه ينزل ولا يخلو منه العرش.
وهذا القول ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قول جمهور أهل الحديث .
وقال: "ونقل ذلك عن الإمام أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدد، وعن إسحاق بن راهويه، وحماد بن زيد، وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم" .
قال القاضي أبو يعلى: "وقد قال أحمد في رسالته إلى مسدد: إن الله عز وجل ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا ولا يخلو من العرش. فقد صرح أحمد بالقول إن العرش لا يخلو منه" .
وسأل بشر بن السري حماد بن زيد، فقال: "يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" يتحول من مكان إلى مكان؟ فسكت حماد بن زيد، ثم قال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء" .
وقال إسحاق بن راهويه: "دخلت على عبد الله بن طاهر، فقال: ما هذه الأحاديث التي تروونها؟
قلت: أي شيء أصلح الله الأمير؟
قال: تروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا.
قلت: نعم، رواه الثقات الذين يروون الأحكام.
قال: أينزل ويدع عرشه؟
قال: فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو العرش منه؟
قال: نعم.
قلت: ولم تتكلم في هذا؟" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن قول إسحاق وقول حماد بن زيد: "وهذه والتي قبلها حكايتان صحيحتان رواتهما ثقات، فحماد بن زيد يقول: هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف يشاء، فأثبت قربه مع كونه فوق عرشه.
وعبد الله بن طاهر وهو من خيار من ولي الأمر بخراسان كان يعرف أن الله فوق العرش، وأشكل عليه أنه ينزل، لتوهمه أن ذلك يقتضي أن يخلو منه العرش، فأقره الإمام إسحاق على أنه فوق العرش، وقال له: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ فقال له الأمير: نعم. فقال له إسحاق: لم تتكلم في هذا؟
يقول: فإذا كان قادراً على ذلك لم يلزم من نزوله خلو العرش منه، فلا يجوز أن يعترض على النزول بأنه يلزم منه خلو العرش، وكان هذا أهون من اعتراض من يقول: ليس فوق العرش شيء، فينكر هذا وهذا" .
القول الثالث: من يقول نثبت نزولاً ولا نعقل معناه، هل هو بزوال أو بغير زوال.
وهذا القول قال به ابن بطة ، وعبد الغني المقدسي ، وغيرهما.
قال ابن بطة: "فنقول كما قال: "ينزل ربنا عزوجل" ولا نقول: إنه يزول، بل ينزل كيف يشاء، لا نصف نزوله ولا نحده، ولا نقول: إن نزوله زواله".
وروى بسنده عن حنبل بن إسحاق قال: "قلت لأبي عبد الله: ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا؟
قال: نعم.
قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟
قال: فقال لي: اسكت عن هذا، وغضب غضباً شديداً، وقال: مالك ولهذا؟ أمض الحديث كما روي بلا كيف" .
وقال القاضي أبو يعلى: "وحكى شيخنا -يعني ابن حامد- عن طائفة أخرى من أصحابنا أنهم قالوا: نثبت نزولاً لا يعقل معناه هل هو زوال أو بغير زوال، كما جاء الخبر، ومثل هذا ليس يمتنع في صفاته، كما يثبت له ذاتاً ينفي عنها ماهيتها، وهذه الطريقة هي المذهب، وقد نص أحمد عليها في مواضع" . وذكر الأثر الذي ذكره ابن بطة عن حنبل.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الذين أمسكوا عن الأمرين وقالوا: لا نقول يتحرك وينتقل، ولا ننفي ذلك عنه، فهم أسعد بالصواب والاتباع، فإنهم نطقوا بما نطق به النص، وسكتوا عما سكت عنه، وتظهر صحة هذه الطريقة ظهوراً تاماً فيما إذا كانت الألفاظ التي سكت عنها النص مجملة، محتملة المعنيين صحيح وفاسد، كلفظ (الحركة)، و(الانتقال)، و(الحوادث)، و(العلة)، و(التغير)، و(التركيب)، ونحو ذلك من الألفاظ التي تحتها حق وباطل.
فهذه لا تقبل مطلقاً، ولا ترد مطلقاً، فإن الله سبحانه لم يثبت لنفسه هذه المسميات، ولم ينفيها عنه، فمن أثبتها مطلقاً فقد أخطأ، ومن نفاها مطلقاً فقد أخطأ، فإن معانيها منقسمة إلى ما يمتنع إثباته لله، وما يجب إثباته له.
فإن الانتقال يراد به:
1 انتقال الجسم والعرض من مكان هو محتاج إليه إلى مكان آخر يحتاج إليه. وهو يمتنع إثباته للرب تبارك وتعالى، وكذلك الحركة إذا أريد بها هذا المعنى امتنع إثباتها لله تعالى.
2 ويراد بالحركة والانتقال حركة الفاعل من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلاً، وانتقاله أيضاً من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلاً. فهذا المعنى حق في نفسه لا يعقل كون الفاعل فاعلاً إلا به فنفيه عن الفاعل نفي لحقيقة الفعل وتعطيل له.
3 وقد يراد بالحركة والانتقال ما هو أعم من ذلك، وهو فعل يقوم بذات الفاعل يتعلق بالمكان الذي قصد له وأراد إيقاع الفعل بنفسه فيه.
وقد دل القرآن والسنة والإجماع على أنه سبحانه يجيء يوم القيامة، وينزل لفصل القضاء بين عباده، ويأتي في ظلل من الغمام والملائكة، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وينزل عشية عرفة، وينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، وينزل إلى أهل الجنة. وهذه أفعال يفعلها بنفسه في هذه الأمكنة فلا يجوز نفيها عنه بنفي الحركة والنقلة المختصة بالمخلوقين، فإنها ليست من لوازم أفعاله المختصة به، فما كان من لوازم أفعاله لم يجز نفيه عنه، وما كان من خصائص الخلق لم يجز إثباته له.
وحركة الحي من لوازم ذاته، ولا فرق بين الحي والميت إلا بالحركة والشعور، فكل حي متحرك بالإرادة وله شعور فنفي الحركة عنه كنفي الشعور، وذلك يستلزم نفي الحياة"


المبحث الثاني: مسائل الحد والمماسة‎.

المطلب الأول
حكم الألفاظ المجملة
قبل الحديث عن المسائل المتعلقة بالحد والمماسة والمباينة وغيرها من الألفاظ المجملة، يحسن توضيح بعض القواعد المتعلقة بذلك وهي على النحو التالي:
أولاً: يجب أن يعلم أن توحيد الأسماء والصفات يشتمل على ثلاثة أبواب:
الباب الأول: باب الأسماء.
الباب الثاني: باب الصفات.
الباب الثالث: باب الإخبار .
ثانياً: إن باب الأسماء هو أخص تلك الأبواب، فما صح اسما، صح صفة وصح خبراً وليس العكس.
وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، وأخص من باب الإخبار، فما صح صفة فليس شرطاً أن يصح اسماً، فقد يصح وقد لا يصح، مع أن الأسماء جميعها مشتقة من صفاته، وكل صفة يصح الإخبار بها وليس العكس.
وباب الإخبار أوسع من باب الصفات وباب الأسماء، فالله يخبر عنه بالاسم والصفة، وبما ليس باسم ولا صفة كألفاظ (الشيء) و(الموجود) و(القائم بنفسه) و(المعلوم)، فإنه يخبر بهذه الألفاظ عنه ولا تدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولكن يشترط في اللفظ أن لا يكون معناه سيئاً .
ثالثاً: إن باب الأسماء والصفات توقيفيان.
فالأصل في إثبات الأسماء والصفات أو نفيهما عن الله تعالى هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في القرآن والسنة الصحيحة فيجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما فيجب نفيه.
وأما ما لم يرد إثباته ونفيه فلا يصح استعماله في باب الأسماء والصفات إطلاقاً .
قال الإمام أحمد رحمه الله: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وطريقة سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم" .
رابعاً: أما باب الإخبار فالسلف لهم فيه قولان:
القول الأول: أن باب الإخبار توقيفي، فإن الله لا يخبر عنه إلا بما ورد به النص، وهذا يشمل الأسماء والصفات، وما ليس باسم ولا صفة مما ورد به النص ك (الشيء) و(الصنع) ونحوها.
وأما ما لم يرد به النص فإنهم يمنعون استعماله .
القول الثاني: إن باب الإخبار لا يشترط فيه التوقيف، فما يدخل في الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته.
ك (الشيء) و(الموجود) و(القائم بنفسه)، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فالإخبار عنه قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسيء، أي باسم لا ينافي الحسن، ولا يجب أن يكون حسناً. ولا يجوز أن يخبر عن الله باسم سيء فيخبر عن الله بما لم يرد إثباته ونفيه بشرط أن يستفصل عن مراد المتكلم فيه، فإن أراد به حقاً يليق بالله تعالى فهو مقبول، وإن أراد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده .
وبناءً على ما تقدم يمكن تقسيم الألفاظ المجملة -أي التي يرد استعمالها في النصوص- على النحو التالي:
1 ألفاظ ورد استعمالها ابتداءً في بعض كلام السلف.
ومن أمثلة ذلك لفظ (الذات) ولفظ (بائن).
وهذه الألفاظ تحمل معان صحيحة دلت عليها النصوص.
وهذا النوع من الألفاظ يجيز جمهور أهل السنة استعمالها.
وهناك من يمنع ذلك بحجة أن باب الإخبار توقيفي كسائر الأبواب.
والصواب أنه ما دام المعنى المقصود من ذلك اللفظ يوافق ما دلت عليه النصوص، واستعمل اللفظ لتأكيد ذلك فلا مانع.
كقول أهل السنة: "إن الله استوى على العرش بذاته".
فلفظة (بذاته) مراد بها أن الله مستو على العرش حقيقة وأن الاستواء صفة له.
وكقولهم: "إن الله عالٍ على خلقه بائن منهم".
فلفظة (بائن) يراد بها إثبات العلو حقيقة، والرد على زعم من قال إن الله في كل مكان بذاته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود -هنا- أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة، لما فيها من لبس الحق بالباطل، مع ما تُوقعه من الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة، والألفاظ التي بينت معانيها، فإن ما كان مأثوراً حصلت به الألفة، وما كان معروفاً حصلت به المعرفة" .
وقال أيضاً: "فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل.
ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه.
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة، وقالوا إنما قابل البدعة ببدعة ورد باطلاً بباطل" .
فيستفاد من كلام شيخ الإسلام المتقدم أن الألفاظ على أربعة أقسام:
القسم الأول: الألفاظ المأثورة، وهي التي وردت بها النصوص.
القسم الثاني: الألفاظ المعروفة، وهي التي بُيِّنَت معانيها.
القسم الثالث: الألفاظ المبتدعة، التي تدل على معنى باطل.
القسم الرابع: الألفاظ المبتدعة، التي تحتمل الحق والباطل.
فلفظ (الذات) و(بائن) هي من القسم الثاني.
وهذه الألفاظ كما أسلفنا إنما تستعمل في باب الإخبار ولا تستعمل في باب الأسماء والصفات.
ولذلك لما اعترض الخطابي على استعمالها بقوله: "وزعم بعضهم أنه جائز أن يقال له تعالى حد لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي فيقال له: إنما أُحْوِجْنَا إلى أن نقول يد لا كالأيدي لأن اليد قد جاء ذكرها في القرآن وفي السنة فلزم قبولها ولم يجز رَدُّها. فأين ذكر الحد في الكتاب والسنة حتى نقول حد لا كالحدود، كما نقول يد لا كالأيدي؟!" .
فرد شيخ الإسلام ابن تيمية على قول الخطابي من وجوه منها:
"أن هذا الكلام الذي ذكره إنما يتوجه لو قالوا: إن له صفة هي الحد، كما توهمه هذا الراد عليهم. وهذا لم يقله أحد، ولا يقوله عاقل؛ فإن هذا الكلام لا حقيقة له؛ إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات -كما وصف باليد والعلم- صفة معينة يقال لها الحد، وإنما الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره" .
فأهل السنة لم يثبتوا بهذه الألفاظ صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة، بل بينوا بها ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته من خلقه وثبوت حقيقته" .
2 ألفاظ ورد استعمالها في كلام بعض السلف تارة لإثباتها وتارة لنفيها.
ومن أمثلة ذلك: لفظ (الحد) ولفظ (المماسة) وسيأتي بيان حكمها بالتفصيل.
3 ألفاظ ورد استعمالها في كلام بعض السلف وفي كلام خصومهم.
ومن أمثلة ذلك: لفظة (الجهة).
4 ألفاظ ورد استعمالها في كلام الخصوم ولم يرد استعمالها في كلام السلف.
ومن أمثلة ذلك: لفظ (الجسم) و(الحيز) و(واجب الوجود) و(الجوهر) و(العرض).
وأما النوع الثالث والرابع فالجواب عن ذلك أن نقول الأصل في هذا الباب أن الألفاظ نوعان:
النوع الأول: نوع مذكور في كتاب الله وسنة رسوله وكلام أهل الإجماع.
فهذا يجب اعتبار معناه، وتعليق الحكم به، فإن كان المذكور به مدحاً استحق صاحبه المدح، وإن كان ذماً استحق الذم، وإن أثبت شيئاً وجب إثباته، وإن نفى شيئاً وجب نفيه، لأن كلام الله حق، وكلام رسوله حق، وكلام أهل الإجماع حق.
وهذا كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص 1-4]، وقوله تعالى: {هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر 22-23]، ونحو ذلك من أسماء الله وصفاته.
وكذلك قوله تعالى: {ليَْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى 11]، وقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام 103]، وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ.إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة22-23]، وأمثال ذلك مما ذكره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا كله حق.
النوع الثاني: الألفاظ التي ليس لها أصل في الشرع.
فتلك لا يجوز تعليق المدح والذم والإثبات والنفي على معناها، إلا أن يبين أنه يوافق الشرع، والألفاظ التي تعارض بها النصوص هي من هذا الضرب، كلفظ (الجسم) و(الحيز) و(الجهة) و(الجوهر) و(العرض") . فإن هذه الألفاظ يدخلون في مسماها الذي ينفونه أموراً مما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله، فيدخلون فيها نفي علمه وقدرته وكلامه، ويقولون إن القرآن مخلوق، ولم يتكلم الله به، وينفون رؤيته لأن رؤيته على اصطلاحهم لا تكون إلا لمتحيز في جهة وهو جسم، ثم يقولون: والله منزه عن ذلك فلا تجوز رؤيته.
وكذلك يقولون إن المتكلم لا يكون إلا جسماً متحيزاً، والله ليس بجسم متحيز فلا يكون متكلماً.
ويقولون: لو كان فوق العرش لكان جسماً متحيزاً، والله ليس بجسم متحيز، فلا يكون متكلماً فوق العرش وأمثال ذلك" .
الموقف من هذا النوع:
"إذا كانت هذه الألفاظ مجملة -كما ذُكر- فالمخاطب لهم إما:
1 أن يفصل لهم ويقول: ما تريدون بهذه الألفاظ؟
فإن فسروها بالمعنى الذي يوافق القرآن قُبلت. وإن فسروها بخلاف ذلك رُدَّت.
2 وإما أن يمتنع عن موافقتهم في التكلم بهذه الألفاظ نفياً وإثباتاً. ولكن يلاحظ أن الإنسان إذا امتنع عن التكلم بها معهم فقد ينسبونه إلى الجهل والانقطاع.
وأن الإنسان إذا تكلم بها معهم نسبوه إلى أنه أطلق تلك الألفاظ التي تحتمل حقاً وباطلاً، وأوهموا الجهال باصطلاحهم أن إطلاق تلك الألفاظ يتناول المعاني الباطلة التي ينزه الله عنها.
ولعل الراجح في المسألة أن الأمر يختلف باختلاف المصلحة.
1 فإن كان الخصم في مقام دعوة الناس إلى قوله وإلزام الناس بها أمكن أن يقال له: لا يجب على أحد أن يجيب داعياً إلا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما لم يثبت أن الرسول دعا الخلق إليه لم يكن على الناس إجابة من دعا إليه، ولا له دعوة الناس إلى ذلك، ولو قدر أن ذلك المعنى حق.
وهذه الطريق تكون أصلح إذا لبس ملبس منهم على ولاة الأمور، وأدخلوه في بدعتهم، كما فعلت الجهمية بمن لبسوا عليه من الخلفاء حتى أدخلوه في بدعتهم من القول بخلق القرآن وغير ذلك، فكان من أحسن مناظرتهم أن يقال: ائتونا بكتاب أو سنة حتى نجيبكم إلى ذلك وإلا فلسنا نجيبكم إلى ما لم يدل عليه الكتاب و السنة.
وهذا لأن الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء، وإذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل، وهؤلاء المختلفون يدعي أحدهم أن العقل أدَّاه إلى علم ضروري ينازعه فيه الآخر، فلهذا لا يجوز أن يجعل الحاكم بين الأمة في موارد النزاع إلا الكتاب والسنة.
وبهذا ناظر الإمام أحمد الجهمية لما دعوه إلى المحنة، وصار يطالبهم بدلالة الكتاب والسنة على قولهم.
فلما ذكروا حججهم كقوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام 102]، وقوله: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ} [الأنبياء 2]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تجيء البقرة وآل عمران"، وأمثال ذلك من الأحاديث.
أجابهم عن هذه الحجج بما بين به أنها لا تدل على مطلوبهم.
ولما قالوا: ما تقول في القرآن أهو الله أو غير الله؟
عارضهم بالعلم فقال: ما تقولون في العلم أهو الله أو غير الله؟
ولما ناظره أبو عيسى محمد بن عيسى برغوث -وكان من أحذقهم بالكلام- ألزمه التجسيم، وأنه إذا أثبت لله كلاماً غير مخلوق لزم أن يكون جسماً.
فأجابه الإمام أحمد: بأن هذا اللفظ لا يُدرى مقصود المتكلم به، وليس له أصل في الكتاب والسنة والإجماع، فليس لأحد أن يلزم الناس أن ينطقوا به ولا بمدلوله.
وأخبره أني أقول: هو أحد، صمد، لم يلد ولم يلد، ولم يكن له كفواً أحد، فبين أني لا أقول هو جسم ولا ليس بجسم، لأن كلا الأمرين بدعة محدثة في الإسلام، فليست هذه من الحجج الشرعية التي يجب على الناس إجابة من دعا إلى موجبها، فإن الناس إنما عليهم إجابة الرسول فيما دعاهم إليه وإجابة من دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا إجابة من دعاهم إلى قول مبتدع، ومقصود المتكلم بها مجمل لا يُعرف إلا بعد الاستفصال والاستفسار، فلا هي معروفة في الشرع، ولا معروفة بالعقل إن لم يستفسر المتكلم بها.
فهذه المناظرة ونحوها هي التي تصلح إذا كان المناظر داعياً.
2 وأما إذا كان المناظر معارضاً للشرع بما يذكره، أو ممن لا يمكن أن يرد إلى الشريعة.
مثل من لا يلتزم الإسلام ويدعو الناس إلى ما يزعمه من العقليات أو ممن يدَّعي أن الشرع خاطب الجمهور، وأن المعقول الصريح يدل على باطن يخالف الشرع، ونحو ذلك. أو كان الرجل ممن عرضت له شبهة من كلام هؤلاء.
فهؤلاء لابد في مخاطبتهم من الكلام على المعاني التي يدّعونها إما:
1 بألفاظهم.
2 وإما بألفاظ يوافقون على أنها تقوم مقام ألفاظهم، وحينئذ يقال لهم الكلام إما:
أ- أن يكون في الألفاظ.
ب- وإما أن يكون في المعاني.
ج- وإما أن يكون فيهما.
فإن كان الكلام في المعاني المجردة من غير تقييد بلفظ كما تسلكه المتفلسفة ونحوهم ممن لا يتقيد في أسماء الله وصفاته بالشرائع بل يسميه علة وعاشقاً ومعشوقاً ونحو ذلك.
فهؤلاء إن أمكن نقل معانيهم إلى العبارة الشرعية كان حسناً.
وإن لم يمكن مخاطبتهم إلا بلغتهم، فبيان ضلالهم ودفع صيالهم عن الإسلام بلغتهم أولى من الإمساك عن ذلك لأجل مجرد اللفظ. كما لو جاء جيش كفار ولا يمكن دفع شرهم عن المسلمين إلا بلبس ثيابهم، فدفعهم بلبس ثيابهم خير من ترك الكفار يجولون في خلال الديار خوفاً من التشبه بهم في الثياب.
وأما إذا كان الكلام مع من قد يتقيد بالشريعة.
فإنه يقال له: إطلاق هذه الألفاظ نفياً وإثباتاً بدعة، وفي كل منها تلبيس وإيهام، فلابد من الاستفسار والاستفصال. أو الامتناع عن إطلاق كلا الأمرين في النفي والإثبات.
وقد ظن طائفة من الناس أن ذم السلف والأئمة للكلام إنما لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المحدثة كلفظ (الجوهر) و(الجسم) و(العرض)، وقالوا: إن مثل هذا لا يقتضي الذم، كما لو أحدث الناس آنية يحتاجون إليها، أو سلاحاً يحتاجون إليه لمقاتلة العدو، وقد ذكر هذا صاحب الإحياء وغيره.
وليس الأمر كذلك: بل ذمهم للكلام لفساد معناه أعظم من ذمهم لحدوث الألفاظ، فذموه لاشتماله على معان باطلة مخالفة للكتاب والسنة، ومخالفته للعقل الصريح، ولكن علامة بطلانها مخالفتها للكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل قطعاً.
ثم من الناس من يعلم بطلانه بعقله، ومنهم من لا يعلم ذلك.
وأيضاً: فإن المناظرة بالألفاظ المحدثة المجملة المبتدعة المحتملة للحق والباطل إذا أثبتها أحد المتناظرين ونفاها الآخر كان كلاهما مخطئاً، وأكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء، وفي ذلك من فساد العقل والدين ما لا يعلمه إلا الله.
فإذا رد الناس ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة فالمعاني الصحيحة ثابتة فيهما، والمحق يمكنه بيان ما يقوله من الحق بالكتاب والسنة" .

المطلب الثاني
مسألة الحد
"الحد في اللغة: الحاجز بين الشيئين، الذي يُمَيِّزُ بينهما، لئلا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر، وهو مأخوذ من حد الشيء عن غيره يَحُدُّهُ حَدًّا إذا ميزه" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره" .
سبق أن أسلفنا أن إطلاق السلف للحد ليس من باب الصفات وإنما هو من باب الإخبار ولهم فيه استعمالان:
الاستعمال الأول: في حال الإثبات.
ومن الآثار الواردة في ذلك ما رواه الخلال بسنده عن محمد بن إبراهيم القيسي، قال: "قلت لأحمد بن حنبل: يحكى عن ابن المبارك -وقيل له: كيف نعرف ربنا؟- قال: في السماء السابعة على عرشه بحد. فقال أحمد: هكذا هو عندنا" .
وعن حرب بن إسماعيل قال: "قلت لإسحاق -يعني ابن راهويه-: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد".
وذكر عن ابن المبارك قال: "هو على عرشه بائن من خلقه بحد" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن كثيراً من أئمة السنة والحديث أو أكثرهم يقولون إنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه بحد" .
الاستعمال الثاني: في حال النفي.
قال حنبل: "قلت لأبي عبد الله: ما معنى قوله {وَهُوَ مَعَكُم}، و{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ}؟. قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد و لا صفة" .
وفي رسالة الإصطخري قال الإمام أحمد: "والله عز وجل على عرشه ليس له حد، والله أعلم بحده" .
"توضيح المسألة"
أما الاستعمال الأول: فهو استعماله في حال الإثبات.
فقد استعمل في مسألة إثبات علو الله على خلقه وتميزه وانفصاله عنهم وعدم اختلاطه بهم أو حلوله فيهم، فلما زعم الجهمية أن الخالق في كل مكان وأنه غير مباين لخلقه ولا متميز عنهم، قال بعض أئمة السلف: إن الله سبحانه عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وذكروا الحد، لأن الجهمية زعموا أنه ليس له حد وما لا حد له لايباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي تميز بها، ويجحدون قَدْرَهُ؛ حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي، عالم، قدير: قد عرفنا حقيقته وماهيته، ويقولون إنه لا يباين غيره. بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم؛ فيقولوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا كذا ولا كذا. أو يجعلوه حالاً في المخلوقات أو وجوده وجود المخلوقات.
فبين ابن المبارك أن الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه، وذكر الحد. لأن الجهمية كانوا يقولون ليس له حد، وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزم للحد" .
وبناءً على ما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أثبت السلف الحد لما في إثبات هذا اللفظ من رد على الجهمية فيما زعموا، ولما في معنى (الحد) من إثبات مباينة الله لخلقه، وعلوه عليهم، واستوائه على عرشه.
وإن كان السلف يقولون إنه حد لا يعلمه إلا الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن نقل الآثار الواردة عن السلف في إثبات الحد: "فهذا وأمثاله مما نقل عن الأئمة، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وبينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره، كما قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فبين أن كيفية استوائه مجهولة للعباد، فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر، ولكن نفوا علم الخلق به، وكذلك مثل هذا في كلام عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون وغير واحد من السلف، والأئمة ينفون علم الخلق بقدره وكيفيته" .
الاستعمال الثاني: استعماله في حال النفي
وذلك في مسألة نفي الإحاطة بالله علماً وإدراكاً، فلا منازعة بين أهل السنة بأن الله تعالى غير مدرك الإحاطة والخلق عاجزون عن الإحاطة به، فهم لا يستطيعون أن يحدوا الخالق جل وعلا، أو يُقَدِّرُوه، أو يبلغوا صفته، فمن نفى الحد على هذا المعنى فهو مصيب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المحفوظ عن السلف والأئمة إثبات حد لله في نفسه، وقد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يَحُد أحدٌ الله" .
وقال أيضاً: "وقوله بلا حد ولا صفة" نَفَى به إحاطة علم الخلق به، وأن يحدوه أو يصفوه على ما هو عليه، إلا بما أخبر عن نفسه، ليبين أن عقول الخلق لا تحيط بصفاته، كما قال الشافعي في خطبة "الرسالة": "الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه" ولهذا قال أحمد: "لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية" فنفى أن يدرك له حد أو غاية" .
وهذا المحفوظ عن السلف والأئمة من إثبات حد لله في نفسه قد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه؛ ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يحد أحد الله كما ذكره حنبل عنه في كتاب السنة والمحنة.
وقد رواه الخلال في "كتاب السنة" أخبرني عبد الله بن حنبل حدثني حنبل بن إسحاق، قال: قال عمي: "نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فصفات الله عز وجل منه وله، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، ولا يدركه وصف واصف، وهو كما وصف نفسه، وليس من الله شيء محدود، ولا يبلغ علمه وقدرته أحد، غلب الأشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وكان الله قبل أن يكون شيء، والله الأول، وهو الآخر، ولا يبلغ أحد حد صفاته، فالتسليم لأمر الله والرضا بقضائه، نسأل الله التوفيق والسداد، إنه على كل شيء قدير.
وذلك أن لفظ (الحد) عند كل من تكلم به يراد به شيئان:
يراد به حقيقة الشيء في نفسه
ويراد به الوجود العيني أو الوجود الذهني
فأخبر أبو عبد الله أنه على العرش بلا حد يحده أحد أو صفة يبلغها واصف، وأتبع ذلك بقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} بحد ولا غاية، وهذا التفسير الصحيح للإدارك: أي لا تحيط الأبصار بحده ولا غايته؛ ثم قال: {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} وهو عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، ليتبين أنه عالم بنفسه وبكل شيء.
وقال الخلال: "وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم، قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى "أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا" و"أن الله يضع قدمه" وما أشبه هذه الأحاديث، فقال أبو عبد الله: نؤمن بها، ونصدق بها ولا كيف، ولا معنى، ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه ولا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء.
قال: وقال حنبل في موضع آخر قال: ليس كمثله شيء في ذاته، كما وصف به نفسه، فقد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة، ليس يشبهه شيء، فيعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف نفسه، قال تعالى {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}.
قال: وقال حنبل في موضع آخر: قال: فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفته، وصفاته منه وله، ولا يتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه كما وصف نفسه، ولا يتعدى ذلك، ولا تبلغه صفة الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوه بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه، هذا كله يدل على أن الله يُرى في الآخرة، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه، سميع بصير، لم يزل متكلماً، عالماً غفوراً، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد، وهو على العرش بلا حد، كما قال {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْش} كيف شاء، المشيئة إليه عز وجل، والاستطاعة له {لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيء} وهو خالق كل شيء، وهو كما وصف نفسه، سميع بصير بلا حد ولا تقدير، قول إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه، لا تعدى القرآن والحديث والخبر، يضحك الله ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن، ولا يصفه الواصفون، ولا يحده أحد، تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة" .
قال ابن القيم: "أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه، وبنفي الحد حدّاً يدركه العباد ويحدونه" .

المطلب الثالث
مسألة المماسة
لهذا اللفظ في كلام الأئمة موقفان:
1 استعملوه على سبيل النفي في مسائل العلو.
2 منعوه على سبيل الإثبات في مسائل الاستواء.
أما الأول:
فقد ورد في كلام الأئمة استعمال كلمة (مماسة) في باب النفي، ومن ذلك قول الإمام أحمد رحمه الله: "إن الله عز وجل على عرشه فوق السماء السابعة، يعلم ما تحت الأرض السفلى، وإنه غير مماس لشيء من خلقه، وهو تبارك وتعالى بائن من خلقه، وخلقه بائنون منه" .
وهذا الكلام ذكره الإمام أحمد في معرض تقرير علو الله على خلقه، وأنه بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، وأنه ليس بذاته في كل مكان كما هو زعم الجهمية، فمن المتقرر في عقيدة السلف الصالح إثبات علو الله تعالى على خلقه وأنه بائن منهم وليس بمماس لهم ولا محايث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن الذين نقلوا إجماع السلف أو إجماع أهل السنة أو إجماع الصحابة والتابعين على أن الله فوق العرش بائن من خلقه لا يحصيهم إلا الله، وما زال علماء السلف يثبتون المباينة ويردون قول الجهمية بنفيها" .
ومن المعلوم أن طوائف المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من متأخري الأشاعرة والماتريدية ينكرون المباينة بالجهة.
فبعضهم ينفي المباينة والمحايثة، فيقولون: لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايث له. وهؤلاء هم نظارهم.
وبعضهم يثبت المحايثة فيقولون: إنه بذاته في كل مكان، وهذا قول طوائف من علمائهم وعبادهم.
والاتحادية من المعطلة قالوا: إنه نفس وجود الأمكنة .
ورداً على مزاعم هؤلاء الباطلة أطلق من أطلق من علماء السلف لفظ المباينة وعدم المماسة تقريراً منهم لإثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه ومباينته من خلقه.
وقد افترق الناس في هذا المقام أربع فرق:
القسم الأول: الجهمية النفاة، الذين يقولون: ليس داخل العالم، ولا خارج العالم، ولا فوق ولا تحت، ولا يقولون بعلوه ولا بفوقبته.
القسم الثاني: يقولون: إنه بذاته في كل مكان، كما يقوله النجارية، وكثير من الجهمية، عبادهم، وصوفيتهم، وعوامهم.
القسم الثالث: من يقول هو فوق العرش وهو في كل مكان، ويقول أنا أقر بهذه النصوص، وهذه لا أصرف واحداً منها عن ظاهره.
وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في مقالاته وهو موجود في كلام طائفة من السالمية والصوفية.
القسم الرابع: وهم سلف الأمة وأئمتها، أئمة العلم والدين من شيوخ العلم والعبادة، فإنهم أثبتوا أن الله فوق سمواته وأنه على عرشه بائن من خلقه وهم منه بائنون، وهو أيضاً مع العباد عموماً بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وهو أيضاً قريب مجيب" .
ومن تقرير فهم السلف استعمل من استعمل من العلماء لفظ (المماسة) ليثبتوا أن الله بائن من الخلق وهم منه بائنون.
الموقف الثاني:
منعهم لاستعمال لفظ (المماسة) في مسألة الاستواء على العرش، وذلك رداً على الكرامية الذين خاضوا في شأن الكيفية وتعمقوا فيها.
وفي هذا يقول السجزي: "واعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه فوق العرش بذاته من غير مماسة، وأن الكرامية ومن تابعهم على قول المماسة ضُلال" .
وقال قوام السنة الأصبهاني: "قال أهل السنة: خلق الله السموات والأرض، وكان عرشه على الماء مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض وليس معناه المماسة، بل هو مستو على العرش بلا كيف كما أخبر عن نفسه" .
وقال الإمام أبو القاسم عبد الله بن خلف المقري: "إن الله تعالى في السماء على العرش فوق سبع سموات من غير مماسة ولا تكييف" .
وقال الإمام سعد بن علي الزنجاني: "ليس معنى استواء الله على عرشه بأنه مستول عليه، ولا معناه بأنه مماس للعرش، فإن ذلك ممتنع في وصفه جل وعلا، ولكنه تعالى مستو على عرشه بلا كيف كما أخبر بذلك عن نفسه" .
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة أن السبب في منع استعمال هذا اللفظ لما فيه من التعمق في شأن الكيفية، ومن عادة السلف أنهم عند تقريرهم لصفة الاستواء ولسائر الصفات لا يتعمقون في شأن الكيفية ويكلون علم ذلك لله عز وجل، وسأورد لك بعض النقول التي توضح مدى التزام السلف بالتقييد بهذا الضابط في تقريرهم لصفة الاستواء فمن ذلك:
1 ما جاء في عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين وفيها "أن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه بلا كيف" .
2 قول الطلمنكي "وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء" .
وبناءً على ما تقدم من أقوال الأئمة يتضح حرص السلف على عدم الخوض في شأن الكيفية، وبذلك منعوا استعمال لفظ (المماسة) في هذه المسألة لهذا السبب.

يتــــبع 6
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع 6   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 22:42

الفصل الثالث: مسائل متعلقة بالعلو والاستواء‎.

المبحث الأول: هل يخلو العرش منه حال نزوله
لأهل السنة في المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: ينزل ويخلو منه العرش .
وهو قول طائفة من أهل الحديث .
القول الثاني: ينزل ولا يخلو منه العرش .
وهو قول جمهور أهل الحديث .
ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وحماد بن زيد، وعثمان ابن سعيد الدارمي وغيرهم .
القول الثالث: نثبت نزولاً، ولا نعقل معناه هل هو بزوال أو بغير زوال.
وهذا قول ابن بطة والحافظ عبد الغني المقدسي وغيرهما .
أما القول الأول: وهو أنه ينزل ويخلو منه العرش، فمن قال به: أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق بن منده .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد صنف أبو القاسم عبد الرحمن ابن أبي عبد الله بن محمد بن منده، مصنفاً في الإنكار على من قال لا يخلو منه العرش وسماه " الرد على من زعم أن الله في كل مكان، وعلى من زعم أن الله ليس له مكان، وعلى من تأول النزول على غير النزول" .
وقد لخص شيخ الإسلام جملة ما احتج به أبو القاسم ابن منده وبين أنه احتج بأحاديث النزول، وببعض أقوال السلف العامة كقولهمSadيفعل ما يشاء) وذكر بعض اعتراضاته على بعض النقول الواردة عن الأئمة .
وأوضح شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لم ينقل على أحد من الأئمة المعروفين بالسنة بإسناد صحيح ولا ضعيف أن العرش يخلو منه .
وذكر أن كلام أبو القاسم بن منده من جنس كلام طائفة تظن أنه لا يمكن إلا أحد القولين:
1 قول من يقول: إنه ينزل نزولاً يخلو منه العرش.
2 وقول من يقول: ما ثم نزول أصلاً، كقول من يقول: ليس له فعل يقوم بذاته واختياره.
وهاتان الطائفتان ليس عندهما نزول إلا النزول الذي يوصف به أجساد العباد الذي يقتضي تفريغ مكان وشغل آخر.
ثم منهم من ينفي النزول عنه، وينزهه عن مثل ذلك.
ومنهم من أثبت له نزولاً من هذا الجنس، يقتضي تفريغ مكان وشغل آخر .
والقول بخلو العرش حال نزوله مرتبط بمسألة: هل يقال في النزول والإتيان والمجيء إنه بحركة وانتقال؟.
وقد اختلف أصحاب الإمام أحمد وغيرهم من المنتسبين إلى السنة والحديث في المسألة على ثلاثة أقوال ذكرها القاضي أبو يعلى في كتاب "اختلاف الروايتين والوجهين" ، وهذه الأقوال هي:
1 أنه نزول انتقال وهو قول أبي عبد الله بن حامد.
2 أنه نزول بغير انتقال وهو قول أبي الحسن التميمي وأهل بيته، وأن معناه: قدرته .
3 الإمساك عن القول في المسألة، وهو قول أبي عبد الله بن بطة وغيره. ثم هؤلاء فيهم من يقف عن إثبات اللفظ مع الموافقة على المعنى وهو قول كثير منهم، ومنهم من يمسك عن إثبات المعنى وعن اللفظ .
والذي يخصنا من الأقوال الثلاثة قول ابن حامد الذي ذهب إلى أنه نزول انتقال وقال لأن هذا حقيقة النزول عند العرب، وهو نظير قوله في الاستواء بمعنى قعد.
قال القاضي أبو يعلى: "فذهب شيخنا أبو عبد الله -يعني ابن حامد- أنه نزول انتقال، وقال: لأن هذا حقيقة النزول عند العرب، وهذا نظير قوله في الاستواء، يعني قعد، وهذا على ظاهر حديث عبادة بن الصامت ، ولأن أكثر ما في هذا أنه من صفات الحدث في حقنا، وهذا لا يوجب كونه في حقه محدثاً، كما الاستواء على العرش، هو موصوف به مع اختلافنا في صفته، وإن كان هذا الاستواء لم يكن موصوفاً به في القدم، وكذلك نقول تكلم بحرف وصوت، وإن كان هذا يوجب الحدث في صفاتنا، ولا يوجبه في حقه، كذلك النزول" .
وقال ابن القيم رحمه الله: "أما قول ابن حامد أنه نزول انتقال فهو موافق لقول من يقول يخلو منه العرش، والذي حمله على هذا إثبات النزول حقيقة، وأن حقيقته لا تثبت إلا بالانتقال، ورأى أنه ليس في العقل ولا في النقل ما يحيل الانتقال عليه، فإنه كالمجيء والإتيان والذهاب والهبوط، وهذه أنواع الفعل اللازم القائم به، كما أن الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والقبض، والبسط أنواع للفعل المتعدي، وهو سبحانه موصوف بالنوعين، وقد يجمعهما كقوله {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف 54 ].
والانتقال جنس لأنواع المجيء، والإتيان، والنزول، والهبوط، والصعود، والدنو، والتدلي ونحوها؛ وإثبات النوع مع نفي جنسه جمع بين النقيضين.
قالوا: وليس في القول بلازم النزول والمجيء والإتيان والاستواء والصعود محذور البتة ولا يستلزم ذلك نقصاً، ولا سلب كمال، بل هو الكمال نفسه، وهذه الأفعال كمال ومدح، فهي حق دل عليه النقل ولازم الحق حق" .
القول الثاني: أنه ينزل ولا يخلو منه العرش.
وهذا القول ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قول جمهور أهل الحديث .
وقال: "ونقل ذلك عن الإمام أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدد، وعن إسحاق بن راهويه، وحماد بن زيد، وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم" .
قال القاضي أبو يعلى: "وقد قال أحمد في رسالته إلى مسدد: إن الله عز وجل ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا ولا يخلو من العرش. فقد صرح أحمد بالقول إن العرش لا يخلو منه" .
وسأل بشر بن السري حماد بن زيد، فقال: "يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" يتحول من مكان إلى مكان؟ فسكت حماد بن زيد، ثم قال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء" .
وقال إسحاق بن راهويه: "دخلت على عبد الله بن طاهر، فقال: ما هذه الأحاديث التي تروونها؟
قلت: أي شيء أصلح الله الأمير؟
قال: تروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا.
قلت: نعم، رواه الثقات الذين يروون الأحكام.
قال: أينزل ويدع عرشه؟
قال: فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو العرش منه؟
قال: نعم.
قلت: ولم تتكلم في هذا؟" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن قول إسحاق وقول حماد بن زيد: "وهذه والتي قبلها حكايتان صحيحتان رواتهما ثقات، فحماد بن زيد يقول: هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف يشاء، فأثبت قربه مع كونه فوق عرشه.
وعبد الله بن طاهر وهو من خيار من ولي الأمر بخراسان كان يعرف أن الله فوق العرش، وأشكل عليه أنه ينزل، لتوهمه أن ذلك يقتضي أن يخلو منه العرش، فأقره الإمام إسحاق على أنه فوق العرش، وقال له: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ فقال له الأمير: نعم. فقال له إسحاق: لم تتكلم في هذا؟
يقول: فإذا كان قادراً على ذلك لم يلزم من نزوله خلو العرش منه، فلا يجوز أن يعترض على النزول بأنه يلزم منه خلو العرش، وكان هذا أهون من اعتراض من يقول: ليس فوق العرش شيء، فينكر هذا وهذا" .
القول الثالث: من يقول نثبت نزولاً ولا نعقل معناه، هل هو بزوال أو بغير زوال.
وهذا القول قال به ابن بطة ، وعبد الغني المقدسي ، وغيرهما.
قال ابن بطة: "فنقول كما قال: "ينزل ربنا عزوجل" ولا نقول: إنه يزول، بل ينزل كيف يشاء، لا نصف نزوله ولا نحده، ولا نقول: إن نزوله زواله".
وروى بسنده عن حنبل بن إسحاق قال: "قلت لأبي عبد الله: ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا؟
قال: نعم.
قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟
قال: فقال لي: اسكت عن هذا، وغضب غضباً شديداً، وقال: مالك ولهذا؟ أمض الحديث كما روي بلا كيف" .
وقال القاضي أبو يعلى: "وحكى شيخنا -يعني ابن حامد- عن طائفة أخرى من أصحابنا أنهم قالوا: نثبت نزولاً لا يعقل معناه هل هو زوال أو بغير زوال، كما جاء الخبر، ومثل هذا ليس يمتنع في صفاته، كما يثبت له ذاتاً ينفي عنها ماهيتها، وهذه الطريقة هي المذهب، وقد نص أحمد عليها في مواضع" . وذكر الأثر الذي ذكره ابن بطة عن حنبل.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الذين أمسكوا عن الأمرين وقالوا: لا نقول يتحرك وينتقل، ولا ننفي ذلك عنه، فهم أسعد بالصواب والاتباع، فإنهم نطقوا بما نطق به النص، وسكتوا عما سكت عنه، وتظهر صحة هذه الطريقة ظهوراً تاماً فيما إذا كانت الألفاظ التي سكت عنها النص مجملة، محتملة المعنيين صحيح وفاسد، كلفظ (الحركة)، و(الانتقال)، و(الحوادث)، و(العلة)، و(التغير)، و(التركيب)، ونحو ذلك من الألفاظ التي تحتها حق وباطل.
فهذه لا تقبل مطلقاً، ولا ترد مطلقاً، فإن الله سبحانه لم يثبت لنفسه هذه المسميات، ولم ينفيها عنه، فمن أثبتها مطلقاً فقد أخطأ، ومن نفاها مطلقاً فقد أخطأ، فإن معانيها منقسمة إلى ما يمتنع إثباته لله، وما يجب إثباته له.
فإن الانتقال يراد به:
1 انتقال الجسم والعرض من مكان هو محتاج إليه إلى مكان آخر يحتاج إليه. وهو يمتنع إثباته للرب تبارك وتعالى، وكذلك الحركة إذا أريد بها هذا المعنى امتنع إثباتها لله تعالى.
2 ويراد بالحركة والانتقال حركة الفاعل من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلاً، وانتقاله أيضاً من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلاً. فهذا المعنى حق في نفسه لا يعقل كون الفاعل فاعلاً إلا به فنفيه عن الفاعل نفي لحقيقة الفعل وتعطيل له.
3 وقد يراد بالحركة والانتقال ما هو أعم من ذلك، وهو فعل يقوم بذات الفاعل يتعلق بالمكان الذي قصد له وأراد إيقاع الفعل بنفسه فيه.
وقد دل القرآن والسنة والإجماع على أنه سبحانه يجيء يوم القيامة، وينزل لفصل القضاء بين عباده، ويأتي في ظلل من الغمام والملائكة، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وينزل عشية عرفة، وينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، وينزل إلى أهل الجنة. وهذه أفعال يفعلها بنفسه في هذه الأمكنة فلا يجوز نفيها عنه بنفي الحركة والنقلة المختصة بالمخلوقين، فإنها ليست من لوازم أفعاله المختصة به، فما كان من لوازم أفعاله لم يجز نفيه عنه، وما كان من خصائص الخلق لم يجز إثباته له.
وحركة الحي من لوازم ذاته، ولا فرق بين الحي والميت إلا بالحركة والشعور، فكل حي متحرك بالإرادة وله شعور فنفي الحركة عنه كنفي الشعور، وذلك يستلزم نفي الحياة"


المبحث الثاني: مسائل الحد والمماسة‎.

المطلب الأول
حكم الألفاظ المجملة
قبل الحديث عن المسائل المتعلقة بالحد والمماسة والمباينة وغيرها من الألفاظ المجملة، يحسن توضيح بعض القواعد المتعلقة بذلك وهي على النحو التالي:
أولاً: يجب أن يعلم أن توحيد الأسماء والصفات يشتمل على ثلاثة أبواب:
الباب الأول: باب الأسماء.
الباب الثاني: باب الصفات.
الباب الثالث: باب الإخبار .
ثانياً: إن باب الأسماء هو أخص تلك الأبواب، فما صح اسما، صح صفة وصح خبراً وليس العكس.
وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، وأخص من باب الإخبار، فما صح صفة فليس شرطاً أن يصح اسماً، فقد يصح وقد لا يصح، مع أن الأسماء جميعها مشتقة من صفاته، وكل صفة يصح الإخبار بها وليس العكس.
وباب الإخبار أوسع من باب الصفات وباب الأسماء، فالله يخبر عنه بالاسم والصفة، وبما ليس باسم ولا صفة كألفاظ (الشيء) و(الموجود) و(القائم بنفسه) و(المعلوم)، فإنه يخبر بهذه الألفاظ عنه ولا تدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولكن يشترط في اللفظ أن لا يكون معناه سيئاً .
ثالثاً: إن باب الأسماء والصفات توقيفيان.
فالأصل في إثبات الأسماء والصفات أو نفيهما عن الله تعالى هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في القرآن والسنة الصحيحة فيجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما فيجب نفيه.
وأما ما لم يرد إثباته ونفيه فلا يصح استعماله في باب الأسماء والصفات إطلاقاً .
قال الإمام أحمد رحمه الله: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وطريقة سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم" .
رابعاً: أما باب الإخبار فالسلف لهم فيه قولان:
القول الأول: أن باب الإخبار توقيفي، فإن الله لا يخبر عنه إلا بما ورد به النص، وهذا يشمل الأسماء والصفات، وما ليس باسم ولا صفة مما ورد به النص ك (الشيء) و(الصنع) ونحوها.
وأما ما لم يرد به النص فإنهم يمنعون استعماله .
القول الثاني: إن باب الإخبار لا يشترط فيه التوقيف، فما يدخل في الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته.
ك (الشيء) و(الموجود) و(القائم بنفسه)، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فالإخبار عنه قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسيء، أي باسم لا ينافي الحسن، ولا يجب أن يكون حسناً. ولا يجوز أن يخبر عن الله باسم سيء فيخبر عن الله بما لم يرد إثباته ونفيه بشرط أن يستفصل عن مراد المتكلم فيه، فإن أراد به حقاً يليق بالله تعالى فهو مقبول، وإن أراد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده .
وبناءً على ما تقدم يمكن تقسيم الألفاظ المجملة -أي التي يرد استعمالها في النصوص- على النحو التالي:
1 ألفاظ ورد استعمالها ابتداءً في بعض كلام السلف.
ومن أمثلة ذلك لفظ (الذات) ولفظ (بائن).
وهذه الألفاظ تحمل معان صحيحة دلت عليها النصوص.
وهذا النوع من الألفاظ يجيز جمهور أهل السنة استعمالها.
وهناك من يمنع ذلك بحجة أن باب الإخبار توقيفي كسائر الأبواب.
والصواب أنه ما دام المعنى المقصود من ذلك اللفظ يوافق ما دلت عليه النصوص، واستعمل اللفظ لتأكيد ذلك فلا مانع.
كقول أهل السنة: "إن الله استوى على العرش بذاته".
فلفظة (بذاته) مراد بها أن الله مستو على العرش حقيقة وأن الاستواء صفة له.
وكقولهم: "إن الله عالٍ على خلقه بائن منهم".
فلفظة (بائن) يراد بها إثبات العلو حقيقة، والرد على زعم من قال إن الله في كل مكان بذاته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود -هنا- أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة، لما فيها من لبس الحق بالباطل، مع ما تُوقعه من الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة، والألفاظ التي بينت معانيها، فإن ما كان مأثوراً حصلت به الألفة، وما كان معروفاً حصلت به المعرفة" .
وقال أيضاً: "فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل.
ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه.
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة، وقالوا إنما قابل البدعة ببدعة ورد باطلاً بباطل" .
فيستفاد من كلام شيخ الإسلام المتقدم أن الألفاظ على أربعة أقسام:
القسم الأول: الألفاظ المأثورة، وهي التي وردت بها النصوص.
القسم الثاني: الألفاظ المعروفة، وهي التي بُيِّنَت معانيها.
القسم الثالث: الألفاظ المبتدعة، التي تدل على معنى باطل.
القسم الرابع: الألفاظ المبتدعة، التي تحتمل الحق والباطل.
فلفظ (الذات) و(بائن) هي من القسم الثاني.
وهذه الألفاظ كما أسلفنا إنما تستعمل في باب الإخبار ولا تستعمل في باب الأسماء والصفات.
ولذلك لما اعترض الخطابي على استعمالها بقوله: "وزعم بعضهم أنه جائز أن يقال له تعالى حد لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي فيقال له: إنما أُحْوِجْنَا إلى أن نقول يد لا كالأيدي لأن اليد قد جاء ذكرها في القرآن وفي السنة فلزم قبولها ولم يجز رَدُّها. فأين ذكر الحد في الكتاب والسنة حتى نقول حد لا كالحدود، كما نقول يد لا كالأيدي؟!" .
فرد شيخ الإسلام ابن تيمية على قول الخطابي من وجوه منها:
"أن هذا الكلام الذي ذكره إنما يتوجه لو قالوا: إن له صفة هي الحد، كما توهمه هذا الراد عليهم. وهذا لم يقله أحد، ولا يقوله عاقل؛ فإن هذا الكلام لا حقيقة له؛ إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات -كما وصف باليد والعلم- صفة معينة يقال لها الحد، وإنما الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره" .
فأهل السنة لم يثبتوا بهذه الألفاظ صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة، بل بينوا بها ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته من خلقه وثبوت حقيقته" .
2 ألفاظ ورد استعمالها في كلام بعض السلف تارة لإثباتها وتارة لنفيها.
ومن أمثلة ذلك: لفظ (الحد) ولفظ (المماسة) وسيأتي بيان حكمها بالتفصيل.
3 ألفاظ ورد استعمالها في كلام بعض السلف وفي كلام خصومهم.
ومن أمثلة ذلك: لفظة (الجهة).
4 ألفاظ ورد استعمالها في كلام الخصوم ولم يرد استعمالها في كلام السلف.
ومن أمثلة ذلك: لفظ (الجسم) و(الحيز) و(واجب الوجود) و(الجوهر) و(العرض).
وأما النوع الثالث والرابع فالجواب عن ذلك أن نقول الأصل في هذا الباب أن الألفاظ نوعان:
النوع الأول: نوع مذكور في كتاب الله وسنة رسوله وكلام أهل الإجماع.
فهذا يجب اعتبار معناه، وتعليق الحكم به، فإن كان المذكور به مدحاً استحق صاحبه المدح، وإن كان ذماً استحق الذم، وإن أثبت شيئاً وجب إثباته، وإن نفى شيئاً وجب نفيه، لأن كلام الله حق، وكلام رسوله حق، وكلام أهل الإجماع حق.
وهذا كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص 1-4]، وقوله تعالى: {هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر 22-23]، ونحو ذلك من أسماء الله وصفاته.
وكذلك قوله تعالى: {ليَْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى 11]، وقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام 103]، وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ.إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة22-23]، وأمثال ذلك مما ذكره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا كله حق.
النوع الثاني: الألفاظ التي ليس لها أصل في الشرع.
فتلك لا يجوز تعليق المدح والذم والإثبات والنفي على معناها، إلا أن يبين أنه يوافق الشرع، والألفاظ التي تعارض بها النصوص هي من هذا الضرب، كلفظ (الجسم) و(الحيز) و(الجهة) و(الجوهر) و(العرض") . فإن هذه الألفاظ يدخلون في مسماها الذي ينفونه أموراً مما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله، فيدخلون فيها نفي علمه وقدرته وكلامه، ويقولون إن القرآن مخلوق، ولم يتكلم الله به، وينفون رؤيته لأن رؤيته على اصطلاحهم لا تكون إلا لمتحيز في جهة وهو جسم، ثم يقولون: والله منزه عن ذلك فلا تجوز رؤيته.
وكذلك يقولون إن المتكلم لا يكون إلا جسماً متحيزاً، والله ليس بجسم متحيز فلا يكون متكلماً.
ويقولون: لو كان فوق العرش لكان جسماً متحيزاً، والله ليس بجسم متحيز، فلا يكون متكلماً فوق العرش وأمثال ذلك" .
الموقف من هذا النوع:
"إذا كانت هذه الألفاظ مجملة -كما ذُكر- فالمخاطب لهم إما:
1 أن يفصل لهم ويقول: ما تريدون بهذه الألفاظ؟
فإن فسروها بالمعنى الذي يوافق القرآن قُبلت. وإن فسروها بخلاف ذلك رُدَّت.
2 وإما أن يمتنع عن موافقتهم في التكلم بهذه الألفاظ نفياً وإثباتاً. ولكن يلاحظ أن الإنسان إذا امتنع عن التكلم بها معهم فقد ينسبونه إلى الجهل والانقطاع.
وأن الإنسان إذا تكلم بها معهم نسبوه إلى أنه أطلق تلك الألفاظ التي تحتمل حقاً وباطلاً، وأوهموا الجهال باصطلاحهم أن إطلاق تلك الألفاظ يتناول المعاني الباطلة التي ينزه الله عنها.
ولعل الراجح في المسألة أن الأمر يختلف باختلاف المصلحة.
1 فإن كان الخصم في مقام دعوة الناس إلى قوله وإلزام الناس بها أمكن أن يقال له: لا يجب على أحد أن يجيب داعياً إلا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما لم يثبت أن الرسول دعا الخلق إليه لم يكن على الناس إجابة من دعا إليه، ولا له دعوة الناس إلى ذلك، ولو قدر أن ذلك المعنى حق.
وهذه الطريق تكون أصلح إذا لبس ملبس منهم على ولاة الأمور، وأدخلوه في بدعتهم، كما فعلت الجهمية بمن لبسوا عليه من الخلفاء حتى أدخلوه في بدعتهم من القول بخلق القرآن وغير ذلك، فكان من أحسن مناظرتهم أن يقال: ائتونا بكتاب أو سنة حتى نجيبكم إلى ذلك وإلا فلسنا نجيبكم إلى ما لم يدل عليه الكتاب و السنة.
وهذا لأن الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء، وإذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل، وهؤلاء المختلفون يدعي أحدهم أن العقل أدَّاه إلى علم ضروري ينازعه فيه الآخر، فلهذا لا يجوز أن يجعل الحاكم بين الأمة في موارد النزاع إلا الكتاب والسنة.
وبهذا ناظر الإمام أحمد الجهمية لما دعوه إلى المحنة، وصار يطالبهم بدلالة الكتاب والسنة على قولهم.
فلما ذكروا حججهم كقوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام 102]، وقوله: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ} [الأنبياء 2]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تجيء البقرة وآل عمران"، وأمثال ذلك من الأحاديث.
أجابهم عن هذه الحجج بما بين به أنها لا تدل على مطلوبهم.
ولما قالوا: ما تقول في القرآن أهو الله أو غير الله؟
عارضهم بالعلم فقال: ما تقولون في العلم أهو الله أو غير الله؟
ولما ناظره أبو عيسى محمد بن عيسى برغوث -وكان من أحذقهم بالكلام- ألزمه التجسيم، وأنه إذا أثبت لله كلاماً غير مخلوق لزم أن يكون جسماً.
فأجابه الإمام أحمد: بأن هذا اللفظ لا يُدرى مقصود المتكلم به، وليس له أصل في الكتاب والسنة والإجماع، فليس لأحد أن يلزم الناس أن ينطقوا به ولا بمدلوله.
وأخبره أني أقول: هو أحد، صمد، لم يلد ولم يلد، ولم يكن له كفواً أحد، فبين أني لا أقول هو جسم ولا ليس بجسم، لأن كلا الأمرين بدعة محدثة في الإسلام، فليست هذه من الحجج الشرعية التي يجب على الناس إجابة من دعا إلى موجبها، فإن الناس إنما عليهم إجابة الرسول فيما دعاهم إليه وإجابة من دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا إجابة من دعاهم إلى قول مبتدع، ومقصود المتكلم بها مجمل لا يُعرف إلا بعد الاستفصال والاستفسار، فلا هي معروفة في الشرع، ولا معروفة بالعقل إن لم يستفسر المتكلم بها.
فهذه المناظرة ونحوها هي التي تصلح إذا كان المناظر داعياً.
2 وأما إذا كان المناظر معارضاً للشرع بما يذكره، أو ممن لا يمكن أن يرد إلى الشريعة.
مثل من لا يلتزم الإسلام ويدعو الناس إلى ما يزعمه من العقليات أو ممن يدَّعي أن الشرع خاطب الجمهور، وأن المعقول الصريح يدل على باطن يخالف الشرع، ونحو ذلك. أو كان الرجل ممن عرضت له شبهة من كلام هؤلاء.
فهؤلاء لابد في مخاطبتهم من الكلام على المعاني التي يدّعونها إما:
1 بألفاظهم.
2 وإما بألفاظ يوافقون على أنها تقوم مقام ألفاظهم، وحينئذ يقال لهم الكلام إما:
أ- أن يكون في الألفاظ.
ب- وإما أن يكون في المعاني.
ج- وإما أن يكون فيهما.
فإن كان الكلام في المعاني المجردة من غير تقييد بلفظ كما تسلكه المتفلسفة ونحوهم ممن لا يتقيد في أسماء الله وصفاته بالشرائع بل يسميه علة وعاشقاً ومعشوقاً ونحو ذلك.
فهؤلاء إن أمكن نقل معانيهم إلى العبارة الشرعية كان حسناً.
وإن لم يمكن مخاطبتهم إلا بلغتهم، فبيان ضلالهم ودفع صيالهم عن الإسلام بلغتهم أولى من الإمساك عن ذلك لأجل مجرد اللفظ. كما لو جاء جيش كفار ولا يمكن دفع شرهم عن المسلمين إلا بلبس ثيابهم، فدفعهم بلبس ثيابهم خير من ترك الكفار يجولون في خلال الديار خوفاً من التشبه بهم في الثياب.
وأما إذا كان الكلام مع من قد يتقيد بالشريعة.
فإنه يقال له: إطلاق هذه الألفاظ نفياً وإثباتاً بدعة، وفي كل منها تلبيس وإيهام، فلابد من الاستفسار والاستفصال. أو الامتناع عن إطلاق كلا الأمرين في النفي والإثبات.
وقد ظن طائفة من الناس أن ذم السلف والأئمة للكلام إنما لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المحدثة كلفظ (الجوهر) و(الجسم) و(العرض)، وقالوا: إن مثل هذا لا يقتضي الذم، كما لو أحدث الناس آنية يحتاجون إليها، أو سلاحاً يحتاجون إليه لمقاتلة العدو، وقد ذكر هذا صاحب الإحياء وغيره.
وليس الأمر كذلك: بل ذمهم للكلام لفساد معناه أعظم من ذمهم لحدوث الألفاظ، فذموه لاشتماله على معان باطلة مخالفة للكتاب والسنة، ومخالفته للعقل الصريح، ولكن علامة بطلانها مخالفتها للكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل قطعاً.
ثم من الناس من يعلم بطلانه بعقله، ومنهم من لا يعلم ذلك.
وأيضاً: فإن المناظرة بالألفاظ المحدثة المجملة المبتدعة المحتملة للحق والباطل إذا أثبتها أحد المتناظرين ونفاها الآخر كان كلاهما مخطئاً، وأكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء، وفي ذلك من فساد العقل والدين ما لا يعلمه إلا الله.
فإذا رد الناس ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة فالمعاني الصحيحة ثابتة فيهما، والمحق يمكنه بيان ما يقوله من الحق بالكتاب والسنة" .

المطلب الثاني
مسألة الحد
"الحد في اللغة: الحاجز بين الشيئين، الذي يُمَيِّزُ بينهما، لئلا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر، وهو مأخوذ من حد الشيء عن غيره يَحُدُّهُ حَدًّا إذا ميزه" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره" .
سبق أن أسلفنا أن إطلاق السلف للحد ليس من باب الصفات وإنما هو من باب الإخبار ولهم فيه استعمالان:
الاستعمال الأول: في حال الإثبات.
ومن الآثار الواردة في ذلك ما رواه الخلال بسنده عن محمد بن إبراهيم القيسي، قال: "قلت لأحمد بن حنبل: يحكى عن ابن المبارك -وقيل له: كيف نعرف ربنا؟- قال: في السماء السابعة على عرشه بحد. فقال أحمد: هكذا هو عندنا" .
وعن حرب بن إسماعيل قال: "قلت لإسحاق -يعني ابن راهويه-: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد".
وذكر عن ابن المبارك قال: "هو على عرشه بائن من خلقه بحد" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن كثيراً من أئمة السنة والحديث أو أكثرهم يقولون إنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه بحد" .
الاستعمال الثاني: في حال النفي.
قال حنبل: "قلت لأبي عبد الله: ما معنى قوله {وَهُوَ مَعَكُم}، و{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ}؟. قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد و لا صفة" .
وفي رسالة الإصطخري قال الإمام أحمد: "والله عز وجل على عرشه ليس له حد، والله أعلم بحده" .
"توضيح المسألة"
أما الاستعمال الأول: فهو استعماله في حال الإثبات.
فقد استعمل في مسألة إثبات علو الله على خلقه وتميزه وانفصاله عنهم وعدم اختلاطه بهم أو حلوله فيهم، فلما زعم الجهمية أن الخالق في كل مكان وأنه غير مباين لخلقه ولا متميز عنهم، قال بعض أئمة السلف: إن الله سبحانه عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وذكروا الحد، لأن الجهمية زعموا أنه ليس له حد وما لا حد له لايباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي تميز بها، ويجحدون قَدْرَهُ؛ حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي، عالم، قدير: قد عرفنا حقيقته وماهيته، ويقولون إنه لا يباين غيره. بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم؛ فيقولوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا كذا ولا كذا. أو يجعلوه حالاً في المخلوقات أو وجوده وجود المخلوقات.
فبين ابن المبارك أن الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه، وذكر الحد. لأن الجهمية كانوا يقولون ليس له حد، وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزم للحد" .
وبناءً على ما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أثبت السلف الحد لما في إثبات هذا اللفظ من رد على الجهمية فيما زعموا، ولما في معنى (الحد) من إثبات مباينة الله لخلقه، وعلوه عليهم، واستوائه على عرشه.
وإن كان السلف يقولون إنه حد لا يعلمه إلا الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن نقل الآثار الواردة عن السلف في إثبات الحد: "فهذا وأمثاله مما نقل عن الأئمة، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وبينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره، كما قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فبين أن كيفية استوائه مجهولة للعباد، فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر، ولكن نفوا علم الخلق به، وكذلك مثل هذا في كلام عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون وغير واحد من السلف، والأئمة ينفون علم الخلق بقدره وكيفيته" .
الاستعمال الثاني: استعماله في حال النفي
وذلك في مسألة نفي الإحاطة بالله علماً وإدراكاً، فلا منازعة بين أهل السنة بأن الله تعالى غير مدرك الإحاطة والخلق عاجزون عن الإحاطة به، فهم لا يستطيعون أن يحدوا الخالق جل وعلا، أو يُقَدِّرُوه، أو يبلغوا صفته، فمن نفى الحد على هذا المعنى فهو مصيب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المحفوظ عن السلف والأئمة إثبات حد لله في نفسه، وقد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يَحُد أحدٌ الله" .
وقال أيضاً: "وقوله بلا حد ولا صفة" نَفَى به إحاطة علم الخلق به، وأن يحدوه أو يصفوه على ما هو عليه، إلا بما أخبر عن نفسه، ليبين أن عقول الخلق لا تحيط بصفاته، كما قال الشافعي في خطبة "الرسالة": "الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه" ولهذا قال أحمد: "لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية" فنفى أن يدرك له حد أو غاية" .
وهذا المحفوظ عن السلف والأئمة من إثبات حد لله في نفسه قد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه؛ ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يحد أحد الله كما ذكره حنبل عنه في كتاب السنة والمحنة.
وقد رواه الخلال في "كتاب السنة" أخبرني عبد الله بن حنبل حدثني حنبل بن إسحاق، قال: قال عمي: "نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فصفات الله عز وجل منه وله، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، ولا يدركه وصف واصف، وهو كما وصف نفسه، وليس من الله شيء محدود، ولا يبلغ علمه وقدرته أحد، غلب الأشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وكان الله قبل أن يكون شيء، والله الأول، وهو الآخر، ولا يبلغ أحد حد صفاته، فالتسليم لأمر الله والرضا بقضائه، نسأل الله التوفيق والسداد، إنه على كل شيء قدير.
وذلك أن لفظ (الحد) عند كل من تكلم به يراد به شيئان:
يراد به حقيقة الشيء في نفسه
ويراد به الوجود العيني أو الوجود الذهني
فأخبر أبو عبد الله أنه على العرش بلا حد يحده أحد أو صفة يبلغها واصف، وأتبع ذلك بقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} بحد ولا غاية، وهذا التفسير الصحيح للإدارك: أي لا تحيط الأبصار بحده ولا غايته؛ ثم قال: {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} وهو عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، ليتبين أنه عالم بنفسه وبكل شيء.
وقال الخلال: "وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم، قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى "أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا" و"أن الله يضع قدمه" وما أشبه هذه الأحاديث، فقال أبو عبد الله: نؤمن بها، ونصدق بها ولا كيف، ولا معنى، ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه ولا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء.
قال: وقال حنبل في موضع آخر قال: ليس كمثله شيء في ذاته، كما وصف به نفسه، فقد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة، ليس يشبهه شيء، فيعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف نفسه، قال تعالى {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}.
قال: وقال حنبل في موضع آخر: قال: فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفته، وصفاته منه وله، ولا يتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه كما وصف نفسه، ولا يتعدى ذلك، ولا تبلغه صفة الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوه بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه، هذا كله يدل على أن الله يُرى في الآخرة، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه، سميع بصير، لم يزل متكلماً، عالماً غفوراً، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد، وهو على العرش بلا حد، كما قال {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْش} كيف شاء، المشيئة إليه عز وجل، والاستطاعة له {لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيء} وهو خالق كل شيء، وهو كما وصف نفسه، سميع بصير بلا حد ولا تقدير، قول إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه، لا تعدى القرآن والحديث والخبر، يضحك الله ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن، ولا يصفه الواصفون، ولا يحده أحد، تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة" .
قال ابن القيم: "أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه، وبنفي الحد حدّاً يدركه العباد ويحدونه" .

المطلب الثالث
مسألة المماسة
لهذا اللفظ في كلام الأئمة موقفان:
1 استعملوه على سبيل النفي في مسائل العلو.
2 منعوه على سبيل الإثبات في مسائل الاستواء.
أما الأول:
فقد ورد في كلام الأئمة استعمال كلمة (مماسة) في باب النفي، ومن ذلك قول الإمام أحمد رحمه الله: "إن الله عز وجل على عرشه فوق السماء السابعة، يعلم ما تحت الأرض السفلى، وإنه غير مماس لشيء من خلقه، وهو تبارك وتعالى بائن من خلقه، وخلقه بائنون منه" .
وهذا الكلام ذكره الإمام أحمد في معرض تقرير علو الله على خلقه، وأنه بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، وأنه ليس بذاته في كل مكان كما هو زعم الجهمية، فمن المتقرر في عقيدة السلف الصالح إثبات علو الله تعالى على خلقه وأنه بائن منهم وليس بمماس لهم ولا محايث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن الذين نقلوا إجماع السلف أو إجماع أهل السنة أو إجماع الصحابة والتابعين على أن الله فوق العرش بائن من خلقه لا يحصيهم إلا الله، وما زال علماء السلف يثبتون المباينة ويردون قول الجهمية بنفيها" .
ومن المعلوم أن طوائف المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من متأخري الأشاعرة والماتريدية ينكرون المباينة بالجهة.
فبعضهم ينفي المباينة والمحايثة، فيقولون: لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايث له. وهؤلاء هم نظارهم.
وبعضهم يثبت المحايثة فيقولون: إنه بذاته في كل مكان، وهذا قول طوائف من علمائهم وعبادهم.
والاتحادية من المعطلة قالوا: إنه نفس وجود الأمكنة .
ورداً على مزاعم هؤلاء الباطلة أطلق من أطلق من علماء السلف لفظ المباينة وعدم المماسة تقريراً منهم لإثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه ومباينته من خلقه.
وقد افترق الناس في هذا المقام أربع فرق:
القسم الأول: الجهمية النفاة، الذين يقولون: ليس داخل العالم، ولا خارج العالم، ولا فوق ولا تحت، ولا يقولون بعلوه ولا بفوقبته.
القسم الثاني: يقولون: إنه بذاته في كل مكان، كما يقوله النجارية، وكثير من الجهمية، عبادهم، وصوفيتهم، وعوامهم.
القسم الثالث: من يقول هو فوق العرش وهو في كل مكان، ويقول أنا أقر بهذه النصوص، وهذه لا أصرف واحداً منها عن ظاهره.
وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في مقالاته وهو موجود في كلام طائفة من السالمية والصوفية.
القسم الرابع: وهم سلف الأمة وأئمتها، أئمة العلم والدين من شيوخ العلم والعبادة، فإنهم أثبتوا أن الله فوق سمواته وأنه على عرشه بائن من خلقه وهم منه بائنون، وهو أيضاً مع العباد عموماً بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وهو أيضاً قريب مجيب" .
ومن تقرير فهم السلف استعمل من استعمل من العلماء لفظ (المماسة) ليثبتوا أن الله بائن من الخلق وهم منه بائنون.
الموقف الثاني:
منعهم لاستعمال لفظ (المماسة) في مسألة الاستواء على العرش، وذلك رداً على الكرامية الذين خاضوا في شأن الكيفية وتعمقوا فيها.
وفي هذا يقول السجزي: "واعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه فوق العرش بذاته من غير مماسة، وأن الكرامية ومن تابعهم على قول المماسة ضُلال" .
وقال قوام السنة الأصبهاني: "قال أهل السنة: خلق الله السموات والأرض، وكان عرشه على الماء مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض وليس معناه المماسة، بل هو مستو على العرش بلا كيف كما أخبر عن نفسه" .
وقال الإمام أبو القاسم عبد الله بن خلف المقري: "إن الله تعالى في السماء على العرش فوق سبع سموات من غير مماسة ولا تكييف" .
وقال الإمام سعد بن علي الزنجاني: "ليس معنى استواء الله على عرشه بأنه مستول عليه، ولا معناه بأنه مماس للعرش، فإن ذلك ممتنع في وصفه جل وعلا، ولكنه تعالى مستو على عرشه بلا كيف كما أخبر بذلك عن نفسه" .
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة أن السبب في منع استعمال هذا اللفظ لما فيه من التعمق في شأن الكيفية، ومن عادة السلف أنهم عند تقريرهم لصفة الاستواء ولسائر الصفات لا يتعمقون في شأن الكيفية ويكلون علم ذلك لله عز وجل، وسأورد لك بعض النقول التي توضح مدى التزام السلف بالتقييد بهذا الضابط في تقريرهم لصفة الاستواء فمن ذلك:
1 ما جاء في عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين وفيها "أن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه بلا كيف" .
2 قول الطلمنكي "وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء" .
وبناءً على ما تقدم من أقوال الأئمة يتضح حرص السلف على عدم الخوض في شأن الكيفية، وبذلك منعوا استعمال لفظ (المماسة) في هذه المسألة لهذا السبب.



يتبـــــع 7
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع7   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 22:45

الفصل الثالث: صفة العرش وخصائصه‎.

المبحث الأول
خلق العرش وهيئته
إن أول صفة نذكرها لعرش البارئ سبحانه وتعالى كونه مخلوقاً من مخلوقات الله تعالى، ذلك لأن كل ما على الوجود هو مخلوق خلقه الله تعالى وأوجده، قال الله تعالى {ذَلكُمُ الله رَبُّكم لا إِلهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيء} [الأنعام 102]، فكل شيء في هذا الكون مخلوق والعرش من ضمن هذا الكون فهو مخلوق أيضاً.
وسلف الأمة وأئمتها يقولون: إن القرآن والسنة قد دلا على أن العرش مخلوق من مخلوقات الله تعالى خلقه وأوجده، قال تعالى {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة 129]، فالعرش موصوف بأنه مربوب وكل مربوب مخلوق، فالعرش مخلوق من مخلوقات الله.
وقد دلت الآيات والأحاديث على أن خلق العرش متقدم على خلق السموات والأرض، قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} [هود 7]، فالآية تدل على أن العرش كان موجوداً على الماء قبل خلق السموات والأرض ويؤيد تفسير الآية بهذا المعنى حديث عمران بن حصين رضي الله عنه الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض" .
وأما مسألة خلق العرش فقد جاء ذكرها في حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عما ما تحته هواء وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء" .
هذه الأدلة التي استدل بها السلف على إثبات خلق العرش، فيها أبلغ الرد على من زعم من الفلاسفة أن العرش هو الخالق الصانع، أو أنه لم يزل مع الله تعالى.
ولقد خالف السلف في قولهم هذا بعض أهل الكلام الذين زعموا أن السموات والأرض كانتا مخلوقتين قبل العرش، وهم بزعمهم هذا الذي لا دليل لهم عليه إنما يحاولون به إخراج الاستواء عن حقيقته في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف 54]، ليكون معنى الاستواء في الآية على زعمهم بمعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه، ذلك لأنهم لو سلموا أن العرش مخلوق قبل السموات والأرض لقيل لهم إنكم تزعمون أن (استوى) بمعنى استولى، فلماذا تأخر الاستيلاء إلى ما بعد خلق السموات مع أنه كان موجوداً قبل ذلك، فهم فراراً من هذا الأمر ادعوا أن العرش مخلوق بعد السموات والأرض.
وقد رد ابن القيم رحمه الله على زعمهم هذا بقوله: "إن هذا لم يقله أحد من أهل العلم أصلاً، وهو مناقض لما دل عليه القرآن والسنة وإجماع المسلمين أظهر مناقضة، فإنه تعالى أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وعرشه حينئذ على الماء، وهذه واو الحال، أي خلقها في هذه الحال، فدل على سبق العرش والماء للسموات والأراضين وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" .
وكذلك فيما ذكرناه من أدلة على سبق خلق العرش للسموات والأرض فيه رد على زعم هؤلاء ومدى مخالفة قولهم للكتاب والسنة.
وبعد أن علمنا أسبقية خلق العرش على خلق السموات والأرض وإجماع سلف الأمة على ذلك، نود أن نتطرق في هذا البحث أيضاً إلى ترتيب خلق العرش مع غيره من المخلوقات من حيث الأولوية في الخلق.


وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال:
القول الأول:
إن القلم أول المخلوقات، وأنه أسبق في الخلق من العرش، وهذا القول هو اختيار ابن جرير الطبري وابن الجوزي وهو ما يفهم في الظاهر من قول من صنف في الأوائل كابن أبي عروبة الحراني، وأبو القاسم الطبراني .
والدليل على هذا القول حديث عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب ماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ..." الحديث .
قال ابن جرير عند تخريج هذا القول: "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه عنه أولى قول في ذلك بالصواب لأنه كان أعلم قائل في ذلك قولاً بحقيقته وصحته من غير استثناء منه شيئاً من الأشياء أنه تقدم خلق الله إياه خلق القلم، بل عم بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أول شيء خلقه الله القلم"، كل شيء وأن القلم مخلوق قبله من غير استثنائه من ذلك عرشاً ولا ماء ولا شيئاً غير ذلك" .
القول الثاني:
إن الماء أول المخلوقات، وإنه مخلوق قبل العرش.
وهذا القول ذكره ابن جرير ونقله عنه ابن كثير ، وذكره أيضاً ابن حجر ، واستدل له بما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعاً "إن الماء خلق قبل العرش".
وقال ابن حجر: "وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة "أن الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء" ".

القول الثالث:
أن أول شيء خلقه الله عز وجل من خلقه النور والظلمة.
وهذا القول ذكره ابن جرير وعزاه إلى ابن إسحاق .
القول الرابع:
أن العرش هو أول المخلوقات.
وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وابن كثير ، وشارح العقيدة الطحاوية ، ونسبه ابن كثير وابن حجر -نقلاً عن أبي العلاء الهمداني- إلى الجمهور، ومال إليه ابن حجر أيضاً .
واستدلوا على قولهم هذا بما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعاً قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" .
ففي هذا الحديث تصريح بأن التقدير وقع بعد خلق العرش وحديث عبادة صريح بأن التقدير وقع عند أول خلق القلم، فدل ذلك على أن العرش سابق على القلم.
ومما يؤيد هذا القول أيضاً حديث عمران بن حصين: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض" .
فالحديث يدل على أن العرش كان موجوداً قبل كتابة المقادير.
وهذا هو الراجح من الأقوال.
وأما القول الثاني (أن الماء أول ‎المخلوقات) واستدلال ابن حجر بحديث أبي رزين (أن الماء خلق قبل العرش) فغير صحيح، لأنه لم يرد في حديث أبي رزين هذا اللفظ، وإنما ورد فيه (ثم خلق عرشه على الماء) وليس في هذا ما يدل على أولية الماء.
وأما ما رواه السدي فهو أيضاً لا يصلح للاحتجاج لكونه أثراً ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك
وأما القول الثالث: وهو قول ابن إسحاق فهو أيضاً غير صحيح، ولعله أخذه من الإسرائيليات كما أخذ غيره من الأمور، وقد قال ابن جرير في هذا القول: "وأما ابن إسحاق فإنه لم يسند قوله الذي قاله في ذلك إلى أحد، وذلك من الأمور التي لا يدرك علمها إلا بخبر من الله عز وجل أو من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
أما القول الأول فقد أجاب الجمهور على استدلالهم بحديث عبادة ابن الصامت بقولهم لا يخلو قوله "أول ما خلق الله القلم ... الخ" من أن يكون جملة أو جملتين، فإن كان جملة -وهو الصحيح- كان معناه أنه عند أول خلقه قال له (اكتب) كما في اللفظ، (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب) بنصب (أول) و (القلم) فعلى هذا تكون الأولية راجعة إلى الكتابة لا إلى الخلق.
وإن كانت جملتين وهو مروي برفع (أول) و (القلم) فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق بهذا الحديثان، إذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم .
أما هيئة العرش: فقد دلت الأحاديث على أنه مقبب الشكل وأنه على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما كهيئة القبة وهذا ما يدل عليه حديث الأعرابي الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة.
ويؤيد وصف هيئة العرش بهذه الصفة ما جاء في الحديث الآخر "إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلاها وفوقه عرش الرحمن". فالحديث يبين أن الفردوس أوسط الجنة وأعلاها كما جاء في الحديث الآخر: "مائة درجة ومابين كل درجة ودرجة كما بين السموات والأرض".
فكون العرش سقفاً للفردوس الذي هو أوسط الجنة وأعلاها يدل على أنه مقبب لأن هذه الصفة لا تكون إلا في المستدير.
والعرش له قوائم كما جاء في الحديث الصحيح "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" الحديث.
وفي إثبات كون العرش مقبباً وأن له قوائم تحمله، رد على من زعم من الفلاسفة أن العرش فلك من الأفلاك أو أنه الفلك التاسع، وقد تقدم الرد على زعم هؤلاء.
وكذلك فيه رد على من زعم أن العرش بمعنى الملك لأنه لا يعقل أن يكون ماسكاً بقائمة من قوائم الملك.
وقد ذكر ابن كثير والذهبي أن العرش من ياقوتة حمراء وقد استدلوا لهذا القول بما رواه إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت سعداً الطائي يقول: "العرش ياقوتة حمراء" .

المبحث الثاني
مكان العرش
إن الآيات والأحاديث التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن تبارك وتعالى لتدل دلالة واضحة على أن لعرش الرحمن مكاناً قبل وجود السموات والأرض وبعد خلقهما، فأما مكانه قبل خلق السموات والأرض فالآيات والأحاديث تبين لنا أن مكانه على الماء، فالله سبحانه يقول في كتابه الكريم {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء}.[هود:7]
قال الطبري في تفسير هذه الآية: "وقوله { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء } يقول وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وما فيهن، وعن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء }قبل أن يخلق شيئاً" .
وأما الأدلة من السنة على ذلك فكثيرة منها حديث عمران بن حصين الذي جاء فيه: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض".
وكذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء".
وكذلك حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عما ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء".
فكل من الآية والأحاديث تدل دلالة قاطعة على أن مكان العرش منذ خلقه على الماء، وليس مراد بالماء هنا ماء البحر لأن ماء البحر إنما وجد بعد خلق السموات والأرض، وإنما الماء المذكور هنا ماء آخر تحت العرش على ما شاء الله تعالى .
وقد سئل حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} على أي شيء كان الماء؟ قال: "كان على متن الريح" .
وعن سليمان التيمي أنه قال: "ولو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلت: لا أعلم، قال أبو عبد الله: وذلك لقوله تعالى {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} [البقرة 255]" .
هذا مكان العرش قبل خلق هذا الكون الذي هو عبارة عن السموات والأرض، أما مكانه بعد خلق السموات والأرض فالحديث عنه من جانبين:
الجانب الأول: مكانه بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات.
والجانب الثاني: مكانه بالنسبة إلى السموات والأرض بعد خلقهما.
أما مكان العرش بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات فهو أقربها إليه سبحانه، وذلك لأن الله سبحانه قد أخبر أنه مستو على عرشه في أكثر في موضع في القرآن الكريم، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ففي إثبات الاستواء على العرش دليل على قربه إليه لأنه سبحانه مستو على أعلى مخلوقاته وأقربها إليه، وهذه ميزة امتاز بها العرش على ما سواه.
ومما يؤيد كون العرش أقرب المخلوقات إلى الله ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال" .
فالحديث يدل على أن حملة العرش هم أول من يتلقى أمر الله، ثم يبلغونه للذين يلونهم من أهل السموات، فكونهم أقرب الخلق إلى الله دليل على أن العرش أقرب منهم إليه سبحانه لأنهم إنما يحملونه.
أما مكان العرش بالنسبة للسموات والأرض بعد خلقهما، وهل مازال على الماء؟
فالجواب ما يلي: إن العرش ما يزال على الماء المذكور في الآية والأحاديث بدليل ما جاء في أحاديث الأوعال، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك كله ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش".
فالحديث يُشير كما أسلفنا إلى وجود ذلك الماء الذي تحت العرش، وإلى أنه ما زال موجوداً إلى ما بعد خلق السموات والأرض.
أما مكان العرش بالنسبة إلى السموات والأرض فهو أعلى منها وفوقها، وهو كالقبة عليها كما جاء في الحديث: "إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة.
وكذلك ما جاء في حديث العباس بن عبد المطلب الذي يسمى بحديث الأوعال، فكلا الحديثين يدلان على أن العرش فوق السموات والأرض وأعلى منهما وهو كالسقف عليهما، بل هو سقف للجنة كما في حديث: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن" .
فمكان العرش فوق السموات والأرض وفوق الجنة وهو أعلى المخلوقات وأرفعها، وجميع المخلوقات دونه في العلو والارتفاع. والله أعلم.

المبحث الثالث
خصائص العرش
خص الخالق سبحانه وتعالى عرشه الكريم بخصائص عديدة ميزته على كثير من المخلوقات الأخرى، وذلك لما للعرش من المكانة الرفيعة عند البارئ عز وجل، وقد ذكر عرش الرحمن في واحد وعشرين موضعاً من القرآن الكريم، ومجيء ذكر العرش بهذا العدد يدل على ما له من مكانة ومنزلة عالية عند الخالق سبحانه وتعالى.
فالله سبحانه وتعالى قد مدح نفسه في أكثر من موضع من كتابه الكريم بأنه صاحب العرش العظيم والكريم والمجيد، قال تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}، وقال تعالى {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}.
فالله سبحانه يصف لنا في هذه الآيات وغيرها العرش بأنه عظيم، وكريم، ومجيد، فهو عظيم لكونه أكبر المخلوقات وأعظمها وأعلاها، وذلك لما خص الله به هذا العرش من الاستواء عليه، ومجيد وكريم لما له من منزلة تميز بها عما سواه من المخلوقات، فهو إنما اتصف بهذه الصفات لجلالته وعظيم قدره. كما أن في قوله تعالى {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} إخبار منه تعالى عن عظمته وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع خلقه، ومما يدل أيضاً على عظمة هذا العرش اقترانه باسم (الرحمن) كثيراً في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا }.
ففي هذا الاقتران بين اسم الرحمن والعرش حكمة وهي إخباره عز وجل بأنه قد استوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، ذلك لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها، والرحمة بالخلق واسعة لهم ، كما قال تعالى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف 156].
وسنذكر في هذا المبحث بعض الخصائص التي اختص بها العرش وكرم بها، والتي جعلته يوصف بهذا الوصف في القرآن الكريم ويجعل له تلك المنزلة الرفيعة.
أولاً: الاستواء عليه:
يعتبر استواء الله سبحانه وتعالى على العرش أعظم الخصائص التي اختص بها العرش، بل إن ما سواها من الخصائص الأخرى التي تميز بها العرش إنما جعلت له لأجل استواء الله عز وجل عليه، وذلك أن الله تعالى لما اختصه بهذا الأمر جعل له من الخصائص والصفات كارتفاعه وعظم خلقه وكبره وثقل وزنه؛ لكي يتناسب مع ما ميز وشرف به من الاستواء عليه.
ومسألة الاستواء على العرش ثابتة في الكتاب والسنة، فقد جاء ذكر الاستواء في القرآن الكريم في سبعة مواضع، ومجيء ذكر الاستواء في القرآن بهذا العدد إنما هو ليؤكد عظم هذا الأمر وأهميته، وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار التي تثبت الاستواء وتؤكده.
وإن مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم رضوان الله عليهم أجمعين أنهم يقولون: إن الله استوى على عرشه بلا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، فهو سبحانه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، واستواؤه حقيقة لا مجاز كما يزعم الجهمية وأتباعهم الذين ينكرون العرش وأن يكون الله فوقه، وأما كيفية ذلك الاستواء فهي مجهولة لدينا والسؤال عن كيفية ذلك الاستواء بدعة، لأن الله سبحانه لم يطلعنا على كيفية ذاته فكيف يكون لنا أن نعرف كيفية استوائه، وهو سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}.
ثانياً: العرش أعلى المخلوقات أرفعها وسقفها.
إن مما اختص به الخالق سبحانه وتعالى العرش مع استوائه عليه كونه أعلى المخلوقات وأرفعها وأقربها إلى الله تعالى، فقد ثبت أن العرش أعلى من السموات والأرض والجنة وأنه كالسقف عليها، والأدلة على هذا الأمر كثيرة وقد سبق أن أوردنا جزءاً منها خلال حديثنا عن مكان العرش.
والقول بأن العرش أعلى المخلوقات هو قول السلف الذي قالوا به وذهبوا إليه:
قال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه " أصول السنة ": "ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء" .
وكون العرش أعلى المخلوقات يدل على أنه أقرب إلى الله تعالى وهذه ميزة أخرى تضاف إلى الخصائص التي انفرد بها العرش، ويدل على هذا الأمر ما جاء في حديث الأوعال: "ثم فوق ظهورهم العرش بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء والله تعالى فوق ذلك" .
وكذلك ما جاء عن ابن مسعود: "بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه" .
ثالثاً: العرش أكبر المخلوقات وأعظمها وأثقلها.
إن عرش الرحمن تبارك وتعالى يعتبر أكبر مخلوقات الله وأوسعها وأعظمها على الإطلاق، فقد خص الله عز وجل العرش بهذه الميزة العظيمة وشرفه بها مع غيرها من الميزات لكي يتناسب مع ذلك الشرف العظيم ألا وهو استواء البارئ عز وجل عليه.
وعظم العرش وسعة خلقه قد دل عليهما القرآن والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، فالله سبحانه وصف العرش في هذه الآية وغيرها بكونه عظيماً في خلقه وسعته، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي هو مالك كل شيء وخالقه لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى" .
ومما يشهد لعظم العرش وسعة خلقه الأحاديث والآثار التي تتحدث عن كبر حجمه وسعته، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن عرشه على سمواته وأرضه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشبه العرش أنه كالقبة على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما وكالسقف عليهما.
وفي هذا بيان واضح على عظم العرش وكبر مساحته.
وفي حديث أخر يبين لنا مدى عظم العرش وكبر مساحته، فليس العرش أكبر من السموات والأرض فقط، بل هو من الكبر وسعة الحجم بحيث لا تعدل السموات والأرض على سعة حجمهما بجانبه شيئاً يذكر، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة".
وفي رواية "ما السموات السبع والأراضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة".
فالحديث كما أسلفنا دليل واضح على سعة العرش وعظم خلقه، وأما مقدار ذلك الحجم وتلك السعة فلا يعلمها إلا الله تعالى.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى" .
والعرش يمتاز مع كبر حجمه وسعته، بكونه أثقل المخلوقات وزنته أثقل الأوزان، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية: "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد
كلماته".
قال ابن تيمية: "فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان" .
رابعاً: العرش ليس داخلا فيما يقبض ويطوى.
لقد خص الله سبحانه وتعالى العرش بخصائص منها ما انفرد بها العرش عن غيره من المخلوقات، ومنها ما اشترك بها العرش مع بعض المخلوقات الأخرى، ولقد سبق الحديث عن بعض الخصائص التي انفرد بها العرش، وأود هاهنا أن أبين بعض ما اشترك به العرش مع غيره من المخلوقات من الخصائص.
فقد سبق أن علمنا أن العرش مخلوق قبل السموات والأرض فهو بهذا ليس داخلا فيما خلق في الأيام الستة، ومعلوم أن الله سبحانه قد أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه يقبض يوم القيامة السموات والأرض ويطويها ويبدلها، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر 67]، وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم 48]، وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء 104]، وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق 1-2]، وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} [الانفطار 1].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض" .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله السموات والأرض ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون" .
فالآيات والأحاديث السابقة تدل على أن السموات والأرض وما فيهما تقبض وتطوى وتبدل.
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى كالجنة والنار والعرش .
فعلى هذا يكون العرش ليس داخلا فيما يقبض ويطوى ويبدل، والأدلة على بقاء العرش كثيرة في الكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول مخبرا عن بقاء عرشه يوم القيامة: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة 14-17].
وكذلك ما جاء في سورة الزمر من إخباره تعالى بقبضه للأرض وطيه للسموات بيمينه وذكر نفخ الصور وصعق من في السموات والأرض إلا ما شاء الله، ثم ذكر النفخة الثانية التي يقومون بها، وأن الأرض تشرق بنور ربها وأن الكتاب يوضع، ويجاء بالنبيين والشهداء، وأنه توفى كل نفس ما عملت، وذكر سوق الكفار إلى النار، وسوق المؤمنين إلى الجنة إلى أن قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ. وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر 74-75].
فالآيات فيها إخبار عن الموقف يوم القيامة وفيها شاهد على أن العرش باق حتى بعد انتهاء الحساب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما العرش فلم يكن داخلا فيما خلقه في الأيام الستة ولا يشقه ويفطره، بل الأحاديث المشهورة دلت على
ما دل عليه القرآن من بقاء العرش، فقد ثبت في الصحيح أن جنة عدن سقفها عرش الرحمن قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة وفوقه عرش الرحمن" " .


الفصل الرابع: الكلام على حملة العرش و على الكرسي‎.

المبحث الأول
الكلام على حملة العرش
إن كون عرش الرحمن له حملة يحملونه هو أمر ثابت في الكتاب والسنة، فقد جاء ذكر حملة العرش في موضعين من القرآن الكريم قال تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}.
فالآيتان تدلان على أن لعرش الله حملة يحملونه اليوم ويوم القيامة، قال شيخ الإسلام: "إن قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، يوجب أن لله عرشا يحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهيمة، فإن الملك هو مجموع الخلق فهنا دلت الآية على أن لله ملائكة من جملة خلقه يحملون عرشه، وآخرون يكونون حوله، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية" .
وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار الدالة على أن لعرش الرحمن حملة من الملائكة يحملونه، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" .
وكذلك ما جاء في حديث الأوعال: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ظهورهم العرش".
والقول بأن حملة العرش هم من الملائكة هو قول السلف الذين يثبتون العرش على أنه جسم عظيم خلقه الله فوق العالم وأن الله استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض، وهذا ما جاء به القرآن والسنة وأجمع عليه السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم.
وأما الذين أنكروا استواء الله على عرشه وقالوا: إن استوى بمعنى استولى، وأن المراد بالعرش الملك، فإنهم أنكروا أيضا كون حملة العرش هم من الملائكة، فقالوا: إن قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، {َيَحْمِلُ} بالجذب، {عَرْشَ رَبِّك} ملك ربك للأرض والسموات، {فَوْقَهُم} أي فوق الملائكة الذين هم على أرجائها يوم القيامة، {ثَمَانِيَةٌ} أي السموات السبع والأرض ، وقيل المراد بالثمانية: السموات والكرسي .
فقد أولوا هذه الآية كما أولوا آيات الاستواء والآيات التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن تبارك وتعالى.
أما الصنف الآخر الذين زعموا أن العرش المذكور في الآيات المراد به الفلك التاسع، وهم الفلاسفة، فهم يقولون: إن المراد بالحملة الثمانية في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، الثمانية أفلاك التي تحت الفلك المحيط أو ما يسمونه الفلك التاسع .
وقد تقدم الرد على كلا الفريقين أثناء الكلام على الأقوال في العرش.
فمما تقدم تقرر أن لعرش الله حملة من الملائكة يحملونه بقدرة الله، وقد أخبرنا الله تعالى أنهم يوم القيامة ثمانية، ولكن اختلف في هؤلاء الثمانية هل هم ثمانية أملاك أم ثمانية أصناف أم صفوف وهل هم اليوم ثمانية أم أقل على عدة أقوال:
القول الأول:
إن المراد بالثمانية: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، و هذا القول مروي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قال: "ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله"‎ .
وهو أيضاً مروي عن سعيد بن جبير ، والشعبي وعكرمة
والضحاك وابن جرير .
القول الثاني:
إن المراد بالثمانية: أنهم ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، وهذا القول مروي عن ابن عباس ، وقال به مقاتل ، والكلبي .
القول الثالث:
إن حملة العرش هم اليوم ويوم القيامة ثمانية من الملائكة.
ويستدل لهذا القول بحديث العباس بن عبد المطلب الذي جاء فيه: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش".
الحديث يدل على أن حملة العرش هم اليوم ثمانية.
وروي عن العباس بن عبد المطلب في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، قال: "ثمانية أملاك في صورة أوعال بين أظلافهم وركبهم مسيرة ثلاث وستين أو خمس وستين سنة" .
وكذلك ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "حملة العرش ثمانية ما بين موق أحدهم إلى مؤخرة عينه مسيرة مائة عام" .
وعن الربيع بن أنس في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، قال: "ثمانية من الملائكة" .
وعن شهر بن حوشب قال: "حملة العرش ثمانية، أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد
قدرتك" .
القول الرابع:
إن حملة العرش اليوم أربعة من الملائكة ويوم القيامة ثمانية.
وهذا القول رجحه ابن كثير ، وابن الجوزي وقال هو قول الجمهور .
ويستدل لهذا القول بعدة أدلة منها ما رواه الطبري بسنده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحمله اليوم أربعة ويوم القيامة ثمانية" .
وروى الطبري أيضاً بسنده عن ابن إسحاق قال: بلغنا أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: "هم اليوم أربعة" يعني حملة العرش "وإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية" .
واستدلوا أيضاً بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره فقال:
رجل وثور تحت رجل يمينه

والنسر للأخرى وليث مرصد
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق" .
واستدلوا أيضاً بما جاء في حديث الصور المشهور فقد جاء فيه: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والسموات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم" .
ولعل هذا القول هو الأقرب إلى الصواب، ولكن ليس هناك نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة. والله أعلم.


المبحث الثاني
الكلام على الكرسي
لما كان موضوع البحث في الكلام على العرش وما يتعلق به، كان لزاماً عليَّ أن أتحدث عن الكرسي، وذلك لما بين الاثنين من علاقة، فالكرسي بالنسبة إلى العرش كالمرقاة إليه.
وقد جاء ذكر الكرسي في موضع واحد في القرآن الكريم وهو قوله تعالى: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [ البقرة 255 ].
وهذه الآية هي أفضل الآي، وقد سميت بآية الكرسي، وقد تضمنت العديد من المعاني، قال ابن القيم في شرحها: "ففي آية الكرسي ذكر الحياة التي هي أصل جميع الصفات، وذكر معها قيوميته المقتضية لدوامه وبقائه وانتفاء الآفات جميعها عنه، ومنها النوم والسنة والعجز وغيرها، ثم ذكر كمال ملكه، ثم عقبه بذكر وحدانيته في ملكه وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ثم ذكر سعة علمه وإحاطته، ثم عقبه بأنه لا سبيل للخلق إلى علم شيء من الأشياء إلا بعد مشيئته لهم أن يعلموه، ثم ذكر سعة كرسيه منبهاً على سعته سبحانه وعظمته وعلوه، وذلك توطئة بين يدي علوه وعظمته، ثم أخبر عن كمال اقتداره وحفظه للعالم العلوي والسفلي من غير اكتراث ولا مشقة ولا تعب" .
وأما الأحاديث والآثار الواردة في الكرسي فهي كثيرة جداً.
وقد تعددت الأقوال واختلفت في الكرسي كما تعددت واختلفت من قبل في العرش. والأقوال في الكرسي هي:
القول الأول: أن المراد بالكرسي: العلم.
وهذا القول هو قول الجهمية ، فقد أولوا الكرسي بمعنى العلم كما أولوا العرش بمعنى الملك، وكل ذلك فراراً منهم عن إثبات علو الله واستوائه على عرشه.
وقد استدلوا بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}، قال: "كرسيه علمه" .
وهذا القول قد رجحه الطبري بقوله: "وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن، فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير عنه أنه قال: هو علمه" .
القول الثاني: أن المراد بالكرسي هو العرش نفسه.
وهذا القول مروي عن الحسن البصري، فقد روى ابن جرير بسنده عن جويبر عن الضحاك قال: كان الحسن يقول: "الكرسي هو العرش"، وقد مال ابن جرير إلى هذا القول ، واعتمد في ذلك على حديث عبد الله بن خليفة قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أدع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب تعالى ذكره، ثم قال: "إن كرسيه وسع السموات والأرض وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع، ثم قال بأصابعه فجمعها: وإن له أطيط كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله" .
القول الثالث: أن المراد بالكرسي قدرته التي يمسك بها السموات والأرض .
ويقول هؤلاء: إن العرب تسمي أصل كل شيء الكرسي، كقولك: اجعل لهذا الحائط كرسياً، أي اجعل له ما يعمده ويمسكه .
القول الرابع: أن الكرسي هو الفلك الثامن، أو ما يسمونه فلك البروج، أو فلك الكواكب الثوابت .
وقد قال بهذا القول بعض المتكلمين في علم الهيئة من الفلاسفة المنسوبين للمسلمين كابن سينا وغيره وهؤلاء هم الذين قالوا أن العرش هو الفلك التاسع.
القول الخامس: إن الكرسي جسم عظيم مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه، وهو موضع القدمين للبارئ عز وجل .
وهذا القول هو مذهب السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واقتدى بسنتهم، وهذا هو ما دل عليه القرآن والسنة والإجماع ولغة العرب التي نزل القرآن بها.
فالأحاديث والآثار الثابتة على هذا وبينته بياناً واضحاً لا يدعو إلى الشك أو الارتياب، ومن تلك الأحاديث والآثار:
حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فجلست إليه، فقلت يا رسول الله: أيما أنزل عليك أفضل؟ قال: "آية الكرسي، وما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة" .
وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم109) بعد أن سرد الطرق لهذا الحديث: "وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق صحيح، والحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وهو صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش، وأنه قائم بنفسه وليس شيئاً معنوياً وفيه رد على من تأوله بمعنى الملك وسعة السلطان".
وأيضاً ما جاء عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}، قال: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره أحد" .
وهذا ثابت عن ابن عباس في تفسير معنى الكرسي الوارد في الآية، وهذا القول في الكرسي نقل عن كثير من الصحابة والتابعين منهم ابن مسعود ، وأبو موسى الأشعري ، ومجاهد ، وغيرهم.
ولذلك فقد ذكر كثير من العلماء أن هذا القول في الكرسي قد حصل عليه إجماع السلف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الكرسي ثابت بالكتاب والسنة وإجماع السلف" .
وقال شارح العقيدة الطحاوية: "وإنما هو -الكرسي- كما قال غير واحد من السلف بين يدي العرش كالمرقاة إليه" .
وقال محمد بن عبد الله بن زمنين: "ومن قول أهل السنة أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين" .
وقال القرطبي: "والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه" .
كما أن أهل اللغة لا يعرفون معنى الكرسي غير هذا المعنى، قال الزجاج: "والذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد ويجلس عليه، فهذا يدل على أن الكرسي عظيم دونه السموات والأرض" .
وقال ثعلب: "الكرسي ما تعرفه العرب من كراسي الملوك" .
ومن هذا كله يتبين لنا مدى صحة هذا القول وموافقته للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومطابقته لما جاء في لغة العرب، وأما الأقوال الأخرى فهي أقوال باطلة ومخالفة لما عليه جمهور أهل السنة من سلف الأمة وخلفها.
وأما ما استدل به أهل القول الأول من قول ابن عباس، فهو غير صحيح كما بيناه في تخريجه، والصحيح عن ابن عباس هو قوله: "الكرسي موضع القدمين ...."، وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها.
وأما القول الثاني: إن الكرسي هو العرش نفسه، فلم يثبت عن الحسن البصري، لأن في إسناده جوبيراً وهو متفق على ضعفه، وقال فيه الحافظ ابن حجر: "ضعيف جداً".
وقال ابن كثير: "رواه ابن جرير من طريق جوبير، وهو ضعيف، وهذا لا يصح عن الحسن بل الصحيح عنه وعن غيره من الصحابة والتابعين أنه غيره" .
وقال البيهقي عند الكلام على هذا القول: "هذا ليس بمرضي، والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه" .
ومساندة ابن جرير الطبري لهذا القول غير صحيحة، لأن حديث عبد الله بن خليفة ضعيف كما تقدم.
أما القول الثالث: فهو قول مخالف لما دلت عليه الأحاديث والآثار، ومخالف لما عليه الجمهور من أهل السنة والجماعة ومخالف للغة العربية، وهو تأويل باطل ترده الأحاديث، وهو أيضاً تكذيب بالكرسي، وتكذيب للأحاديث الصحيحة التي دلت على وجود الكرسي.
وأما القول الرابع: فيكفي في إثبات بطلانه أن جماعة من أنفسهم ردوا عليهم هذا القول كما ذكره ابن كثير وبالإضافة إلى ذلك فإن أصحاب هذا القول ليس لديهم أي دليل على قولهم هذا كما سبق وأن بيناه في قولهم في العرش.
يتبــــــــــــــــع9
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع 8   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 22:52

القسم الثاني: التعريف بالمؤلف والكتاب.


الفصل الأول: التعريف بالمؤلف.


الفصل الأول: التعريف بالمؤلف

أولاً: اسمه وكنيته
هو الشيخ الإمام الحافظ الكبير، مؤرخ الإسلام، شيخ المحدثين، محدث العصر، وخاتمة الحفاظ، شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن أحمد ابن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبي التركماني الفارقي ثم الدمشقي، الشافعي، المقرئ.
ثانياً: أصله
يرجع الذهبي إلى أصول تركمانية، فقد قـال الذهبي عن جد أبيه قايماز: "قايماز ابن الشيخ عبد الله التركماني الفارقي، جد أبي ..." وكذا قال في جده عثمان .
فهو من أسرة تركمانية الأصل، سكنت مدينة مَيَّافارقين من أشهر مدن ديار بكر .
ويرجع في ولائه إلى بني تميم، فقد ذكر بشار عواد في ترجمته للذهبي أن الذهبي كتب بخطه على طرة المجلد التاسع عشر من "تاريخ الإسلام" (نسخة أياصوفيا 3012)، "تأليف محمد بن أحمد بن عثمـان ابن قايماز مـولى بني تميم" .
ثالثاً: نسبته
الذهبي نسبة إلى صناعة الذهب، فقد كان والده شهاب الدين أحمد يمتهن صناعة الذهب المدقوق وقد برع بها وتميز، وعُرِف بالذهبي .
وعرف "محمد" بابن الذهبي، نسبة إلى صناعة أبيه، وكان هو يقيد اسمه "بابن الذهبي" .
وقد عُرِف عند بعض معاصريه بـ "الذهبي" مثل: الصلاح الصفدي ، وتاج الدين السبكي ، والحسيني ، وابن كثير .
رابعاً: مولده:
ولد في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وستمائة .
وذكر ابن حجر أن مولده في الثالث من الشهر المذكور .
وكان مولده في مدينة دمشق .
خامساً: أسرته
عاش الذهبي في أجواء أسرة متدينة متعلمة ميسورة الحال، الأمر الذي ساعده على التحصيل العلمي منذ نعومة أظفاره.
فمن جهة والده، كان والده شهاب الدين أحمد بن عثمان قد طلب العلم، وسمع الصحيح من المقداد القيسي سنة (666هـ)، وقد ترجم له الذهبي في معجم شيوخه ، وقد توفي والده سنة (697هـ).
وكذلك استفاد الذهبي من عمته ست الأهل بنت عثمان بن قايماز، وهي أمه من الرضاعة، وكان قد أجاز لها ابن أبي اليسر، وجمال الدين بن مالك، وزهير بن عمر الزرعي، وجماعة. وسمعت من عمر بن القواس وغيره.
فروى الذهبي عنها، وكانت وفاتها سنة (729هـ) .
ولكن لم تكن أسرة والده عريقة في العلم مشهورة به، فجد الذهبي عثمان ابن قايماز يقول عنه الذهبي: "رجل أُمِّيٌّ" وكان نجاراً، وقد توفي سنة (683هـ)، وقد ترجم له الذهبي في معجم الشيوخ .
وكذلك جد أبيه قايماز بن عبد الله، فلم يذكر الذهبي أن له اشتغالاً بالعلم، وذكر أنه توفي عن مائة وتسع سنين، وقد عُمِّرَ وأضر بآخره، وكانت وفاته سنة إحدى وستين وستمائة .
وأما من جهة والدته: فإنها ابنة علم الدين، أبو بكر سنجر بن عبد الله الموصلي، قال عنه الذهبي: "كان خيراً، عاقلاً، مديراً للمناشير بديوان الجيش، مات سنة (680هـ") .
وقد أفاد الذهبي من خاله علي بن سنجر بن عبد الله الموصلي، وقال في ترجمته: "الحاج المبارك، أبو إسماعيل -خالي-، مولده في سنة ثمان وخمسين وستمائة، وسمع بإفادة مؤدبه ابن الخباز من أبي بكر الأنماطي، وبهاء الدين أيوب الحنفي، وست العرب الكندية. وسمع معي ببعلبك من التاج عبد الخالق وجماعة، وكان ذا مروءَةٍ وكد على عياله، وخوف من الله. توفي في الثالث والعشرين من رمضان سنة ست وثلاثين وسبعمائة" .
وفي محيط أسرته استفاد الذهبي من زوج خالته فاطمة، واسمه أحمد ابن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي، المعروف بابن الحرستاني، وقد سمع الحديث ورواه، وكان حافظاً للقرآن الكريم، كثير التلاوة له. توفي بمصر سنة (700هـ) .
سادساً: نشأته في طلب العلم:
كانت أهم العوامل التي أثرت في التكوين العلمي للإمام الذهبي في بداية طلبه للعلم، أسرته وبلده.
أما أسرته، فهو كما أسلفنا من أسرة متدينة متعلمة، ميسورة الحال، الأمر الذي ساعد -بعد توفيق الله تعالى- على دفع الذهبي إلى كتاتيب تعليم القرآن في صغره، والتفرغ بعد ذلك لطلب العلم وتحصيله من ريعان شبابه، بدلاً من الانشغال في تحصيل قوته وطلب رزقه. ولم يكن يكدر صفو هذه النعمة إلا امتناع والده عن السماح له بالرحلة في طلب العلم إلا في رحلات قصيرة لا تتجاوز أربعة أشهر، وذلك لخوفه عليه وشدة تعلقه به.
وقد عبر الذهبي عن تحسره لعدم الالتقاء ببعض الشيوخ لهذا المانع ومن ذلك قوله: "وكنت أتحسر على الرحلة إليه، وما أتجسر خوفاً من الوالد، فإنه كان يمنعني" وقـال في موضع آخر: "ولم يكن الوالـد يمكنني من السفر" .
وأما العامل الثاني، فهو بلده دمشق التي كانت تجمع في ذلك العصر شموس العلم من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ المزي وغيرهما، فقد حظي الذهبي برفقة هؤلاء والإفادة منهم، وأضف إلى ذلك اشتهار دمشق في ذلك الحين بكبريات دور الحديث، كدار الحديث الظاهرية، ودار الحديث السكرية، ودار الحديث الأشرفية، وغيرها. فقد كانت دمشق في ذلك العصر مركز إشعاع علمي وخاصة في علوم الحديث، وخير شاهد على ذلك ما نراه بين أيدينا من مؤلفات وموسوعات علمية كتبت في تلك الحقبة الزمنية التي عاشها الذهبي.
وقد بدأ الذهبي بدايته العلمية بحفظ كتاب الله تعالى، وتعلم مبادىء القراءة والكتابة، وذلك على يد أحد المؤدبين، واسمه علاء الدين علي بن محمد الحلبي، المعروف بالبصبص، حيث أقام الذهبي في مَكْتَبِه أربعة أعوام .
ثم انتقل الذهبي بعدها إلى الشيخ مسعود بن عبد الله الأغزازي، فلقنه جميع القرآن، ثم قرأ عليه نحو من أربعين ختمة .
تلك هي بواكير دراسته، والتي تبعها بعد ذلك جلوسه في مجالس الشيوخ، وذلك ببلوغ سن الثامنة عشرة ، حيث تعتبر هذه السن عند الذهبي بداية مرحلة العناية بطلب العلم، وقد ركز في تلك المرحلة على علمين شريفين عظيمين هما:
علم القراءات وعلم الحديث، فلازم كبار علماء القراءات في عصره، حتى أصبح متقناً لهذا الفن وأصوله ومسائله، مما حذا بالشيخ محمد ابن عبد العزيز الدمياطي -وهو من المقرئين المجودين- أن يتنازل له عن حلقته بالجامع الأموي، عقب مرض الشيخ، الذي توفي على إثره سنة (693هـ) .
وإن كان الذهبي لم يستمر في ذلك المنصب إلا قرابة السنة بسبب انشغاله بالرحلة إلى طلب العلم .
قال عنه السيوطي: "وتلا بالسبع وأذعن له الناس" .
وأما علم الحديث، فقد كان له النصيب الأوفر عند الذهبي، حيث اعتنى به العناية الفائقة حتى أصبح هذا العلم هو شغله الشاغل طيلة حياته، فقد سمع الذهبي مئات الكتب والأجزاء الحديثية، ولعل نظرة في معجم شيوخه (المعجم الكبير) تبرهن لك على سعة اطلاعه وغزارة تحصيله في هذا الجانب، فضلاً عن نتاجه الذي يشهد بتبوئه المنـزلة العالية والمقام الرفيع بين مصاف أكابر هذا الفن.
قال عنه السيوطي: "وطلبَ الحديث وله ثماني عشرة سنة، فسمع الكثير، ورحل، وعني بهذا الشأن، وتعب فيه وخدمه إلى أن رسخت فيه قدمه" .
ومع عناية الذهبي بعلمي القراءات والحديث في تلك المرحلة، إلا أنه لم يهمل علوم العربية والأدب والتاريخ، فقد عني بدراسة النحو، فسمع" الحاجبية " على شيخه موفق الدين أبي عبد الله محمد بن أبي العلاء- النصيبي المتوفى سنة (695هـ) .
كما دَرَسَ على شيخ العربية، وإمام أهل الأدب في مصر آنذاك، الشيخ محمد بن إبراهيم بن النحاس الحلبي المتوفى سنة (698هـ) .
"إضافة إلى سماعه لعدد كبير من مجاميع الشعر واللغة والأدب" ، وقد تعاطى الشعر، ونظم اليسير منه.
"واهتم بالكتب التاريخية، فسمع عدداً كبيراً منها على شيوخه، في المغازي، والسيرة، والتاريخ العام، ومعجمات الشيوخ والمشيخات، وكتب التراجم الأخرى" .
وفي العموم فقد اعتنى الذهبي في فترة تحصيله بشتى العلوم الدينية مع ما تحتاجه تلك العلوم من علوم الآلة ونحوها من العلوم المساعدة مع أنه لم ينقطع عن التحصيل والسماع طوال حياته، يشهد لذلك معجمات شيوخه ومؤلفاته الموسوعية التي تؤكد دراسته لعدد ضخم من المؤلفات في العقيدة، والتفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، واللغة، والأدب، وغيرها.
وقد انعكس هذا التحصيل الواسع على مؤلفاته التي تشهد له بسعة الإطلاع وغزارة الإنتاج مع القوة والتمكن في مختلف العلوم.
سابعاً: رحلاته:
مع ما أسلفنا من أن والد الذهبي كان يمنعه من السفر والرحلة في طلب العلم وهو في مقتبل شبابه، إلا أن ذلك المنع لم يكن بالكلية، فقد سمح له والده ببعض الرحلات القصيرة، تمكن من خلالها الالتقاء ببعض العلماء خارج محيط بلده دمشق، ومن بين تلك الرحلات التي قام بها أثناء حياة والده، رحلته إلى بعض المدن الشامية، ومنها: بعلبك، وحلب، وحمص، وحماة، وطرابلس، والكرك، والمعرة، وبصرى، ونابلس، والرملة، والقدس، وتبوك .
لكن أبرز رحلاته في هذه الفترة كانت إلى مصر، التي زارها في الفترة من رجب إلى ذي القعدة من عام (695هـ) مروراً بفلسطين، وكان قد وعد والده أن لا يقيم في هذه الرحلة أكثر من أربعة أشهر ، وبسبب ذلك لم تطل فترة رحلته، ولكنه استفاد كثيراً حيث سمع من شيوخها وكبار علمائها.
وفي سنة (698هـ) أي بُعيد وفاة والده، رحل الذهبي للحج وسمع بمكة، وعرفة، ومنى، والمدينة من مجموعة من الشيوخ .
كما كانت له بعض الرحلات في تلك الفترة انحصرت في محيط البلاد الشامية.
قال عنه ابن الصفدي: "وارتحل وسمع بدمشق، وبلعبك، وحمص، وحماة، وحلب، وطرابلس، ونابلس، والرملة، وبِلبِس، والقاهرة، والأسكندرية، والحجاز، والقدس، وغير ذلك" .
ثامناً: شيوخه:
ذكر الصفدي أن عدد شيوخ الذهبي وصل إلى ألف وثلاثمائة شيخ .
وقد حرص الذهبي على تدوين أسماء شيوخه الذين استفاد منهم عن طريق السماع أو الإجازة، فكتب معجم الشيوخ الكبير، والأوسط، والصغير (اللطيف) .
وقد طبع معجم الشيوخ الكبير بتحقيق الدكتور محمد الحبيب الهيلة.
وقال الذهبي في مقدمته: "أما بعد فهذا معجم العبد المسكين محمد ابن أحمد بن عثمان" إلى أن قال: "يشتمل على ذكر من لقيته أو كتب إلي بالإجازة في الصغر، وعلى كثير من المجيزين لي في الكبر ولم استوعبهم، وربما أجاز لي الرجل ولم أشعر به، بخلاف ما سمعته منه فإني أعرفه" .
ولسنا بصدد ذكر الجم الغفير من شيوخ الذهبي، ولكن نشير إلى أن الذهبي حظي برفقة ثلاثة من مشاهير عصره الذين طبّقت سمعتهم الآفاق وهم:
1ـ شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (661هـ-728هـ).
2ـ العلامة الحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي (654هـ-742هـ).
3ـ العلامة الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي (665هـ-739هـ).
وكان للذهبي مع هؤلاء الأعلام صحبة وملازمة، وكان الذهبي أصغر الجميع سناً، وكان أبو الحجاج المزي أكبرهم، وكان بعضهم يقرأ على بعض، فهم شيوخ وأقران في الوقت ذاته، يجمعهم التمسك بعقيدة السلف الصالح والرغبة في تعلمها ونشرها والدفاع عنها، وحبهم لعلم الحديث والاشتغال به وحرصهم على اتِّباع آثار السلف الصالح.
وقد تركت تلك الصحبة آثارها القوية على شخصية الذهبي وتكوينه العلمي، ويظهر ذلك جلياً في كتاباته.
وقد ساعد على تكوين الذهبي لتلك العلاقة والصلة الوثيقة بهؤلاء الأعلام - مع أن فارق السن كان بينه وبين المزي تسع عشرة سنة، وبينه وبين ابن تيمية اثنتا عشرة سنة - ما حباه الله به من الذكاء وقوة الحافظة، الأمر الذي ساعده على ملازمة هؤلاء الأعلام ومجاراتهم مع ما تميزوا به من علم واسع، وذكاء مفرط.
وقد أثنى الذهبي الثناء العطر على هؤلاء الأعلام وامتدحهم في كتاباته، واعترف لهم بالفضل والجميل .
تاسعاً: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه
تصدر الذهبي مرتبة الإمامة في عدد من العلوم، فهو إمام في علم القراءات، وإمام في علوم الحديث، وإمام في علم التاريخ.
أما في علم القراءات:
فقد قال عنه ابن ناصر الدين المتوفي سنة (842هـ): "كان إماماً في القراءات" .
وقال ابن الجزري: "الأستاذ، الثقة الكبير" .
وقد اعتنى الذهبي بهذا الفن في مرحلة مبكرة من حياته. ومن مؤلفاته في ذالك، كتاب "التلويحات في علم القراءات"، وكتاب "معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار" إلا أنه مع إتقانه لهذا الفن لكنه لم يتفرغ له كما ذكر ذلك ابن الجزري ، ولعل ذلك بسبب انشغاله بعلوم الحديث.
أما في علوم الحديث:
فقد تفانى الذهبي في خدمة علوم الحديث، وأكثر من التصنيف فيها، ولقيت مؤلفاته القبول عند الناس، فهذا ابن حجر يقول: "ورغب الناس في تواليفه، ورحلوا إليه بسببها، وتداولوها قراءة ونسخاً وسماعاً" ولا غرابة في ذلك فالإمام الذهبي بلغ منـزلة عالية ودرجة رفيعة بسبب ما حباه الله من صفات وخصائص علمية تميز بها.
واسمع إلى وصف بعض تلاميذه له -وهو صلاح الدين الصفدي- حيث قال: "محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ، أبو عبد الله الذهبي، حافظ لا يجارَى، ولافظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأزال الإبهام في تواريخهم والإلباس، مع ذهن يتوقد ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وانتماؤه، جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف". إلى أن قال: "ولم أجد عنده جمود المحدثين، ولا كوذنة -(أي بلادة)- النقلة، بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب أئمة السلف، وأرباب المقالات. وأعجبني ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثاً يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن في رواةٍ، وهذا لم أر غيره يعاني هذه الفائدة فيما يورده" .
وإمامة الذهبي في هذا الشأن لا يختلف فيها اثنان، ولذلك قال السيوطي: "إن المحدثين الآن عيال في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة: المزي، والذهبي، والعراقي، وابن حجر" .
وقال عنه التاج السبكي: "شيخنا وأستاذنا، محدث العصر، اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ -وبينهم عموم وخصوص- المزي، والبرزالي، والذهبي، والشيخ الوالد، لا خامس لهم في عصرنا، فأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له وكنـز، هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظاً، وذهب العصر معنى ولفظاً، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها، ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها، وكان محط رحال المعنت، ومنتهى رغبات من تعنت، تعمل المطي إلى جواره، وتضرب البزل المهارى أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره، وهو الذي خَرَّجَنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة". إلى أن قال "وسمع منه الجم الكثير، ومازال يخدم هذا الفن حتى رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال، وأقام بدمشق يُرحل إليه من سائر البلاد وتناديه السؤالات من كل ناد" .
وقال عنه البدر النابلسي: "كان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم، حديد الفهم، ثاقب الذهن، وشهرته تغني عن الإطناب فيه" .
وقال ابن حجر: "ومهر في فن الحديث، وجمع فيه المجاميع المفيدة والكثيرة" .
ومن أشهر كتبه في هذا المجال "ميزان الاعتدال في نقد الرجال".
وأما علم التاريخ والتراجم:
فالذهبي صاحب الموسوعات الكبار في هذا المجال، والتي أهمها "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام"، و"سير أعلام النبلاء"، و"العبر"، و"دول الإسلام"، و"تذكرة الحفاظ"، وغيرها كثير، وقد أظهر الذهبي في تلك المؤلفات براعة في العرض، ودقة في التحليل والنقد، مع غزارة في المعلومات، تشهد له بالذكاء والعبقرية وقوة الحافظة، لدرجة أن ابن حجر -مع فضله وجلالة قدره- شرب ماء زمزم سائلاً الله أن يصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ والفطنة .
وقد عول الكتاب والعلماء على مؤلفاته، وأصبحت عمدة لهم فيما كتبوا وألفوا من بعده.
وقد عد الذهبي والمزي أكبر المؤرخين في القرن الثامن .
عاشراً: عقيدته
عُرف الذهبي رحمه الله بمواقفه التي تدعو إلى التمسك بعقيدة السلف الصالح علماً واعتقاداً وعملاً ودعوة وتعليماً، ويظهر ذلك جلياً لمن اطلع على مصنفاته سواء ما يتعلق منها بمسائل الاعتقاد مثل كتاب "العلو"، وكتاب "العرش"، وكتاب "الأربعين في صفات رب العالمين"، ورسالة "التمسك بالسنن والتحذير من البدع وغيرها"، أو كتبه الأخرى في علوم الحديث وغيرها.
فقد سطر الذهبي بيراعه معتقد السلف وأثبته في تلك الكتب، ونافح ودافع عن عقيدة أهل السنة وأثنى على أهلها بما يستحقونه من الأوصاف، كما أبرز جهودهم العلمية والعملية في نشر السنة ونصرتها، وفي الوقت ذاته سلط قلمه على أهل البدع والأهواء، فما يمر على صاحب بدعة إلا ويشير إلى بدعته، ويبين وجه انحرافه، وقول أهل السنة فيه وفي بدعته، وإن كان في بعض الأحيان يوجد في كلامه بعض التساهل مع بعض المبتدعة لكنه قليل ومحدود.
والحقيقة التي يجب الإشارة إليها والإشادة بها في هذا المقام، أن الذهبي قام رحمه الله على ثغرة عظيمة، هي علم الرجال والتراجم، فاعتنى بها واهتم بأمرها اهتماماً كبيراً، حتى أصبحت محور تفكيره وأساس كثير من كتبه، فقام بخدمة هذا الجانب خير قيام، وذلك وفق منهج أهل السنة والجماعة، على غرار ما فعل شيخه وصاحبه شيخ الإسلام ابن تيمية في خدمة مسائل الاعتقاد والرد على أصحاب المقالات، فكل من الإمامين قام على ثغرة، وقام بأكبر خدمة.
فقد شوه أصحاب البدع وأرباب المقالات حقائق التاريخ وسير العلماء بما دسوا فيها من الأكاذيب والأباطيل، كما فعلوا في مسائل الاعتقاد الأمر ذاته.
فتصدى الذهبي رحمه الله تعالى للجانب التاريخي فوضع الأمور في نصابها وأوضح بجلاء سير أعلام السنة على وجهها الصحيح وحلاها بأجمل الحلل وكساها أبهى العبارات.
وقام في الوقت ذاته بفضح أهل البدع والأهواء وكشف باطلهم، الأمر الذي أثار حفيظة أهل البدع والأهواء ونقمتهم على كتب الإمام الذهبي لما لها من ثقل ووزن في فنها، فهي تعد غصة في حلوق أهل الكلام والمتصوفة والرافضة ومن على شاكلتهم، لكونها كشفت عورات زعمائهم وأظهرت بطلان عقائدهم.
وكان الذهبي معروفاً في حياته بمواقفه الصلبة من العقائد المنحرفة وأهلها، كما اشتهر عنه صلته الوثيقة وموافقته لشيخ الإسلام ابن تيمية في نصرة السنة ومحاربة البدعة، الأمر الذي جعل الأشاعرة من الشافعية بدمشق يمانعون في توليه لمشيخة أكبر دار للحديث بدمشق حينذاك، وهي دار الحديث الأشرفية، التي شغرت مشيختها بعد وفاة رفيقه المزي سنة (742هـ)، رغم ترشيح قاضي القضاة علي بن عبد الكافي السبكي أن يعين الذهبي لها، وكان السبب في رفضهم كون الذهبي ليس بأشعري .
ومعلوم أن الصراع كان على أشده في ذلك الحين بدمشق بين أنصار المنهج السلفي وخصومهم من أهل الكلام والمتصوفة.
والكتاب الذي بين أيدينا يعطي صورة واضحة للمنهج الذي سار عليه الذهبي، فقد تبع طريقة أهل الحديث في تقرير المسائل والاستدلال عليها، فذكر معتقد أهل السنة في مسألة العلو واستدل لقولهم بنصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن سلك سبيلهم وسار على نهجهم، ناصراً بذلك قولهم وراداً على من خالفهم، كما سيأتي تفصيله. فرحم الله الذهبي وجزاه عن السنة وأهلها خير الجزاء. ولكن مع ذلك كله فاللذهبي بعض المواقف المخالفة في المسائل المتعلقة بالقبور وتعظيمها لا يُقر عليها ولا يُوافق .
الحادى عشر: مؤلفاته
أشتهر الذهبي بكثرة التصنيف حتى قال عنه ابن حجر: "كان أكثر أهل عصره تصنيفاً" .
وقد اجتهد الدكتور بشار عواد في جمع أسماء مؤلفات الذهبي في كتابه "الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام"، وقد بلغ مجموع ما سمى من مؤلفاته (215) مؤلفاً. ونظراً لكثرتها فإني أحيل القارئ إلى الكتاب المذكور إذا أراد الاستزادة في هذا الجانب.
وسأكتفي بذكر أسماء مؤلفاته في علم العقيدة فقط وهي على النحو التالي:
1ـ العلو للعلي الغفار.
وقد طبع عدة طبعات، وقام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني باختصاره.
2ـ كتاب العرش.
وهو الكتاب الذي بين أيدينا
3ـ كتاب الأربعين في صفات رب العالمين.
ويتكـون من أكثر من جزء، وتوجد له نسخة في الظاهرية تحتوي على الجزء الأول فقط، وقد قام الدكتور عبد القادر بن محمد عطا صوفي بتحقيق هذا الجزء، ونشرته مكتبة العلوم والحكم.
4ـ المنتقى من منهـاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال -مطبوع-.
وهو مختصر لكتاب "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية".
5ـ كتاب الكبائر.
وقد طبع عدة طبعات.
6ـ رسالة في الإمامة العظمى.
جاء في أولها "هذا كلام لخصته من كلام ابن حزم وغيره في الإمامة العظمى ...".
ذكـرها الدكتـور رمضان ششن في كتابه نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا (2/22)، وأشار إلى وجود نسخة لها في (رئيس الكتاب، رقم 1185/2، كتبت في القرن الثاني عشر، من 126/ب إلى 133/ب).
وله نسخة مصورة في قسم المخطوطات بعمادة شئون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية برقم (9573/4).
7ـ كتاب أحاديث الصفات.
ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق70).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق181).
8ـ جزء في الشفاعة.
ذكره ابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق7).
وابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق181).
9ـ صفة النار.
ذكره ابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق71).
وابن العماد في شذرات الذهب (6/156) وأشار إلى أنه جزءان.
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق181).
10ـ مسألة الغيبة.
ذكره ابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق71).
وابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق180).
11ـ كتاب رؤية الباري.
ذكره ابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق70).
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
12ـ كتاب الموت وما بعده.
ذكره الصفدي في نكت الهميان (ص243)، وفي الوافي (2/164)
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ (ق87).
وابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق70).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (2/180).
والبغدادي في هدية العارفين (2/154).
13ـ طرق حديث النـزول.
ذكره الذهبي في كتاب العرش ، وفي كتاب العلو (ص73)، وفي الأربعين (ص70).
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
14ـ طرق أحاديث الصوت.
ذكره الذهبي في كتاب العرش .
15ـ مسألة دوام النار.
ذكره الذهبي في السير (18/126).
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق71).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق180).
16ـ كتاب التمسك بالسنن.
ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وقام بتحقيقه الدكتور محمد باكريم محمد باعبد الله، ونشر في مجلة الجامعة الإسلامية العدد (103).
17ـ مختصر كتاب الزهد للبيهقي.
ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وذكر بشار عواد أن له نسخة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة النبوية.
18ـ مختصر كتاب القدر للبيهقي.
ذكره الصفدي في نكت الهميان (ص243).
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
19ـ مختصر كتاب البعث والنشور للبيهقي.
ذكر ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
20ـ كتاب الروع والإوجال في بقاء الدجال.
ذكره الصفدي في الوافي (2/164)، وفي نكت الهميان (ص243)
والسبكي في الطبقات (9/105).
والزركشي في عقود الجمان (ق79).
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق70).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق180).
وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/933).
والبغدادي في هداية العارفين (2/154).
21ـ مختصر الرد على ابن طاهر لابن المجد.
وهو في بيان مسألة السماع، رد فيه على من جوزه.
ذكره بشار عواد في كتابه الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام (ص240).
22ـ كتاب تشبيه الخسيس بأهل الخميس.
وهو في بيان بدعة التشبه بالنصارى في أعيادهم .
والكتاب مطبوع بتحقيق علي حسن عبد الحميد، نشرته دار عمار بالأردن سنة (1408هـ).
الثاني عشر: تلاميذه
تتلمذ على يد الذهبي المئات من التلاميذ، وقد قال عنه تلميذه الحسيني: "وحمل عنه الكتاب والسنة خلائق" .
وقال السبكي: "وسمع منه الجم الكثير" .
ومن ينظر في كتب القرن الثامن يجدها زاخرة بمئات من التلاميذ الذين استفادوا من الذهبي ولعل من أشهر من استفاد وسمع منه من نظرائه:
1ـ الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، المتوفى سنة (774هـ) صاحب كتاب "تفسير القرآن العظيم"، وكتاب "البداية والنهاية" .
2ـ الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن الحسن بن محمد السلامي البغدادي، الشهير بابن رجب الحنبلي، المتوفى سنة (795هـ) .
ومن أشهر تلاميذه:
3ـ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، المتوفى سنة (764هـ) صاحب كتاب "الوافي بالوفيات".
4ـ شمس الدين أبو المحاسن، محمد بن علي بن الحسن الحسيني، الدمشقي، الشافعي، المتوفى سنة (765هـ)، صاحب "ذيل تذكرة الحفاظ".
5ـ تاج الدين أبو نصر، عبد الوهاب بن علي السبكي، المتوفى سنة (771هـ) صاحب "طبقات الشافعية الكبرى".
الثالث عشر: وفاته
توفي الذهبي رحمه الله تعالى قبل منتصف ليلة الاثنين، ثالث ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وكان قد بلغ من العمر حينذاك خمسة وسبعين عاماً وسبعة أشهر.
وكانت وفاته بدمشق، ودفن رحمه الله بمقبرة الباب الصغير، وحضر الصلاة عليه جملة من العلماء، وكان رحمه الله قد كف بصره قبل موته بسبع سنين. قال تلميذه الحسيني: "أضر في سنة إحدى وأربعين، ومات في ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بدمشق، ودفن في مقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى" .


الفصل الثاني : التعريف بالكتاب

أولاً: اسم الكتاب
ثانياً: توثيق نسبة الكتاب للمؤلف
ثالثاً: الفرق بين كتاب العرش وكتاب العلو
رابعاً: موارد كتاب العرش
خامساً: منهج المصنف في الكتاب
سادساً: أهمية الموضوع والكتاب
سابعاً: دراسة النسخة الخطية
ثامناً: عملي في الكتاب
أولاً: اسم الكتاب
جاء على طرة النسخة المخطوطة (أ) عبارة (كتاب العرش للذهبي).
كما جاء في آخرها ( تم كتاب العرش للذهبي ).
وجميع من ذكر الكتاب ممن ترجم للذهبي أطلق عليه هذه التسمية.
ولم أقف على خلاف ذلك إلا ما ذكره ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية -بعد ما نقل نصاً من الكتاب- حيث قال: "حكاه عنه محمد بن أحمد بن عثمان في رسالته في الفوقية" . ولعل هذا تصرف من ابن القيم حيث أطلق عليه اسم مضمونه بدلاً عن اسمه الصحيح.
وأيضاً ما جاء في الجزء الموجود من مختصر هذا الكتاب والذي توجد قطعة منه في المكتبة الظاهرية بدمشق ضمن مجموعة برقم (47- مجاميع)، ولها نسخة مصورة بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية برقم (1506- مكبر) فقد سماه مختصره "مختصر الذهبية" ولم يتبين لي سبب هذه التسمية.
ثانياً: توثيق نسبة الكتاب للمؤلف
إثبات نسبة الكتاب للمؤلف مسألة واضحة تؤكدها الحقائق التالية:
أ- ما جاء في أول وآخر النسخة الخطية (أ) التي اعتمدت عليها من التصريح بنسبة الكتاب للمؤلف.
ب- تصريح عدد من المؤرخين الذين ذكروا مؤلفات الذهبي، باسم الكتاب، ونسبوه للذهبي، ومنهم:
1ـ ابن تغرى بردى في "المنهل الصافي" (ق70).
2ـ سبط ابن حجر في "رونق الألفاظ" (ق180).
3ـ ابن العماد في "شذرات الذهب" (6/156).
4ـ حاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/1438).
5ـ البغدادي في "هدية العارفين" (2/154).
6ـ بروكلمان في "تاريخ التراث العربي" (الملحق 1/47، بالألمانية).
7ـ بشار عواد في كتابه "الذهبي ومنهجه في كتابه التاريخ" (ص148).
فجميع هذه المصادر ذكرت الكتاب وأكدت نسبته للذهبي.
جـ- تصريح من نقل أو استفاد من الكتاب بنسبته إلى الذهبي. ومن أولئك:
* ابن القيم الذي اعتمد في كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية" على كتاب العرش فيما نقله من نصوص عن الذهبي ولم يعتمد على كتاب العلو.
وقد نبهت على ذلك في بعض المواطن داخل النص المحقق، وانظر على سبيل المثال ما علقته في الفقرة (226).
* وكذلك السفاريني في كتابه "لوائح الأنوار السنية" فقد استفاد
من الكتاب ونقل منه فقال: "قال الإمام الحافظ الذهبي في كتاب العرش ..."، انظر (1/356).
* وذكره أيضا في كتابه "لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية" (1/196) فقال: "وكتاب العرش للحافظ شمس الدين الذهبي صاحب الأنفاس العلية".
د- رواية المصنف لبعض الأحاديث والآثار بأسانيدها المتصلة عن شيوخه الذين اشتهر بالرواية عنهم إلى أصلها الذي أخذت منه.
فتلك الأسانيد تدل على صحة نسبة الكتاب له.
هـ- ذكر المصنف لبعض المصنفات التي ألفها في ثنايا الكتاب ومنها:
1ـ "طرق أحاديث النـزول"، انظر الفقرة رقم (72).
2ـ "طرق أحاديث الصوت"، انظر الفقرة رقم (81).
و- تطابق بعض التعليقات في كتاب "العرش" مع ما ورد في كتاب الذهبي "العلو" و"الأربعين في صفات رب العالمين". وهذا التطابق يؤكد نسبة الكتاب إليه.
ثالثاً: الفرق بين كتاب العرش وكتاب العلو
يتساءل الكثير من الباحثين عند سماعه باسم الكتابين عن الفرق بينهما.
(فهذا بروكلمان في كتابه: "تاريخ التراث العربي" (الملحق 1/ 47)، تسائل عند ذكره لكتاب العرش، هل هو كتاب العلو أم أنه غيره؟) .
وكذلك فإن بشار عواد في كتابه "الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام" (ص148) يقول إنه لم يستطع التفريق بين الكتابين لأنه لم يستطع الوقوف على كتاب العرش.
وعذر بروكلمان وبشار عواد واضح لكونهما لم يطلعا على نسخة لكتاب العرش.
ومع عدم ظهور طبعة لكتاب (العرش) لم يزل الالتباس قائماً بسبب عدم تمكن البعض من الاطلاع على نسخة لكتاب العرش، أو لعدم معرفتهم بوجود كتاب للذهبي يحمل عنوان "كتاب العرش".
وممن وقع في اللبس في هذه المسألة فضيلة الشيخ الألباني حيث جزم في مقدمة كتابه "مختصر العلو للعلي الغفار" بأن "كتاب العلو" هو "كتاب العرش" الذي ذكره ابن العماد في "الشذرات" والسفاريني في "لوامع الأنوار" .
وهذا القول للشيخ الألباني -حفظه الله- شاع بين طلبة العلم وأشاع مقولة أن الكتابين كتاب واحد. وهذا خلاف الصواب.
فمن خلال معايشتي لتحقيق كتاب "العرش" والمقارنة بينه وبين كتاب "العلو"، أود أن أوضح وأجلي ما وقع من لبس وخطأ في هذه المسألة وأبين الحقائق التالية:
أولاً: من الناحية التاريخية:
فرق سبط ابن حجر في كتابه "رونق الألفاظ" (ق180) بين الكتابين فذكر "كتاب العرش" باسم مستقل و"كتاب العلو" باسم مستقل، وقد أشار بشار عواد إلى هذه المعلومة في كتابه "الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام" .
وكذلك فعل إسماعيل باشا البغدادي في كتابه "هدية العارفين" (6/154) عند ذكره لمؤلفات الذهبي فقد فرق بين الكتابين فقال "كتاب العرش وصفته" وقال كتاب "العلو للعلي الأعلى الغفار في إيضاح الأخبار".
ثانياً: إنه بعد ظهور نسخة لكتاب "العرش" وصدورها بإذن الله مطبوعة، لم يبق مجال للتشكيك في الفرق بين الكتابين فمن يطلع على هذا الكتاب ويقارن بينه وبين كتاب العلو يجد صدق ما نقول.
ثالثاً: مع أن الكتابين ليسا كتاباً واحداً إلا أن هناك أوجه تشابه كبيرة بين محتوى الكتابين، وذلك يرجع للأسباب التالية:
1ـ كون مؤلف الكتابين واحد.
2ـ أن كلا الكتابين يبحثان في موضوع واحد ألا وهو مسألة إثبات علو الله واستوائه على عرشه وتقرير ذلك وفق عقيدة السلف الصالح.
3ـ سار المؤلف في منهجه وطريقة عرضه للموضوع على نسق واحد في كلا الكتابين، حيث بدء بذكر النصوص القرآنية ثم الأحاديث النبوية ثم أقوال الصحابة ثم أقوال التابعين ثم أتباع التابعين ثم من بعدهم من الطبقات.
رابعاً: مع وجود أوجه للتشابه بين الكتابين إلا أن هناك فوارق واضحة بين الكتابين منها:
1ـ مقدمة الكتابين ليست واحدة، فكل من الكتابين له مقدمة تختلف عن مقدمة الكتاب الآخر.
2ـ اختلفت طريقة عرض الفصل الأول من "كتاب العرش" والمتعلق بالأدلة من الكتاب عن طريقة كتاب "العلو".
3ـ مع الاشتراك في كثير من الأحاديث في الفصل المتعلق بالأدلة من السنة إلا أن كل كتاب انفرد ببعض الأحاديث مع اختلاف في تعليقات الذهبي على أحاديث الكتابين مما يترتب عليه أن كل كتاب احتوى على فوائد لا توجد في الكتاب الآخر.
4ـ ما حصل في فصل الأدلة من السنة ينسحب على بقية فصول ومحتويات الكتاب، فكل كتاب ينفرد ببعض الآثار والفوائد التي لا توجد في الكتاب الآخر.
وأضرب لك على سبيل المثال لا الحصر مثالاً لفائدة انفرد بها كتاب "العرش" ولا توجد في كتاب "العلو".
قوله في أبي الحسن الأشعري: "وكان معتزلياً ثم تاب، ووافق أصحاب الحديث ‎في أشياء يخالفون فيها المعتزلة، ثم وافق أصحاب الحديث في أكثر ما يقـولونه، وهو ما دوناه عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك، وأنه موافق لهم في جميع ذلك، فله ثلاثة أحوال: حال كان معتزلياً، وحال كان سنياً في البعض دون البعض، و حال كان في غالب الأصول سنياً، وهو الذي علمناه من حاله، فرحمه الله وغفر له ولسائر المسلمين" .
والفوائد التي انفرد بها الكتاب من جنس هذه كثيرة، يدرك قيمتها من احتاج إليها.
خامساً: قول المصنف في مقدمة كتاب العلو: "فإني كنت في سنة ثمان وتسعين وستمائة جمعت أحاديث وآثاراً في مسألة العلو، وفاتني الكلام على بعضها، ولم أستوعب ما ورد في ذلك، فذيلت على ذلك مؤلفاً أوله (سبحان الله العظيم وبحمده على حلمه بعد علمه)، والآن فأرتب المجموع وأوضحه هنا ...".
ليس فيه إشارة واضحة إلى أن كتاب العرش هو المسودة الأولى لكتاب العلو، فالمؤلف لم ينص على اسم الكتاب ولم يذكر مقدمته.
ومن المؤكد أنه ليس هو المسودة الثانية التي أشار المؤلف إلى مقدمتها وهي غير مقدمة العرش التي أولها (الحمد لله الذي ارتفع على عرشه في السماء)، وفي اعتقادي لو كان الكتاب مسودة لما اعتمد عليه ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية"، وكذلك السفاريني في "لوائح الأنوار" ولما شاع ذكره في كتب التراجم. والله أعلم.
وخلاصة النتيجة التي توصلت إليها واقتنعت بها: أنه من الحيف والخطأ اعتبار الكتابين كتاباً واحداً، أو ادعاء أن أحد الكتابين يغني عن الآخر، فكل من الكتابين انفرد بفوائد وفوارق لا توجد في الآخر.
ولذلك من الخطأ أن يحجب كتاب العرش عن الوصول لأيدي القراء ففي ذلك حرمان لهم من الفوائد والفرائد التي احتواها الكتاب في فنون شتى.
والذهبي يتميز بتعليقاته المفيدة والتي هي في اعتقادي تكثر في كتاب العرش عنها في كتاب العلو.
وهذه التعليقات مهمة ومفيدة وقد تميزت بها مؤلفات الذهبي، فهذا تلميذه الصفدي يقول عنه: "وأعجبني ما يعانيه في تصانفيه من أنه لا يتعدى حديثاً يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو إظلام إسناد، أو طعن في رواة، وهذا لم أر غيره يعاني هذه الفائدة فيما يورده" .
رابعاً: موارد كتاب العرش
عرف عن الذهبي سعة اطلاعه ومعرفته للكثير من كتب أهل العلم المتقدمين، ويظهر ذلك جلياً في الكتاب الذي بين أيدينا، فقد رجع فيه الذهبي إلى جملة كبيرة من كتب المتقدمين، البعض منها نعده اليوم في عداد المفقودات. ولذلك من المفيد حصر هذه المصادر التي اعتمد عليها ليستفيد منها من أراد الرجوع إليها والتوثيق منها. وهذه المصادر هي:
الإبانة عن أصول الديانة -لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- (ت324هـ).
الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية -لأبي عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن بطة العكبري- (ت387هـ).
الإبانة -لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني- (ت403هـ).
الإبانة في الرد على الزائغين في مسألة القرآن -لأبي نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي- (ت444هـ).
إبطال التأويلات لأخبار الصفات -لأبي يعلى محمد بن الحسين ابن محمد بن الفراء- (ت458هـ).
إثبات صفة العلو -لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي- (ت620).
آداب المريدين والتعرف لأحوال العباد -لعمرو بن عثمان المكي- (ت297هـ).
الاستيعاب في معرفة الأصحاب -لأبي عمر يوسف بن عبد الله ابن محمد بن عبد البر- (ت463هـ).
الأسماء والصفات -لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي- (ت458هـ).
إصلاح المنطق -لأبي يوسف يعقوب بن السكيت.
الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة -لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي- (ت458هـ).
تأويل مختلف الحديث- لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت276هـ).
تاريخ بغداد -لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي- (ت463هـ).
التاريخ الكبير -لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري- (ت254هـ).
التبصير في معالم الدين -لمحمد بن جرير الطبري- (ت 310هـ).
تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام الأشعري -لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر- (ت571هـ).
التفسير -لأبي بكر محمد بن الحسن النقاش- (ت351هـ).
تفسير القرآن -لسليم بن أيوب الرازي- (ت447هـ).
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد -لأبي عمر يوسف ابن عبد الله بن محمد بن عبد البر- (ت463هـ).
التوحيد -لمحمد بن إسحاق بن يحي بن منده- (ت 395هـ).
التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل -لمحمد بن إسحق ابن خزيمة- (ت311هـ).
تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل -لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني- (ت403هـ).
جامع البيان عن تأويل آي القرآن -لمحمد بن جرير الطبري- (ت310هـ).
جمل المقالات -لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- (324هـ).
جواب أبي بكر الخطيب البغدادي عن سؤال أهل دمشق في الصفات.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء -لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني- (ت430هـ).
الحيدة والاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن -لأبي الحسن عبد العزيز بن يحي الكناني- (ت240هـ).
ذم اللواط -للهيثم بن خلف الدوري-.
الرؤية -لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني- (ت 385هـ).
الرد على الجهمية -لإبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه النحوي.
الرد على الجهمية -لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي- (ت327).
الرد على بشر المريسي -لعثمان بن سعيد الدارمي- (ت280هـ).
الرد على الجهمية -لعثمان بن سعيد الدارمي- (ت280هـ).
رسالة يحي بن عمار السجستاني (ت442هـ).
الرسالة -لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني- (ت 386هـ).
الرسالة النظامية -لعبد الملك بن عبد الله أبو المعالي الجويني- (ت478هـ).
السنة -لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل- (ت290هـ).
السنة -لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال- (ت 311هـ).
السنة -لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني- (ت 360هـ).
السنة -لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم- (ت 287هـ).
السنن -لأبي داود سليمان بن الأشعث- (ت275هـ).
السنن -لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي- (ت297هـ) (الجامع الصحيح).
السنن -لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي- (ت 303هـ).
السنن -لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه- (ت275هـ).
شرح السنة -لإسماعيل بن يحي المزني- (ت264هـ).
الشريعة -لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري- (ت360هـ).
الشكر -لأبي بكر عبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا- (ت281هـ).
شكاية أهل السنة -لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري- (ت465هـ).
الصحيح -لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري- (ت 254هـ).
الصحيح -لأبي الحجاج مسلم بن الحجاج القشيري- (ت261هـ).
الصحيح (الأحاديث المختارة) -الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي- (ت643هـ).
صريح السنة -لمحمد بن جرير الطبري- (ت310هـ).
الصفات -لمحمد بن إسحاق بن يحي بن منده- (ت 395هـ).
الصفات -لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي- (ت481هـ).
الصفات -لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني- (ت 385هـ).
صفة الصفوة -لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي- (ت597هـ).
طبقات الفقهاء - لأبي إسحاق الشيرازي- (ت ).
العرش وما ورد فيه -لأبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة- (ت297هـ).
العظمة -لأبي الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني- (ت369هـ).
عقيدة أئمة الحديث -لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي- (ت371هـ).
عقيدة أصحاب الحديث - للأبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي- (ت532هـ).
عقيدة السلف وأصحاب الحديث -لأبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني- (ت449هـ).
عقيدة الشافعي -لأبي الحسن الهكاري- (ت 486هـ).
عقيدة الشافعي -لأبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي- (ت600هـ).
عقيدة الطحاوي -لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي- (ت321هـ).
العمد في الرؤية -لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- (ت324هـ).
الغنية -لأبي محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي- (ت 471هـ).
الغنية عن الكلام -لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي- (ت388هـ).
الغيلانيات -لأبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي- (ت354هـ).
فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم -لأبي بكر أحمد بن محمد المروزي- (ت 275هـ).
الفقه الأكبر -لأبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي- .
المبهج في القراءات السبع -لأبي محمد عبد الله بن علي بن أحمد الخياط- (ت 541هـ).
المسند -لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل- (ت 241هـ).
المسند -لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي- (ت 204هـ).
المسند -لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي- (ت307هـ).
مسند أبي هريرة -للبرتي- (ت 280هـ).
المستدرك على الصحيحين -لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم- (ت405هـ).
المرض والكفارات -لأبي بكر بن أبي الدنيا- (ت281هـ).
معالم التنـزيل -لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي- (ت516هـ).
المعجم الكبير -لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني- (ت360هـ).
المعرفة -للعسال- (ت 349هـ).
المغازي -للأموي- (ت 194هـ).
مشكل الآيات -لعلي بن محمد بن مهدي الطبري-.
معرفة علوم الحديث -لأبي عبد الله محمد بن عبدالله الحاكم- (ت405هـ).
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين -لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- (ت324هـ).
المقالات والخلاف بين الأشعري وأبي محمد عبد الله بن سعيد ابن كلاب -لأبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك- (ت410هـ). وله كتاب "مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري" – مطبوع -، فلعله هو.
مناقب الإمام أحمد -لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي- (ت327هـ).
مناقب الإمام أحمد -لأبي بكر أحمد بن محمد المروزي- (ت 275هـ).
الموطأ -لأبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي- (ت 179هـ).
خامساً: منهج المصنف في الكتاب
1ـ استهل المصنف كتابه هذا بمقدمة قصيرة ضمنها الحمد لله تعالى والثناء عليه، والشهادة له بالتوحيد، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثم عقد بعد ذلك فصلاً ذكر فيه أن الأدلة التي يستدل بها على إثبات علو الله وارتفاعه فوق عرشه هي نصوص الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين والأئمة المهديين.
ثم شرع في ذكر الآيات القرآنية الواردة في إثبات صفة العلو، وبدأ بذكر آيات الاستواء ونصوص العلماء في تفسيرها، ثم سرد عدداً من الآيات في المسألة.
وبعد ذلك شرع في ذكر الأحاديث في الباب بعد أن قال: "وأما الأحاديث المتواترة المتوافرة عن رسول الله، فأكثر من أن تستوعب فمنها: ...".
ومنهج المصنف في إيراده للأحاديث أنه يعزوها للكتب التي أخرجتها، وقد يروي بعضها بأسانيده، وغالباً ما يعلق على الحديث ويبين درجته من الصحة والضعف، أو يشير إلى بعض طرقه إذا لزم الأمر، وقد يتكلم على بعض رجال الإسناد وغير ذلك من المسائل والتعليقات المفيدة. وهذه الأحاديث تبدأ من الفقرة (13 -إلى- 100).
وبعد ذلك أورد المصنف جملة من الآثار المحفوظة عن الصحابة من أقوالهم بأن الله سبحانه في السماء على العرش، وبين أن تلك الأقوال لها حكم الأحاديث المرفوعة؛ لأنهم رضي الله عنهم لم يقولوا شيئاً من ذلك إلا وقد أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لا مساغ لهم في الاجتهاد في ذلك، ولا أن يقولوه بآرائهم، وإنما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسرد جملة طيبة من تلك الآثار تبدأ من الفقرة (101 -إلى- 120)، متبعاً الأسلوب ذاته من حيث العزو والحكم عليها.
ثم أعقب المصنف ذلك بأقوال التابعين وذكر جملة صالحة من أقوالهم بدايتها من الفقرة (121 -إلى- 149) وسلك فيها نفس المسلك من عزوها والحكم عليها.
ثم عقد فصلاً استهله ببيان وقت ظهور مقالة التعطيل وأنها ظهرت في آواخر عصر التابعين وأن أول من تكلم فيها هو الجعد بن درهم، وأشار إلى قصة قتله، وذكر أن تلميذه الجهم بن صفوان أخذ عنه هذه المقالة وقام بنشرها والاحتجاج لها بالشبه العقلية، وذكر موقف أئمة ذلك العصر من مقالته وإنكارهم لها.
ثم ذكر أقوال أتباع التابعين في المسألة.
وهكذا استمر المؤلف يذكر أقوال العلماء طبقة بعد طبقة مع عزو أقوالهم والحكم على أسانيد آثارهم مع إعقاب ذلك بالكلام على منـزلتهم العلمية وذكر طرف من سيرة بعضهم وتواريخ وفاتهم ونحو ذلك، مع ما يتخلل ذلك من فوائد وتعليقات.
2ـ سلك المصنف منهج وطريقة العرض في توضيح المسائل العقدية، وذلك بالاكتفاء ببيان الحق في المسألة والاستدلال لها بنصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح وأئمة هذا الدين. دون التعمق في عرض أقوال المخالفين وذكر شبههم، وإيراد اعتراضاتهم.
ومن نظمه رحمه الله في هذا المنهج قوله:
العلم قال الله قال رسوله *** إن صح والإجماع فاجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة *** بين الرسول وبين رأي فقيه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع 9   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 22:52

المقدمة
القسم الدراسي
القسم الأول: الدراسة الموضوعية.
الباب الأول: أقوال الناس في أسماء الله وصفاته
الفصل الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته
المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة
المبحث الثاني: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته
الفصل الثاني: أقوال المعطلة في أسماء الله وصفاته
المبحث الأول: التعريف بالمعطلة
تمهيد
المطلب الأول: الفلاسفة
المطلب الثاني: أهل الكلام
المبحث الثاني: درجات تعطيلهم
المطلب الأول: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عموماً
المطلب الثاني: درجات تعطيلهم في باب الأسماء الحسنى
المطلب الثالث: درجات تعطيلهم في باب صفات الله تعالى
الفصل الثالث: المشبهة
المبحث الأول: التعريف بالتمثيل والتشبيه
المبحث الثاني: التعريف بالمشبهة
الباب الثاني: الأقوال في صفتي العلو والاستواء
الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو
المبحث الأول: قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم
المبحث الثاني: أقوال المخالفين
الفصل الثاني: الأقوال في صفة الاستواء
المبحث الأول: مذهب السلف في الاستواء
المبحث الثاني: أقوال المخالفين
الفصل الثالث: مسائل متعلقة بصفتي العلو والاستواء
المبحث الأول: هل يخلو العرش منه حال نزوله
المبحث الثاني: مسائل الحد والمماسة
المطلب الأول: حكم الألفاظ المجملة
المطلب الثاني: مسألة الحد
المطلب الثالث: مسألة المماسة
الباب الثالث: العرش وما يتعلق به من مسائل
الفصل الأول: تعريف العرش
المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش
المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش
الفصل الثاني: الأدلة على إثبات العرش من الكتاب والسنة
المبحث الأول: الأدلة القرآنية على إثبات العرش
المبحث الثاني: الأدلة من السنة على إثبات العرش
الفصل الثالث: صفة العرش وخصائصه
المبحث الأول: خلق العرش وهيئته
المبحث الثاني: مكان العرش
المبحث الثالث: خصائص العرش
الفصل الرابع: الكلام على حملة العرش وعلى الكرسي
المبحث الأول: الكلام على حملة العرش
المبحث الثاني: الكلام على الكرسي
القسم الثاني: التعريف بالمؤلف والكتاب
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف
أولاً: اسمه وكنيته
ثانياً: أصله
ثالثاً: نسبته
رابعاً: مولده
خامساً: أسرته
سادساً: نشأته في طلب العلم
سابعاً: رحلاته
ثامناً: شيوخه
تاسعاً: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه
عاشراً: عقيدته
إحدى عشر: مؤلفاته
اثنا عشر: تلاميذه
ثلاثة عشر: وفاته
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب
أولاً: اسم الكتاب
ثانياً: توثيق نسبة الكتاب للمؤلف
ثالثاً: الفرق بين كتاب العرش وكتاب العلو
رابعاً: موارد كتاب العرش
خامساً: منهج المصنف في كتاب العرش
سادساً: أهمية الموضوع والكتاب
سابعاً: دراسة النسخة الخطية
ثامناً: عملي في الكتاب
نماذج من المخطوط
فهرس الموضوعات




قسم التحقيق


قسم التحقيق
[المقدمة]
(ق 2/أ) بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ارتفع على عرشه في السماء، وجَلَّى باليقين قلوب صفوته الأتقياء، وبلى خلقه بالسعادة والشقاء.
وأشهد أن لا إله إلا الله، حده لا شريك له، شهادة مؤمن بالحشر واللقاء.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الشهيد على الأمة الشهداء، المبعوث بالبينات والهدى وترك المراء، صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم صلاة دائمة إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فصل
الدليل على أن الله تعالى فوق العرش، فوق المخلوقات، مباين لها، ليس بداخل في شيء منها، على أن علمه في كل مكان.
الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة ، والتابعين، والأئمة المهديين.


[الأدلة من القرآن]
أما الكتاب:
فقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .
وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في ستة مواضع .
1- قال البخاري في صحيحه: قال مجاهد :
"استوى: علا على العرش" .
2- وقال إسحاق بن راهويه : [ سمعت بشر بن عمر] قال : سمعت غير واحد من المفسرين يقول: "{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي ارتفع" .
3- وقال محمد بن جرير الطبري في قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَن} :"أي علا وارتفع" .
4- وقال أبو عبيدة : "أي صعد".
ذكره البغوي في تفسيره .
(ق 2/ب) 5- وقال الفراء : {ثُمَّ اسْتَوَى} أي صعد ، قاله ابن عباس وهو كقولك: الرجل كان قاعداً ثم استوى قائما".
رواه عنه البيهقي في الصفات له .
6- وروى الدارقطني ، عن إسحاق الكاذي قال: سمعت أبا العباس ثعلبا يقول في {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: "علا، واستوى الوجه: اتصل، واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو: تشابها، واستوى إلى السماء: أقبل. هذا الذي نعرف من كلام العرب" .
7- وقال داود بن علي : كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: "ما معنى قوله: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}"؟. قال: "هو على عرشه كما أخبر. فقال: با أبا عبد الله إنما معناه استولى. فقال: "اسكت لا يقال استولى على الشيء [حتى] يكون له مضاد فإذا غلب أحدهما قيل: استولى" .
8- وقال محمد بن أحمد بن [النضر] سمعت ابن الأعرابي صاحب اللغة يقول: أرادني ابن أبي [دؤاد] أن أطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} بمعنى استولى.فقلت: "والله ما يكون هذا ولا أصبته" .
9- وقال أبو العالية الرياحي : "{اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} أي ارتفع".
نقله البخاري عنه في صحيحه .
10- ورواه محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن الربيع بن أنس عنه .
11- وقال البغوي فيه: قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف : ارتفع إلى السماء .
12- وقال الخليل بن أحمد في {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}: "ارتفع إلى السماء ". رواه (ق21/أ) أبو عمر بن عبد البر في شرح الموطأ له .
وقال تعالى: {إِلِيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيّبُ} .
{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} .
{بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ} .
{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِم} .
{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيهِ} .
{أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأّرضَ } الآية .
{ذِي الْمَعَارِجِ . تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ } .
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} .
يعني: أظن موسى كاذباًَ أن إلهه في السماء، ولو لم يكن موسى عليه السلام يدعوه إلى إله في السماء لما قال هذا؛ إذ لو كان موسى قال له: إن الإله الذي أدعوك إليه، ليس في السماء، لكان هذا القول من فروعون عبثاً، ولكان بناؤه القصر جنوناً .


[الأدلة من السنة]
وأما الأحاديث المتواترة المتوافرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكثر من أن تستوعب، فمنها:
13- حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: "كانت لي غنم بين أُحُد والجَوَّانِيَّةِ ، فيها جارية لي، فأطلعتها ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة فصككتها،(ق21/ب) فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فعظم ذلك عليّ ، فقلت: "يا رسول الله أفلا أعتقها؟"، قال: "ادعها"، فدعوتها، فقال لها: "أين الله؟" قالت: "في السماء". قال: "من أنا؟"، قالت: "رسول الله". قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".
هذا حديث صحيح؛ رواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، ومالك في الموطأ .
14- وفي السنن عن محمد بن الشريد أن أمه أوصته أن يعتق عنها رقبة مؤمنة، فقال: "يا رسول الله، إن أمي أوصت بكذا ، وهذه جارية سوداء نوبيّة أتجزئُ عني، قال: "إيتني بها" فقال لها: "أين الله؟" قالت: "في السماء"، قال: "من أنا؟" قالت: "أنت رسول الله"، قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" .
وهذه الجارية، غير جارية معاوية بن الحكم .
15- وعن أبي رزين العقيلي قال: "قلت يا رسول الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماء والأرض؟" قال: "كان في عما ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق العرش ثم استوى عليه".
وفي لفظ آخر "ثم كان على العرش فارتفع على عرشه".
وهذا حديث حسن(ق22/ب) رواه [الترمذي] وغيره .
16- وعن أبي هريرة ، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء، أعجمية فقال: "يا رسول الله إن عليّ عِتْقَ رقبة مؤمنة فقال لها: "أين الله؟"، فأشارت بالسبابة إلى السماء، فقال لها: "من أنا؟" فأشارت بإصبعها إليه، وإلى السماء، أي أنت رسول الله، فقال: "أعتقها" .
هذا حديث حسن، رواه القاضي أبو أحمد العسال في كتاب المعرفة له، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة.
ورواه أحمد ، والبرتي ، في مسنديهما ، من حديث المسعودي .
17- وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر، والفجر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم الله ـ وهو أعلم بهم ـ كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون".
متفق على صحته .
18- وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ارحموا من في (ق22/ب) الأرض يرحمكم من في السماء".
رواه الترمذي وصححه .
19- وعن جبير بن مطعم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي في حديث الاستسقاء: "ويحك أتدري ما الله؟ إن شأنه أعظم من أن يستشفع به على أحد، إنه لفوق عرشه على سمواته".
رواه أبو داود، وغيره، في الرد على الجهمية ، بإسناد حسن عنده من حديث محمد بن إسحاق بن يسار .
20- وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [أتاه] رجل، فقال: على أمه رقبة، وقد ماتت، وأتاه بجارية أعجمية فقال لها: "من أنا؟" قالت: رسول الله، قال: "فأين الله؟" فأشارت إلى السماء، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة" .
أخرجه العسال بإسناد صحيح، عن أبي سعد البقال ، عن عكرمة ، عن ابن عباس.
21- وقال يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : جاء حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له، فقال: "يا رسول الله إن [عليّ] رقبة فهل تجزيء هذه عني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله، قال: "أين ربك؟" فأشارت إلى السماء. قال: (ق23/ب) "أعتقها فإنها مؤمنة" .
تفرد به أسامة بن زيد عن يحيى بن عبد الرحمن.
أخرجه أبو أحمد الحافظ بإسناد صحيح عنه.
22- وقال سمحج الجني : "قلت يا رسول الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: "على حوت من نور".
هذا الحديث في "الغيلانيات" ، وسنذكره فيما بعد.
وهذه سبعة أحاديث تدل على جواز السؤال [بأين] الله ، وجواز الإخبار بأنه في السماء سبحانه وتعالى.
23- وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفات: "ألا هل بلغت؟ فقالوا: نعم، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكبها إليهم ويقول: "اللهم اشهد".
رواه مسلم .
24- وعن العباس بن عبد المطلب قال: كنا بالبطحاء فمرت سحابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟" قالوا: لا، قال: "إما واحدة، وإما [اثنتان] أو ثلاث وسبعون سنة" ثم عد سبع سموات، ثم قال: "فوق السابعة بحر بين أسفله، وأعلاه كما بين السماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم، وركبهم كما بين سماء، إلى سماء ثم على ظهورهم العرش، ثم الله فوق ذلك، وهو يعلم ما أنتم عليه".
رواه أبو داود بإسناد حسن وفوق الحسن .
25- وروى الترمذي نحوه من حديث (ق23/ب) أبي هريرة وفيه "بعد ما بين سماء إلى سماء خمسمائة عام" .
ولا منافاة بينهما؛ لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير [العادة] مثلاً، ونيف وسبعون سنة، على سير البريد، لأنه يصح أن يقال: بيننا وبين مصر عشرون يوماً، باعتبار سير العادة، وثلاثة أيام باعتبار سير البريد .
26- وعن زينب بنت جحش أنها كانت تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: "زوجنيك الرحمن من فوق عرشه" .
وفي لفظ للبخاري كانت تقول: "إن الله أنكحني من فوق سبع سموات" .
27- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني، وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً".
متفق عليه .
28- وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها، حتى يرضى عنها".
رواه مسلم .
29- وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصاح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كنتِ في الجسد الطيب، أبشري برَوْحٍ ورَيْحَان وربٍ (ق24/أ) غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك، حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح، فيقال: من؟ فيقال: فلان، فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة، فلا يزال يقال لها ذلك، حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله تعالى" وذكر الحديث.
هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه .
30- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان ملك الموت يأتي الناس عياناً، فأتى موسى عليه السلام، فلطمه [موسى] فذهب بعينه، فعرج إلى ربه، فقال: بعثتني إلى موسى، فلطمني فذهب بعيني، ولولا كرامته عليك، لشققت عليه، قال: ارجع إلى عبدي، فقل له: فليضع يده على ثور فله بكل شعرة وارت كفه سنة يعيشها، فأتاه فبلغه ما أمره به ربه فقال: ما بعد ذلك، قال: الموت. قال: الآن، [فأتاه بشيء من الجنة] فشمه شمة قبض فيها روحه، ورد الله على ملك الموت بصره".
هذا حديث صحيح .
31- وروي عن عبد الله بن بكر السهمي ، حدثنا يزيد بن عوانة ، عن محمد بن ذكوان ، عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال: "كنا جلوساً ذات يوم بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت امرأة من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو سفيان : "ما مثل محمد في بني هاشم (ق24/ب) إلا كمثل الريحانة في وسط الزبل"، فسمعت، فأبلغته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فصعد على منبره وقال: "ما بال أقوال تبلغني عن أقوام، إن الله خلق سموات سبع فاختار العليا، فسكنها، وأسكن سماواته من شاء من خلقه، ثم اختار خلقه، فاختار بني آدم فاختار العرب، فاختار مضر، فاختار قريشاً، فاختار بني هاشم، فاختارني، فلم أزل خياراً من خيار، فمن أحب قريشاً فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم" .
تفرد به محمد بن ذكوان، وهو ضعيف، ورواه عنه حماد بن واقد ، وغيره، أخرجه أبو أحمد العسال في "المعرفة" له.
32- وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد ـ يعني ابن معاذ ـ : "لقد حكمت فيهم ـ يعني بني قريظة ـ بحكم الملك من فوق سبع سموات".
هذا حديث صحيح .
33- وقد رواه الأموي في المغازي عن ابن إسحاق عن معبد ابن كعب بن مالك " أن سعد بن معاذ لما حكم في بني قريظة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع أرقعة " .
وحديث [سعد] بن أبي وقاص أصح.
34- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أهل الجنة في نعيمهم (ق25/أ) إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: "السلام عليكم [يا أهل الجنة وقال] ، وذلك قوله تعالى {سَلاَمٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} ".
رواه ابن ماجه في سننه في باب ما أنكرت الجهمية عن ابن أبي الشوارب عن أبي عاصم العبَّادي ، عن الفضل الرقاشي ، عن ابن المنكدر ، عن جابر.
35- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ـ ولا يصعد إلى الله إلا الطيب ـ فإنه يقبلها بيمينه، ويربيها لصاحبه حتى تكون مثل الجبال".
متفق على صحته .
36- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار والنور لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره".
متفق عليه .
37- وعن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قال عبد مخلصاً: لا إله إلا الله، إلا صعدت لا يردها حجاب، فإذا وصلت إلى الله (ق25/ب) نظر إلى قائلها، وحق على الله لا ينظر إلى مُوَحِّد إلا رحمه".
رواه ابن قدامة ، في صفة العلو ، من حديث يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم عن أبي هريرة.
38- وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن يوم الجمعة: "هو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش".
رواه الشافعي في مسنده .
39- عن أبي كعب مولى علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه [عن مولاه؟ عن ابن عباس ] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، إلا خرقت السموات حتى تفضي إلى الله عز وجل" .
أخرجه أبو أحمد العسال عن ابن صاعد ، عن بكر بن أخت الواقدي ، عن إسماعيل بن قيس ، عن أبي كعب.
40- وبإسناد صح عن زائدة بن أبي الرقاد وهو رواه [عن] زياد النميري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال: "فأدخل على ربي عزل وجل، وهو على عرشه". وذكر الحديث .
41- أخرجه البخاري في الصحيح من حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي".
متفق عليه .
42- وأخرجه العسال من حديث ثابت البناني بإسناد صحيح وفيه: "فآتي باب الجنة فيفتح لي، فآتي ربي ـ تبارك وتعالى ـ وهو على كرسيه (ق26/أ) أو سريره، فأخر له ساجدا". الحديث .
43- وعن ابن عباس حدثني رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ رمي بنجم فاستنار، فقال: "ما كنتم تقولون إذ رمي مثله؟" قالوا: كنا نقول: ولد الليلة عظيم، أو مات عظيم. فقال: "إنها لم ترم لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبحت حملة العرش، حتى يسبحوا أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، فيقول الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيستخبر أهل السموات بعضهم بعضاً، حتى يبلغ الخبر أهل الدنيا، فيخطف الجن السمع فيلقونه إلى أوليائهم، فما جاءوا به على وجهه، فهو الحق، ولكنهم يفرقون ويزيدون".
رواه مسلم .
44- وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل فقال: إني أحب عبدي فأحبوه، فينوه بها جبريل في حملة العرش فيسمع أهل السماء لفظ حملة العرش ، فيحبه أهل السماء السابعة، ثم سماءٍ سماءٍ ، حتى ينـزل إلى السماء الدنيا، ثم يهبط إلى الأرض، فيحبه أهل الأرض" (ق26/ب).
وهذا صحيح كالذي قبله.
45- وعن أنس، وغيره، في حديث الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل، فذكر الحديث، وقال فيه: "فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا فاستفتح، فقيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟
قال: محمد. قيل: مرحباً به ، ونعم المجيء جاء، ففتح فإذا فيها آدم ثم صعد حتى أتى السماء الثانية" إلى أن قال: "ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فإذا إبراهيم، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى" .
46- ولفظ البخاري: "ثم دنا فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى" كما في القرآن. قال : "ففرض عليّ الصلاة خمسين، فرجعت، فمررت على موسى، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك، ورجعت إلى ربي، فوضع عني عشراً" .
47- وفي لفظ آخر للبخاري "فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار نعم إن شئت، فَعَلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه" وذكر الحديث بطوله.
متفق على صحته .
48- وثبت عن ابن عباس في قوله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} . قال: "دنا ربه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى".
أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء، والصفات .
وأكثر الصحابة على أنه صلى الله عليه وسلم رأى (ق27/أ) ربه .
49- قال ابن عباس: "أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم" .
قلت: لأنه رآه في عالم البقاء، حين خرج من عالم الفناء، وارتقى فوق السموات السبع.
فهذا الحديث أيضاً دال على أنه سبحانه وتعالى فوق السموات، وفوق جميع المخلوقات، لولا ذلك لكان معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى فوق السماء السابعة إلى سدرة المنتهى، ودنو الجبار منه، وتدليه سبحانه وتعالى بلا كيف، حتى كان من النبي صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى، وأنه رآه تلك الليلة، وأن جبريل علا به، حتى أتى به إلى الله تعالى، وهذه المقتضيات كلها التي أفادتنا أنه فوق السماء، باطلة لا تفيد شيئاً، على زعم من قال: إنه في كل مكان بذاته، الذين يلزم من دعواهم أنه في الكنف ، والبطون، والأرحام، وغير ذلك مما طبع الله بني آدم على خلافه، بل إنما فطرهم على أنه فوق العرش، فوق السماء السابعة، وأرسل رسله بتقرير ذلك، ولم يرسلهم بأنه ليس على العرش، ولا بأنه داخل العالم، ولا خارجه، وسنوضح هذا فيما بعد إن شاء الله تعالى، ونجيب عن المعارضات والشبه التي توردها الجهمية، لأنا الآن في معرض نقل النصوص.
50-(ق27/ب) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما ألقي إبراهيم في النار، قال: اللهم إنك واحد في السماء، وأنا واحد في الأرض أعبدك" .
هذا حديث حسن، من حديث أبي جعفر الرازي ، عن عاصم ، عن أبي صالح عن أبي هريرة.
51- وعن أبي الحجاج الثمالي قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع الميت في قبره، يقول له القبر: ابن آدم ما غرك بي إذ تمر بي، أما علمت أني بيت الوحدة، والوحشة؟ فإن كان مصلحاً أجاب عنه مجيب القبر، أرأيت إن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيقول القبر: إذاً أعود عليه خضراًَ، ويعود جسده نوراً، ويصعد [بروحه] إلى رب العالمين" .
رواه "بقية" ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، عن الهيثم بن مالك ، عن عبد الرحمن بن عائذ ، عن أبي الحجاج.
وهو حديث شامي تفرد به "بقية" فيما أعلم، ويصلح للإعتبار، والإستشهاد.
52- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشتكى منكم فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ".
رواه أبو داود وغيره .
53- وأخبرنا بإسناد / صحيح ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت ، أن حسان بن ثابت أنشد للنبي صلى الله عليه وسلم:
شهدت بإذن الله أن محمداً *** رسول الذي فوق السموات من عَلُ
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما *** له عمل من ربه متقبل
وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم *** يقوم بذات الله فيهم ويعدل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنا" .
54- وقد أنشد شعر أمية بن أبي الصلت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "آمن شعره وكفر قلبه". وهو:
مجدوا الله فهو للمجد أهل *** ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق الخلق *** وسوى فوق السماء سريرا
شرجعا ما يناله بصر العين *** ترى دونه الملائك صورا
قوله: "شرجعاً": أي طويلاً.
و"صوراً": جمع أصور، وهو المائل العنق.
55- وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي : "كم تعبد اليوم إلهاً؟"، قال: " ستة في الأرض، وواحد في السماء " قال: "فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك"، قل: "الذي في السماء" قال: "أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك". فلما أسلم قال: "يا رسول الله، علمني الكلمتين اللتين وعدتني" قال: "قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي"
رواه الترمذي وحسنه من حديث الحسن عن عمران بن حصين
56- ورواه خالد بن طليق ، عن أبيه ، أتم من هذا فيما أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام ببعلبك ، أنا عبد [الله] بن أحمد الفقيه سنة إحدى عشر وستمائة، أنا محمد بن عبد الباقي ، أنا أبو الفضل (ق28/ب) بن خيرون ، أخبرنا ابن شاذان ، أنا أبو سهل القطان ، أخبرنا عبد الكريم الديرعاقولي ، ثنا رجاء بن محمد البصري ، ثنا عمران بن خالد بن طليق ، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده قال: "اختلفت قريش إلى حصين، والد عمران فقالوا: إن هذا الرجل يذكر آلهتنا، فنحب أن تكلمه، وتعظه، فمشوا معه إلى قريب من باب النبي صلى الله عليه وسلم، فجلسوا، ودخل حصين، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوسعوا للشيخ" فقال: "ما هذا الذي يبلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا، وتذكرهم؟ وقد كان أبوك جفنة وخبزاً " فقال: "إن أبي وأباك في النار يا حصين، كم تعبد إلهاً [في] اليوم؟" قال: "[ستة] في الأرض، وإله في السماء" قال: "فإذا أصابك الضيق بمن تدعو؟" قال: "الذي في السماء" وذكر باقي الحديث وإسلامه.
أخرجه إمام الأئمة ابن خزيمة في التوحيد له بهذا الإسناد، وطليق هو ابن محمد بن عمران بن حصين.
57- وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: "فآتي باب الجنة، فأقرع الباب، فيقال: من أنت؟ فأقول: محمد، فإذا ربي على كرسيه، فيتجلى لي فأخر ساجداًَ" .
وهذا حديث صحيح.
58- وعن ابن مسعود قال: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فتبسم، (ق29/أ) ثم قال: "عجباً للمؤمن، وجزعه من السقم، ولو كان يعلم ما له في السقم أحب أن يكون سقيماً حتى يلقى ربه، وعجبت من ملكين، نزلا يلتمسان عبداً في مصلاه، كان يصلي فيه فلم يجداه، فعرجا إلى الله فقالا : يا رب، عبدك فلان، كنا نكتب له من العمل فوجدناه قد حبسته في حبالك، فقال اكتبوا لعبدي عمله الذي كان يعمل ، في يومه وليلته، ولا تنقصوا منه شيئاً، فعلي أجر ما حبسته، وله أجر ما كان يعمل " .
أخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا ، في كتاب "المرض والكفارات" عن محمد بن يوسف ، عن ابن وهب ، عن محمد بن أبي حميد ، عن عون ابن عبد الله ، عن أبيه ، عن ابن مسعود.
ومحمد بن أبي حميد ضعيف.
59- وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه يدعوه أن يردهما صفراً ليس فيهما شيء".
وهذا حديث صحيح، رواه جماعة من الصحابة، علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر ، وسلمان الفارسي وأنس بن مالك ، وغيرهم .
60- وعن أبي هريرة قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن أهل الجنة إذا دخلوها [نزلوا فيها] بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة، [فيزورون] الله، فيبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة (ق29/ب) من رياض الجنة، فيوضع لهم منابر من ذهب، ويجلس أدناهم، وما فيهم دني على كثبان المسك ما يرون بأن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً". فذكره إلى أن قال فيه: "فننصرف إلى منازلنا، فتتلقانا أزواجنا ويقلن: مرحباًَ وأهلاً لقد جئت وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا، فنقول : إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحق لنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا".
رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما .
61- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلس ذكر جلسوا معهم، فإذا تفرقوا صعدوا إلى ربهم" .
رواه [سهيل] ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
62- وعن قتادة بن النعمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه".
رواه الخلال في السنة بإسناد صحيح على شرط الصحيحين.
63- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك، لا يصعد إليَّ من الرياء شيء" .
محفوظ من حديث قيس بن الربيع، عن أبي حَصين ، عن أبي
صالح ، عن أبي هريرة.

(ق30/أ) 64- وعنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "رب يمين لا تصعد إلى الله في هذه البقعة، فرأيت فيها النجاسة" .
رواه الثوري ، عن عاصم بن عبيد الله بن حفص ، عن عبيد بن أبي عبيد ، عن أبي هريرة وهو غريب.
65- وخرج عبد أسود لبعض أهل خيبر في غنم له حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "من هذا؟ قالوا: رسول الله، قال: الذي في السماء؟ قالوا: نعم. فقال: أنت رسول الله؟ قال: "نعم" قال: الذي في السماء؟ قال: "نعم" فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهادة، فتشهد فقاتل حتى استشهد".
أخرجه الأموي في "المغازي" عن محمد بن إسحاق .
66- وعن عدي بن عميرة الكندي قال: "كان بأرضنا حبر من اليهود يقال له [ ابن الشهلاء] ، فالتقيت أنا وهو، فقال: إني أجد في كتاب الله أن أصحاب الفردوس قوم يعبدون ربهم على وجوههم، لا والله، ما أعلم هذه الصفة إلا فينا معشر اليهود، وأجد نبيها يخرج من اليمن، لا نراه يخرج إلا منا ، قال عدي: فوالله ما لبثت حتى بلغنا أن رجلا من بني هاشم قد تنبأ فذكرت حديث [ابن الشهلاء] فخرجت إليه صلى الله عليه وسلم فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ويزعمون أن إلههم في السماء" /.
رواه الأموي في المغازي من حديث محمد بن إسحاق، حدثنييزيد بن سنان ، عن سعيد بن الأجيرد ، عن العرس بن قيس الكندي ، عن عدي بن عميرة.
67- وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني عن ربه عز وجل قال: "وعزتي وجلالي، وارتفاعي فوق عرشي، ما من أهل قرية ولا بيت ولا رجل ببادية كانوا على ما كرهت من معصيتي، فتحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي، إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي، إلى ما يحبون من رحمتي".
أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب "العرش" ، عن الحسن بن علي ، حدثنا الهيثم بن الأشعث السلمي ، حدثنا أبو حنيفة [اليمامي] ،
عن عمر بن عبد الملك قال: "خطبنا علي ." فذكره.
ورواه أبو أحمد العسال في كتاب "المعرفة" له، عن أحمد بن حسن [الطائي] ، عن الحلواني به .
68- وروى مالك بن دينار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبرني جبرائيل عن الله عز وجل أنه يقول: وعزتي وجلالي واستوائي على عرشي وارتفاع مكاني إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام أن أعذبهما".
رواه الحافظ أبو نعيم في كتبه ، عن أبي بكر ابن السندي ، (ق31/أ) حدثنا جعفر بن محمد بن الصياح ، حدثنا يحي بن خذام ، حدثنا محمد ابن عبد الله بن زياد الأنصاري ، عن مالك بن دينار.
69- وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جمع الله الخلائق حاسبهم، فميز بين أهل الجنة والنار، وهو في جنته على عرشه" .
هذا حديث محفوظ عن نوح بن قيس ، عن يزيد الرقاشي ، رواه يزيد بن هارون وغيره عنه.
70- وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة، فقلت لجبريل ما هذه [الرائحة الطيبة] ؟. فقال: ماشطة بنت فرعون، كانت تمشطها فوقع المشط من يدها، فقالت: باسم الله، فقالت ابنة فرعون: أبي، قالت: ربي ورب أبيك، قالت: أقول له إذاً، قالت: قولي له، فقال لها: أولك رب غيري، قالت: ربي وربك الله الذي في السماء. فأحمي لها [بنقرة] من نحاس، فألقى ولدها واحدًا واحدًا، فكان آخرهم صبي، فقال: يا أماه اصبري فإنك على الحق" .
هذا حديث حسن من حديث عطاء بن [السائب] ، عن سعيد بن جبير .
رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده ، عن هدبة ، عن حماد بن سلمة عنه.
71- وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فينـزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني، (ق31/ب)فأستجيب له، ألا ظالم لنفسه يدعوني فأفكه ، فيكون كذلك إلى مطلع الصبح ويعلو على كرسيه" .
72- وفي صحيح مسلم "لا أسأل عن عبادي غيري" ، تفرد به موسى ابن عقبة ، عن إسحاق بن يحي ، عن عبادة.
والحجة فيه قوله "يعلو على كرسيه".
وأما قوله "ينـزل الله إلى سماء الدنيا " فقد رواه نيِّف وعشرون من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أفردت لذلك جزءاً .
73- وروى شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا، فيذكره الله فوق سبع سموات، فيقول: ملائكتي، إن عبدي قد أشرف على حاجة من حوائج الدنيا، فإن فتحتها له فتحت بابا من أبواب النار، ولكن أزوها عنه، فيصبح العبد عاضاً على أنامله يقول من دهاني؟، ما هي إلا رحمة رحمه الله بها" .
تفرد به علي بن [معبد] أحد شيوخ النسائي، عن صالح بن بيان وليس بعمدة عن شعبة.
74- وروى شهر بن حوشب ، عن يزيد قال: سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول: "يهبط الرب تبارك وتعالى من السماء السابعة (ق32/أ) إلى المقام الذي هو قائمه، ثم يخرج عنق من النار فيظل الخلائق كلهم، فيقول أمرت بكل جبار عنيد، ومن زعم أنه عزيز كريم، ومن دعى مع الله إلها آخر" .
أخرجه أبو أحمد العسال من حديث أبان وهو ضعيف عن شهر.
75- وعن ابن المنكدر ، عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملك يرفع العمل للعبد يرى أن في يديه منه سرورًا، حتى ينتهي إلى الميقات الذي وصف الله فيضع العمل فيه، فيناديه الجبار من فوقه: ارم بما معك في سجين فيقول ما رفعت إليك إلا حقًا ، فيقول: صدقت ارم بما معك في سجين".
أخرجه أبو أحمد العسال، [من حديث أبي العسال] ، من حديث أبي الخطاب النجم بن إبراهيم ، عن ابن المنكدر .
76- وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينظرون [إلى] فصل القضاء، فينـزل الله من العرش إلى الكرسي في ظلل من الغمام".
هذا حديث حسن تفرد به أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، فرواه مسروق ، (ق32/ب) عن ابن مسعود .
77- وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه، إن رحمتي سبقت غضبي" متفق عليه .
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الرد على الجهمية.
78- ورواه أبو أحمد العسال من حديث النعمان بن بشير موقوفا عليه قال: "إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض فهو معه على العرش فأنزل منه آيتين فختم بهما سورة البقرة، وإن الشيطان لا يدخل بيتاً قرءتا فيه" .
79- وأخرج البخاري في باب قوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} عن ابن عباس قال: بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأخيه: "اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء".
هكذا أخرجه في كتاب الرد على الجهمية من صحيحه .
80- وعن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث في القصاص بمصر فقلت لراويه: بلغني عنك في القصاص، قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يبعثكم يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً، [ثم يجمعكم] ، ثم ينادي وهو قائم على عرشه بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، أنا الملك أنا الديان (ق33/أ)" .
هذا حديث محفوظ عن جابر بن عبد الله، رواه عنه عبد الله بن محمد بن عقيل ، ومحمد بن المنكدر ، وأبو الجارود العبدي ، وله طرق يصدق بعضها بعضاً.
81- وأخرج البخاري تعليقًا منه قوله: "ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان" في كتاب الرد على الجهمية من صحيحه في إذا تكلم الله بالوحي، وقد جمع ألفاظ أحاديث الصوت، وقد ورد في ذلك بضعة عشر حديثاً مرفوعة من سوى أقوال الصحابة والتابعين، وقد تتبعتها وجمعتها في جزء أصحها ما أورده البخاري بعد هذا الحديث فقال:
82- حدثني عمر بن حفص ، ثنا أبي ، ثنا الأعمش حدثناأبو صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار" .
83- وما رواه أحمد بن حنبل لما سأله ابنه عبد الله عن قوم يقولون: إن الله لم يتكلم بصوت، فقال: "بلى تكلم بصوت".
[حدثنا المحاربي ، عن الأعمش] ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله قال: "إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السموات".
وقال أحمد: "هذه (ق33/ب) الجهمية تنكره، وهؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس".
رواه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" الذي أجازه لي غير واحد منهم ابن أبي الخير ، عن أبي زرعة الكفتواني ، أنبأنا أبو عبد الله الخلال ، أنبأنا أبو المظفر بن شبيب ، أنبأنا أبو عمر السلمي ، أنبأنا أحمد بن محمد اللنباني عنه.
وهذا الحديث على شرط الصحيحين.
رجعنا إلى ما وضع الكتاب له.
84- فعن جابر بن سليم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردين [ فتبختر] ، فنظر الله إليه من فوق عرشه فمقته، فأمر الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها ".
رواه سهل بن بكار شيخ البخاري ، عن عبد السلام بن عجلان ، عن عبيدة [ الهجيمي] قال: قال أبو جُرَيْ جابر بن سليم فذكره .
85- وعن تميم الداري قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معانقة الرجل للرجل إذا لقيه؟ فقال: "إن أول من عانق إبراهيم، وذلك أنه خرج يرتاد لماشيته في جبل من جبال بيت المقدس، فسمع صوتا يقدس الله، فذهل عما كان يطلب، وقصد الصوت فإذا هو برجل أهلب طوله [ثمانية عشر] ذراعاً يقدس الله؛ فقال له إبراهيم: يا شيخ من ربك؟
قال: الذي (ق34/أ) في السماء" وذكر الحديث .
تفرد به عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن أبي سفيان الألهاني ، عن تميم.
86- وعن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله ما المقام المحمود؟ قال: "يوم ينـزل الله على عرشه".
رواه ابن حيان في كتاب "العظمة" له .
87- وعن عوانة بن الحكم قال: "لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد إليه الشعراء، فأقاموا ببابه أياماً لا يؤذن لهم، فبينا هم كذلك مر بهم عدي بن أرطأة ، فدخل على عمر فقال: الشعراء ببابك يا أمير المؤمنين وسهامهم مسمومة، فقال: ويحك مالي وللشعراء. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امتدح فأعطاه، امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه حلة . قال: أو تروي من شعره شيئاً. قال: نعم. فأنشده [عدي] بن أرطأة قوله في النبي صلى الله عليه وسلم:
رأيتك يا خير البرية كلها *** نشرت كتابا جاء بالحق معلما
شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا *** عن الحق لما أصبح الحق مظلمًا
تعالى علوًا فوق عرش إلهنا *** وكان مكان الله أعلى وأعظما
رواه الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم .
88- وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة، ما [تسمع] من نفس (ق34/ب) شيئًا من حس تلك الحجب إلا زهقت نفسه".
تفرد به موسى بن عبيدة ، عن أبي حازم ، عن سهل.
رواه البيهقي في كتاب "الصفات" .
89- وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا: قد بشرتنا فاقض لنا هذا الأمر كيف كان؟ فقال: كان الله على العرش وكان قبل كل شيء، وكتب في اللوح كل شيء يكون" .
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري بغير هذا اللفظ .
90- أخبرنا أحمد بن عبد الحميد المقدسي ، أنبأنا أبو محمد بن قدامة سنة سبع عشرة وستمائة، أخبرتنا شهدة ، أنبأنا أبو عبد الله النعالي ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا ابن البختري ، حدثنا الدقيقي ، حدثنا أبو علي الحنفي ، حدثنا فرقد بن الحجاج ، سمعت عقبة بن أبي الحسناء قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا جمع الأولين والأخرين يوم القيامة جاء الرب إلى المؤمنين فوقف عليهم على كور".
فقالوا لعقبة : ما الكور؟ قال: المكان المرتفع، فيقول: "هل تعرفون ربكم؟ قالوا: إن عرفنا نفسه عرفناه، فيتجلى لهم ضاحكاً في وجوههم، فيخرون له سجداً".
أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" له عن عمرو بن علي ، عن الحنفي وفيه "فتوقف (ق35/أ) على كوم" .
91- وعن عبد الله بن رواحة أنه مشى ليلة إلى أمة له [فنالها] ، فرأته امرأته فلامته، فجحدها، فقالت: له إن كنت صادقاً فاقرأ القرآن فإن الجنب لا يقرأ القرآن فقال: (شعر)
شهدت بأن وعد الله حق *** وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف *** فوق العـرش رب العالمينا
فقالت امرأته: صدق الله وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم [بذلك] فضحك وقال: "غفر لك كذبك بتمجيدك ربك".
روي من وجوه صحاح مرسلة عن عبد الله بن رواحة، أخرجه أبو عمر بن عبد البر في كتاب "الاستيعاب" له .
92- قرأت على عبد الحافظ بن بدران بنابلس، أنبأنا موسى بن عبد القادر الجيلي ، أنبأنا سعيد بن أحمد البنا ، أنبأنا أبوالقاسم علي بن أحمد البسرى ، أنبأنا المخلِّص ، حدثنا البغوي ، حدثنا عبد الجبار بن عاصم ، حدثنا مبشِّر بن إسماعيل الحلبي ، حدثنا تمام بن نجيح ، عن الحسن ، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من حافظين يرفعان إلى الله ما حفظا ، (ق35/ب) يرى في أول الصحيفة خيراً، وفي آخرها خيراً، إلا قال الله لملائكته أشهدكم أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة" .
93- وعن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء" .
هذا حديث حسن الإسناد رواه جرير بن عبد الله ، وعبد الله بن عمرو، وابن مسعود رضي الله عنهم، وحديث عبد الله بن عمرو أصح الثلاثة وقد تقدم .
94- أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو ، أنبأنا الحسين بن هبة الله البلدي ، أنبأنا علي بن عساكر ، أنبأنا [الحسن] بن أبي الحديد سنة ثمانين وأربعمائة ، أنبأنا المسدد بن علي الأملوكي ، أنبأنا إسماعيل بن القاسم الحلبي بحمص، حدثنا يعقوب بن إسحاق بعسقلان، حدثنا جعفر بن هارون الفراء ، حدثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن يحي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال: "لما خطب عليُّ فاطمة رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل عليها فقال:" أي بنيَّة إن ابن عمك قد خطبك فما تقولين"؟ فبكت ثم قالت: يا أباه كأنك إنما ادخرتني لفقير قريش، فقال: "والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه (ق36/أ) من السماء" فقالت: رضيت بما رضي الله لي منه ") .
95- قرأت على عمر بن عبد المنعم ، عن أبي [اليمن] الكندي ، أنبأنا أبو الفتح البيضاوي ، أنبأنا ابن النقور ، أنبأنا أبو القاسم بن الجراح ، حدثنا البغوي ، حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمطرت السماء حسر عن منكبيه حتى يصيبه المطر ويقول: "إنه حديث عهد بربه".
هذا حديث صحيح .
96- وعن عثمان بن عمير ، [عن] أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم الجمعة نزل الله عز وجل من عليين على كرسيه، ثم حف الكرسي بمنابر من نور، ثم جاء النبيون حتى يجلسوا عليها، ثم حفها بكراسي من ذهب، ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها، ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثيب، فيتجلى لهم ربهم عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه وهو يقول: أنا الذي صدقتكم وعدي فسلوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت، ولا (ق37/أ) أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إلى مقدار منصرف الناس يوم الجمعة، ثم يصعد على كرسيه، فيصعد معه الصديقون والشهداء". وذكر الحديث.
هذا حديث محفوظ له شواهد في السنن ، أخرجه عبد الله بن أحمد ابن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية" له ، عن عبد الأعلى بن حماد ، حدثنا عمر بن يونس ، عن جهضم بن عبد الله القيسي ، حدثنا أبو طيبة ، عن عثمان بن عمير.
97- ورواه ليث بن أبي سليم ، عن عثمان بن عمير وفيه "ثم يرتفع تبارك وتعالى على كرسيه ويرتفع معه النبيون".
أخرجه الحافظ أبو أحمد العسال، عن موسى بن إسحاق ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن جرير ، عن ليث به
98- وروى العباس بن عبد العظيم العنبري ، عن أبي أحمد الزبيري ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة ، عن عمر قال: "أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: ادعُ الله أن يدخلني الجنة. فعظم الرب، فقال: "إن كرسيه (ق37/ب) فوق السموات، وإنه يقعد عليه فما يفضل منه إلا أربع أصابع" .
هذا حديث محفوظ من حديث أبي إسحاق السبيعي إمام الكوفيين في وقته، سمع من غير واحد من الصحابة، وأخرجا حديثه في الصحيحين، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة.
تفرد بهذا الحديث عن عبد الله بن خليفة من قدماء التابعين، لا نعلم حاله بجرح ولا تعديل، لكن هذا الحديث حدث به أبو إسحاق السبيعي مقرًا له كغيره من أحاديث الصفات، وحدث به كذلك سفيان الثوري وحدث به أبو أحمد الزبيري، ويحي بن أبي بكير ، ووكيع ، عن إسرائيل.
99- وأخرجه أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة والرد على الجهمية" له، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الله ابن خليفة ، عن عمر رضي الله عنه، ولفظه "إذا جلس الرب على الكرسي، سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد" .
ورواه أيضا عن أبيه، حدثنا وكيع (ق38/أ) بحديث إسرائيل،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع 10   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 22:58

[فصل]

وهذه جملة من أقوال التابعين، وهو أول وقت سمعت مقالة من أنكر أن الله تعالى فوق العرش، هو الجعد بن درهم وكذلك أنكر جميع الصفات لله تعالى، من السمع، والبصر، والكلام، واليد، والوجه، وغير ذلك فقتله خالد بن عبد الله القسري ، وقصته مشهورة .
وأخذ هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان إمام الجهمية ومنتسبهم، فأظهرها، واحتج لها بالشبهات العقلية وأوَّل (ق45/ب) قول الله تعالى أنه استوى على العرش بمعنى استولى، وكان ذلك في آخر عصر التابعين، فأنكر مقالته أئمة ذلك العصر مثل الأوزاعي ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والليث بن سعد ، والثوري ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، وابن المبارك ، ومن بعدهم من أئمة الهدى.
[عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (157هـ)]
150- فقال الأوزاعي إمام أهل الشام على رأس الخمسين ومائة عند ظهور هذه المقالة، ما أخبرناه عبد الواسع الأبهري وغيره كتابة عن أبي الفتح المندائي ، أنا عبيد الله بن محمد بن الإمام أبي بكر البيهقي ، أخبرنا جدي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني محمد ابن علي الجوهري ببغداد، ثنا إبراهيم بن الهيثم ، ثنا محمد بن كثير المصيصي ، سمعت الأوزاعي يقول: "كنا والتابعون متوافرون، نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته".
أخرجه البيهقي في "الصفات" ، ورواته أئمة ثقات.
[الإمام أبو حنيفة (150هـ)]
151- وبه قال البيهقي أنا أبو بكر بن الحارث ، أخبرنا ابن حيان ، أنا أحمد بن جعفر بن نصر ، ثنا يحيى بن يعلى ، سمعت نعيم ابن حماد يقول: سمعت نوح بن أبي مريم يقول: "كنا عند أبي حنيفة رحمه الله أول ما ظهر، إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما ، فدخلت الكوفة، فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة آلاف من الناس، تدعو إلى رأيها، فقيل لها: إن ههنا رجلا قد نظر في المعقول يقال له أبو حنيفة، فأتته وقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل / وقد تركت دينك، أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا أن الله في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى {وَهُوَ مَعَكُم} قال: هو كما تكتب إلى الرجل إني معك وأنت غائب عنه" .
قال البيهقي: لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله فيما نفى عن الرب من الكون في الأرض، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع بأن الله تعالى في السماء .
152- وروى أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي في الفقه الأكبر فقال: "[سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض] فقال: [من لم يقر أن الله على العرش] قد كفر لأن الله تعالى يقول {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وعرشه فوق سبع سموات، فقلت: إنه يقول {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، ولكن لايدري العرش في السماء أم في الأرض. فقال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر" .
153- وسمعت القاضي أبا محمد المعري ببعلبك، يقول: سمعت الإمام أبا محمد بن قدامة المقدسي سنة إحدى عشر وستمائة، يقول: بلغني عن أبي حنيفة أنه قال: "من أنكر أن الله في السماء فقد كفر" .
[عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (157هـ)]
154- وروى أبو إسحاق الثعلبي قال: سئل الأوزاعي عن قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} ؟ فقال: "هو على العرش كما وصف نفسه" .
[الإمام مالك بن أنس (179هـ)]
155- وروى عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: "الله في السماء وعلمه في كل مكان".
هذا حديث ثابت عن مالك رحمه الله، أخرجه عبد الله بنأحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية" عن أبيه، عن سريج بن النعمان ، عن عبد الله بن نافع تلميذ مالك وخصيصه.
156- (ق46/ب) وقال ابن وهب : "كنا عند مالك، فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ، ثم رفع رأسه وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كما وصف نفسه، ولا يقال كيف؟ وكيف عنه مرفوع، وأنت [رجل سوء] صاحب بدعة، أخرجوه".
رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن وهب .
157- ورواه عن يحيى بن يحيى أيضا، ولفظه فقال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" .
وقد تقدم نحوه عن أم سلمة ، ووهب بن منبه ، وربيعة الرأي .
فانظر إليهم كيف أثبتوا الاستواء لله، وأخبروا أنه معلوم لا يحتاج لفظه إلى تفسير، ونفوا الكيفية عنه، وأخبروا أنها مجهولة.
[سفيان الثوري (161هـ)]
158- وعن معدان قال: "سألت سفيان الثوري عن قوله {وَهُوَ مَعَكُم أَيْنَمَا كُنْتُم} قال: علمه" .
ومعدان هذا قال فيه ابن المبارك: "هو أحد الأبدال" .
وهذا الأثر ثابت عن معدان رواه غير واحد عنه.
[مقاتل بن حيان (قبل 150هـ)]
159- وعن مقاتل بن حيان في قوله تعالى {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} قال:"هو على عرشه وعلمه معهم" .
وهذا ثابت عن مقاتل، (ق47/أ) رواه عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن نافع ابن ميمون ، عن بكير بن معروف ، عنه .
[حماد بن زيد الأزدي (179هـ)]
160- وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا سليمان بن حرب ، سمعت حماد بن زيد يقول: "إنما يريدون يدورون على أن يقولوا ليس في السماء إله" .
[عبد الله بن المبارك (181هـ)]
161- وثبت عن علي بن الحسن بن شقيق ، شيخ البخاري، قال: "قلت لعبد الله بن المبارك كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه".
وفي لفظ "على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض" فقيل لأحمد بن حنبل، فقال: "هكذا هو
عندنا" .
هذا صحيح ثابت عن ابن المبارك، وأحمد رضي الله عنهما.
وقوله "في السماء" رواية أخرى توضح لك أن مقصوده بقوله "في السماء" أي: على السماء، كالرواية الأخرى الصحيحة التي كتب بها
إلى يحيى بن منصور الفقيه .
162- أخبرنا الحافظ عبد القادر الرُّهاوي ، أنبأنا محمد بن أبي نصر بأصبهان ، أنبأنا الحسين بن عبد الملك الخلال ، أنبأنا عبد الله بن شعيب ، أنبأنا أبو عمر السلمي أنبأنا أبو الحسين اللنباني ، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية"، حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا علي بن الحسين بن شقيق، سألت ابن المبارك: "(ق47/ب) كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟. قال: على السماء السابعة، على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض" .
163- وروى عبد الله بن أحمد أيضًا في الرد على الجهمية بإسناده، عن عبد الله بن المبارك أن رجلاً قال له: "يا أبا عبد الرحمن قد خفت الله
من كثرة ما أدعو على الجهمية قال: لا تخف، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء" .
[جرير بن عبد الحميد الضبي (188هـ)]
164- وقال جرير بن عبد الحميد: "كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله" .
أخرجه عبد الرحمن بن أبي حاتم، في كتاب "الرد على الجهمية"، عن أبي هارون محمد بن خالد ،عن يحيى بن المغيرة ، سمعت جريراً يقول، فذكره.
[مقاتل بن حيان (150هـ)]
165- وروى بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان قال: "بلغنا -والله أعلم- في قوله {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ} هو الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، والظاهر فوق كل شيء، والباطن أقرب من كل شيء، وإنما يعني بالقرب بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه، وهو بكل شيء عليم".
رواه البيهقي بإسناده (ق48/أ) عنه .
[محمد بن إسحاق (150هـ)]
166- وقال محمد بن إسحاق : "بعث الله ملكًا من الملائكة -يعني إلى بختنصر - فقال: هل تعلم يا عدو الله كم بين السماء إلى الأرض؟ قال: لا، فقال له: إن بين الأرض إلى السماء الدنيا مسيرة خمسمائة سنة ، وغلظها مثل ذلك" وذكر الحديث إلى أن ذكر حملة العرش فقال: "وفوقهم يبدو العرش، عليه ملك الملوك تبارك وتعالى؛ أي عدو الله فأنت تطلع إلى ذلك؟ ثم بعث الله عليه البعوضة فقتلته".
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب "العظمة"، فقال: حدثنا إسحاق بن أحمد ، حدثنا ابن حميد ، حدثنا [سلمة] بن الفضل ، حدثني [محمد بن] إسحاق فذكره .
وهذا إسناد جيد.
[حماد بن سلمة (167هـ)]
167- وقال عبد العزيز بن المغيرة ، حدثنا حماد بن سلمة بحديث "ينـزل الله إلى السماء الدنيا" فقال: "من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه".
رواه أبو أحمد العسال في كتاب "المعرفة" .
[أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (182هـ)]
168- وقصة أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، مشهورة في استتابته لبشر المريسي، لما أنكر أن يكون الله فوق العرش.
رواها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره في كتبهم .
169- وصح وثبت عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: "من طلبالدين بالكلام تزندق ، ومن طلب المال بالكمياء أفلس،ومن تتبع
غريب الحديث كذب" .
[محمد بن الحسن الشيباني (189هـ)]
170- روى عبد الله بن أبي حنيفة الدبوسي ، قال سمعت محمد ابن الحسن يقول: "اتفق الفقهاء كلهم، من المشرق إلى المغرب (ق48/ب)، على الإيمان بالقرآن، والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ، ولا وصف، ولا تشبيه، فمن فسر شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا، ولم يفسروا، ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة، ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة، لأنه وصفه بصفة لا شيء" .
171- وقال محمد بن الحسن في الأحاديث التي جاءت "أن الله يهبط إلي السماء الدنيا"، ونحو هذا: "إن هذه الأحاديث قد روتها الثقات، فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها" .
روى هذا الإجماع عن محمد بن الحسن، أبو القاسم اللالكائي، وأبو محمد بن قدامة في كتابيهما.
[الوليد بن مسلم القرشي (194هـ)]
172- وقال الوليد بن مسلم : "سألت الأوزاعي ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، عن هذه الأحاديث التي فيها الصفة؟ فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف" .
رواه أبو أحمد العسال،عن محمد بن أيوب ، عن الهيثم بن خارجة ، حدثنا الوليد بن مسلم.
[وكيع بن الجراح الرؤاسي (197هـ)]
173- وقال أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل بحديث: "إذا جلس الرب على الكرسي"، فاقشعر رجل عند وكيع، فغضب وكيع وقال: "أدركنا الأعمش ، وسفيان ، يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها".
أخرجه عبد الله في كتاب "الرد على الجهمية" عن أبيه .
[عبد الرحمن بن مهدي العنبري (198هـ)]
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: (ق49/أ) "إن الجهمية أرادوا أن
ينفوا أن يكون الله كلم موسى، وأن يكون على العرش، نرى أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم" .
رواه غير واحد بإسناد صحيح عن عبد الرحمن قال: "الذي قال فيه ابن المديني : لو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت أني ما رأيت أعلم منه" .
[خالد بن سليمان البلخي (؟؟)]
175- قال ابن أبي حاتم، حدثنا زكريا بن داود بن بكر ، سمعت أبا قدامة السرخسي ، سمعت أبا معاذ البلخي رحمه الله -يعني خالد بن سليمان- بفرغانة يقول: "كان جهم على معبر ترمذ، وكان فصيح اللسان، [و] لم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم، فكلم السُمَنية ، فقالوا له: صف لنا ربك الذي تعبده. فدخل البيت لا يخرج، ثم خرج إليهم بعد أيام فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء، وفي كل شيء، ولا يخلو منه شيء ". قال أبو معاذ: "كذب عدو الله، إن الله في السماء على العرش كما وصف نفسه" .
وهذا ثابت عن أبي معاذ أحد الأئمة رحمه الله.
[شجاع بن أبي نصر البلخي (؟؟)]
176- وقال ابن أبي حاتم، حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي ، ثنا يحيى بن أيوب ، حدثنا أبو نعيم البلخي -وكان قد أدرك جهما- قال: "كان لجهم صاحب يكرمه ويقدمه على غيره، فإذا هو قد صَيَّح به، وبدر به، ووقع فيه، قال أبو نعيم: فقلت له: لقد كان يكرمك. فقال إنه قد جاء منه ما لا يحتمل، بينا هو يقرأ طه، والمصحف في حجره، فلما أتى على هذه الآية: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: لو وجدت السبيل إلى أن أحكها من المصاحف. فاحتملت هذه، ثم إنه بينا هو (ق49/ب) يقرأ آية إذ قال: ما أظرف محمداً حين قالها. ثم إنه بينا هو يقرأ طسم -[سورة] القصص- والمصحف في حجره إذ مر بذكر موسى عليه السلام، فدفع المصحف بيده ورجله، وقال: أي شيء هذا ذكره هنا، فلم يتم ذكره".
هكذا أخرجه ابن أبي حاتم، وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الرد على الجهمية"، عن [الصاغاني] ، عن يحيى بن أيوب، واسم أبي نعيم شجاع بن أبي نصر .
[أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (182هـ)]
177- وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن [الحسين] بن مهران ،
حدثنا بشار بن موسى الخفاف ، قال جاء بشر بن الوليد إلى أبي يوسف فقال له: "تنهاني عن الكلام وبشر المريسي ، وعلي الأحول ، وفلان يتكلمون، فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون [إن] الله في كل مكان. فبعث أبو يوسف فقال: علي بهم، فانتهوا إليهم، وقد قام بشر، فجيء بعلي الأحول والشيخ -يعني الآخر-، فنظر أبو يوسف إلى الشيخ وقال: لو أن فيك موضع أدب لأوجعتك، فأمر به إلى الحبس، وضرب عليا الأحول وطوف به" .
[سلام بن أبي مطيع الخزاعي (164هـ)]
178- وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا هدبة بن خالد ، سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: "ويلهم ما ينكرون من هذا الأمر؟ والله ما في الحديث شيء إلا وفي القرآن أثبت منه يقول الله تعالى {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِير} {وَيُحَذِّرُكُم الله نَفْسَهُ} {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} / {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فما زال في ذا من العصر إلي المغرب" .
[يزيد بن هارون الواسطي (206هـ)]
179- وقال شاذ بن يحيى سمعت يزيد بن هارون يقول: "من زعم أن الرحمن على العرش على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي"
رواها عبد الله في كتاب "السنة" له، عن عباس العنبري ، عن شاذ ابن يحيى .
ويزيد بن هارون شيخ أهل واسط، وأجلهم علماً وزهداً على رأس المائتين، وله مناقب كثيرة رحمه الله.
وهذا الذي قاله هو الحق، لأنه لو كان معناه على خلاف ما يقر في القلوب السليمة [من] الأهواء، والفطرة الصحيحة من الأدواء، لوجب على الصحابة والتابعين أن يبينوا أن استواء الله على عرشه على خلاف ما فطر الله عليه خلقه، وجبلهم على اعتقاده؛ اللهم إلا أن يكون في بعض الأغبياء من يفهم من أن الله في السماء أو على العرش [أنه محيز وأنهما حيز له] ، وأن العرش محيط به ، فكيَّف ذلك في ذهنه وبفهمه، كما بَدَر في الشاهد من أي جسم كان، على أي جسم ، فهذا حال جاهل، و[ما] أظن أن أحدا اعتقد ذلك من العامة ولا قاله، وحاشا يزيد بن هارون أن يكون مراده هذا، وإنما مراده ما تقدم، وقد قال مثل قوله عبد الله بن [مسلمة] القعنبي ، شيخ البخاري ومسلم، وغيره، وسيأتي إن شاء الله فيما بعد .
[سعيد بن عامر الضبعي (208هـ)]
180- وعن سعيد بن عامر الضبعي -إمام أهل البصرة على رأس المائتين- أنه ذكر عنده الجهمية، قال: "هم شَرٌّ قولاً من اليهود والنصارى، اجتمع أهل الأديان مع المسلمين أن الله على العرش، وقالوا هم: ليس على العرش شيء".(ق50/ب)
رواه ابن أبي حاتم في كتابه .
[عباد بن العوام الكلابي (185هـ)]
181- وقال عباد بن العوام -أحد الأئمة بواسط-: "كلَّمت بِشْراً المريسي وأصحابه، فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء، أرى -والله أعلم- أن لا يناكحوا، ولا يورثوا" .
وقد تقدم نحوه عن جرير ، وحماد بن زيد .
[عبد الملك بن قُريب الأصمعي (215هـ)]
182- وعن الأصمعي قال: "قدمت امرأة جهم، وقال رجل عندها الله على عرشه، فقالت: محدود على محدود. قال الأصمعي: هي كافرة بهذه المقالة" .
[علي بن عاصم الواسطي (201هـ)]
183- وقال يحيى بن علي بن عاصم : "كنت عند أبي ، فاستأذن عليه المريسي، فقلت له: يأبه مثل هذا يدخل عليك! فقال : وماله؟؛ قلت: إنه يقول: إن القرآن مخلوق، ويزعم أن الله معه في الأرض، وكلاما ذكرته، فما رأيته اشتد عليه مثل ما اشتد عليه في القرآن أنه مخلوق، وأنه معه في الأرض" .
أخرجها واللتين قبلها ابن أبي حاتم في كتابه في "الرد على الجهمية".
وعلي بن عاصم أحد الأئمة في طبقة يزيد بن هارون، ووكيع توفي سنة إحدى و[مائتين] ، وله أربع وتسعون سنة.
وقال: "أعطاني أبي مائة ألف درهم، فرجعت من رحلتي وقد كتبت مائة ألف حديث" .
[وهب بن جرير الأزدي (206هـ)]
184- أخبرنا بلال المغيثي بمصر، أنبأنا عبد الوهاب بن رواج ، أنبأنا أبو طاهر السِّلفي ، أنبأنا مكي بن منصور ، أنبأنا أبو بكر الحيري ، حدثنا حاجب الطوسي ، حدثنا محمد بن حماد ، سمعت وهب بن جرير يقول: "إياكم ورأي جهم ، فإنهم يجادلون أنه ليس في السماء شيء، وما هو إلا من وحي إبليس، وما هو إلا الكفر" .
[محمد بن مصعب العابد (228هـ)]
185- وقال أبو الحسن بن العطار ،(ق51/أ) سمعت محمد بن مصعب العابد ، يقول: "من زعم أنك لا تتكلم ولا تُرى في الآخرة، فهو كافر بوجهك، [ولا يعرفك] ، أشهد أنك فوق العرش".
رواه الدارقطني في "الصفات"، وعبد الله بن أحمد في "السنة"، بإسناد صحيح .
[يحيى بن زياد الفراء (207هـ)]
186- وقال محمد بن الجهم ، حدثنا يحيى بن زياد الفراء قال: "وقد قال عبد الله بن عباس: {ثُمّ اسْتَوَى} صعد، وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائماً، وكان قائمًا فاستوى قاعدًا، وكل في كلام العرب جائز".
أخرجه البيهقي في "الصفات" ، فقال: أنبأنا الحاكم ،حدثنا الأصم ، حدثنا محمد بن الجهم، فذكره.
[نوح بن أبي مريم المروزي (173هـ)]
187- وقال أحمد بن سعيد الدارمي -أحد شيوخ مسلم-، سمعت أبي ، يقول: سمعت أبا عصمة نوح بن أبي مريم ، وسأله رجل عن الله عز وجل في السماء هو؟، فحدث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل الأمة "أين الله؟ قالت: في السماء، قال: اعتقها فإنها مؤمنة" . قال: "سماها رسول صلى الله عليه وسلم مؤمنة أن عرفت أن الله في السماء".
رواه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" عن أحمد بن سعيد .
[محمد بن مصعب العابد (228هـ)]
188- وقال المروزي ، [سمعت أبا عبد الله الخفاف ] ، سمعت ابن مصعب وقرأ {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} فقال: "نعم يقعده معه على العرش".
قال أحمد بن حنبل -وذكر ابن مصعب-، فقال: "قد كتبت عنه وأي رجل" .
هكذا (ق51/ب) أخرجه أبو بكر المروزي صاحب الإمام أحمد، وهو من أجل من أخذ الفقه عنه، ألف هذا الكتاب في حدود السبعين ومائتين، لما أنكر بعض الجهمية أن الله يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على العرش، واستفتى من كان في عصره في ذلك.
وهذا حديث ثابت عن مجاهد ، رواه عنه ليث بن أبي سليم ، وعطاء بن السائب ، وجابر بن يزيد ، وأبو يحيى القتات ، وغيرهم .
ورواه عن ليث ، محمد بن فضيل ، وعبد الله بن إدريس الأودي ، واشتهر عن محمد بن فضيل، عن ليث، فرواه أبو بكر بن أبي
شيبة ، وأخوه عثمان ، وحدثا به على رؤوس الناس ببغداد .
وحدث به عنه أيضا إسحاق بن راهوية ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وخلاد بن أسلم ، وإسماعيل بن حفص الأيلي ، وسفيان بن وكيع ، ومحمد بن حسان ، والحسن بن الزبرقان أبو الخزرج ، والحارث بن شريح ، وعلي بن حرب ، وعلي بن المنذر الطريقي ، والعباس بن يزيد البحراني ، ولفظهم "يجلسه معه على العرش".
ولفظ الباقين، أخبرني ابني أبي شيبة ، وعبد الرحمن بن صالح ، وهارون بن معروف ، وإبراهيم بن موسى الرازي ، وواصل (ق52/أ) بن عبد الأعلى ، ويحيى بن عبد المجيد الحماني ، وعبيد بن يعيش ، وجعفر بن محمد بن الحداد ، "يجلسه على العرش".
والزيادة صحيحة مقبولة.
ورفعه بعضهم من حديث ابن عمر وإسناده واه لا يثبت ، وأما عن مجاهد فلا شك في ثبوته.
وممن أفتى المروزي بأن الخبر يسلم كما جاء و لا يعارض: أبو داود صاحب السنن ، وعبد الله بن الإمام أحمد ، وإبراهيم الحربي ، ويحيى بن أبي طالب ، وأبو جعفر الدقيقي ، ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي ، وعباس بن محمد الدوري ، ومحمد بن بشر بن شريك بن عبد الله النخعي .
189- واحتج بما رواه أحمد بن الفرج الطائي وغيره، حدثنا [عباد] بن أبي روق، سمعت أبي يحدث عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}. قال: "يقعده على العرش" .
190- حتى إن عبد الله بن الإمام أحمد قال عقيب حديث مجاهد: "وأنا منكر على من رد هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء، متهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت هذا الحديث من جماعة، وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا وقت ما سمعناه من المشايخ أنه إنما ينكره الجهمية" .
191- وحدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله {عَسَى (ق52/ب) أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} قال: "يقعده على العرش".
فحدث به أبي رحمه الله فقال: كان ابن فضيل يحدث به فلم يُقدَّر لي أن أسمعه منه .
192- وقال المروزي : وحدثني إبراهيم بن عرفة ، سمعت أبا عمير يقول: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن حديث مجاهد "يقعد محمدًا صلى الله عليه وسلم على العرش" فقال: قد تلقته العلماء بالقبول .
193- قال المروزي: وقال أبو داود -يعني صاحب السنن- فيما احتج به، حدثنا [محمد] بن أبي صفوان الثقفي ، حدثنا يحيى بن كثير ، [قال ثنا سلم بن جعفر ، ثنا سعيد الجريري ] ، حدثنا سيف [السدوسي] ، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: "إذا كان يوم القيامة جيء بنبيكم صلى الله عليه وسلم حتى يجلس بين يدي الله على كرسيه، فقلت يا أبا مسعود: إذا كان على كرسيه أليس هو معه؟، قال: ويلك هذا أقر حديث في الدنيا لعينيّ.
أبو مسعود هو سعيد [بن] إياس الجريري راوي الحديث من التابعين، سمع أبا الطفيل ، وروى عنه شعبة ، والثوري .
194- قال أبو داود: وما ظننت أن أحدًا يذكر بالسنة يتكلم في هذا الحديث، إلا أنا علمنا أن الجهمية تنكره .
195- وقد رواه محمد بن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية عن مجاهد وغيره، وقال: "ليس في فرق المسلمين من ينكر هذا، لا من يقر أن الله فوق العرش ولا من ينكره" .
وكذلك أخرجه أبو بكر النقاش في تفسيره لها.
وكذلك رد الخلال وأبو العباس بن سريج الفقيهان (ق53/أ) المتعاصران على من أنكره.
196- حتى قال أبو بكر النجاد الفقيه -صاحب أبي داود-: "لو أن حالفًا حلف بالطلاق ثلاثًا أن الله يقعد محمدًا معه على العرش، واستفتاني، لقلت له: صدقت وبررت".
وذكره عند القاضي أبي يعلى الفراء .
197- وروى أبو بكر الخلال في "السنة" له، أخبرني الحسن بن صالح العطار ، عن محمد بن علي السراج ، قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله إني أريد أن أقول شيئا، فأقبل علي وقال: قل؛ فقلت: إن الترمذي يقول: إن الله لا يقعدك معه على العرش، ونحن نقول إن الله يقعدك معه على العرش فكيف نقول ، فأقبل عليَّ شبيه المغضب وهو يشير بيده اليمنى عاقدًا بها أربعين، وهو يقول: بلى والله بلى والله بلى والله يقعدني معه على العرش. فانتبهت" .
الترمذي ليس هو أبو عيسى صاحب "الجامع" أحد الكتب الستة، وإنما هو رجل في عصره من الجهمية ليس بمشهور اسمه.
198- وقال محمد بن [عمران] الفارسي ، عقيب حديث مجاهد: "بلغني أن مسلوبا من الجهال أنكر ذلك، فنظرت في إنكاره، فإن كان قصد مجاهداً رحمه الله، فابن عباس رضي الله عنهما قصد، وإن كان لابن عباس قصد فعلى [قول] رسول الله صلى الله عليه وسلم رد" .
199- وروى شعبة، عن [عبيد الله بن عمران] قال: "سمعت مجاهدا يقول: صحبت ابن عمر لأخدمه فكان هو يخدمني" .
وسنذكر من أفتى المروزي بأن الخبر يمر كما جاء، وأنه متلقى بالقبول (ق53/ب)، في موضع طبقاتهم إن شاء الله تعالى.
[الإمام الشافعي (204هـ)]
200- وروى الحافظ عبد الغني المقدسي ، وشيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري رحمه الله، وغيرهما، في جمعهم عقيدة الشافعي
بأسانيدهم إلى أبي ثور ، وأبي شعيب، كلاهما عن الإمام أبي عبد الله الشافعي رحمه الله قال: "القول في السنة التي أنا عليها، رأيت أهل الحديث عليها، الذين رأيتهم، مثل سفيان ، ومالك، وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -وذكر أشياء- ثم قال: "وأن الله على عرشه في سمائه ، يقرب من خلقه كيف شاء، وينـزل إلى سماء الدنيا كيف شاء" وذكر سائر الاعتقاد .
201- وروى الحسن بن هشام البلدي قال: "هذه وصية محمد بن إدريس الشافعي، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له" -وذكر الوصية- إلى أن قال فيها "والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة عيانًا، ينظر [إليه] المؤمنون، ويسمعون كلامه، وأنه تعالى فوق العرش" وذكر سائر الوصية.
رواها الهكاري، والحافظ عبد الغني في العقيدة له.
202- قال أبو عبد الله الحاكم ، سمعت الأصم يقول: سمعت الربيع يقول: "سمعت الشافعي، وقد روى حديثا صحيحا، [فقال له رجل: أتأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟. فقال: إذا رويت حديثا] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب" .
203- وعن [ابن] أبي حاتم سمعت يونس ، قال: (ق54/أ) سمعت الشافعي يقول: "لله أسماء وصفات لا يسع أحدا قامت عليه الحجة ردها، فإن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالروية والفكر، ونثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه، كما نفى عن نفسه، قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}" .
رواه شيخ الإسلام في [عقيدة] الشافعي، وغيره، بإسناد كلهم ثقات.
والكلام في مثل هذا كثير من الشافعي، فقد جمع شيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري، والحافظ أبو محمد عبد الغني، وأبو الحسن بن شكر وغير واحد أقوال الشافعي في أصول الاعتقاد، وذلك موجود بأيدي الناس.

[عاصم بن علي الواسطي (221هـ)]
204- وعن عاصم بن علي -شيخ البخاري- قال: "ناظرت جهمياً، فتبين من كلامه [أنه] لا يؤمن أن في السماء ربّاً" .
عاصم بن علي، إمام، حافظ، ثقة، حدث عن شعبة ، وابن أبي ذئب ، والليث ، ونحوهم، توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين.
وروى الخطيب في ترجمته قال: "[وجه] المعتصم من يحزر مجلسه، في رحبة النخل، في جامع الرصافة، وكان عاصم يجلس على سطح الرحبة، ويجلس الناس في الرحبة وما يليها، فعظم الجمع مرة جدًا، حتى قال أربع عشرة مرة حدثنا الليث بن سعد، والناس لا يسمعون لكثرتهم، وكان هارون المستملي يركب نخلة يستملي عليها، فحزروا المجلس، فكان عشرين ومائة ألف" .
وقال يحيى بن معين فيه : (ق54/ب) عاصم بن علي، سيدالمسلمين .
[عبد العزيز بن يحيى الكناني (240هـ)]
205- وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني -صاحب الحيدة ، والمناظرة في خلق القرآن مع بشر المريسي ، بين يدي المأمون بن هارون الرشيد ، وينبغي أن يكون ذلك [-يعني المناظرة-] في سنة ثمان عشرة ومائتين، فإن فيها أحدث المأمون امتحان الناس في القرآن، وفي أواخرها توفي المريسي- قال في كتاب "الرد على الجهمية" له: "باب [قول] الجهمي في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} زعمت الجهمية أنما معنى استوى: استولى، من قول العرب: استوى فلان على مصر، يريد استولى عليها.
والبيان لذلك يقال له: هل يكون خلق من خلق الله أتت عليه مدة ليس [الله] بمستول عليه؟، فإذا قال: لا، قيل له: فمن زعم ذلك فمن قوله، فمن زعم ذلك فهو كافر، فيقال له: يلزمك أن تقول إن العرش قد أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه، وذلك لأنه أخبر سبحانه وتعالى أنه خلق العرش قبل خلق السموات والأرض ثم استوى عليه بعد خلقهن، فيلزمك أن تقول المدة التي كان العرش قبل خلق السموات والأرض ليس الله بمستول عليه ".
ثم ذكر كلاماً طويلاً في تقرير ذلك والاحتجاج له بالكتاب والسنة .
قلت: وكذلك يلزم من قال إنه بمعنى ملك وقهر، أن يكون الله غير مالك ولا قاهر للعرش قبل خلق السموات والأرض .
[عبد العزيز بن الزبير الحميدي (219هـ)]
206- أخبرنا إسماعيل بن الفراء ، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة سنة سبعة عشر وستمائة، أنبأنا سعد الله بن نصر الدجاجي ، أنبأنا [أبو] منصور الخياط ، حدثنا أبو طاهر عبد الغفار ابن محمد ، / أنبأنا أبو علي بن الصواف ، أنبأنا بشر بن موسى ، أنبأنا الحميدي ، قال: "أصول السنة -فذكر أشياء- ثم قال: "وما نطق به القرآن والحديث مثل{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} ، ومثل{السَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ، وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه، و لا نفسره، ونقف عند ما وقف عليه القرآن والسنة، ونقول:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ومن زعم غير هذا فهو مبطل جهمي" .
هذا حديث ثابت عن الحميدي أبي بكر عبد الله بن الزبير، إمام أهل مكة في الفقه والحديث توفي على رأس العشرين ومائتين رحمه الله ، أخذ عن سفيان بن عيينة، والشافعي وغيرهما، وصدَّر البخاري صحيحه بروايته عنه.
[أبو عبيد القاسم بن سلاّم (224هـ)]
207- أخبرنا القاضي أبو محمد بن علوان ببعلبك، أنبأنا عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي ، أنبأنا عبد المغيث بن زهير الحافظ ، أنبأنا أحمد بن عبيد الله بن كادش ، أنبأنا محمد بن علي الحربي ،أنبأنا الحافظ أبو الحسن الدارقطني ، حدثنا محمد بن مخلد ، حدثنا العباس الدوري ، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلاّم -وذكر الباب الذي يروي فيه الرؤية، والكرسي موضع القدمين، وضحك ربنا، وأين كان ربنا- فقال: "هذه أحاديث صحاح، حملها أهل الحديث، والفقهاء، بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق، لا شك فيها؛ ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه؟ وكيف يضحك؟ قلنا لا نفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره".
هكذا أخرجه الدارقطني في "الصفات" له .
وأبو عبيد من أخيار هذه الأمة، توفي سنة أربع وعشرين ومائتين، وولد والشافعي سنة خمسين ومائة، وإسناده (ق55/ب) صحيح عنه .
ومن جلالته في العلم قال فيه إسحاق بن راهويه: "الله يحب الإنصاف، أبو عبيد أعلم مني، ومن الشافعي، ومن أحمد بن حنبل".
[نعيم بن حماد الخزاعي (228هـ)]
208- قال ابن بطة ، حدثنا ابن مخلد ، حدثنا الرمادي ، سمعت نعيم بن حماد في قوله {وَهُوَ مَعَكُم} : "أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه ، ألا ترى قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية، أراد: أنه لا يخفى عليه خافية" .
نعيم بن حماد نزيل مصر، أحد شيوخ البخاري، من كبار أئمة الحديث، توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين.
209- وهو القائل ما أخبرنا ابن الفراء ، أنبأنا ابن قدامة ، انبأنا ابن البطي ، أنبأنا ابن خيرون ، أنبأنا ابن شاذان ، أنبأنا ابن زياد ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، سمعت نعيم بن حماد ، يقول: "من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها" .
وكلا القولين صحيح عنه.
[عبد الله بن أبي جعفر الرازي ( مات بعد المائتين )]
210- وقال صالح بن [الضريس] : جعل عبد الله بن أبي جعفر الرازي يضرب قرابة له بالنعل على رأسه، يرمى برأي جهم ويقول: "لا حتى تقول {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ [اسْتَوَى] } بائن من خلقه" .
رواه ابن أبي حاتم في كتاب "الرد على الجهمية"، عن محمد بن يحيى عن صالح.
[هشام بن عبد الله الرازي ( بعد المائتين )]
211- وقال حدثنا علي بن الحسن بن يزيد السلمي ، سمعت أبي يقول: سمعت هشام بن عبد الله الرازي ، يقول: حُبس رجل في التجهم، فتاب، فجيء به إلى هشام ليمتحنه- فقال له: "أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟. قال: لا أدري ما بائن من خلقه. فقال: رُدَّه فإنه لم يتب بعد" .
هشام بن [عبد الله] من أئمة الفقه على مذهب أبي حنيفة، (ق56/أ) أخذ عن محمد بن الحسن وغيره وهو معروف عند الفقهاء، ذكره أبو إسحاق في طبقات الفقهاء. توفى محمد بن الحسن في منـزله.
[يزيد بن هارون الواسطي (206هـ)]
212- وعن يزيد بن هارون ، وسأله رجل من أهل بغداد فقال: "سمعت المريسي يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل. فقال يزيد: إن كنت صادقاً إنه كافر بالله العظيم".
أخرجها ابن أبي حاتم في كتابه.
[عبد الله بن مسلمة القعنبي (221هـ)]
213- وقال بيان بن أحمد ، كنا عند القعنبي فسمع رجلاً من الجهمية يقول: الرحمن على العرش استولى، فقال القعنبي : "من لا يؤمن أن الرحمن على العرش استوى، كما تقرر في قلوب العامة، فهو جهمي" .
أخرجها عبد العزيز القحيطي في تصانيفه.
[أبو معمر إسماعيل القطيعي (236هـ)]
214- وقال أبو معمر القطيعي : "آخر كلام الجهمية أنه ليس في السماء إله" .
ذكره ابن أبي حاتم في كتابه.
[الإمام يحيى بن معين (233هـ)]
215- وقال يحيى بن معين : "إذا قال لك الجهمي: كيف ينـزل؟ فقل: كيف صعد؟".
أخرجه ابن بطة في "الإبانة" عن النجاد ، عن جعفر بن أبي عثمان الطيالسي عن يحيى بن معين رحمه الله.
[بشر بن الحارث الحافي (227هـ)]
216- وقال بشر بن الحارث الحافي في عقيدته -وذكر أشياء- فيها: "والإيمان بأن الله على عرشه استوى كما شاء، وأنه عالم بكل مكان، وأن الله يقول، ويخلق، فقوله كن ليس بمخلوق" .
رواها ابن بطة في "الإبانة" وغيره.
[حرب بن إسماعيل الكرماني (280هـ)]
217- و[قال] حرب بن إسماعيل : "قلت لإسحاق بن راهويه في قول الله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} : كيفتقول فيه؟ قال: حيث ما / كنت فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه" ثم ذكر عن ابن المبارك : "هو على عرشه بائن من خلقه" ثم قال: وأعلى شيء من ذلك وأثبته قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }" .
رواه الخلال في "السنة" له عن حرب .
[الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (241هـ)]
218- وقال أبو طالب سألت أحمد بن حنبل عن رجل قال: إن الله معنا، وتلا: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} . قال: "قد تجهم هذا، يأخذون بآخر الآية، ويدعون أولها [هلا] قرأت عليه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} فالعلم معهم، وقال في [سورة] (ق): {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} فعلمه معهم".
رواه ابن بطة في "الإبانة" .
219- وقال المروزي : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل، إن رجلاً قال: أقول كما قال الله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} ، أقول هذا ولا أجاوزه إلى غيره. فقال أبو عبد الله: "هذا كلام الجهمية". قلت: فكيف نقول؟ قال: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُم} علمه في كل مكان وعلمه معهم" ثم قال: "أول الآية يدل على أنه علمه".
رواه ابن بطة عن عمر بن محمد حدثنا محمد بن داود عن المروزي .
220- قال حنبل : "قلت لأبي عبد الله : ما معنى قوله {وَهُوَ مَعَكُم}، و{ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ (ق57/أ) هُوَ رَابِعُهُمْ }؟. قال: علمه محيط بـ"الكل"، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة".
أخرجه اللالكائي في "السنة" .
221- وقال يوسف بن موسى القطان : "وقيل لأبي عبد الله : الله فوق السماء السابعة على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه وقدرته بكل مكان؟ قال: نعم".
رواه الخلال، عن يوسف .
222- وقال سلمة بن شبيب : "كنت عند أحمد بن حنبل، فدخل رجل عليه أثر السفر، فقال: من فيكم أحمد بن حنبل؟ فأشاروا إليه، فقال: إني ضربت البر والبحر من أربعمائة فرسخ ، أتاني الخضر عليه السلام فقال: إيت أحمد بن حنبل، فقل له : إن ساكن السماء راض عنك لما بذلت نفسك في هذا الأمر" .
رواه ابن أبي حاتم في مناقب أحمد عن محمد بن مسلم عن سلمة.
[ذو النون المصري (245هـ)]
223- وقال عمر بن بحر الأسدي : "سمعت ذا النون المصري يقول: أشرقت لنوره السموات، وأنار لوجهه الظلمات، وحُجِبَ جلالُه عن العيون، وناجاه على عرشه ألسنة الصدور".
أخرجها أبو الشيخ في كتاب "العظمة" .
[أحمد بن حنبل]
224- وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في كتاب الرد على الجهمية مما جمعه ورواه عبد الله ابنه عنه:
"باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش"، قلت لهم: أنكرتم أن يكون الله على العرش، وقد قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟
فقالوا: هو تحت الأرض السابعة، كما هو على العرش، وفي السموات وفي الأرض.
فقلنا: قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها (ق57/ب) منعظمة الرب شيء، أجسامكم وأجوافكم والحشوش والأماكنالقذرة ليس فيها من عظمته شيء، وقد أخبرنا عز وجل أنه فيالسماء فقال تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَفَإِذَا هِيَ تَمُورُ. أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} ،{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ] } ، {إِنِّي مُتَوَفِّيكَوَرَافِعُكَ إِلَيّ} ، {بَلْ رَفَعَهُ الله إِلَيْهِ} , {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِم } فقد أخبر سبحانه أنه في السماء" .
أخرجه كله أبو بكر الخلال في "السنة"، وخرج أكثره مفرقا في غير موضع القاضي أبو يعلى الفراء في كتاب "إبطال التأويل" له.
[إسحاق بن راهويه (256هـ)]
225- وقال أحمد بن سلمة : "سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع -يعني إبراهيم بن أبي صالح- مجلس الأمير عبد الله ابن طاهر ، فسألني الأمير عن أخبار النـزول فسردتها.قال ابن أبي
صالح: كفرت برب ينـزل من سماء إلى سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء" .
رواه البيهقي عن الحاكم سمعت محمد بن صالح بن هاني سمعت أحمد بن سلمة فذكره.
[عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق (251هـ)]
226- وقال عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق لما روى حديث ابن عباس "ما بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك" قال: "من زعم أن الله هاهنا فهو جهمي خبيث، إن الله فوق العرش، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة" .
عبد الوهاب هذا، ثقة، حافظ، روى عنه أبو داود، والترمذي، والنسائي، مات سنة خمسين ومائتين.
وقيل للإمام أحمد من (ق58/أ) نسأل بعدك؟. فقال : "سلوا عبد الوهاب". وأثنى عليه في غير موضع.
[المزني (264هـ)]
227- حدثنا أبو الحسين اليونيني الحافظ، عن جعفر الهمداني ، أنبأنا السلفي ، أنبأنا عبد الملك بن الحسن الأنصاري بمكة، أنبأنا الحسين بن علي الفقيه النسوي ، أنبأنا إسماعيل بن رجاء العسقلاني بها، أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد الملطي ، وأبو أحمد محمد بن محمد القيسراني ، قالا: أنبأنا أحمد بن بكر اليازوري الفقيه، [حدثنا الحسن بن علي اليازوري] ، حدثني على بن عبد الله الحلواني قال: كنت بطرابلس المغرب، فذكرت أنا وأصحاب لنا السنة، إلى أن ذكرنا المزني رحمه الله، فقال بعض أصحابنا: بلغني أنه يتكلم في القرآن ويقف عنده، وذكر [آخر] أنه يقوله ، إلى أن اجتمع منا قوم آخر فكتبنا إليه كتاباً نريد أن نستعلم منه، فكتب إلينا شرح السنة، فكتب إلينا: "عصمنا الله وإياكم بالتقوى، ووفقنا وإياكم لموافقة الهدى، أما بعد: فإنك سألتني أن أوضح لك من السنة أمراً تصبر نفسك على التمسك به، وتدرأ عنك به شبه الأقاويل، وزيغ محدثات الضالين، فقد شرحت لك منها ما جاء موضحا لم آل نفسي وإياك [فيه] نصحا، بدأت فيه بحمد ذي الرشد والتسديد.
الحمد لله أحق ما بدىء، وأولى من شكر، و[عليه] أثني، الواحد الصمد، ليس له صاحبة ولا ولد، جل عن المثل فلا شبيه له ولا عديل، السميع البصير العليم الخبير المنيع الرفيع، عالٍ على عرشه ، (58/ب) فهو دان بعلمه من خلقه" -إلى أن قال-: "والقرآن كلام الله ومن الله، ليس بمخلوق فيبيد، وقدرة الله، ونعته وصفاته [كاملات] غير مخلوقات، دائمات أزليات ليست محدثات فتبيد، ولا كان ربنا ناقصاً فيزيد، جلت صفاته عن شبه المخلوقين، عالٍ على العرش ، بائن من خلقه". وذكر باقي الاعتقاد .
[أبو حاتم الرازي (277هـ)]
[أبو زرعة الرازي (264هـ)]
228- أجاز لنا أحمد بن سلامة ، عن أبي القاسم بن بَوْش ، أنبأنا أبو طالب اليوسفي ، أنبأنا [أبو] إسحاق البرمكي ، أنبأنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: "سألت أبا حاتم وأبا زرعة الرازيين رحمهما الله عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك، فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار، حجازاً، وعراقاً، ومصراً، وشاماً، ويمناً، وكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف، أحاط بكل ‎شيء علماً" .
أبو حاتم هو محمد بن إدريس الحنظلي، إمام أهل الري في الحفظ والإتقان، وممن طاف العراق والشام والحجاز وخراسان في طلب العلم، وشهرتهما عند أهل العلم تغني عن التعريف بحالهما.
وروى عن أبي حاتم من الأئمة، أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.
وروى عن أبي زرعة، مسلم، والترمذي، والنسائي.
[الإمام أبو عبد الله البخاري (256هـ)]
229- (ق59/أ) وقال أبو عبد الله البخاري ، في كتاب الرد على الجهمية، الذي في آخر الصحيح في باب قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ} : "قال أبو العالية : استوى إلى السماء: ارتفع، وقال مجاهد : علا على العرش، وقالت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم: زوجني الله من فوق سبع سموات" .
وَبَوَّبَ على أكثر ما ينكر الجهمية وتناوله، من العلو، والكلام، واليدين، والعين، ونحو ذلك محتجاً بآيات الصفات وأحاديثها، فمن تبويبه:
باب قوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلكَلِمُ اَلطَّيِّب} .
وباب قوله {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} .
وباب قوله {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} .
وباب كلام الرب مع الأنبياء وغيرهم .
ونحو ذلك مما إذا تدبره اللبيب، علم بتبويبه رحمه الله وذكره لمثل تلك [الآيات] والأحاديث أن الجهمية تنكر ذلك وتحرفه.
[عثمان بن سعيد الدارمي (280هـ)]
230- قال عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة، وحفاظ أهل المشرق، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وسمع سعيد بن أبي مريم ، ونعيم بن حماد ، وموسى بن إسماعيل ، وفروة بن أبي المغراء ، وعبد الله بن رجاء ، ومسلم بن إبراهيم ، وغيرهم من الأئمة.
الذي قال فيه البخاري: "ما رأيت مثل عثمان بن سعيد، ولا (ق59/ب) رأى عثمان مثل نفسه" ؛ أخذ الأدب عن ابن الأعرابي ، والفقه عنالبويطي ،والحديث عن يحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، فتقدم في هذه العلوم، ‎وقد أثنى عليه غير واحد من أهل العلم، وألف كتاب "النقض على بشر ‎المريسي" مجلداً مما فيه:
1- "قد اتفقت الكلمة من المسلمين، أن الله بكماله فوق عرشه، فوق سمواته" .
2- وقال أيضاً في موضع آخر من الكتاب: "[و] قال أهل السنة: إن الله بكماله فوق عرشه، يعلم ويسمع من فوق العرش، لا يخفى عليه خافية من خلقه، ولا يحجبهم عنه شيء" .
[أبو عيسى الترمذي (279هـ)]
231- وقال [الترمذي] لما روى حديث أبي هريرة "إن الله يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه فيربيها" : "هذا حديث صحيح روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبهه من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ونؤمن به، ولا نتوهم، ولا يقال كيف هذا.
وروي عن مالك، وابن عيينة، وابن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف.
وهكذا قول أهل العلم، من أهل السنة والجماعة.
وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، (60/أ) وفسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وإنما معنى اليد ها هنا النعمة، وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد، أو مثل يد، وسمع كسمع".
هكذا قال رحمه الله في باب أفضل الصدقة من جامعه .
وروى أيضا حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمين الله ملأى سحاء ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع" .
قال هذا في تفسير {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} الآية، "وهذا الحديث قالت الأئمة: نؤمن به كما جاء من غير تفسير، قاله غير واحد، منهم سفيان الثوري، ومالك، وابن عيينة، وابن المبارك، أنه تروى هذه الأشياء ونؤمن بها ولا يقال كيف".‎
ذكر هذا في تفسير سورة المائدة .
[حرب بن إسماعيل الكرماني (280هـ)]
232- وقال حرب بن إسماعيل الكرماني -من أصحاب أحمد- من طبقة المروزي والأثرم : "الجهمية أعداء الله، وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق ، وأنه لايعرف لله مكان، وليس على عرش ولا كرسي، وهم كفار فاحذروهم".
رواه عنه ابن أبي حاتم في كتابه .
[محمد بن عثمان بن أبي شيبة (297هـ)]
233- وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، في كتاب "العرش" له: "ذكروا أن الجهمية يقولون: ليس بين الله وبين (60/ب) خلقه حجاب، وأنكروا العرش، وأن يكون الله فوقه، وقالوا إنه في كل مكان".
وذكر أشياء إلى أن قال: "فسرت العلماء {هُوَ مَعَكُم} يعني بعلمه".
"[توافرت] الأخبار أن الله خلق العرش فاستوى عليه بذاته، فهو فوق العرش بذاته، متخلصا من خلقه بائنا منهم" .
محمد بن عثمان هذا،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع 11   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 23:00

[ عبد الله بن مسلم بن قتيبة (276هـ) ]
236- 1ـ وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب "مختلف الحديث" له: "نحن نقول في قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} إنه معهم يعلم ما هم عليه، كما تقول للرجل وجّهته إلى بلد شاسع، احذر التقصير فإني معك، تريد أنه لا يخفى عليَّ [تقصيرك] .(62/أ)
وكيف يسوغ لأحد أن يقول: إنه سبحانه بكل مكان على الحلول فيه مع قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ومع قوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ؟ و كيف يصعد إليه شيء هو معه؟ وكيف تعرج الملائكة إليه وهي معه؟
ولولا أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم، وما ركبت عليه خِلَقُهم من معرفة الخالق لعلموا أن الله هو العلي وهو الأعلى، وأن الأيدي ترتفع بالدعاء إليه، والأمم كلها أعجميها وعربيها، تقول: إن الله في السماء. ما تركت على فطرها " .
2ـ وفي الإنجيل أن المسيح قال للحواريين: "إن أنتم غفرتم للناس فإن أباكم الذي في السماء يغفر لكم ظلمكم، انظروا إلى طير السماء فإنهن لا يزرعن ولا يحصدن، وأبوكم الذي في السماء هو يرزقهن".
ومثل هذا في الشواهد كثير .
[عمرو بن عثمان المكي (297هـ)]
237- وقال الإمام العارف أبو عبد الله عمرو بن عثمان [في كتاب] "آداب المريدين والتعرف لأحوال العبَّاد" في باب ما يجيء به الشيطان للتائبين إذا هم امتنعوا عليه واعتصموا بالله، فإنه يوسوس لهم في أمر [الخالق] ليفسد ‎عليهم أحوال التوحيد، وذكر كلاما طويلا إلى أن قال: "وهذا من أعظم ما يوسوس به في التوحيد بالتشكيل ، أو في صفات الرب بالتمثيل والتشبيه، أو بالجحد لها والتعطيل، وأن يدخل عليهم مقاييس عظمة الرب بقدر عقولهم فيهلكوا (ق62/ب) إن قبلوا، أو [يضعضع] أركانهم إن لم يلجؤوا بذلك إلى العلم، ‎وتحقيق المعرفة لله عز وجل من حيث أخبر عن نفسه ووصف به نفسه، وما وصف رسوله".
إلى أن قال: "فهو تعالى القائل {أَنَا الله} لا الشجرة؛ الجائي قبل أن يكون جائياً لا أمره، المستوي على عرشه بعظمة جلاله دون كل مكان، الذي كلم موسى تكليماً، وأراه من آياته عظيما، فسمع موسى كلام الله الوارث لخلقه، السميع لأصواتهم، الناظر بعينه إلى أجسامهم، يداه مبسوطتان، وهما غير نعمته وقدرته، خلق آدم بيده".
وذكر أشياء أخر .
عمرو المكي هذا من نظراء الجنيد ، ومن كبار الصوفية وأعيانهم، توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين ببغداد، وشهرته عند مشايخ الطرق تغني عن التعريف بحاله رضي الله عنه.
[ابن أبي عاصم النبيل (287هـ)]
238- وقال الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل -أحد الأئمة والحفاظ و المصنفين بأصبهان، على رأس التسعين ومائتين-:"[وجميع ما في] كتابنا "كتاب السنة الكبير" الذي فيه الأبواب من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم، فنحن نؤمن بها لصحتها، وعدالة ناقليها، ويجب التسليم لها على ظاهرها، وترك تكلف الكلام في كيفيتها".
فذكر في ذلك النـزول إلى سماء الدنيا ، والاستواء على العرش ، وغير ذلك.
أخرجه (ق63/أ) ابن بطة في "الإبانة"، فقال: حدثتنا عاتكة بنت أحمدابن [عمرو] بن [أبي] عاصم ، قالت: حدثنا أبي رحمه الله.
[أحمد بن عمر بن سريج (306هـ)]
239- وقال أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني الإمام المشهور: سألت أيدك الله بيان ما صح لدي من مذهب السلف، وصالح الخلف، في الصفات، فاستخرت الله، وأجبت بجواب بعض الفقهاء.
وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج .
وقد سأل ابن سريج عن صفات الله فقال: "حرام على العقول أن تمثل الله، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الألباب أن تصف، إلا ما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله؛ وصح عند جميع أهل الديانة والسنة إلى زماننا أن جميع الآي والأخبار الصادقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلم الإيمان بكل واحد منه كما ورد، وأن السؤال عن معانيها بدعة، والجواب كفر وزندقة، مثل قوله تعالى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} وقوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} ونظائرها مما نطق بها القرآن كالفوقية، والنفس، واليدين، والسمع، والبصر، وصعود الكلام الطيب إليه، والضحك، والتعجب، والنـزول كل (ق/63 ب) ليلة" إلى أن قال: "اعتقادنا فيه وفي الآي المتشابهة في القرآن، أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ونسلم الخبر لظاهره والآية لظاهر تنـزيلها".
وذكر أشياء اختصرتها .
توفي ابن سريج سنة ست وثلاثمائة ببغداد. ذكره أبو إسحاق في طبقات الفقهاء فقال: كان من عظماء الشافعيين وأئمة المسلمين، وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني .
وسمعت أبا الحسن الشيرجي يقول: إن فهرست كتب أبي العباس تشتمل على أربعمائة مصنف، وكان أبو حامد الإسفرائيني ، يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون الدقائق .
أخذ عن أبي القاسم الأنماطي ، وعنه انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق. رحمه الله.
[زكريا بن يحيى الساجي (307هـ)]
240- وقال ابن بطة حدثنا أبو الحسن أحمد بن زكريا بن يحيى الساجي ، قال: قال أبي : "القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث، أن الله تعالى على عرشه، في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء" وذكر سائر الاعتقاد .
توفي زكريا (ق64/أ) بن يحيى الساجي شيخ أبي الحسن الأشعري في الفقه والحديث، وإمام أهل البصرة في وقته سنة سبع وثلاثمائة. ذكره أبو إسحاق فقال: أخذ عن الربيع والمزني ، وله كتاب "اختلاف الفقهاء"، وكتاب "علل الحديث".
[محمد بن إسحاق بن خزيمة (311هـ)]
241- وقال الحاكم سمعت محمد بن صالح بن هانيء يقول: سمعت إمام الأئمة أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : "من لم يقر أن الله على عرشه، استوى فوق سبع سمواته، بائن من خلقه، فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على مزبلة لئلا يتأذى برائحته أهل القبلة ‎وأهل الذمة" .
توفي [ابن] خزيمة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.
ذكره أبو إسحاق فقال: حكى عنه أبو بكر النقاش ، أنه قال: "ما قلدت أحداً منذ بلغت ست عشرة سنة".
أخذ الفقه عن المزني، وقال فيه المزني: "هو أعلم بالحديث مني" .
قلت: ولا أعلم في وقته مثله في معرفته بالفقه والحديث ، وربما في وقته أفقه منه من غير علم بالحديث، أو بالعكس، أما من جمع بينهما في زمانه مثله فلا أعلم، فرضي الله عنه وعن جميع أئمة المسلمين.
[محمد بن جرير الطبري (310هـ)]
242- 1ـ أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر ، أنبأنا زين الأمناء الحسن بن محمد ، أنبأنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي سنة ثمان وأربعين (ق64/ب) وخمسمائة، أنبأنا ابن [أبي] العلاء ، أنبأنا ابن أبي نصر ، أنبأنا أبو سعيد الدينوري مستملي محمد بن جرير قال: قريء على أبي جعفر محمد بن جرير الطبري وأنا أسمع بعقيدته منها "وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن يجاوز غير ذلك فقد خاب وخسر" .
محمد بن جرير، هو أحد الأئمة الكبار في وقته، في التفسير، والحديث والفقه، والتاريخ، وأحد المجتهدين، توفي بغداد سنة عشر وثلاثمائة، وله التفسير والتاريخ ، والمصنفات الكثيرة.
ذكره أبو إسحاق فقال: كان على [مذهبه] القاضي أبي الفرج المعافى بن زكريا النهرواني ، ويعرف بابن [الطرار] ، قال: وكان أبو الفرج هذا فقيهاً أديباً شاعراً عالماً بكل علم .
وذكره الخطيب -أعني الطبري- فقال : كان أحد العلماء يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان عارفاً بالقرآن، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين في الأحكام، والحلال والحرام .
سمعت علي بن عبد الله [اللغوي] ، يحكي أن محمداً بن جرير مكث أربعين سنة (ق65/أ)، يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة .
وقال أبو حامد الأسفراييني الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين، حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً، أو كلاماً هذا معناه .
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: "ما على أديم الأرض أعلم من محمد ابن جرير".
قلت: فمن أراد الإنصاف فليطالع تفسيره في آيات الصفات والعلو، في مواردها. فمن ذلك:
قوله {ُثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ، نقل فيه عن الربيع بن أنس أنه "بمعنى: ارتفع" .
وقال في تفسير قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في كل مواضعه "أي علا وارتفع" .
وقال في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} قال: "يجلسه معه على العرش". رواه عن مجاهد من غير وجه .
ثم قال: "ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا، لا من يقر أن الله فوق العرش، ولا من ينكره من الجهمية وغيرهم " .
2ـ وقال في كتاب "التبصرة في معالم الدين" له: "القول فيما أدرك علمه من الصفات [خبراً] ، وذلك نحو إخباره تعالى أنه سميع بصير، وأن له يدين بقوله {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ، وأن له وجهاً بقوله {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } ، (65/ب) وأن له قدماً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى يضع الرب فيها ‎قدمه" ، وأنه يضحك بقوله: "لقي الله وهو يضحك إليه" ، وأنه يهبط ‎إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن له أصبعاً بقول رسوله: "ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن" .
فإن هذه المعاني التي وُصِفَتْ ونظائرَهَا، كما وصف الله به نفسه، مما [لا تدرك] حقيقة علمه بالفكر والرَّوِيَّةِ، لا نكفر بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه" .
أخرج هذا الكلام عنه القاضي أبو يعلى الفراء في "إبطال التأويل" له .
[أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي (292هـ)]
243- وقال أبو محمد بن ماسي ، حدثني أبو مسلم الكجي ، قال: خرجت يوماً، فإذا بحمَّام قد فتح سَحَراً، فقلت للحمامي: أدخل أحد الحمام؟ فقال: لا، فدخلت، فساعة فَتَحْتُ الباب قال قائل: أبو مسلم، أسلم تسلم، ثم أنشأ يقول:
لك الحمد إما على نعمة *** وإما على نقمة تدفع
تشاء فتفعل ما شئته *** وتسمع من حيث لا يسمع
قال: فبادرت فخرجت وأنا جزع، فقلت للحمامي: أليس زعمت أنه ليس بالحمام أحد؟. فقال لي: هل سمعت شيئا؟، فأخبرته بما (ق66/أ) كان، فقال لي: ذلك جني يترايا لنا في كل حين ينشدنا الشعر. قال: فقلت هل عندك من شعره؟ قال: نعم، أنشد يقول:
أيها المذنب المفرِّط مهلاً *** كم تمادى وتكسب الذنب جهلاً
كم وكم تسخط الجليل بفعل *** سمج وهو يحسن الصنع فضلاً
كيف تهدا جفون من ليس يدري *** أرضي عنه من على العرش أم لا؟

رواه الخطيب في "التاريخ"، عن عبد الله [بن علي] بن محمد القرشي عن ابن ماسي .
[أبو جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي (321هـ)]
244- قال أبو جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي رحمه الله في العقيدة التي له: "ذكر بيان السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، رضي الله عنهم نقول في توحيد الله معتقدين، أن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، مازال بصفاته قديماً قبل خلقه، وأن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم وحياً، وصدقت المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله بالحقيقة ليس بمخلوق ومن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية، وكل ما في ذلك من الصحيح عن رسول الله (66/ب) صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا يثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصحيح الإيمان، ومن لم يتوق النفي ‎والتشبيه زل ولم يصب التنـزيه". إلى أن قال: "والعرش والكرسي حق كما بين في كتابه، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه". وذكر سائر الاعتقاد .
وذكر الطحاوي، أبو إسحاق في طبقات الفقهاء فقال: "إليه انتهت رئاسة أصحاب أبي حنيفة بمصر، أخذ العلم عن أبي جعفر بن أبي عمران ، وعن أبي خازم وغيرهما وكان شافعياً يقرأ على المزني ، فقال له يوما والله لا جاء منك شيء، فغضب وانتقل إلى [ابن] أبي عمران فلما صنف مختصره قال: "[رحم] الله المزني لو
كان حياً لكفر عن يمينه".
وصنف اختلاف العلماء. مات سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، و [له] ثمانون سنة .
[أبو بكر بن أبي داود السجستاني (316هـ)]
245- وقال الحافظ ابن الحافظ أبو بكر بن أبي داود سليمان (ق67/أ) بن الأشعث السجستاني رحمه الله شعراً:
تمسك بحبل الله واتبع الهدى ولا تك بدعيا لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التيي أتت عن رسول الله تنجو تربح
وقل غير مخلوق كلام مليكنا بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً كما قال أتباع لجهم وأسمجوا
ولا تقل القرآن خلق [قراءة] فإن كلام الله باللفظ يوضح
وقد أنكر الجهمي أيضا يمينه وكلتا يديه بالفواضل تنفح
وقل ينـزل الجبار في كل ليلة بلا كيف جل الواحد المتمدح
إلى طبق الدنيا يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح
روى ذلك قوم لا يرد حديثهم ألا خاب قوم كذبوهموقبحوا
في أبيات أخر اختصرتها.
قال ابن أبي داود: "هذا قولي، وقول أبي، وقول شيوخنا، وقول من لقيناهم من أهل العلم، وقول العلماء ممن لم نرهم كما بلغنا عنهم، فمن قال غير ذلك فقد كذب".
روى هذا الاعتقاد والإجماع عنه غير واحد، منهم ابن بطة في "الإبانة"، والآجري ، وصنف كذلك شرحاً .
وأبو بكر هذا من كبار أئمة المحدثين، وهو مثل والده في الحفظ ومعرفة (ق67/ب) الحديث، وله كتاب "المصاحف"، وكتاب "شريعة المقاري"، أتى فيه بآثار وغرائب تدل على اتساع روايته وفضيلته رحمه الله، توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة.

[إبراهيم بن محمد بن عرفة (323هـ)]
246- 1- وقال الإمام أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي نفطويه ، في كتاب "الرد على الجهمية" تأليفه: حدثنا داود بن علي قال: "كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: ما معنى قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، قال: هو على عرشه استوى، كما أخبر. فقال: هو ليس كذلك، إنما معناه استولى. قال ابن الأعرابي: اسكت ما يدريك ما هذا، العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل استولى عليه، والله لا مضاد له، هو على عرشه كما أخبر" .
2- [وذكر محمد بن أحمد بن النضر ، عن ابن أبي دؤاد ] أنه طلب من ابن الأعرابي أن يطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها، أن الاستواء في حق الله بمعنى الاستيلاء، فذكر ابن الأعرابي أن ذلك لا يجده .
3- وسمعت داود بن علي يقول: كان المريسي يقول: سبحان ربي الأسفل، وهذا جهل من قائله، ورد لنص كتاب الله إذ يقول: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} .
أبو عبد الله هذا من أئمة العربية واللغة المعروفين، وهو معاصر لابن أبي دؤاد وذويه.
[يحيى بن محمد بن صاعد (318هـ)]
247- وقال أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد الحافظ: "هذه الفضيلة في القعود على العرش (ق68/أ) لا ندفعها، ولا نماري فيها، ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم بشيء".
روى هذا الكلام عنه الآجري في كتاب "الشريعة" في باب ما خص الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من المقام المحمود، بعد حديث مجاهد هذا الذي تقدم .
وابن صاعد هذا من كبار حفاظ الحديث المشهورين، توفي سنة ثماني عشرة وثلاثمائة رحمه الله.
[أبو الحسن الأشعري (324هـ)]
248- 1- وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رحمه الله في كتابه الذي صنفه، في "اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين" ، بعد أن ذكر فيه فرق الروافض، والخوارج، والجهمية، وغيرهم -إلى أن قال-: "ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث، وجملة قولهم: الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبما جاء عن الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يردون من ذلك شيئاً". إلى أن قال: "وأن الله على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وأن له يدين بلا كيف، كما قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله، كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن لله علماً كما قال: { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} ، {وَمَا (ق68/ ب) تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} ، وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله، كما قال ربنا: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ } ".
إلى أن قال: "ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق، ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن الله ينـزل إلى سماء الدنيا فيقول: "هل من مستغفر" ، كما جاء الحديث، ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} ، وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء ، كما قال:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ".
وذكر أشياء كثيرة من أصول السنة -إلى أن قال-: "فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه، وأنه لا يجوز الاستواء بمعنى الاستيلاء. وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله" .
2- وذكر رحمه الله في هذا الكتاب في باب هل الباري عز وجل في مكان دون مكان أم لا في مكان؟ أم في كل مكان؟ قال: اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة :
منها قال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم ، ولا يشبه الأشياء، وأنه على العرش، كما قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ولا نتقدم بين يدي الله (ق69/أ) بالقول، بل نقول استوى بلا كيف، وأن الله له يدين كما قال {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وأنه ينـزل إلى سماء الدنيا كما جاء في الحديث .
وقال المعتزلة: استوى على العرش بمعنى: استولى.
وقالت المعتزلة: اليد بمعنى: النعمة، وقوله {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي بعلمنا .
3- وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب "جمل المقالات"، رأيته بخط [أبي] علي بن شاذان ، وقد كتبه في سنة نيف وسبعين وثلاثمائة، نحو هذا الكلام ومعناه في مقالة أصحاب الحديث تركته خوف الإطالة.
4- وقال رحمه الله في كتاب "الإبانة في أصول الديانة"، في باب الاستواء، إن قائلاً قال: ما تقولون في الاستواء؟ قيل نقول: إن الله مستو على العرش، كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، وقال {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ} ، وقال حكاية عن
فرعون{يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} ، كذَّب موسى في قوله إن الله في السموات.
وقال عز وجل {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ } فالسموات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السموات، وكل ما علا فهو سماء، يعني جميع السموات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السموات، ألا ترى أنه ذكر السموات فقال {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} ، ولم (ق69/ب) يرد أنه يملأهن جميعاً.
ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم -إذا دعوا- نحو السماء، لأن الله مستو على العرش الذي هو فوق السموات، فلولا أن الله على العرش، لم يرفعوا أيديهم نحو العرش، وقد قال قائلون من المعتزلة، والجهمية، والحرورية، ‎إن معنى استوى: استولى وملك وقهر، وأن الله في كل مكان وجحدوا أن يكون على العرش كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فلو كان كما قالوا، كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة، لأن الله قادر على كل شيء، فالأرض [شيء] ، فالله قادر عليها وعلى الحشوش، وكذا لو كان مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء، لجاز أن يقال: مستو على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: إن الله مستو على الحشوش والأخلية، فبطل أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء" .
وذكر أدلة من الكتاب، والسنة، والعقل، وغير ذلك.
5- ونقل الإمام أبو بكر بن فورك المقالة التي تقدمت عن أصحاب الحديث، عن الإمام أبي الحسن الأشعري، في كتاب "المقالات والخلاف بين الأشعري وأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب" تأليفه. فقال: "الفصل الأول؛ في ذكر ما حكى شيخنا أبو الحسن رحمه الله، في كتاب "المقالات" في جمل مذاهب أصحاب الحديث، وما أبان في آخره أنه يقول بجميع ذلك".ثم سرد ابن فورك المقالة بعينها. (ق70/أ)
ثم قال في آخرها: "فهذا تحقيق لك من ألفاظه، أنه معتقد لهذه الأصول، التي هي قواعد أصحاب الحديث وأساس توحيدهم" .
6- وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي : قرأت في كتاب أبي الحسن الأشعري، [الموسوم] "بالإبانة": "[أدلة] على إثبات الاستواء، قال في جملة ذلك: ومن دعاء أهل الإسلام إذا هم رغبوا إلى الله يقولون: يا ساكن العرش، ومن حلفهم: لا والذي احتجب بسبع سموات" .
قال الطرقي: و هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق سبع سموات ثم اختار العليا فسكنها" .
7- وقال أبو القاسم القشيري رحمه الله في شكاية أهل السنة: "وما نقموا من أبي الحسن الأشعري إلا أنه قال بإثبات القدر لله، وإثبات صفات الجلال، من قدرته، وعلمه، وحياته، وسمعه، وبصره، ووجهه، ويده، وأن القرآن كلامه غير مخلوق" .
رواه عنه الفراوي .
8- وروى عنه قال: سمعت أبا علي الدقاق ، يقول: سمعت زاهر ابن أحمد الفقيه ، يقول: مات الأشعري ورأسه في حجري وكان يقول شيئاً في حال نزعه "لعن الله المعتزلة [موهوا ومخرقوا] " .
9- وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تبيين كذب المفتري -تأليفه-: "فإذا كان أبو الحسن (ق70/ب) كما ذكر عنه من حسن الاعتقاد، مصوب المذهب عند أهل المعرفة والانتقاد، يوافقه أكثر ما يذهب إليه أكابر أكثر العباد، ولا يقدح في مذهبه غير أهل الجهل والعناد، فلابد أن يحكى عنه معتقده على وجهه بالأمانة، ليعلم حاله في صحة عقيدته في الديانة، فاسمع ما ذكره في كتاب الإبانة فإنه قال: "الحمد لله الواحد، العزيز، الماجد، المتفرد بالتوحيد، المتمجد بالتمجيد، الذي لا يبلغه صفات العبيد، وليس له مثل، ولا نديد، -وذكر أشياء- إلى أن قال بعد أن رد في الخطبة على المعتزلة والقدرية والجهمية والرافضة : "فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والقدرية، والجهمية، والحرورية، والرافضة ، والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون .
قيل له: قولنا الذي به نقول، وديانتنا التي بها ندين، التمسك بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة، والتابعين، وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل -نضَّر الله وجهه- قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل، والرئيس (ق71/أ) الكامل، الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وكبير [مفخَّم] ، وعلى جميع أئمة المسلمين.
وجملة قولنا: إنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئاً، وأن الله إله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة [حق] ، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله تعالى مستو على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وأن لله وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ] } ، وأن له يدين كما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وقال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، وأن له عينين بلا كيف كما قال: { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ، وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً ، وأن لله علماً كما قال: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} ".
إلى أن قال: "وندين بأن الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ".
إلى أن قال: "وندين بأنه يقلب القلوب، وأن القلوب بين أصبعين من أصابعه ، وأنه يضع السموات على أصبع، والأراضين على أصبع، كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
إلى أن قال: (ق71/ب) "ونصدق بجميع الرواية التي يثتبها أهل النقل من النـزول إلى السماء الدنيا، وأن الرب يقول "هل من سائل، هل من مستغفر" خلافا لما قال أهل الزيغ والتضليل، ونُعَّول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين ، وما كان في معناه، ونقول إن الله يجيء يوم القيامة ، كما قال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ً} ، وأنه يقرب من عباده كيف يشاء، كما قال:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وكما قال: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} .
ونرى مفارقة كل داعية لبدعة، ومجانبة أهل الأهواء ، وسنحتج لما ذكرناه من قولنا، وما بقي منه، [مما لم نذكره] باباً باباً، وشيئاً شيئاً" .
قال ابن عساكر : فتأملوا رحمكم الله هذا الاعتقاد ما أوضحه وأبينه، واعترفوا بفضل هذا الإمام الذي شرحه وبينه .
10- وقال الحافظ ابن عساكر: قال أبو الحسن في كتابه الذي سماه "العمد في الرؤية": "ألفنا كتاباً كبيراً في الصفات، تكلمنا فيه على أصناف المعتزلة والجهمية وفيه فنون كثيرة من الصفات في إثبات الوجه لله، واليدين، وفي استوائه على العرش" .
)ق72/أ) ولد الأشعري سنة ستين ومائتين ، ومات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، بالبصرة رحمه الله، وكان معتزلياً ثم تاب، ووافق أصحاب الحديث ‎في أشياء يخالفون فيها المعتزلة، ثم وافق أصحاب الحديث في أكثر ما يقولونه، وهو ما [ذكرناه] ، عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك، وأنه موافق لهم في جميع ذلك.
فله ثلاثة أحوال: حال كان معتزلياً، وحال كان سنياً في بعض دون البعض، وكان في غالب الأصول سنياً، وهو الذي علمناه من حاله، فرحمه الله وغفر له ولسائر المسلمين.
[ابن غانم المقدسي]
249- قال القاضي أبو أحمد العسال ( شعر ) من كلام ابن غانم المقدسي رحمه الله:
قل لمن يفهم عني ما أقولل أقصر القول فذا شرح يطول
ثَمَّ سر غامض من دونه ضربت والله أعناق الفحول
أنت لا تعرف إياك ولا تَدَّرِي من أنت ولا كيف الوصول
لا ولا تدري صفات رُكِّبت فيك حارت في خفاياها العقول
أين منك الروح في جوهرها هل تراها فترى كيف تجول؟
هذه الأنفاس هل تحصرها لا ولا تدْري متى عنك تزول
أين منك العقل والفهم إذا غلب النوم فقل لي يا جهول (ق72/ب)
أنت أكل الخبز ما تعرفه كيف يجري منك أو كيف تبول
فإذا كانت طواياك التي بين جنبيك كذا فيها ضلول
كيف تدري من على العرش استوى لا تقل كيف استوى كيف النـزول
كيف تحكي أم ترى كيف ترى ولعمري ليس ذا إلا فضول
هو لا أين ولا كيف له وهو رب الكيف والأين يحول
هو فوق الفوق لا فوق له وهو في كل النواحي لا يزول
جل ذاتاً وصفاتٍ وسما فتعالى قدره عما أقول
[أبو بكر بن أبي داود (316 هـ)]
250- أخبرنا الشيخ أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن رزقويه ، في يوم الاثنين، سلخ صفر، سنة سبع وأربعمائة، قرئ عليه في مسجده ببغداد وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد العسكري الصفار ، قال: أنشدنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني لنفسه رحمه الله في السنة: "شعر".
تمسك بحبل الله واتبع الهدى ولا تك بدعيا لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي أتت عن رسول الله تنجو وتربح
وقل: غير مخلوق كلام مليكنا بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً كما قال أتباع جهم وأسمجوا(ق73/أ)
ولا تقل القرآن خلق قراءة فإن كلام الله باللفظ يوضح
فقل يتجلى الله للخلق جهرةً كما البدر لا يخفى وربك أوضح
وليس بمولود وليس بوالد وليس له مثل تعالى المسبح
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا بمصداق ما قلنا حديث مصرح
رواه جرير عن مقال محمد فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح
وقد ينكر الجهمي أيضا يمينه وكلتا يديه بالفواضل تنفح
وقل: ينـزل الجبار في كل ليلة بلا كيف جل الواحد المتمدح
إلى طبق الدنيا يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح
يقول ألا مستغفر يلق غافراً ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح
روى ذاك قوم لا يرد حديثهم ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا
وقل إن خير الناس بعد محمد وزيراه قدماً ثم عثمان الأرجح
ورابعهم خير البرية بعدهم عليّ حليف الخير بالخير منجح
وإنهم للرهط لا ريب فيهم على نجب الفردوس في الخلد يسرح
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة وعامر فهر و الزبير الممدح
وقل خير قول في الصحابة كلهم ولا تك طعاناً تعيب وتجرح
فقد نطق الوحي المبين بفضلهم وفي الفتح آي للصحابة تمدَحُ (ق73/ب)
وبالقدر المقدور أيقن فإنه دعامة عقد الدين والدين أفيح
ولا تنكرن جهلا نكيراً ومنكراً ولا الحوض والميزان إنك تنصح
وقل يخرج الله العظيم بفضله من النار أجساداً من الفحم تطرح
على النهر في الفردوس تحيا بمائه كحبة حمل السيل إذ جاء يطفح
وأن رسول الله للخلق شافع وقل في عذاب القبر قول موضح
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا فكلهم يعصي وذو العرش يصفح
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه مقال لمن يهواه يردي ويفضح
ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح
وقل إنما الإيمان قول ونية وفعل على قول الرسول مصرح
وينقص طوراً بالمعاصي وتارة بطاعته ينمو وفي الوزن يرجح
ودع عنك أراء الرجال وقولهم فقول رسول الله أزكى وأشرح
ولا تك من قوم تَلَهَّوْا بدينهم فتطعن في أهل الحديث وتقدح
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه فأنت على خير تبيت وتصبح

قال الإمام أبو بكر بن [أبي] داود رحمه الله: "هذا قولي وقول أبي وقول أحمد بن حنبل، وقول من أدركنا من أهل العلم، وقول من لم ندرك ممن بلغنا عنه، فمن قال غير هذا فقد كذب. آخرها والحمد لله (ق74/أ) أولا وآخراً، وباطناً وظاهراً ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي المصطفى، وأصحابه الأزكياء الأتقياء، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل" .
[أبو أحمد العسال (349هـ)]
251- وقال القاضي أبو أحمد العسال الحافظ الأصبهاني ، في كتاب "المعرفة" -تأليفه- في الصفات، في تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فنقل ما فيه من أقوال الأئمة مثل قول ربيعة ، ومالك ، والضحاك ، وأبي عيسى يحيى بن رافع ، وعبد الله بن المبارك ، وكعب الأحبار .
وحديث ابن مسعود الذي فيه "ما بين الكرسي إلى الماء خمسمائة عام والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم".
وإسناده صحيح ، وقد تقدم جميع ذلك عنهم على طبقاتهم.
وهذا الكتاب "كتاب المعرفة" من أجل كتاب صنف في صفات الرب عز وجل، إذا نظر فيه البصير بهذا الشأن ، علم منـزلة مصنفه، وجلالته رحمه الله، وقد توفي سنة نيف وأربعين وثلاثمائة، وطاف البلاد، وسمع الكثير من مثل أبي مسلم الكجي ، ومحمد بن أيوب الرازي ، و ابن أبي عاصم .

[أبو بكر الآجري (360هـ)]
252- وقال الإمام أبو بكر الآجري الحافظ، في كتاب الشريعة له: "باب في التحذير من مذهب الحلولية" الذي يذهب إليه أهل (ق74/ب) العلم، أن الله عز وجل على عرشه، فوق سمواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط [علمه] بجميع ما خلق في السموات العلى، وبجميع ما في سبع أراضين، يرفع إليه أعمال العباد.
فإن قال قائل: إيش يكون معنى قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية التي [احتجوا] بها؟. قيل له: علمه، والله عز وجل على عرشه، وعلمه محيط بهم، كذا فسره أهل العلم، والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم، وهو على عرشه، فهذا قول المسلمين .
حدثنا ابن مخلد ، [حدثنا أبو داود] ، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا [سُرَيْج] بن النعمان ، حدثنا عبد الله بن نافع قال: قال مالك : الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان.
ثم ذكر بأسانيده قطعة من أحاديث العلو .
توفي سنة نيف وخمسين وثلاثمائة، وبقي مجاورا بمكة مدة [سنين] ، وكان كبير الشأن، فقيهاً، مفتياً، عالماً باختلاف العلماء، خبيراً بالأحاديث وطرقها، مكثراً من الرواية، سمع أبا مسلم الكجي ، وابن [زنجويه] القطان ، وأبا شعيب الحراني ، وجعفر الفريابي فأكثر عنه.
وله التصانيف الحسنة منها: "كتاب الشريعة"، و"كتاب الغرباء"، و"كتاب النصيحة"، و"كتاب [أخلاق] العلماء"، وكتاب "زكاة الفطر"، وكتاب "الرسالة إلى أهل بغداد (ق75/أ) في الربا"، وكتاب "تحريم إتيان النساء في أعجازهن"، وكتاب "المعزي والمعزى"، وكتاب "النصيحة في الفقه" وكتاب "الفتن"، وكتاب "الطب"، وكتاب "عقوبات الذنوب"، وكتاب "الشبهات" ، وكتاب "إثبات رؤية الله عز وجل"، وكتاب "غض الطرف"، وكتاب "دخول الحمام"، وكتاب "تأديب الزوجات".
وانتشرت تصانيفه في بلاد المغرب، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان، وأصبهان، لأنه كان يسمع منه كل من حج من سائر الأقطار من أهل العلم.
[الإمام أبو بكر الإسماعيلي (371هـ)]
253- وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي : اعتقاد أهل السنة الذي أخبرناه إسماعيل بن الفراء ، أنبأنا أبو محمد بن قدامة ، أنبأنا أبو العباس مسعود بن عبد الواحد الهاشمي ، أنبأنا صاعد بن [سيار] الحافظ، أنبأنا علي بن محمد الجرجاني ، أنبأنا حمزة بن يوسف السهمي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي رحمه الله قال: "اعلموا رحمنا الله وإياكم ، أن مذاهب أهل السنة ومذاهب أهل الحديث والجماعة، الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله، وما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا معدل عما وردا به ، ويعتقدون أن الله مدعو بأسمائه الحسنى (ق75/ب)، وموصوف بصفاته التي وصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه، خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان بلا اعتقاد كيف، استوى على العرش بلا كيف، فإنه انتهى إلى أنه استوى على العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه" .
وسرد الاعتقاد الذي قال إنه مذهب أهل السنة جميعه.
وأبو بكر الإسماعيلي من كبار الأئمة الأعلام، ذكره أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الشافعية فقال: "مات سنة نيف وسبعين وثلاثمائة، وجمع بين الفقه والحديث ورئاسة الدين والدنيا، وصنف الصحيح وأخذ عنه فقهاء جرجان".
حدثنا بذلك عمر بن القوّاس عن أبي اليمن الكندي ، أنبأنا أبو الحسن بن عبد السلام ، أنبأنا أبو إسحاق فذكره ، وقال حمزة بن يوسف السهمي في تاريخ جرجان: توفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وله أربع وتسعون .
وسمعت الدارقطني يقول: كنت قد عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الإسماعيلي، فلم أرزق .
وذكره الحافظ ابن عساكر في طبقات أصحاب الأشعري، في كتاب "تبين كذب المفتري فيما نسبه إلى الأشعري" .
[الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني (369هـ)]
254- وقال الحافظ أبو محمد بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني -[شيخ الحافظ أبي نعيم]- في كتاب "العظمة" له : "ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه وعظم (ق76/أ) خلقهما، وعلو الرب فوق عرشه ".
ثم أسند قطعة من الأحاديث في الدليل على ذلك ، وقد تقدمت.
توفي أبو الشيخ في حدود سنة ثمان أو تسع وستين وثلاثمائة، وكان محدثاً حافظاً، مسنداً مكثراً، فقيهاً عالماً بالأبواب، من طبقة الطبراني ، والعسال ، سمع أبا بكر بن أبي عاصم ، ومحمد بن يحيى المروزي ، والوليد بن أبان ، وأبا عمر القتات -صاحب أبي نعيم- وطبقتهم، وألف كتباً مفيدة منها كتاب "السنة"، ومنها كتاب "العظمة"، ومنها كتاب "التوبيخ"، ومنها كتاب "درر الأثر".
[الحافظ أبو القاسم الطبراني (360هـ)]
255- وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب نزيل أصبهان، في كتاب "السنة" له : "باب ما جاء في استواء الله تعالى على عرشه، [وأنه] بائن من خلقه".
ثم روى حديث [أبي] رزين "قلت: يا رسول الله أين كا ربنا؟" . وحديث عبد الله بن خليفة عن عمر . وحديث الأوعال وأن العرش على ظهورهن والله فوقه . وغير ذلك، إلى أن قال: حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر ، حدثنا
عمران بن ميسرة ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} ، قال: "يجلسه معه على العرش" .
وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وأنه ثابت عن مجاهد (ق76/ب) أحد أعيان التابعين.
وأبو القاسم الطبراني هو الإمام المشهور ألف المعجم الصغير عن ألف شيخ له، والمعجم الأوسط تتبع [فيه] الغرائب ، وأتى فيه بأحاديث وبما لم يسبقه إليه الحفاظ ، والمعجم الكبير وهو نحو ستين ألف حديث، وألف كتباً كثيرة في السنن والآداب نحو مائتي مصنف، وعاش مائة سنة، وكان موته سنة ستين وثلاثمائة، حتى سمع منه المحدثون ، ثم أولادهم، ثم أولاد أولادهم، وسمع منه بعض شيوخه، فمنهم أبو خليفة الفضل بن الحباب ، الذي مات سنة خمس وثلاثمائة بالبصرة، وأبو بكر ابن [ريذة] ، ومات سنة أربعين وأربعمائة وهو آخر من روى عنه رحمه الله.
[أبو الحسن علي بن مهدي الطبري]
256- وقول الإمام أبو الحسن علي بن مهدي الطبري المتكلم -صاحب أبي الحسن الأشعري- في كتاب "مشكل الآيات" تأليفه في باب قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : "اعلم أن الله سبحانه في السماء، فوق كل شيء، مستو على عرشه، بمعنى أنه عالٍ عليه، ومعنى الاستواء: الاعتلاء، كما تقول العرب: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح، بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي، واستوى الطير على قمة رأسي، بمعنى علا في الجو، فوجد فوق رأسي، فالقديم جل جلاله عالٍ على عرشه.
قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ، وقوله { يَا عِيسَى إِنِّي (ق77/أ) مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} ، وقوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، وقوله {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} .
وزعم [البلخي] أن استواء الله على العرش هو الاستيلاء عليه، مأخوذ من كلام العرب "ثم استوى بشر على العراق" ، أي: استولى عليها، وقال: إن العرش يكون الملك.
فيقال له: ما أنكرت أن يكون عرش الله جسماً خلقه، وأمر ملائكته بحمله، قال {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ} وأمية يقول:
مجدوا الله فهو للمجد أهل *** ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق النا *** س وسوى فوق السماء سريرا
ومما يدل على أن الاستواء ها هنا ليس بالاستيلاء، أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مستول على العرش، وعلى سائر خلقه، وليس للعرش مزية على ما وصفته، فبان بذلك فساد قوله.
ثم يقال له أيضاً: إن الاستواء ليس هو الاستيلاء الذي من قول العرب: استوى فلان على كذا، أي استولى إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكناً لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء.
ثم قال: حدثنا أبو عبد الله نفطويه ، حدثنا أبو سليمان ، قال: كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل، فقال: ما معنى قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (ق77/ب). فذكر القصة التي تقدمت .
ثم قال: فإن قيل فما تقولون في قوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ؟ [قيل] : معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ} بمعنى على الأرض، وقال: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ، وكذلك قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}.
فإن قيل: فما تقولون في قوله {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ} ؟ قيل له: إن بعض القراء يجعل الوقف {فِي السَّمَاوَاتِ}، ثم يبتدئ {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ}، وكيف ما كان، فلو أن قائلاً قال: فلان بالشام والعراق ملك، لدل على أن [ملكه] بالشام والعراق [لا أن] ذاته فيهما.
فإن قيل: فما تقول في قوله تعالى {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية؟
قيل له: كون الشيء مع الشيء على وجوه، منها بالنصرة، ومنها بالصحبة، ومنها بالمماسة، ومنها بالعلم، فمعنى هذا عندنا أنه تعالى مع كل الخلق بالعلم.
قال البلخي : فإن قيل لنا: ما معنى رفع أيدينا إلى السماء؟ وقوله:{وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ؟
قلنا: تأويل ذلك أن أرزاق العباد لما كانت تأتي من السماء، جاز أن نرفع أيدينا إلى السماء عند الدعاء، وجاز أن يقال أعمالنا ترفع إلى الله، لما (ق78/أ) كانت حفظة الأعمال إنما مساكنهم في السماء.
قيل له: إن كانت العلة في رفع أيدينا إلى السماء أن الأرزاق فيها، وأن الحفظة مساكنهم فيها ، جاز أن نخفض أيدينا في الدعاء نحو الأرض، من أجل أن الله يحدث فيها النبات، والأقوات، والمعايش، وأنها قرارهم، ومنها خلقوا، ولأن الملائكة معهم في الأرض.
فلم تكن العلة في رفع أيدينا إلى السماء ما وصفه، وإنما أمرنا الله تعالى أن نرفع أيدينا قاصدين إليه رفعها نحو العرش الذي هو مستو عليه" .
أبو الحسن الطبري إمام جليل، صحب الأشعري، وأخذ عنه علم الكلام، وصنف تصانيف جليلة عديدة، تدل علىعلم واسع، ذكره ابن عساكر في طبقات أبي الحسن في "تبيين كذب المفتري"، وأثنى عليه، ولا أعلم أي وقت توفي .
[أبو بكر بن إبراهيم بن شاذان (383هـ)]
257- وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، حدثني من أثق به وسمع ذلك معي ولدي أبو علي ، قال: كنا نغسل ميتاً وهو على سريره، فكشفنا عنه الثوب، فسمعناه يقول: [هو على عرشه وحده، هو على عرشه وحده] . فتفرقنا من عظم ما سمعنا، ثم رجعنا فغسلناه رحمه الله (ق78/ب).
أخرج هذه الحكاية الشيخ موفق الدين المقدسي في كتاب "صفة العلو" له .
توفي أبو بكر بن شاذان بعد الثمانين، سمع البغوي وذويه، توفي ابنه سنة ست وعشرين وأربعمائة، وكان من المتكلمين ممن هو على طريقة الأشعري، وكان مكثراً من الحديث.
[الإمام أبو الحسن الدارقطني (385هـ)]
258- أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن أبي القاسم بن بوش ، أنبأنا
أبو العز بن كادش ، أنشدنا أبو طالب العشاري ، أنشدنا الإمام أبو الحسن الدارقطني رحمه الله.
حديث الشفاعة في أحمد إلى أحمد المصطفي نسنده
فأما الحديث بإقعاده على العرش أيضاً فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعد ولا تجحدوا أنه يقعده
شهرة الدارقطني تغني عن التعريف، ألف كتاب السنن فانتفع به الموافق والمخالف، كان من نظراء البخاري وذويه في الإتقان، وإن تأخر في الزمان، توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وله ثمانون سنة.
سمع البغوي ، وابن صاعد (ق79/أ)، وابن أبي داود ، والخلائق بعدهم، وطاف البلاد، وحَصَّل ما لم يُحَصِّل غيره، وله جزء في الصفات ، وكتاب "الرؤية" ، وكتاب "الأفراد" ، وكتاب في "القراءات" ، مبوباً ولم يبوب أحد قبله الأبواب في القراءات ، وله كتب كثيرة لا يحضرني الآن ذكرها.
[الإمام أبو عبد الله بن بطة العكبري (387هـ)]
259- وقال الإمام الزاهد أبو عبد الله بن بطة العكبري، في "كتاب الإبانة" تأليفه: "باب الإيمان بأن الله على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه محيط بخلقه". أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، أن الله على عرشه، فوق سمواته، بائن من خلقه .
فأما قوله {وَهُوَ مَعَكُم} ، فهو كما قالت العلماء: علمه.
وأما قوله {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} معناه: أنه هو الله في السموات، وهو الله في الأرض ، وتصديقه في كتاب الله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} .
واحتج الجهمي بقوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} ، فقال: إن الله معنا وفينا، وقد فسر العلماء أن ذلك علمه، ثم قال في آخرها {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
فلو كان إنما عَلِمَ ذلك بالمشاهدة، لم يكن له فضل على الخلائق، وبطل فضل علمه بعلم الغيب .
ثم ذكر رحمه الله قول من قال: إنه علمه، فذكر ما تقدم عن نعيم بن حماد ، (ق79 /ب) والضحاك بن مزاحم ، وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، بأسانيده إليهم.
ابن بطة من كبار الأئمة و الزهاد والحفاظ، ألف كتاب الإبانة المذكور -أربع مجلدات- ، أتى فيه بمذاهب أهل السنة، التي يخالفون فيها المبتدعة من الجهمية، والحرورية، والقدرية، والرافضة، والمرجئة، والمعتزلة، دل على علم واسع، وكثرة من الحديث والآثار، توفي بعد الثمانين وثلاثمائة، سمع البغوي وذويه.
[الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده (395هـ)]
260- وقال الإمام أبو عبد الله مح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
المديـر
 
 
المديـر


الرتبة
عدد المساهمات : 994
تاريخ التسجيل : 06/01/2010
العمر : 34

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: تابع 12   كتاب العرش1 Emptyالسبت 6 مارس 2010 - 23:03

[الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني (369هـ)]
254- وقال الحافظ أبو محمد بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني -[شيخ الحافظ أبي نعيم]- في كتاب "العظمة" له : "ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه وعظم (ق76/أ) خلقهما، وعلو الرب فوق عرشه ".
ثم أسند قطعة من الأحاديث في الدليل على ذلك ، وقد تقدمت.
توفي أبو الشيخ في حدود سنة ثمان أو تسع وستين وثلاثمائة، وكان محدثاً حافظاً، مسنداً مكثراً، فقيهاً عالماً بالأبواب، من طبقة الطبراني ، والعسال ، سمع أبا بكر بن أبي عاصم ، ومحمد بن يحيى المروزي ، والوليد بن أبان ، وأبا عمر القتات -صاحب أبي نعيم- وطبقتهم، وألف كتباً مفيدة منها كتاب "السنة"، ومنها كتاب "العظمة"، ومنها كتاب "التوبيخ"، ومنها كتاب "درر الأثر".
[الحافظ أبو القاسم الطبراني (360هـ)]
255- وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب نزيل أصبهان، في كتاب "السنة" له : "باب ما جاء في استواء الله تعالى على عرشه، [وأنه] بائن من خلقه".
ثم روى حديث [أبي] رزين "قلت: يا رسول الله أين كا ربنا؟" . وحديث عبد الله بن خليفة عن عمر . وحديث الأوعال وأن العرش على ظهورهن والله فوقه . وغير ذلك، إلى أن قال: حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر ، حدثنا
عمران بن ميسرة ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} ، قال: "يجلسه معه على العرش" .
وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وأنه ثابت عن مجاهد (ق76/ب) أحد أعيان التابعين.
وأبو القاسم الطبراني هو الإمام المشهور ألف المعجم الصغير عن ألف شيخ له، والمعجم الأوسط تتبع [فيه] الغرائب ، وأتى فيه بأحاديث وبما لم يسبقه إليه الحفاظ ، والمعجم الكبير وهو نحو ستين ألف حديث، وألف كتباً كثيرة في السنن والآداب نحو مائتي مصنف، وعاش مائة سنة، وكان موته سنة ستين وثلاثمائة، حتى سمع منه المحدثون ، ثم أولادهم، ثم أولاد أولادهم، وسمع منه بعض شيوخه، فمنهم أبو خليفة الفضل بن الحباب ، الذي مات سنة خمس وثلاثمائة بالبصرة، وأبو بكر ابن [ريذة] ، ومات سنة أربعين وأربعمائة وهو آخر من روى عنه رحمه الله.
[أبو الحسن علي بن مهدي الطبري]
256- وقول الإمام أبو الحسن علي بن مهدي الطبري المتكلم -صاحب أبي الحسن الأشعري- في كتاب "مشكل الآيات" تأليفه في باب قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : "اعلم أن الله سبحانه في السماء، فوق كل شيء، مستو على عرشه، بمعنى أنه عالٍ عليه، ومعنى الاستواء: الاعتلاء، كما تقول العرب: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح، بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي، واستوى الطير على قمة رأسي، بمعنى علا في الجو، فوجد فوق رأسي، فالقديم جل جلاله عالٍ على عرشه.
قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ، وقوله { يَا عِيسَى إِنِّي (ق77/أ) مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} ، وقوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، وقوله {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} .
وزعم [البلخي] أن استواء الله على العرش هو الاستيلاء عليه، مأخوذ من كلام العرب "ثم استوى بشر على العراق" ، أي: استولى عليها، وقال: إن العرش يكون الملك.
فيقال له: ما أنكرت أن يكون عرش الله جسماً خلقه، وأمر ملائكته بحمله، قال {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ} وأمية يقول:
مجدوا الله فهو للمجد أهل *** ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق النا *** س وسوى فوق السماء سريرا
ومما يدل على أن الاستواء ها هنا ليس بالاستيلاء، أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مستول على العرش، وعلى سائر خلقه، وليس للعرش مزية على ما وصفته، فبان بذلك فساد قوله.
ثم يقال له أيضاً: إن الاستواء ليس هو الاستيلاء الذي من قول العرب: استوى فلان على كذا، أي استولى إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكناً لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء.
ثم قال: حدثنا أبو عبد الله نفطويه ، حدثنا أبو سليمان ، قال: كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل، فقال: ما معنى قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (ق77/ب). فذكر القصة التي تقدمت .
ثم قال: فإن قيل فما تقولون في قوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ؟ [قيل] : معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ} بمعنى على الأرض، وقال: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ، وكذلك قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}.
فإن قيل: فما تقولون في قوله {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ} ؟ قيل له: إن بعض القراء يجعل الوقف {فِي السَّمَاوَاتِ}، ثم يبتدئ {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ}، وكيف ما كان، فلو أن قائلاً قال: فلان بالشام والعراق ملك، لدل على أن [ملكه] بالشام والعراق [لا أن] ذاته فيهما.
فإن قيل: فما تقول في قوله تعالى {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية؟
قيل له: كون الشيء مع الشيء على وجوه، منها بالنصرة، ومنها بالصحبة، ومنها بالمماسة، ومنها بالعلم، فمعنى هذا عندنا أنه تعالى مع كل الخلق بالعلم.
قال البلخي : فإن قيل لنا: ما معنى رفع أيدينا إلى السماء؟ وقوله:{وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ؟
قلنا: تأويل ذلك أن أرزاق العباد لما كانت تأتي من السماء، جاز أن نرفع أيدينا إلى السماء عند الدعاء، وجاز أن يقال أعمالنا ترفع إلى الله، لما (ق78/أ) كانت حفظة الأعمال إنما مساكنهم في السماء.
قيل له: إن كانت العلة في رفع أيدينا إلى السماء أن الأرزاق فيها، وأن الحفظة مساكنهم فيها ، جاز أن نخفض أيدينا في الدعاء نحو الأرض، من أجل أن الله يحدث فيها النبات، والأقوات، والمعايش، وأنها قرارهم، ومنها خلقوا، ولأن الملائكة معهم في الأرض.
فلم تكن العلة في رفع أيدينا إلى السماء ما وصفه، وإنما أمرنا الله تعالى أن نرفع أيدينا قاصدين إليه رفعها نحو العرش الذي هو مستو عليه" .
أبو الحسن الطبري إمام جليل، صحب الأشعري، وأخذ عنه علم الكلام، وصنف تصانيف جليلة عديدة، تدل علىعلم واسع، ذكره ابن عساكر في طبقات أبي الحسن في "تبيين كذب المفتري"، وأثنى عليه، ولا أعلم أي وقت توفي .
[أبو بكر بن إبراهيم بن شاذان (383هـ)]
257- وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، حدثني من أثق به وسمع ذلك معي ولدي أبو علي ، قال: كنا نغسل ميتاً وهو على سريره، فكشفنا عنه الثوب، فسمعناه يقول: [هو على عرشه وحده، هو على عرشه وحده] . فتفرقنا من عظم ما سمعنا، ثم رجعنا فغسلناه رحمه الله (ق78/ب).
أخرج هذه الحكاية الشيخ موفق الدين المقدسي في كتاب "صفة العلو" له .
توفي أبو بكر بن شاذان بعد الثمانين، سمع البغوي وذويه، توفي ابنه سنة ست وعشرين وأربعمائة، وكان من المتكلمين ممن هو على طريقة الأشعري، وكان مكثراً من الحديث.
[الإمام أبو الحسن الدارقطني (385هـ)]
258- أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن أبي القاسم بن بوش ، أنبأنا
أبو العز بن كادش ، أنشدنا أبو طالب العشاري ، أنشدنا الإمام أبو الحسن الدارقطني رحمه الله.
حديث الشفاعة في أحمد إلى أحمد المصطفي نسنده
فأما الحديث بإقعاده على العرش أيضاً فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعد ولا تجحدوا أنه يقعده
شهرة الدارقطني تغني عن التعريف، ألف كتاب السنن فانتفع به الموافق والمخالف، كان من نظراء البخاري وذويه في الإتقان، وإن تأخر في الزمان، توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وله ثمانون سنة.
سمع البغوي ، وابن صاعد (ق79/أ)، وابن أبي داود ، والخلائق بعدهم، وطاف البلاد، وحَصَّل ما لم يُحَصِّل غيره، وله جزء في الصفات ، وكتاب "الرؤية" ، وكتاب "الأفراد" ، وكتاب في "القراءات" ، مبوباً ولم يبوب أحد قبله الأبواب في القراءات ، وله كتب كثيرة لا يحضرني الآن ذكرها.
[الإمام أبو عبد الله بن بطة العكبري (387هـ)]
259- وقال الإمام الزاهد أبو عبد الله بن بطة العكبري، في "كتاب الإبانة" تأليفه: "باب الإيمان بأن الله على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه محيط بخلقه". أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، أن الله على عرشه، فوق سمواته، بائن من خلقه .
فأما قوله {وَهُوَ مَعَكُم} ، فهو كما قالت العلماء: علمه.
وأما قوله {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} معناه: أنه هو الله في السموات، وهو الله في الأرض ، وتصديقه في كتاب الله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} .
واحتج الجهمي بقوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} ، فقال: إن الله معنا وفينا، وقد فسر العلماء أن ذلك علمه، ثم قال في آخرها {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
فلو كان إنما عَلِمَ ذلك بالمشاهدة، لم يكن له فضل على الخلائق، وبطل فضل علمه بعلم الغيب .
ثم ذكر رحمه الله قول من قال: إنه علمه، فذكر ما تقدم عن نعيم بن حماد ، (ق79 /ب) والضحاك بن مزاحم ، وسفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، بأسانيده إليهم.
ابن بطة من كبار الأئمة و الزهاد والحفاظ، ألف كتاب الإبانة المذكور -أربع مجلدات- ، أتى فيه بمذاهب أهل السنة، التي يخالفون فيها المبتدعة من الجهمية، والحرورية، والقدرية، والرافضة، والمرجئة، والمعتزلة، دل على علم واسع، وكثرة من الحديث والآثار، توفي بعد الثمانين وثلاثمائة، سمع البغوي وذويه.
[الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده (395هـ)]
260- وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ ، في "كتاب الصفات" له بعد أن قال: روى أبو نعيم ، [عن] حماد، عن جرير بن عبد الحميد ، عن ليث ، عن بشر ، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله أن ينـزل عن عرشه نزل بذاته" .
قال رحمه الله: "فهو عز وجل موصوف غير مجهول، وهو موجود غير مدرك، ومرئي غير محاط به لقربه كأنك تراه، غير ملاصق، وبعيد غير منقطع، يسمع، ويرى، وهو بالمنظر الأعلى، وعلى العرش استوى، فالقلوب تعرفه، والعقول لا تكيفه، وهو بكل شيء محيط".
قلت: والحديث المذكور ، عن بشر، عن أنس لا يثبت .
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني (ق80/أ) جبريل بمثل المرآة، فقلت ما هذه؟ قال: الجمعة، وهو يوم المزيد، إن ربك اتخذ في الجنة وادياً أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة نزل عن كرسيه".
وذكر الحديث بطوله، وقد تقدم .
قلت: هذا حديث محفوظ عن أنس رضي الله عنه من غير وجه.
أخرجه الإمام عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية" ، عن عبد الأعلى [النرسي] ، عن عمر بن يونس ، وأبو بكر النجاد في أماليه، عن الحسن بن مكرم ، عن عمر بن يونس
ووقع لنا بعلو، عن جهضم [بن] عبد الله ، حدثني أبو
طيبة ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس .
وأخرجه الحافظ أبو أحمد العسال، عن محمد بن العباس بن أبي أيوب ، عن محمد بن المثنى ، عن عمر بن يونس وهو ابن القاسم الحنفي به.
وعن موسى بن إسحاق الأنصاري ، عن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير، عن ليث، عن عثمان بن أبي حميد -وهو ابن عمير- عن أنس.
ورواه عن العباس بن علي النسائي ، حدثنا الحسين بن نصر ، حدثنا سلام بن [سليمان] المدائني ، حدثنا شعبة ، وورقاء ، وإسرائيل ، وجرير ، عن ليث ، عن عثمان بن عمير، عن أنس .
ورواه أيضاً عن محمد بن العباس (ق80/ب) بن أيوب، عن ابن المثنى ، حدثنا يعمر بن بشر ، أخبرني الفضل بن موسى السيناني ، حدثنا محمد
ابن أبي مريم ، عن عثمان بن أبي [حميد] ، عن أنس.
وهذه الطرق كلها في كتاب "المعرفة في صفات الله تعالى"، له.
وأخرجه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في كتاب "الرؤية" له، من رواية شجاع بن الوليد ، عن زياد بن خيثمة ، عن عثمان بن أبي سليم ، عن أنس .
ومن رواية حمزة بن واصل ، عن قتادة ، عن أنس .
ومن رواية عنبسة الرازي ، عن عثمان بن عمير، عن أنس .
وأخرجه الحافظ بن مندة المذكور، من رواية البخاري، حدثنا ليث ابن أبي سليم، عن عثمان بن عمير عن أنس .
ومن رواية أبي يوسف -صاحب أبي حنيفة-، [عن صالح] بن حيان، عن [عبد الله] بن بريدة، عن أنس .
ومن رواية الوليد بن مسلم عن ابن ثوبان ، عن سالم بن عبد الله ، عن أنس .
ومن رواية الصعق بن حزن ، حدثنا علي بن الحكم ، عن عبد الملك بن عمير عن أنس .
ورواه الدارقطني من رواية محمد بن شعيب بن [شابور] ، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة ، عن أنس .
وهذا الحديث يحسنه الترمذي، وغيره، لكثرة طرقه .
وأما ابن منده، فهو حافظ زمانه، طاف البلاد، وسمع بأصبهان، والشام، (ق81/أ) والعراق، ومصر، والثغور، والحجاز، وجمع ما لم يجمع غيره، وشيوخه نحو ألف وسبعمائة شيخ، كتب عن خيثمة الأطرابلسي ألف جزء، وعن الأصم ألف جزء، وعن ابن الأعربي ألف جزء ، وعن إسماعيل الصفار أو ابن البختري -أشك- ألف جزء وعن الهيثم بن [كليب] بشاش ألف جزء، ومات بأصبهان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وألف كتاب "معرفة الصحابة وكتاب التوحيد" ، وكتاب "الكنى" ، وكتاب "الصفات"، وأشياء كثيرة، رحمه الله ورضي عنه.
[أبو بكر الباقلاني (403هـ)]
261- وقال أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني الذي ليس في متكلمي الأشاعرة أفضل منه، لا قبله ولا بعده في كتاب
"الإبانة" -تأليفه-: "فإن قيل فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً؟
قيل له: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ، وقوله {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، فأثبت لنفسه وجهاً ويداً.
فإن قيل: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة، إذا كنتم لا تعقلون وجهاً ويداً إلا جارحة؟
قلنا: لا يجب هذا، كما لا يجب [إذا لم نعقل] حياً، عالماً، قادراً إلا جسماً، أن نقضي نحن وأنتم على الله سبحانه وتعالى؛ وكما لا يجب في كل شيء كان قائماً بذاته، أن يكون جوهراً، لأنا وإياكم لم نجده قائماً بنفسه في شاهدنا إلا كذلك. وكذلك الجواب لهم إن قالوا فيجب أن (ق81/ب) يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفات ذاته عرضاً ، واعتلوا بالوجود.
فإن قيل: هل تقولون إنه في كل مكان؟
قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، وقال: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ، ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان، وفمه، والحشوش، ولوجب أن يزيد بزيادة الأماكن، إذا خلق منها ما لم يكن، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا ، وإلى يميننا، وشمالنا ، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله.
ثم قال بعد ذلك: وصفات ذاته لم تزل ولا يزال موصوفاً بها، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، والوجه، واليدان، والعينان، والغضب، والرضا .
وقال رحمه الله في كتاب "التمهيد" مثل هذا القول وأكثر.
وشهرته تغني عن التعريف به، وهو بصري سكن بغداد، وسمع بها من القطيعي ، وابن ماسي ، وكان أعرف الناس بالكلام، وله التصانيف الكثيرة في الرد على المخالفين، من الرافضة، والمعتزلة، والجهمية، وغيرهم. قاله الخطيب.
توفي سنة (ق82/أ) ثلاث وأربعمائة، كما أن أبا العباس بن سريج عُدَّ على رأس الثلاثمائة، والشافعي على رأس المائتين، وعمر بن عبد العزيز على رأس المائة رحمة الله عليهم . [هذا تكرار]
[أبو بكر بن فورك (410هـ)]
263- وقال الإمام أبو بكر بن فورك ، المتكلم، فيما حكاه عنه البيهقي في "الصفات" له، أنه قال: "استوى بمعنى علا، وقال في قوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} أي: فوق السماء .
ثم احتج البيهقي كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة "لقد حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات" ، [وقول] ابن عباس الذي تقدم "أن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك" . على رأس الثلاثمائة، والشافعي على رأس المائتين، وعمر بن عبد العزيز على رأس المائة رحمة الله عليهم .
[أبو بكر بن فورك (410هـ)]
وقال الإمام أبو بكر بن فورك ، المتكلم، فيما حكاه عنه البيهقي في "الصفات" له، أنه قال: "استوى بمعنى علا، وقال في قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} أي: فوق السماء .
ثم احتج البيهقي كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة "لقد حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات" ، [وقول] ابن عباس الذي تقدم "أن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك" .
وأما الأستاذ ابن فورك فإنه أفضل المتكلمين بعد القاضي أبي بكر، ألف في أصول الدين، والفقه، ومعاني القرآن قريباً من مائة مصنف.
[ابن أبي زيد القيرواني (386هـ)]
264- 1- وقال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المالكي المغربي في رسالته في مذهب مالك ، أولها: "وأنه فوق عرشه المجيد بذاته ، وأنه في كل مكان بعلمه" .
وقد تقدم هذا القول، عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، إمام أهل الكوفة في وقته ومحدثها .
2- وممن قال إن الله على عرشه بذاته، يحيى بن عمار ، شيخ أبي إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام، قال ذلك في رسالته .
3- وكذلك الإمام أبو (ق82/ب) نصر السجزي الحافظ، في كتاب "الإبانة" له، فإنه قال: "وأئمتنا الثوري، ومالك، وابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن المبارك، وفضيل بن عياض ، وأحمد، وإسحاق ، متفقون على أن الله فوق عرشه بذاته، وأن علمه بكل مكان" .
4- وكذلك قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، فإنه قال: "في أخبار شتى إن الله في السماء السابعة، على العرش بنفسه" .
5- وكذلك قال [صاحبه] الكرجي في عقيدة أصحاب الحديث، فإنه قال فيها: [تُطبع في ملف الجداول]
عقائدهم أن الإله بذاته

على عرشه مَعْ علمه بالغوائب
وموجود بها الآن نسخ من بعضها نسخة بخط الشيخ تقي الدين ابن الصلاح ، على أولها مكتوب: هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث، بخطه رحمه الله.
6- وكذلك قال الحافظ أحمد الطرقي ، وشيخ الإسلام المتفق على هدايته وتواتر كرامته الشيخ عبد القادر الجيلي ، وعبد العزيز ا[بن] محمد القحيطي ، وغيرهم. كما سيأتي إن شاء الله.
وأما ابن أبي زيد، فإنه من كبار الأئمة [بالمغرب] ، وشهرته تغني عن ذكر فضله، وكان يلقب مالكاً الصغير ، واجتمع [فيه] العقل والدين والورع والعلم، وكان نهاية في علم الأصول.
ذكره ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" فيما نسبه إلى الأشعري، ولم يذكر له وفاة، ثم وجدته قد توفي سنة ست وثمانين وثلاثمائة بالقيروان.
[الإمام أبو القاسم هبة الله اللالكائي (418هـ)]
264- وقال (ق83/أ) الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن اللالكائي الشافعي، في كتاب "شرح أصول السنة" له: "سياق ما روي في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، و[أن] الله على عرشه في السماء، قال عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، وقال:{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ، وقال {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ، قال: فدلت هذه الآيات أنه في السماء وعلمه محيط بكل مكان، وروي ذلك عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأم سلمة، ومن التابعين ربيعة، وسليمان التيمي، ومقاتل [بن] حيان ، وبه قال مالك، والثوري، وأحمد بن حنبل .
قلت: توفي اللالكائي سنة ثمان عشرة وأربعمائة، وكان إماماً، حافظاً، ذكره النواوي ، في طبقات الفقهاء الشافعية، وألف كتاباً في "السنن" ، وكتاباً في "معرفة أسماء من في الصحيحين" ، وكتاب "كرمات الأولياء" ، وغير ذلك.
أثنى عليه الخطيب في تاريخه والذهلي وغيرهما.
[أبو نعيم الأصبهاني (430هـ)]
265- وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ، في مصنف "حلية الأولياء"، في الاعتقاد الذي جمعه: "طريقنا طريق السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومما اعتقدوه: أن الله لم يزل كاملاً بجميع صفاته القديمة، لا يزول ولا يحول ، لم يزل عالماً بعلم، بصيراً ببصر، سميعاً بسمع، متكلماً بكلام، ثم أحدث الأشياء (ق83/ب) من غير شيء، وأن القرآن كلامه، وكذلك سائر كتبه المنـزلة، كلامه غير مخلوق، وأن القرآن في جميع الجهات مقروءاً، ومتلواً، ومحفوظاً، ومسموعاً، ومكتوباً، وملفوظاً، كلام الله حقيقة، لا حكاية، ولا ترجمة، وأنه بألفاظنا كلام الله غير مخلوق، وأن الواقفة، واللفظية ، من الجهمية، وأن من قصد القرآن بوجه من الوجوه [يريد به] خلق كلام الله، فهو عندهم من الجهمية ، وأن الجهمي عندهم كافر".
وذكر أشياء إلى أن قال: "إن الأحاديث التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش، واستواء الله عليه، يثبتونها، من غير تكييف، ولا تمثيل، وأن الله تعالى بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج [بهم] ، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه" .
وذكر سائر اعتقاد السلف وإجماعهم على ذلك.
وأبو نعيم هذا سبط محمد بن يوسف البنا الزاهد، شيخ أصبهان بلا مدافعة ، جمع الله له بين العلو في الرواية والحفظ والدراية، فكان يشد إليه الرحال ويهاجرُ إلى بابه الأئمة والحفاظ.
ذكره ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" في أصحاب أبي الحسن الأشعري، فقال: كتب إلي عبد الغافر بن إسماعيل يذكر ، قال أحمد بن عبد الله بن أحمد بن [إسحاق] بن موسى بن مهران، الإمام أبو نعيم الحافظ، واحد عصره، (ق84/أ) في فضله، وجمعه، ومعرفته، صنف التصانيف المشهورة .
كحلية الأولياء، وغير ذلك من الكتب الكثيرة في أنواع علوم الحديث والحقائق وشاع ذكره في الآفاق ، واستفاد الناس من تصانيفه، توفي في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة وله أربع وتسعون سنة إلا شهرا.
وسمعت من يحكي عن ألفاظ أبي بكر الخطيب قال : لم ألق من شيوخي أحفظ من أبي نعيم وأبي حازم العبدوي ،كتب إلي عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي ، سمعت أبا صالح المؤذن يقول: كتبت عن عشرة من شيوخي عشرة آلاف جزء، سوى ما اشتريته، فذكر منهم أبا بكر
[الإسماعيلي] ، وأبا أحمد الحاكم ، قال عبد الغفار: وانتخب عليه أبو عبد الله الحاكم ، وحدث عنه، وتوفي في ثاني شوال سنة سبع عشرة فجأة رحمه الله.
[الإمام أبو زكريا يحيى بن عمار السجستاني (442هـ)]
266- وقال الإمام الأوحد أبو زكريا يحيى بن عمار السجستاني ، في رسالته: "لا نقول كما قال الجهمية، إنه مداخل للأمكنة، وممازج لكل شيء ولا نعلم أين هو، بل هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، و[علمه] ، وسمعه، وبصره، وقدرته، مدركة لكل شيء، وهو معنى قوله {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وهو بذاته على عرشه كما قال سبحانه (ق84/ب) وكما قال رسوله صلى الله عليه وسلم" .
[كان] يحيى بن عمار من كبار أئمة الهدى، جمع بين العلم والرواية والإتقان والزهد، توفي سنة ثلاثين وأربعمائة، وهو أجل شيخ لإسماعيل الأصبهاني الأنصاري شيخ الإسلام، وصاحب "منازل السائرين"، وشيخ الإمام أبي نصر السجزي .
[معمر بن أحمد بن زياد الأصبهاني (418هـ)]
267- وقال الإمام العارف معمر بن أحمد بن زياد الأصبهاني ، شيخ الصوفية في عصر يحيى بن عمار، وأبي نعيم، وقبيل ذلك: "أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث، وأهل المعرفة والتصوف، من المتقدمين والمتأخرين".
فذكر أشياء في الوصية، إلى أن قال فيها: "وإن الله استوى على عرشه، بلا كيف، ولا تشبيه، ولا تأويل، والاستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه مستو على عرشه، بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، بلا حلول، ولا ممازجة، ولا ملاصقة، وأنه سبحانه سميع، بصير، عليم، خبير، يتكلم، ويرضى، ويسخط، ويضحك، ويتعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكاً، وينـزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء بلا كيف ولا تأويل، فمن أنكر النـزول أو تأول فهو ضال مبتدع" .
[أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (449هـ)]
268- وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل (ق85/أ) بن عبد الرحمن الصابوني النيسابوري ، في كتاب "الرسالة في السنة" له: "ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون، أن الله فوق سبع سمواته، على عرشه كما نطق به كتابه وعلماء الأمة، وأعيان الأئمة من السلف، لم يختلفوا أن الله عز وجل على عرشه، فوق سمواته.
وإمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي احتج في كتابه المبسوط ، في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن الرقبة الكافرة لا يصح التكفير بها بخبر معاوية بن الحكم، فإنه أراد أن يعتق الجارية السوداء عن الكفارة، فسأل رسول صلى الله عليه وسلم عن إعتاقه إياها ، فامتحنها ليعرف أنها مؤمنة أم لا، فقال لها أين ربك؟، فأشارت إلى السماء، فقال اعتقها فإنها مؤمنة، فحكم بإيمانها لما أقرت بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية .
وأبو عثمان الصابوني هذا من كبار الأئمة، كان فقيهاً، محدثاً حافظاً، صوفياً، واعظاً، شيخ نيسابور في وقته ، توفي سنة بضع وأربعين وأربعمائة رحمه الله، وله تصانيف حسنة.
[أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي (447هـ)]
269- وقال الإمام الفقيه أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي ، صاحب الشيخ أبي حامد الإسفراييني ، في تفسير القرآن له في قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : "قال أبو عبيدة : علا، وقال غيره استقر".
وقال في قوله {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : "عن قتادة قال: اليوم السابع ".
وقال في (ق85/ب) قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} : "أي ربكم الذي في السماء إن عصيتموه أن يخسف بكم الأرض". وذكر مثل هذا القول في باقي الآيات الدالة على أن الله فوق العرش .
وأبو الفتح سليم هذا إمام كبير عالم بالتفسير، والحديث، والفقه، وغير ذلك، شيخ أبي الفتح نصر المقدسي ، توفي في حدود الأربعين وأربعمائة.
[أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي (444هـ)]
270- وقال الإمام أبو نصر [عبيد الله بن سعيد] السجزي ، في كتابه "الإبانة" الذي ألفه في السنة: "أئمتنا كسفيان الثوري، ومالك، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، والفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، متفقون على أن الله سبحانه وتعالى بذاته فوق العرش، وأن علمه بكل مكان، وأنه يُرَى يوم القيامة بالأبصار، وأنه ينـزل إلى سماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضى، ويتكلم بما شاء " .
وأبو النصر هذا إمام ، حافظ، فقيه جليل، أقام بمكة مدة، روى عن شيخ الإسلام وغيره، توفي في حدود الأربعين وأربعمائة رحمه الله.
[الحافظ البيهقي (458هـ)]
271- وقال الإمام أبو بكر بن الحسين البيهقي -صاحب السنن الكبير، وغيره- في كتاب "الاعتقاد" : "في باب القول في الاستواء" قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ،{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ،{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِم} ،{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ،{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ، وأراد من فوق السماء، كما قال {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ (ق86/أ) فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} بمعنى على جذوع النخل، وقال: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} بمعنى على الأرض وكل ما علا فهو سماء، والعرش على السموات، فمعنى الآية أأمنتم من على العرش، كما صرح [به] في سائر الآيات.
وفيما كتبنا من الآيات دلالة على إبطال [قول] من زعم من الجهمية أن الله بذاته في كل مكان.
وقوله {وَهُوَ مَعَكُم أَيْنَمَا كُنْتُم} إنما أراد [به] بعلمه لا بذاته" .
شهرة البيهقي تغني عن التعريف به، توفي في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وله أربع وثمانون سنة رحمه الله.
[الإمام أبو عمر بن عبد البر (463هـ)]
272- 1- وقال الإمام، حافظ المغرب، أبو عمر بن عبد البر ، صاحب "الإستيعاب"، و"التمهيد"، والمصنفات النفيسة، لما شرح "ينـزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ..." الذي في الموطأ قال: "هذا الحديث لم يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو [من] حجتهم على المعتزلة ، وهذا أشهر عند العامة وأعرف من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته، لأنه اضطرار لم [يؤنبهم] عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم" .
وقال أيضاً: "أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } هو على العرش، وعلمه بكل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله" (ق86/ب).
2- وقال أيضاً: "أهل السنة [مجمعون] على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك. وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل منها شيء على الحقيقة، [ويزعمون] أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود" .
أبو عمر هذا إمام أهل المغرب، من أعيان الحفاظ والأئمة القائمين بمذهب مالك رحمه الله، توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة.
[أبو بكر الخطيب (463هـ)]
273- وفيها توفي حافظ المشرق أبو بكر الخطيب ، وهو القائل ما أخبرناه إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنبأنا عبد الله بن أحمد المقدسي سنة سبع عشرة وستمائة، عن المبارك بن علي الصيرفي ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني ، أنبأنا أبو بكر الخطيب قال: "[أما] الكلام في الصفات، فأما ما روي منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيف والتشبيه عنها ، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ونحتذي في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته فإنما هو إثبات وجود (ق87/أ) لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول إن معنى اليد: القدرة، ولا نقول: إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح وأدوات الفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها، لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ، وقوله {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ } " .
[أبو سليمان الخطابي (388هـ)]
274- وقال مثل هذا القول قبله الإمام أبو سليمان الخطابي في "الغنية عن الكلام" له، وهو: "فأما ما سألت عنه من الكلام في الصفات، وما جاء منها في الكتاب وروي في السنن الصحاح".
وقال: "مذاهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها" .
[الإمام أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي (535هـ)]
275- وقال مثل هذا القول بعدهما، الإمام أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي ، صاحب "الترغيب والترهيب"، وقد سئل عن صفات الرب تعالى فقال: "مذهب مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه، أن صفات الله التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله، من السمع، والبصر، والوجه، واليدين، وسائر أوصافه، إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيه، ولا تشبيه ولا تأويل، قال (ق87/ب) سفيان بن عيينة: "كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره" أي على ظاهره، لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل" .
[القاضي أبو يعلى الفراء (458هـ)]
276- 1- وقال القاضي أبو يعلى الفراء في كتاب "إبطال التأويل" له: "لا يجوز [رد] هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات لله لا تُشبَّه بسائر صفات الموصوفين بها من الخلق . ويدل على إبطال التأويل، لأن الصحابة و من بعدهم من التابعين حملوها على [ظاهرها] ، ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً لكانوا إليه أسبق لما فيه من إزالة التشبيه"
يعني على زعم من قال إن ظاهرها التشبيه .
2- وقال بعد أن ذكر حديث الجارية: "اعلم أن الكلام في هذا الخبر في فصلين: أحدهما: في جواز السؤال عنه سبحانه بأين هو؟، وجواز الإخبار عنه بأنه في السماء" .
وذكر أشياء، إلى أن قال: "وقد أطلق أحمد بذلك فيما أخرجه في "الرد على الجهمية" فقال : فقد أخبرنا بأنه في السماء فقال {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ، وقال {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} ، وقال {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} فقد أخبر الله عز وجل أنه في السماء وهو على عرشه" .
وذكر كلاماً طويلاً ليس هذا موضعه.
وأما (ق88/أ) القاضي هذا فهو أجل الحنابلة في وقته، وأعلم بمذهب أحمد، وباختلاف العلماء، صنف كتباً كثيرة في المذهب، والخلاف، والأصول، رحمه الله، توفي قبل الستين وأربعمائة.
[أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني (471هـ)]
277- وقد تقدمت فتيا الإمام أبي القاسم سعد بن علي الزنجاني ، وأنه أجاب بنص قول الإمام أبي العباس بن سريج .
أبو القاسم هذا إمام كبير، حافظ، فقيه، صوفي، ذكره ابن الجوزي في "صفة الصفوة" فقال: "سعد بن علي، طاف الآفاق، ورأى المشايخ، وسكن مكة فصار شيخ الحرم، وكان إذا خرج إلى الحرم يترك الناس الطواف ويقبلون يده أكثر من تقبيل الحجر، وكانت له كرامات، وتوفي سنة سبعين وأربعمائة" .
لكن في النفس شيء من عزو الفتيا التي ذكرها إلى ابن سريج، فإني لا أرى عليها لوائح صحة الإسناد والله أعلم، على أنني أجزم أن ابن سريج لم يكن يخالف تيك الأصول.
[أبو المعالي الجويني (478هـ)]
278- وقال الإمام أبو المعالي الجويني في كتاب "رسالة النظامية":
"اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في [آي] الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب عز وجل .
والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به (ق88/ب) عقيدةً، اتباع سلف الأمة، والدليل القاطع السمعي في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوماً، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشرع، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك هو الوجه المتبع" .
انتهت معرفة مذهب الشافعي إلى أبي المعالي هذا، وصنف كتباً كثيرة وكان بحراً في دقائق الفقه وفروعه، ومعرفة أصوله، توفي سنة تسع وسبعين وأربعمائة رحمه الله تعالى.
[الإمام أبو إسماعيل الأنصاري (481هـ)]
279- و[قال] الإمام العارف شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله ابن محمد الأنصاري في كتاب "الصفات" له: "باب إثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة، بائناً من خلقه، من الكتاب والسنة".
فذكر رحمه الله دلالات ذلك من الكتاب والسنة، إلى أن قال: "في أخبار شتى أن الله عز وجل في السماء السابعة على العرش بنفسه، وهو ينظر كيف تعملون، علمه، وقدرته، واستماعه، ونظره، ورحمته، في كل مكان" .
أبو إسماعيل الأنصاري هذا معروف عند مشايخ الطريق، مصنف "منازل السائرين (ق89/أ) إلى الله"، كان عالماً بالحديث صحيحه وسقيمه، وآثار السلف، وبلغات العرب واختلافها، وتفسير الكتاب ومعانيه، وأقوال المفسرين، وبأحوال القلوب، وكان له كرامات معروفة، وقد جمع عبد القادر الرهاوي كتاباً سماه "المادح والممدوح" لعل معظم الكتاب في ترجمته، فمن طالع ذلك عرف منـزلته وجلالته في الأمة، افتتح القرآن يفسره إلى قوله {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} فافتتح تجريد المجالس في الحقيقة والمحبة وأنفق على هذه الآية مدة طويلة من عمره، وكذا في قوله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى} بقي يفسر فيها ثلاثمائة وستين مجلساً، وقد كان في وقته، مثل الجنيد في وقته، وبشر الحافي في وقته، توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وله خمس وثمانون سنة.
[الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (510هـ)]
280- 1- وقال الإمام محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي في تفسيره "معالم التنـزيل"، عند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } : "قال الكلبي ، ومقاتل : استقر. وقال أبو عبيدة : صعد. وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء (ق89/ب) على العرش صفة لله، بلا كيف، يجب الإيمان به" .
2-وقال رحمه الله تعالى في قوله تعالى{اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي َدُخَانٌ} قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: ارتفع إلى السماء .
3- وقال في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} :"الأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها، ويكل علمها إلى الله تعالى ويعتقد أن الله منـزه عن سمات الحدث، على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة" .
4- وقال في قوله {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} : "يعني وهو إله في السموات والأرض، قال الزجاج : فيه تقديم وتأخير تقديره، وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات والأرض " .
5- وقال في قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } : "[في العلم] " .
أبو محمد البغوي هذا من كبار الأئمة والفقهاء الشافعية، مصنف "شرح السنة"، وكتاب "التفسير" وغير ذلك، شهرته تغني عن التعريف به، توفي رحمه الله سنة خمس عشرة وخمسمائة.


[أبو إسحاق الثعلبي (427هـ)]
281- وقال أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره لهذا الموضع نحواً من هذا القول.
[الإمام أبو الحسن الكرجي (532هـ)]
282- وقال الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك [الكرجي] صاحب (90/أ) شيخ الإسلام في عقيدته المعروفة التي أولها:
محاسن جسمي بدلت بالمعايب وشيب [فَوْدي] شيب وصل الحبائب
إلى أن قال:
وأفضل زاد في المعاد عقيدة على منهج في الصدق والصبر لاحب
[عقيدة أصحاب الحديث فقد سمت بأرباب دين الله أسنى المراتب]
عقائدهم أن الإ له بذاته على عرشه مع علمه بالغوائب
وأن استواء الرب يعقل كونه ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب

من مائتي بيت.
وكان أبو الحسن هذا إماماً، زاهداً ، شافعي المذهب، معاصراً للشيخ أبي محمد البغوي وذويه، وهذه القصيدة مشهورة عند الخاصة والعامة في بلاد المشرق.
[الإمام عبد القادر الجيلي (561هـ)]
283- وقال الإمام شيخ الإسلام صفوة العارفين، أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي الحنبلي ، في كتاب "الغنية" له، الموجود بأيدي الناس: "أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار فهو أن [يعرف ويتيقن] أن الله واحد أحد". إلى أن قال: "وهو بجهة العلو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ (ق90/ب) مِّمَّا تَعُدُّونَ} ، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، وكونه سبحانه وتعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف" .
وذكر كلاماً طويلاً اختصرته. رحمة الله عليه.
سمعت شيخنا أبا الحسن اليونيني يقول سمعت الشيخ عز الدين بن عبد السلام بمصر يقول: ما نعرف أحداً كراماته متواترة إلا الشيخ عبد القادر، وقد صنف العلماء كتباً في كراماته وفضائله ومكاشفاته المدهشة، مات سنة إحدى وستين وخمسمائة رضي الله عنه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
rama88
 
 
rama88


عدد المساهمات : 892
تاريخ التسجيل : 16/01/2011
العمر : 35
الموقع : منتدى المدية

كتاب العرش1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب العرش1   كتاب العرش1 Emptyالأربعاء 11 مايو 2011 - 11:59

thanks thanks thanks thanks thanks thanks thanks thanks thanks thanks thanks thanks thanks
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب العرش1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» البحث عن كتاب
» فقه السنة كتاب الكتروني
» كتاب الطب النبوي
» كتاب خواطر شاب - أحمد الشقيري
» شرح كتاب العلم من صحيح الإمام البخاري لفضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني10

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المدية :: - دينــــــــــي الحنيــــــــف - :: المنتــدى الإسلامـــي-
انتقل الى: