يعتقد بعض الناس أن أهل الفقه ليست لديهم تلك المشاعر والأحاسيس المرهفة التي توجد عند الناس , وأن الفقه آلة جامدة تعتمد على الحقائق وتحرير المسائل بشكل علمي يخلو من العاطفة والمشاعر , وأنهم بمنأى ومعزل عن الشعر , وينسون أن الشعر في حقيقته موهبة وإبداع وهو حكمة وهدف وأن كتب التراث قد حفلت بألوان مجيدة من الفقهاء الشعراء الذين خلدوا شعرهم بين دفتى الكتب القديمة ناهيك عن المصنفات الفقهية الراقية والموثوق بها مذهباً ودليلاً وتدقيقاً وهذه ميزة لا تحصل إلا للجهابذة من العلماء والمجتهدين، ولقد أورد لنا الرصيد التراثي جملة من أشعار الفقهاء وذلك لا ينقص من شأنهم بل يزيدهم شامة على جلالة اجتهادهم وسعة فقههم وعلمهم .
بل أصبح \" أدب الفقهاء مادة خصبة للدراسة وباب واسع يتضمن فنونا وأغراضا مختلفة بعضها مما يقل نظيره في أدب غيرهم . فهو يشتمل على شعر وجداني من الطبقة الرفيعة يعبر عن أعمق المشاعر الإنسانية وارق العواطف القلبية , ومنه شعر فلسفي يتناول مطالب النفس العليا ويتحدث عن الروح وعالمها الفسيح ومشكلة الوجود والحقيقة الأزلية وما إلى ذلك\" عبد الله كنون : أدب الفقهاء 15.
ولقد وجد هذا الأمر منذ ظهور الإسلام وإشراق شمسه , وارتبط الفقه بالشعر ؛ فقد ظهر الفقه والفقهاء منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أبو بكر فقيهاً وكان عمر فقيهاً وكان عثمان فقيهاً، وكان علي فقيها ، وكان لكل واحد منهم شعراً ، وكان أشعرهم علي بن أبي طالب.
وبلغ من شهرة علي بالشعر أن جمع شعره في ديوان ، وطبع عشرات المرات ، وشرح من قبل عدد من علماء الشعر .
والذي يستعرض شعر الإمام علي يجده معبراً عن تجاربه المتنوعة في حياة حافلة، كما يجد فيه أثر الفقه الذي تميز به ومارسه وزيراً للخلفاء وأميراً للمؤمنين .
ومن شعره رضي الله عنه :
الناس من جهة التمثيل أكفاء * * * أبوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة * * * وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يكن لهم من أصلهم حسب * * * يفاخرون به فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم * * * على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه * * * وللرجال على الأفعال سيماء
وضد كل امرئ ما كان يجهله ... والجاهلون لأهل العلم أعداء