المحاضرة رقم "38" : اسم الله : "الخبير"
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الاسم الثامن والثلاثين من أسماء الله الحسنى ، والاسم هو الخبير ، والخبير من أسماء الله الحسنى كما أنه لا يخفى على القراء الكرام أن أسماء الله كلها حسنى ، قال تعالى :
[الأعراف: الآية 180]
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، وكمال الله جل جلاله كمال مطلق ، بينما كمال الإنسان كمال نسبي ، فعدلُه مطلق ، وقدرتُه مطلقة ، ورحمتُه مطلقة ، وعلمه مطلق .
ومن المعلوم عند القارئ الكريم أن الخبير صرفيا وزنه فَعِيل ، ومن معاني فعيل مُفْعِل فخبير بمعنى مُخبِر ، ويراد به أنه متكلم ، وأن القرآن كلام الله عز وجل ، والمعنى الآخر للخبير هو الذي يعلم كل شيء ولا يغيب عن علمه صغيرة ولا كبيرة ، وهو العالم بكُنْه كل شيء ، ومطلع على كل حقيقة مهما دقت أو خفيت ، العليم بدقائق الأمور لا تخفى عليه خافية ، يعلم الداء والدواء ، العلم بظاهر الأشياء وبواطنها بشكلها وحقيقتها وبجلائلها ودقائقها بما تراه عينك وبما يخفى عنها ، يقول الإمام الغزالي الخبير هو الذي لا تغرب عنه الأخبار الباطنة ، ولا يجري في الملك والملكوت شيء إلا بعلمه ، ولا تتحرك ذرة ولا تسكن إلا بعلمه ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا بعلمه ، وقيل الخبير : الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا تتحرك حركةٌ ولا تسكن ساكنةٌ في السماء والأرض إلا يعلم مستقرها ومستودعها . لكن قد يسأل سائل أليس هذا هو العليم ؟ هذا كله يمكن أن يكون شرحا لاسم العليم فمالنا نتحدث عن اسم الخبير بما يشبه اسم العليم ؟ الحقيقة أن العلماء فرقوا بين العليم والخبير
فالخبير يفيد معنى العليم ، ولكن العليم لا يفيد معنى الخبير ، لذلك اسم الخبير هو عليم ومع العلم شيء آخر ، وسوف أُوضِّح عن طريق الأمثلة الفرق الدقيق بين العليم والخبير ، وهناك آية في القرآن الكريم ورد فيها اسم الخبير ، وسأجعلها أساسًا لهذا البحث ، وقد ثبت في القرآن لفظ الخبير أكثر من أربعين مرة فقال تعالى :
[البقرة :الآية 234]
لو أنني أمسكت هذا الكأس ووضعته في هذا المكان أنتم جميعاً رأيتم أنني نقلته من مكان لآخر فذا هو العلم ، ولكن لماذا نقلته ؟
ما الدوافع التي حملتني على نقله ، وما الخواطر التي خطرت ببالي حين نقلته ، وماذا أبتغي بنقله ، وما الباعث على نقله ، علمُك أنه انتقل من مكانٍ لآخر هذا يسمى علماً . أما الخبير إذا قال الله عز وجل : والله بما تعملون خبير" يعني يمكن أن تعمل عملا لا يشك أحد من الخلق أنه عمل طيب، وتكون النية ليست طيبة فالله خبير بما تعمل ، قد تدعي شيئاً وأنت على خلافه ، وقد تريد شيئاً في الظاهر ، ولكنك في الباطن لا تريده ، وقد ترحب وأنت تبغض ، وقد تغضب وأنت تحبّ ، حقيقة العمل ومؤدّى العمل هي للخبير فهو الذي يعلم ذلك ، فالخبرة العلم بدقائق الأمور وببواطنها وبواعثها وبأهدافها البعيدة وبما يخامر فاعلها من مَشاعر
آية ثانية :
[البقرة :الآية 234]
من باب الطرفة نقول : هذه أسرة تزورهم ، وذات يوم من أيام الشتاء صديقة زوجته تجلس مع زوجته في غرفة مجاورة ، يقول الزوج تعالين إلى هنا فالغرفة هنا أدفأ ، يا ترى هل هذا الذي ذكره هو الحقيقة ، أم هناك شيء يخفيه ولا نعلمه ؟ فالله خبير والأعمال بِحَجمها وتفاصيلها ، وبواعثها وأهدافها وأبعادها و بمقاصدها وخلفياتها وجزئياتها لا يعلمها إلا الله ، فالله هو الخبير ، قال تعالى :
[آل عمران: الآية 153]
قد تجد إنساناً يعمل عملاً طيباً وربما ساق الله له بعض المصائب فتقول : لِمَ أصيب وأعماله طيبة ؟ أنت لا تعلم لأن الله هو الخبير، لم يَسُق الله له هذا الحادث إلا لحكمة بالِغةٍ ورحمة به ، فالله بما تعملون خبير ، مثلُ آخر ؛ طبيب له الحق أن يرى موضع الألم من المرأة ، لكنه إن نظر إلى موضع آخر لا تشكو منه فهل على وجه الأرض جهة تكشف خيانة بصره؟ لا ... إلا الله ، قال تعالى:
[غافر: الآية 19]
وقال تعالى:
(سورة الحديد : الآية 22)
فإذا أرسل الله عز وجل مصيبة فلا تحزنوا لمجيئها ، ولا تفرحوا بما آتاكم فالله خبير بما تعملون ، حكمة الله اقتضت أن يرسل عليكم هذه المصيبة ، إنسان صالح هو في حركة انتقال من بيته إلى مسجده وبالعكس رزقه الله تعالى مبلغاً كبيراً من المال هل سيبقى على حاله أم يتغير ؟ هذا لا نعلمه ، لكن الله يعلمه فالله خبير بما تعملون ، عَلِم ما كان وعلمَ ما يكون وعلمَ ما سيكون وعلمَ ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، إن من عباديَ من لا يصلحه إلا الفقر فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه ، فمن الذي يعلم حقيقة النفس ، كنت مرة في طريقي فرأيتُ جداراً منهاراً بسبب هبوب عاصفة هوجاء بلغت سرعتها مئة وثمانين كيلومترا في الساعة ، فهذا الذي بنى الجدار هل يعرف السرعة التي ينهدم فيها الجدار؟ لا يعرف ونحن إذا أردنا أن نعرف لا بد من التجارب ، فبعض المعامل من أجل أن تعرف مقاومة الآلات ، تضعها في ظروف صعبة بمركَبة تنتقل بِسرعة مئة كيلو متر وأمامها جدار من الإسمنت المسلّح ، طبعًا يحتالون على أن تنطلق من غير سائق ترتطم بهذا الجدار ، فيختبرون مقاومة هذا المعدن وهذا الهيكل على سرعة مئة كيلو متر ، ماذا فعل بها هذا الصَّدم الشديد ؟ وإلى أي مكان وصل هذا الصّدم ، ويبنون على هذه التجربة خبرتهم ! إن الإنسان الذي صنع هيكل مركبة وغلّفها وهيَّأها ، لا يعرف في حال اصطدامها بِجدار مدى تأثير الجدار فيها إلا بعد الاختبار ، فنحن لا نعلم إلا بالتجربة ، فخبرة الله قديمة وخبرة ، الإنسان مكتسبة ، والدليل أن خلق الإنسان لم يطرأ عليه أيُّ تغيير منذ خلقه الله سبحانه وتعالى . فالبشر من العصور القديمة وحتى الآن لم يطرأ تغيير على خلقهم . بينما إذا نظرنا إلى سيارة صنعت سنة ألف وتسعمئة مثلا ، ترى بينها وبين التي صنعت سنة ألف وتسعمئة وخمسة وتسعين بَوْناً شاسعاً غير معقول ، فالقطار الأول الذي صنع قديماً ألزمهم أن يضعوا إنساناً أمامه كي يحذر الناس حينما يمشي ؛ فسرعته كانت تعادل سرعة الإنسان أما الآن فالقطار ينطلق بسرعة ثلاثمئة وستين كيلومترا في الساعة والتطورات لا زالت تأتي بالجديد ، فالإنسان خبرته مكتسبة وحادثة أما الله فخبرته قديمة بدليل أن كل شيء خلقه الله خلقه منذ اللحظة الأولى في أبدع صورة وفي أكمل حال ولا زال على صورته وحاله ، قال تعالى :
[النمل: الآية 88]
مرة كنت عند أحد إخواننا الكرام الذين يعملون بإصلاح السيارات ورأيت عندهم قطعة ميكانيكيّة مُلقاة على الأرض فقلتُ : ما قِصَّة هذه القطعة ؟ فقال : جاءَت وجبة مركبات فيها هذه القطعة ، وبعد عشرة آلاف كيلو مت من استعمال المركبة ، تكسر من هذا المكان وأشار إليه ، ويوجد فيها منطقة ضعيفة ، والذي صمَّم هذه الآلة لم يكن يتخيَّل أنَّ هذا المكان ضعيف على التحمّل وبذل الجهد ، ومنها علمت أنّ كلّ تعديل يطرأ على مركبة أو على آلة دليل نقص في الخبرة ، والنقص في الخبرة يتلافونه في العام القادم ! فالتطويرات التي تطرأ على خبرة الإنسان دليل على أن خبرته ناقصة ومكتسبة وحادثة ، أما خلق الله الكامل والذي لا يزال كاملا وسيبقى كاملا دليل على أن خبرة الله قديمة ، حليب الأم مثلا فقير من الحديد وهو معدن أساسي جدا في تكوين خضاب الدم ، لو فحصنا طحال وليد رضيع نجد أن فيه كمية حديد تكفيه عامين إلى أن يتمكن من أن يأكل غذاءً منوّعا ، فمن فعل هذا ؟ الخبير، ولماذا جُعل ثقب بين الأُذين والأُذين في القلب ، كشفه العالم بوتال وهذا الثقب وظيفته أنه مادام الطفل في بطن أمه ولا يلزمه هواء ولا يتنفس والرئة معطلة ، لذلك بدل أن يدور الدم إلى الرئة ويعود إلى الأُذين ينتقل من أُذين إلى أُذين ، وحينما يولد الطفل تحدث له جلطة لتغلق هذا الثقب كما قال العلماء ، وعندها تنتقل الدورة التي كانت من الأذين إلى الأذين فتصبح من الأذين إلى الرئة إلى البُطَين كل هذا من صنع الخبير ، ويلح علينا الآن سؤال هام ؛ لماذا لا نجد في أظافرنا وشعورنا أعصاباً حسية ؟ فلو كان الأمر كذلك لاحتجنا إلى الذهاب إلى المستشفى لتقليم أظافرنا وشعورنا ولاحتجنا إلى تخدير . فهذا هو الخبير الذي أعطى كل شيء خلقه ، إذ لم يجعل أعصاب الحس في الأظافر ولا في الشعر ولكنّه جعل أعصاب الحس في العظام ! فإذا انكسر العظم تألّم الإنسان أشد الألم ، فالشعور بالألم أربعة أخماس العلاج ! كذلك لو دققت في خلق الإنسان وفي خلق الحيوان والنبات لرأيت العجب العجاب ، لو ترك الفلاح الشجرة بلا سقيا ما الذي يحصل ؟ ستستهلك هذه الشجرة ماء الورق ثم ماء الغصن ثم ماء الفروع ثم ماء الجذع ثم ماء الجذور وآخر ماء تستهلكه هو الماء الذي في آخر الجذر ، فلو كانت الشجرة تستهلك الماء ابتداءً من الجذور لماتت كل الأشجار لمجرد توقفنا عن سقياها مرة واحدة ولكن الله رحمة بنا جعل الدورة معاكسة ، ولماذا ينكمش الماء إذا بردناه ؟ أما إذا وصل إلى درجة زائد أربعة فيزداد حجمه ، هذه الظاهرة لولاها لما كانت حياة على سطح الأرض كل هذا من فعل الخبير، قال تعالى :
[المائدة: الآية8]
حتى العدْل مع الكافر قُربة إلى الله ، قد تقرّبه إلى الإيمان حينما تعدل مع الكافر ، فهل هذا ابتغاء مرضاتِ الله أو خوف من الإنسان ؟ من يكشف ما إذا كان هذا الإحسان صادراً عن خوف من الناس أوعن ابتغاء مرضاتِ الله ؛ هو الله سبحانه وتعالى :
وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .
وفي آية أخرى:
[الأنعام :الآية18]
وقوله تعالى
[الأنعام :الآية 103]
لو احتال طبيب أسنان على قلع ضرس طفل فمهما يهون على الطفل ومهما يداعبه فإن الطفل يشعر بالألم ، إما بألم الحقنة المخدِّرة أو بألم الضرس مباشرة ، لكن الله الخبير إذا أراد تبديل أسنان هذا الطفل فهل يتألم هذا الطفل ؟ لا إطلاقاً فهو لا يشعر بسقوط أسنانه اللبنية وتبديلها.
ويقول الله تعالى :
[التوبة :الآية 16]
ورد اسم الخبير كما قلنا في أربعين آية من كتاب الله ، والخبير هو الذي يعلم بالبواعث والخواطر ، يعلم الخلفيات والملابسات ويعلم حقيقة كل شيء ، ويعلم الاحتمالات فنحن البشر لا نعلم حقيقة الشيء إلا بالتجارب ، حتى إذا أردنا صنع دواء نزرعه في الجراثيم كي نتعرف إلى مدى مفعوله ، إما أن يقتل تلك الجراثيم فهو فاعل ، وإما أن تبقى حية كما كانت فهو غير فاعل ، فعلوم البشر كلها أساسها التجربة ، لذلك سموه بالعلم التجريبي لكن علم الله وخبرته لا يفتقر إلى التجربة ، قال تعالى :
[الحج :الآية 63]
في مواضع كثيرة جاء اسم الخبير مقرونا باسم اللطيف فهناك علاقة بين الخبرة واللُّطف ، آية أخرى :
[النور :الآية 30]
فهذا الذي يغض بصره أمام الملأ ويتصنع ثم إذا اختلى بنفسه ومد بصره إلى الحرام ، هل يستطيع أحد أن يعرف إخلاص هذا المرء ورياءه؟ لا أحد ولكن اللطيف الخبير أعلم بحاله من نفسه ، لذلك قال تعالى في آخر الآية إن الله خبير بما يصنعون .
إذا علمت أن الله يعلم وهو خبير بِسِرِّك وجهرك وسريرتك وعلانيتك وخَلْوَتِك وجَلْوَتَك وبواعثك وخواطرك ومقاصدك وخلفياتك والمؤدَّى الذي تبتغيه من عملك ، وعلمت أن الله خبير وأنك في قبضته ، فما التطبيقات العملية لهذا الاسم ؟ أنت مكشوف أمامه ولا تخفى على الله منك خافية، علانيتك كسرِّك ، وجهرك كسِرِّك ، فهذا يجعلك تستقيم على طاعته وألّا تخشى معه أحداً آخر وهذه هي أول ثمرة للإيمان باسم الخبير يقول القشيري : من أدب المؤمن مع اسم الخبير أنه مَن عرف أن الله خبير بأفعاله وأقواله وأعماله كان محترزاً في أقواله وأعماله وواثقاً بجميع اختياره وأنه ما قُسم له لن يفوته ومالم يُقسم له لن يُدركه ، إذاً أولُ ثمرة الاستقامةُ والرضا والاستسلام ، ومن أدرك وأيقن "اسم الخبير "يرى أن جميع الحوادث من الله سبحانه وتعالى ، فتهون عليه الأمور بخلاف من يضيف بعض الحوادث إلى الحق وبعضها إلى الخلق ، وأنه هو الفعال لما يريد وكل الأمور بيده ، من خلال هذا نقول : إنك إذا أيقنت من "اسم الخبير" أنه هوالمطلع على سرِّك وهو عليم بِخَفيِّ أمرك وما في صدرك يكفي لرفع همتك إليه واستحضار حاجتك في قلبك من غير أن تنطق بلسانك وهي فكرة دقيقة جداً ، عِلْمكَ أن الله مُطَّلِعٌ على قلبك يجعلك تناديه نداءً خفياً كما فعل سيدنا زكريا
[مريم : الآية 3]
وبعضهم تجده يجهر بالدعاء وكأنه يناجي بعيداً ، فالمؤمن إذا عرف اسم الخبير ناجاه في سرِّه وسأله في سرِّه ودعاه في سرِّه ، ولم يحتج لرفع صوته بالدعاء ، قبل أن يُلقى إبراهيم في النار ، قال له جبريل : أَلَكَ مِنْ حاجةٍ يا إبراهيم ؟ قال : منك ، قال : لا بل من الله ، فقال :علمه بحالي يُغني عن سؤالي . فإذا كنت يا الله معي في كل حالي فأنا في غنى عن حَمْل زادي ، بعضهم ينصح المؤمنين أنّ مَن كانت به حاجة إلى الله أن يقرأ قوله تعالى :
[الملك :الآية 14]
هناك معنى آخر للخبير ، فأنت في دنياك تتحرك وهناك أهداف ووسائل سمح بها الشرع لكسب المال وهناك وسائل غير مشروعة ، فقد يبدو لك أن هذه الوسائل التي لم يسمح بها الشرع أسرع ونتائجها أضمن وهدفها أكبر وتتوهم أن الطريق التي رسمها الله لك طريق طويلة وهزيلة ، فيُقبل هذا الإنسان الجاهل على وسيلة غير مشروعة من أجل كسب المال فيُفاجأ بِتَلَف ماله ؛ لماذا يا رب ؟ فمِن أجل الوصول إلى دخْلٍ وفير أنت مكلف بتطبيق منهج الله ، فالنجاح ليس بالذكاء وإنما بالتوفيق ، والتوفيق بالطاعة ، فالذي يسرع لوسيلة غير مشروعة ظناً منه أنها موصلة قبل المشروعة فهو واهم لأن الله خبير ، وهو الذي أمرك بالإقبال عليه وأن الإنغماس في الشهوات شقاوة وأن كل السعادة بطاعة الله ، فكل من اتبع الخبير يسعد ، قال تعالى:
[الكهف :الآية 28]
فحينما تسلك منهج الله تقطف الثمار اليانعة وحينما تحيد عن منهج الله تندم أشد الندم لأنك أسأت الظن بالخبير ، فيما يخص الآلات الثمينة والمعقدة وعظيمة النفع تعتقد بالبداهة والفطرة دون توجيه أن الذي صنعها هو الوحيد الخبير بها ، ولذلك تحتاج لكُتيِّب ، فإذا كان هذا في شأن هذه الآلة ، فما بالك في شأن نفسك التي تحوي أسراراً وخفايا لا يعلمها إلا الله فهي تحوي أفكاراً وشهوات وروحاً وجسداً وميولات وغرائز وطموحات وقيماً ومبادىء وكلها أمورٌ معقدة جداً ، أفلا يجعلنا هذا نقول إن لهذه النفس منهجا يوجهها ويسددها ، إنه منهج الله
[الملك : الآية 14]
الإمام الغزالي رحمه الله تعالى تكلم عن حظ العبد من اسم الخبير -هذا موضوع ثالث-ولقد سرنا في بحثنا هذا وفق النسق التالي: التعريف باسم الخبير ، التطبيقات العملية لاسم الخبير ، ومن ثم حظ العبد من اسم الخبير فقال : يجب أن يكون العبد خبيراً بأحواله وبإيمانه وخبيراً بمشاعره وأحوال قلبه والخفايا التي يتصف بها قلبه وخبيراً بإخلاصه واستقامته، فأقرب شيء منك جسمك ونفسك ، فلا بد أن تكون خبيرًا بقلبك ؛ هذه الخواطر التي تأتيك أمِن قلبك أم من نفسك أم من الشيطان ؟ وهل هي وساوس أم إلهامات ؟ وهل هذا العمل باعثه الإخلاص أم الرياء ؟ ينبغي أن تكون خبيراً بأحوالك ونفسك وقلبك ، وكسبِك للمال وإنفاقِه فاسم الخبير يقتضي أن تكون خبيراً بما أنت عليه لأن أول حركة لمعرفة أيّ مشكلة ، هي أن تعرفها أنها مشكلة ثم تحددها إذْ إنك لاتترك عملا إلا إذا علمت أنه ذنب فقبل أن تترك الذنوب ينبغي أن تعلم ما الذنوب؟ فأول خطوة نحو إصلاح النفس أن تعرفها وتعرف حقيقتها وألّا تنخدع بها .
لازلنا مع الإمام الغزالي في الحديث عن حظ العبد مع اسم الخبير قال : يجب أن يكون العبد خبيراً بما يجري في عالمه ، وعالمُه هو قلبه وبدنه والخفايا التي يتصف بها القلب من الغش والخيانة والتطوٌاف حول العاجلة وإضمار الشر وإظهار الخير والتجمل بإظهار الإخلاص مع الإفلاس ، ولا يعرف ذلك إلا صاحب خبرة بالغة قد خبِر نفسه ومارسها وعرف مكرها وتلبيسها فحاذرها وتشمر لمعاداتها ، فذلك العبد جدير بأن يسمى بين العباد خبيرًا ، لذلك من عرف أن الله خبير كان بزمام التقوى مشدوداً وعن طريق المنى مصدوداً ، وقال أحدهم : من أراد عِزاً بلا عشيرة وهيبةً بلا سلطان وغنىً بلا فقر فليخرج من ذل المعصية إلى عز الطاعة ، وقال بعض العلماء : لا يَنال الحظ الأوفر من هذا الاسم الشريف "الخبير" إلا من كان خبيراً بدسائس نفسه بصيراً بخدائع حسه ، يعرف الفرق بين خطرات الشيطان وإلهامات المَلَك بصيراً بإلهامات الرحمن ووساوس الشيطان ، وبعض العلماء لهم دعاء يتعلق باسم الخبير ، يقول هذا العالم الجليل : إلهي أنت الخبير بالدقائق والبصائر والمطَّلِع على السرائر والناظر إلى الضمائر تجلَّ لي بنور اسمك الخبير بلا حول مني ولا تدبير ، حتى أكون خبيراً بالأمور الغائبة عن الجهال وأنجو من الشرك الخفي وما هو أخفى في الأقوال والأعمال ، ويتجلى لي مولاي الخبير نِعْم المولى ونِعْم النصير ، لذلك فإليك الآية الكريمة :
[طه: الآية 7]
فمضمون هذه الآية : من لوازم خبرته أنه يعلم ما خفي عنك .
أيها القارئ الكريم : هذا الاسم له تطبيقان أساسيان:
-الأول : أن تعلم أنك مكشوف أمام الله ، لا تخفى على الله منك خافية .
-الثاني : أن تكون أنت خبيراً بأحوالك وخواطرك وقلبك وإيمانك ووساوسك وإلهامات الملائكة، فأنت خبير، وأن تعلم أنه خبير عندئذ تتحق لك الفائدة من هذا الاسم الجليل .
والحمد لله رب العالمين
****