المحاضرة رقم "49" : اسم الله : "الواسع"
بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
مع الاسم التاسع والأربعين من أسماء الله الحُسنى وهو الواسع ، فكلمة الواسع مُشتقّة من السَّعة ، والسَّعة تُضاف إلى العِلم إذا اتَّسَع وأحاط بالمعلومات الكثيرة ، وتُضاف مرةً أخرى إلى الإحسان وبَسْط النِّعَم .
يقول أحد العلماء في أسماء الله الحُسنى " اسم الواسع وهو الذي وَسِع غِناهُ كل فقير ورحمته كل شيء " أحياناً تطلب من إنسان مبلغاً يقول لك : هذا فوق طاقَتي إذْ أن دائرة مالِه لا تتَّسِع لهذا الإنفاق وأحياناً تطلب من إنسان أن يُعينَك فَيَقول لك هذا أمر لا أقدِر عليه فوق طاقتي ولا تتَّسِع له سُلطتي ووَجاهتي ، وأحياناً تسأله سؤالاً يقول لك لا أدري هذا لم يَبْلُغْه عِلمي فالإنسان محدود ؛ محدود في عِلمِه ، ومحدود في قدرتِه وماله وجاهِه وكل إنسان هناك من هو فوقَه .
إلاّ أن الله سبحانه وتعالى هو الواسع فَرَحْمَتُه وسِعت كل شيء وغِناه وسِع كل فقير وإحسانه شمَل كل مخلوق فلا تضيق دائرة علمه عن كل شيء ولا تضيق دائرة إحسانِه عن أيِّ شيء ولا تضيق دائرة قوَّتِهعما دونه فقُوَّته تتعلق بِكل ممكن وإحسانه يتعلق بِكل ممكن وعِلمه يتعلق بِكا ممكن فَكَلِمة واسِع وسِعت رحمتي كل شيء وسِع عِلمي كل شيء ووسِعت قدرتي كل شيء ووسِع غِناي كل شيء ، لِذلك قيل الواسع هو الذي لا نِهايَة لِسُلْطانِه فَنَحن لا نستطيع تصوُّر اللانِهائي فالطريق له نِهاية وهذه المجرّة لها نهاية وهذا الغني مهما عظُم ماله ينتهي عند رقمٍ وهذا الإنسان مهما بلَغ من جاهِه هناك شيء لا يستطيعُه مثلاً ؛ أمهر طبيب بِالعالم إذا مات المريض هل يُمكِنه أن يعيد له الحياة ؟ هذا شيء فوق طاقَتِه :
إنّ الطبيب له عِلم يُدلّ به إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رِحلتِه حار الطبيب وخانتْه العقاقير
إذًا فالواسع هو الذي لا نِهاية لِسُلْطانِه وبِالمناسبة الإنسان مُصَمّم ومهيَّأ إلى أن يتعرّف إلى الله إذْ لا تُملأ نفسه إلا معرفة الله أيّ شيء دون الله عزّ وجل بعد حينٍ يَمَلّ منه ، يُحيط به أولا وينتهي من التفكير فيه لِذلك حينما يغفل الإنسان عن الله عز وجل بعد أن تتحدّد دنياه يشعُر بِخيبَة الأمل ويشعر بالسّأم والضجر لا لِشيءٍ إلا لأن نفسه مصمّمة لِتَعْرِف اللانِهائي وتعرِف المطلق فإذا شغلها بِغَير المطلق وهو النِّهائي والمحدود سئِمت هذا المحدود وملَّته وضجِرت منه ، وقد تلاحِظ ببساطة أنّ الإنسان حينما كان شاباً يعيش بِالأحلام يتصوّر بيتًا مُعَيّنًا ويتمنى زوجة معيِّنة ومرْكَبة معيّنة فإذا وصل إلى نِهاية أهدافِه وتحدّدت حِرْفته وبيته وزوجته ودخْلُه وحُجِّم في آماله وأحلامه ، وصارتْ نفسك مصمّمة لِتَعرِف غير المحدود والمطلق واللانِهائي لكنك شغلْتَها بِالمحدود فالمحدود تسْتَوْعِبه سريعاً وتمَلّ منه .
أيها القارىء الكريم ، لن تسعد في الدنيا إلا إذا تطلَّعت إلى الله عز وجل وإلا إذا كان الهدف هو الله ، إلهي أنت مقصودي ورِضاك مطلوبي ما سِوى الله يُمَلّ وما سِواه تسأمه النفس وقد تتبرّم به فهو محدود بينما النفس متشوّقة أبدًا لِذلك الواسع الذي لا نِهاية لِسُلْطانه والواسع الذي لا حدّ لإحسانِه فلا يُحَدّ غِناه ولا تنْفَد عطاياه ولا يشغله معلوم عن معلوم ولا شأنٌ عن شأن.
أحياناً يتحدّث إليك شخص فَتَقول لشخص آخر يريد أن يكلمك في أمر ما : انتظر إلى أن ينتهي من حديثي هذا كي أتمكّن من الفهم عليك فلا يتَّسِع إدراكه لِسَماعِ صوتين ولا إلى أن ينصرِف إلى جِهتين فهو غير واسِع أما ربنا عزّ وجل معنى أنه واسع أيْ لا يشغله معلوم عن معلوم ولا شأنٌ عن شأن ، لو أنّ كل العِباد دَعَوْهُ في وقتٍ واحدٍ لَسَمِعهم جميعاً فإذا دعا الإنسان ربه واستجاب له وسمِع دعائه هناك من يظن أن الله سمِعه وحده ، ففي هذه اللحظة التي دعَوْت الله فيها كم مِن إنسان دعا الله تعالى فيها ؟ فإذا استَيْقظت إلى صلاة الفجر وذهبت إلى المسجِد وبعد الصلاة دَعَوْت الله فعلى مستوى البلد الواحد تجد آلاف المصلين في المساجد وبعد الفجر يقبل المصلون على ربهم بالدعاء ، وكل إنسان يتوجه إلى الله متوسلاً ، وكلهم يسعهم سبحانه في اللحظة ذاتها ، بينما الإنسان لا يستطيع أن ينصَرف إلى جهتين معاً ، حتى في علم النفس يقولون : إن الذي يبدو لك أنه يستمع إلى شخصين معاً إيّاك أن تصدِّق ذلك وإنما عنده ما يسمى سرعة التحوّل أما أن يستطيع أن يستوعِب حديثين معاً أوثلاثة فهذا غير ممكن ففي سَهرة مثلا تجد كل اثنين يتكلمان معاً فهل تستطيع أن تستوعب ما يقوله كل من يتحدّث ؟ لا تستطيع إذْ أنك لو انصرفت إلى شخصين نسيت الآخرين لكنّ الله عز وجل واسِع لا يشغله معلوم عن معلوم ولا شأن عن شأن ولا حال عن حال .
وقيل الواسع هو العالم المحيط علمه بِكل شيء وسِع علمه كل شيء ، أحياناً تركب بِمَركبة فترى كلّ شيءٍ أمامك مكشوفًا أما خلفك ما دون زاوية النظر لا تستطيع أن تحيط به ، لِحِكمة أرادها الله عز وجل ، عينا الطائر تُغَطِّيا ثلاثمئة وستين درجة ولكن قد لا تغطي تحته فهذه ثلاثمئة وستون درجة مستوِية فالإنسان سمعه محدود ، وبصره محدود ، وقدرته محدودة وإحسانه محدود .
وقيل هو الذي وسِع بِعِلمه جميع المعلومات ووَسِعت قدرته كل المقدورات واسِع الرحمة والغِنى والسلطان والعِلم والقدرة والإحسان .
وقيل هو الذي لا حدود لِمدلول أسمائه وصِفاته - هذا معنى جديد - فاسم الرحيم ليس له حدود ، واسم الكريم ليس له حدود ، واسم الغني والقوي كذلك وما معنى الله أكبر ؟ مهما عرفت عن أسمائه الحسنى فهو أكبر من ذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى زيد الخير قال له: يا زيد : والله ما وُصِف لي رجل إلا رأيته دون ما وُصِف .
أحياناً يقول لك الإنسان : المكان الفلاني قطعة من الجنة تذهب إليه وفي ذهنك تصوّر متنامٍ فإذا بك تجده أقل بكثير مما وُصِف لك ، قال له يا زيد : والله ما وُصِف لي رجل إلا رأيته دون ما وُصِف إلا أنت يا زيد ، قد تسمع عن إنسان فيتكوَّن عندك صورة وحجم .
لقد كان أحد الصحفيين من يعمل في حقل الإعلام فكان إذا أراد أن يلتقي مع أديب يقرأ له الكثير قبل لِقائه به وهذا الأديب أو الشاعر لا يظن أن هذا الصحفي يعرف عنه الكثير فإذا التقى به وسأله وأجاب جواباً غير علمي يرد عليه بِتحفّظ ويقول : قاله أحد النقاد فَيَنْكَمش وَيَنْكَمش ولما عوتِب هذا الذي يُجري هذه البرامج لماذا تحرج السائلين بِهذه الطريقة ؟ قال لأنني أحب أن أعيدهم لِحجمهم الطبيعي .
فالإنسان له حجم إلا أنّ هناك أشخاصًا لهم القدرة على الظهور بِأحجام أكبر من أحجامِهم أما في بعض الظروف الصعبة يُحَجَّمون ويعودون إلى حجمهم الأصلي وكل إنسان له حجم وله سقف ، فعندما ذكر ربنا عز وجل مقالة سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام :
(سورة المائدة)
فلو أننا وقفنا عند قوله تعالى : " وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ " يظن المرء أن ختام الآية فإنك أنت الغفور الرحيم " وليس كذلك بل قال فإنك أنت العزيز الحكيم ؟ قال بعض العلماء : " ما من إنسانٍ يعفو إلا ويُسْأل لِماذا عَفَوْت "، لو فرضنا موظف هل بِإمكانه أن يطوي تكْليفاً لِمكلَّف بِضريبة معيَّنة ؟ إذا طوى ضريبة وأعْفاه منها كُلِّياً يُسأل لماذا أعْفَيْتَه ؟ فالإنسان إذا أراد أن يعفوَ قد يكون عفوُه مأخذاً عليه أما الإله العظيم : " وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " لا يستطيع مخلوق أن يسألك لِماذاعفوْت عنه ؟ أنت المطلق لِقوله : " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
وكثيرًا ما تأتي خواتم الآيات على غير ما نتوقَّع قال تعالى :
(سورة الإسراء)
فما دام الذي أسرى بِعبدهِ ليلاً فالسياق يتطلّب وهو على كل شيء قدير لكن ختمت الآية إنه هو السميع البصير، يا رب ما علاقة هاتين الكلمتين اللتين هما اسمان من أسماء الله الحُسنى بِمضمون الآية ؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال بِالطائف ؟ قال : رب إن لم يكن بِك غضب عليّ فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى ، سمع الله دعاءه بالطائف فكان الرد الإلهي هذا التكريم : أي يا محمد سمِعْنا دعاءك في الطائف وهذا هو الجواب أنت الآن مُكرّم وقد أُريت ملكوت السماوات والأرض وقد نِلْتَ المقام الأول الذي لا ينبغي إلا لِواحِدٍ من خلقي ، فَخِتام الآيات له معنى دقيق ودقيق دقيق .
فمعْنى الواسع أن رحمته لا حدَّ لها وعلمه لا حد له وقدرته لا حد لها فهذا الاسم إذاً تعلّق بِكل أسماء الله كاسم الرحمن قال تعالى :
(سورة الإسراء)
اسم الواسع متعلق بكل أسمائه ، قال : واسِع المغفِرة وقيل الواسع الذي لا حدود لِمدلول أسمائه وصِفاته ؛ واسع العلم و واسع المغفرة و واسع الرحمة و واسع الملك .
بعض العلماء الذين تحدّثوا عن أسماء الله الحُسنى ذكروا أن الواسع الذي لا نِهاية لِبرهانه ولا غاية في سلطانه فهو واسِع في علمه فلا يجهل فأعلم عالم يقول لك مثلاً : غابت فكرة عني ويُؤلف كتاباً وبعد عشر سنوات تكون هناك مؤاخذات في الطبعة الثانية ، غابت عنه هذه الحقيقة وهذه الفكرة ، حتى الأئمة الكِبار أبو حنيفة النعمان غاب عنه حديث شريف ولو اِطّلع عليه لأدْلى بِحكمٍ آخر غير الحُكم الذي حَكَمَ به في موضوع الوقف ؛ وفوق كل ذي عِلمٍ عليم ، فالواسع الذي لا نهاية لِبُرهانه ولا غاية لِسُلطانه ، واسِع في علمه فلا يجهل ، وواسِع في قدرته فلا يعجل ، والله قدير ، والإنسان أحياناً يرى بعض المنحرفين يتحدّثون بِكلامٍ قبيح ، ويتحدَّون الذات الإلهية وينطِقون بِالكفر، والله جلّ جلاله بِقُدرته أن يسحقهم في ثانية واحدة فهو واسِع في علمه فلا يجهل ، وواسِع في قدرته فلا يعجل ، من فقرات (التذكير) قبل صلاة الفجر يقول المؤذّنون : وهو العاطي الذي لا يسأل وهو الكريم فلا يبخل وهو الحليم فلا يعجل ، فالإنسان أحياناً يعجل فَيَنْدم ، فالله هو العاطي الذي لا يسأل ، وهو الكريم فلا يبخل وهو الحليم فلا يعجل ، وإذا أعطى أدهش .
قيل هو الواسع في علمه فلا يجهل ، وواسِع في قدرته فلا يعجل ، وقيل : الواسع الذي لا يغرب عنه أثر الخواطر في الضمائر ، أنت قد تتأمل إنساناً وتتأمل قِوامه ، ولون جِلدهِ ، ولَون عَينَيه ولون شعره ، وثِيابه وألوان ثِيابه وأناقَتَه ، وإنسِجام الألوان في ثِيابِه ، وحركته ونظرته ولَفْتَته ونبْرة كلامه ، لكن هل تستطيع أن تكشِف بِماذا يفكِّر ؟ أو ما الذي يخطر بِبالِه ؟ لايمكن إذاً دائرة معلوماتك محدودة وقفت هنا ، أما الواسع هو الذي لا يغرب عنه أثر الخواطر في الضمائر فَكُل الخواطر التي تخطرعلى بالك هي في علم الله عز وجل .
وقيل الواسع الذي أفضالُه شامِلة وعطاياه كامِلة ؛ إذا أعطى أدهش كما قيل الواسع هو المطلق ، فَنَحن عِندنا محدود ومطلق ، فما سِوى الله محدود لكن هذا المحدود بالنسبة لنا غير محدود .
فالآن بعد مئات السنين من البحث والتأمل وصُنع المناظير العِملاقة والمراصِد الجبارة هل تصدِّقون أيها القراء الكرام أن بعض عدسات المراصِد يستمر تبريدها خمسة عشر عاماً ، هناك مَرْصد بِأمريكا استمرت مدة تبريده خمسة عشر عاماً من أجل أن يأتينا بِبَعض الكواكب التي لا تُرى بِالمناظير الصغيرة ومع ذلك يقولون لك : وصلنا إلى مجرَّة تبعد عناَّ أربعة وعِشرين ألف مليون سنة ضوئيَّة !! تقول لهم يا تُرى هل هناك مجرّة أبعد من هذا ؟ يقولون لك نعم لكن عِلمنا وصل إلى هذا الحد ، فهذا الكون الذي نعيش فيه هو نظرِياً محدود ، فما سِوى الله محدود ، والله مُطلق ، والكوْن بِالنِسبة إلى الله محدود بينما هو بالنِّسبة إلينا غير محدود، فَكيف خالق الكَون ؟
مثَلاً من باب التوضيحوضعنا رقم (واحدٌ) في دمشق ولو وضعنا عند نقطة بِدايته صِفراً ولفَّ هذا المرء العالم كم سَيَكون بينه وبين النقطة التي ينتهي إليها والتي هي منطلق بِدايته؟ لو أردت أن تحسِب هذا الرقم لَوَجَدْت أنه رقم خيالي ومع ذلك هو لا يساوي شيئا مع اللانهاية ، فأكبر عدد على الاطلاق إذا نُسِب إلى المالانِهاية فهو صِفر ، موضوع الأبد لا يستطيع العقل إدراكه فالجنة أبدية ، والإله مطلق لا نِهاية له ، وما سواه محدود .
سمعت بعض العارفين يقول : والله يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سُميت الواسع ، فالأرض تحمل ستة آلاف مليون إنسان ، ولْنُجْرِ إحصاءً على مستوى بلد واحد ، فهل هناك وَجْهٌ يشبِه وجهاً ؟ حتى لقد قيل لي : لو جِئنا بِآلة تصوير ملوَّنة ذات حساسية للألوان التي في البشر فلا تستطيع هذه الآلة أن تظهر الفروق التي بين الأشخاص ، إذْ إن كل شخصٍ له لَوْن أما هذه الآلة قد تظهر مئة شخصٍ بِلَونين أو ثلاثة فقط ، في حين أن كل شخصٍ له لون ونبْرَة صوت ورائحة جسم وكيمياء دم وهي البلازما وله شكل بِالقُزحِيّة وله بصمة وزُمرة نسيجية ، فأنت لا تُشبِه في العالم كلِّه إلا واحداً فالعلماء اكتشفوا الآن مليونين ونِصف مليون زمرة نسيجية ، إذًا الله واسع ؟
ائتِ بِالمهندس وقُل له صَمِّم لي بِناءً تجد أن تصميمه لهذا محدود ، كذلك لو رأيت المركبات هذه زاويتها حادة وبعد سنة منحنية وفي عام ثالث تصمم و لها خطوط ...إلخ فَتَجد أن الإنسان محدود إبداعه ، لكن تصوّر كم ورقة نبات في الأرض ؟ هناك ورقة إبرية وتلك مسنَّنة إلخ ، ألف نوع من النبات الذي لا يُعد ولا يُحصى ، وهذا النبات الذي يُوضع بالردهه أو بالليوان له خصائصه التي ينفرد بها ، فالواسع الذي لا حدود لإبداعه ، ونحن إبداعنا محدود ، ولو قيل لنا اكتَشفنا إنساناً في المريخ لكان شكله معروفاً لدينا ؛ رأس ورجلين ويدين ، وبِالبحر مليون نوع من السمك فهناك سمك بِشكل زهور وسمك شفاف ترى أمعاءه بِداخِله والآخر أسود فاحِم وهناك من السمك الذي يلقي سحابة أمامه دِفاعاً عن نفسه وهناك الذي يلقي تياراً كهربائياً بقوة ستة آلاف فولت ، شيء عجيب ، وأنواع الطيور لا تُعد ولا تُحصى ، والزواحِف والوُرود ، مرّة اطَّلعت على ثمانية عشر مجلّداً وكل مجلد ثمانين صفحة وكل صفحة حوت بصلة نبات وليس في الكتاب إلا الأبصال ، أوضح مثل وُجوه البشر كلها ذات أنفٍ وعينين وفم ، فهل تستطيع أن تصنع خمسمئة ألف مليون وجه دون تكرار ؟ هذه البصمة يمكن أن نكبِّرها على مستوى متر مربع ، ولو عرضنا خمسة عشرة ألف بصمة لا يُمكن أن تتشابه بصمتان ، والبصمة تحوي مئة نقطة فلو تشابهت سبع نِقاط لَكانتاَ لإنسان واحدٍ ومع ذلك هناك جزر وفروع وأغصان وخُلجان ورؤوس كل هذا بِالبصمة ، وبعض المجرمين استغل هذا الأمر واستأصلوها وضعوا من لحمهم رقعَةً حتى إذا ارتكبوا جريمة لا يعودون إليهم وبعد حين ظهرت على النسيج الذي وُضِع كرقعة خطوطُ البصمةِ الأصلية قال تعالى :
(سورة القيامة)
البصمة تقوم عند كل إنسان مقام التوقيع التوقيع ، وهناك الآن بعض الأقفال لا تفتح إلا على قزحيّة العَين نظَراً لأنه ليس في الأرض إنسان واحد يشبِهك في قُزحِيَّة العَين ، إذْ ينعدم في الأرض وجود تشابه قُزَحِيتن لإنسان ، فالواسع لاحدود له ، وكل أسمائِه لا حدود لها ، فالله مُطلق بينما المخلوق محدود .
فالله هو الواسع ؛ إذا نظرنا إلى عِلمه فلا ساحِل لِبَحر علومه، وإذا نظرنا إلى إحسانه ونِعَمِه فلا نِهاية لإحسانه ، وكل سَعَة وإن عظمت تنتهي إلى طرف ، فأكبر محيط هو المحيط الهادي ، فلو ركِبته بعد شهرين تصِل إلى شاطىء حيث ينتهي المحِيط الهادي ، والقمر وصل إليه رُواد الفضاء وكذلك المشتَري وصلوا إليه ، فكل شيء مهما بدا لك واسِعاً له حدّ ونِهاية .
ولنا من بعد وقفة مع الآيات الكريمة التي ورد فيها اسم الواسع قال تعالى :
(سورة البقرة)
عِلمه واسِع وقال تعالى :
(سورة البقرة)
في الآيتين السابقتين اقترنت السَّعةُ بِعِلمِه ، وكذلك في الأآية التالية ، قال تعالى :
(سورة البقرة)
علِم إخلاصَك في هذا الانفاق فهو واسِع في عطائه لك ، وواسِع في عِلمه فلا يعزب عنه مثقال ذرة ، قال تعالى :
(سورة البقرة)
وقال تعالى :
(سورة آل عمران)
هنا معنى دقيق الدلالة ، ففي الحياة الاجتماعية والوظيفية هناك مناصِب ؛ فهناك مدير دائرة ، وهناك موظف بالدرجة العاشِرة وهذا المنصب يقال لك : شُغِل ولا سبيل للارتِقاء إليه حتى يُزاح الذي فوقك فليس من شواغر فالعطاء ليس واسٍعاً ، لكن الله تعالى يَسَع فضله الخلق كله ، فلا يحسد إلا الجاهِل:
قُل لِمن بات لي حاسِداً أتدري على من أسَأت الأدبا
أسأت على الله في فِعله إذْ لم ترض لِي ما وهبـا
فليتق المرء بعطاء ربه و ليطلب منه فهو سبحانه واسع عليم ، فالإنسان عطاؤه محدود لكن الله واسِع ولا حدود لِفَضْله فَبَدَلَ أن تحسد الناس اِسْعَ في طلب ما عند الله كما طلبوا من الله لذلك قال تعالى :
(سورة آل عمران)
لو أن العِباد كلهم كانوا كَمُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلّم لأَعْطاهم مِثل ما أعطى محمّداً طبعاً إلا النبوة ، والله واسِع عليم ، فاسم الواسع يتناقض مع الحسد لأن الحاسد لا يرى ما عند الله من خير عميم ؛ قال له :
عن هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ اللَّهمّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ *
(رواه البخاري)
اللهم ارحمني ومُحمَّدا ولا ترحم معنا أحداً ، فقال عليه الصلاة والسلام : لقد حجَّرْتَ واسِعاً ، لو أن الخلق جميعاً كانوا على أتقى قلب رجلٍ في البشر لَوَسِعهم فضل الله عز وجل ، كلمة واسع كلمة رائعة جداً ؛ والله واسع عليم قال تعالى : " قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " ، أي : يعطيه من يشاء من عِباده .
وقال تعالى :
(سورة المائدة)
لا تحسُد ولا تتمنّ ما عند أخيك بل اُطلب من الله ولا تتمنّ ما فضَّل الله بعض الناس على بعضهم ، وأصغِ سمعك لقول الشاعر ففيه معنى رائع في الموضوع الذي نحن فيه :
لا تسألَنّ عن السبب ملِك الملوك إذا وَهَب
وأنا عدّلْته وقلت :
ملك الملوك إذا وهب قُم فاسْألنّ عن السبب
الله يعطي من يشـاء فَقِف على حـدِّ الأدب
لاتحسدْ ، وإنما تنافس مع أخيك دون أن تحْسُده قال تعالى :
(سورة المطففين)
لأن فضل الله واسِع يؤتيه من يشاء ، وقال تعالى :
(سورة النور)
لو كان إنسان يساعِد الفقراء لَضَجِر تبرّم أحياناً ، وقال كفاكم ، لقد سَئِمت لأنه ليس واسٍع ، ولكنهم لو سألوا الله عز وجل لوجدوا عطاءه واسعاً دافقاً وقد قال رسول الله فيما يرويه عن ربه تعالى :
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَه*
(رواه مسلم)
كُن فَيَكون وزُلْ فيَزول ، هناك أشخاص لهم مبالِغ طائلة أربعة آلاف مليون دولار ، فهذا الإنسان لو اشترى أفضل منزل وأفضل جزيرة وأفضل يَخْت ، هناك يُخوت ثمنها عشرون مليون دولار، لربما ضاق ذرعًا خوفا على المال أن ينفد ، والنبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال فيما يرويه عن ربه : " فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْر " .
اركب البحر واغمس إبرة فيه وارفَعْها ثم انظر ماذا أخذت من ماء البحر ، فهذا الذي أخذته هي الدنيا والبحر هو الآخرة ، و الله واسع عليم ، فالإنسان مهما غنِيَ وتنَعَّم وقوِيَ وانغمس في الملذات والشهوات كل هذا لا يساوي من الآخرة مثقال ذرة إطلاقاً : عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ *
(رواه الترمذي)
فالدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، قال تعالى :
(سورة النساء)
يعني إذا أساء الزوج إساءة بالِغة لِهذه الزوجة وتَفَرَّقا يُرْسِل الله لِهذه الزوجة المظلومة زوجاً أغنى وألطف وأحب والله واسع عليم
قال تعالى :
(سورة الأنعام)
وسِع ربي كل شيء عِلماً : أيْ لا تخفى عليه خافِيَة ، فالله يسمع دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، فهل تستطيع أنت أيها الإنسان أن تسمع دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ؟ لذلك وسِع ربي كل شيء عِلماً ، وهل تستطيع أن تقرأ خواطِر الحاضرين معك ؟ الله واسع عليم .
كل تلك الآيات تبيِّن سَعَة فضْلِه وسَعَة عِلْمِه ، أما هذه الآية فهي تبيِّن سَعَة رحمته قال تعالى :
(سورة الأعراف)
فهذه الآية مطمئنة ، تطمئن إليها النفوس حتى الجانحة منها فلعلها تئوب ، فالله قال وسِعت رحمتي كل شيء فأنت داخِل رحمة الله عز وجل قال تعالى :
(سورة طه)
وقال تعالى :
(سورة غافر)
فالإنسان العالم ليس بِيَده شيء ، والإنسان الرحيم ليس بِعالم ، أمّا أن تجتمع الرحمة مع العِلم فهذا فضل واسع ! فهناك رحمة مع جهل ، وعِلم مع قسْوَة لكن ربنا "وسِعتَ" كل شيءٍ رحمةً وعِلماً فاجْتِماعُهما شيء تلتذ به النفوس و تنشرح له القلوب ، تجد شخصاً من أذكى الخلق لكنه لئيم وقلبه كالصخر ، وأحياناً يقابلك شخص قلبه يفيض بالرحمة ولكنه جاهِل فلا هذا يعجِبك ولا ذاك ، أما أن تجتمع هاتان الخصلتان قال تعالى : " رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " .
وقال تعالى :
(سورة الذاريات)
هذه الآية تتفق مع أحدث نظرية في الكون وهي تمدّد الكون .
الواسع هو المُطلق لا يشغله معلوم عن معلوم ولا شأنٌ عن شأن ولا مسموع عن مسموع ولا دعاء عن دعاء ، وسِع إحسانه جميع الخلائق ، ولا يمنعه إغاثة ملهوفٍ عن إغاثة غيره ، وبعض الأئمة يُرجِّحون أن اسم الواسع جاء عَقِب اسم المجيب ، وأنَّ التقدير إذا سأله سائل كيف يمكنه إجابة جميع الخلائق ؟ كيف يسمع أصواتهم مرة واحدة ؟ وكيف يعلم ضمائرهم دفعةً واحدة ؟ وكيف يستطيع تحصيل مراداتهم جميعاً ؟ الجواب هو واسع عليم .
قد يسأل المرء نفسه أحياناً كيف أن الله يستمع لِجميع المخلوقات ويُجيب جميع الخلائق ويعلم كل الضمائر ؟ والجواب إنه واسِعٌ عليم وكأن السعة و العلم متعلقان متعلِّق بِالمجيب والحديث الشريف :
" إنكم لن تسَعوا الناس بِأموالكم فسَعُوْهم بِأخلاقكم ، المال يضيق ولكن الخلق أوسع " .
ويحلو لي أن أختم البحث بما يلي : ، من أدب التَّخلّق باسم الواسع : أن يتَّسِع خلُقُك ورحمتُك لجميع عباد الله ؛ فقد يكون عطْفك كله لأولادك ، وأحياناً لأقرِبائك وتضيق دائرة رحمته عن الغرباء ، وتحب أسرتك وعشيرتك وقبيلتك أما المؤمن فكلما إزداد إيمانه تتَّسِع دائرة رحمته لِكل الخلائق .
عندما جاء جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم بعد أن اسْتَخَفوا به في الطائف وبعد أن سَخِروا منه وكذَّبوا دعْوَته وأَغْرَوا سُفهاءهم بِإيذائه جاءه جبريل وقال :
أَنَّ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِيَالِيلَ بْنِ عَبْدِكُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا *
(رواه البخاري)
فالنبي عليه الصلاة و السلام قال: لا يا أخي . اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ، طبْعاً لا بد من باب الموازنة فما منا من أحد لو أساء إليه آخر إساءة نافذة إلا ويتمنى أن يُقَطِّعه إرْباً إرْباً لكن النبي صلى الله عليه وسلّم وسِعت رحمته خصومه وأعداءه والذين كذَّبوه وسخِروا منه واسْتَخَفوا به والذين أَغْرَوا سفهاءهم بِإيذائه هؤلاء وسِعتهم رحمة النبي عليه الصلاة والسلام ، فمن أدب التخلق بِهذا الاسم أن تتَّسِع رحمتك لِكل عِباد الله من كل الأجناس ، والمؤمن أوسع مدى من ذلك فحتى الحيوانات يرحمها ؛ إنكم لن تسَعوا الناس بِأموالكم فسعَوْهم بِأخلاقكم لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام لما سمِع الأعرابي يقول : اللهم ارحمني ومحمّدا قال له لقد حجَّرْت واسِعاً .
الإمام الغزالي يقول : " تأدُّباً مع اسم الواسع ينبغي أن تتَّسِع دائرة عِلمك لأن الله عالم ويحب كل عالم وأن تتَّسِع دائرة إحسانِك ودائرة عَفْوِك لتشمل كل الناس " ، فهناك قلب صغير وهناك قلب كبير يتَّسِع لكل الناس ولكل التجاوُزات والعَنْعَنات والحماقات ، بينما هناك من ينفجِر قلبه ويضيق ويكيل الصاع صاعين ، والعوام يقولون : "الوعاء الأكبر يتَّسِع للأصغر" فأنت كلما كبرت عند الله اِتَّسعت نفسك لكل الخلائق ، والكبير يسَعُ الصغير ، والحليم يسع الأحمق ، والعالم يسع الجاهل ، والغني يسع الفقير ، فهذا هو التطبيق العملي لهذا الاسم وهو أن تتَّسِع في علمك ورحمتك وإحسانك وعَفْوِك .
الإنسان الواسع يتّسع للحسود مثلاً ولغيره ، ولكل من أساء إليه لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
قال سهل بن عبدالله: كلم الله موسى بطور سيناء. قيل له: بأي شيء أوصاك ؟ قال: بتسعة أشياء، الخشية في السر والعلانية، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغني، وأمرني أن أصل من قطعني، وأعطي من حرمني، وأعفو عمن ظلمني، وأن يكون نطقي ذكرا، وصمتي فكرا، ونظري عبرة .
قلت: وقد روي عن نبينا محمد أنه قال : أمرني ربي بتسع : الإخلاص في السر والعلانية والعدل في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمن ظلمني وأصل من قطعني وأعطي من حرمني وأن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة .
والحمد لله رب العالمين
****