* مـــــــــقـدمة *
إن الذي يدفع المنتجين إلى عرض منتجاتهم في السوق هو جانب الطلب من قبل المستهلكين وبمقتضى عرض السلع والخدمات القيام بعمليات الإنتاج المختلفة.
وقد تطورت نظرية الإنتاج كغيرها من النظريات الاقتصادية الأخرى تطورا كبيرا منذ عهد الطبيعيين، فقد نظر الطبيعيون إلى الإنتاج على أنه خلق المادة، ولهذا اعتبروا الزراعة هي العمل المنتج الوحيد فالأرض في رأيهم تعطي الكثير من الطيبات من بذور قليلة ولهذا فهي منتجة، بينما نظروا إلى التجارة والخدمات الأخرى على أنها أعمال غير منتجة.
ولكن بعد أن قام النظام الاقتصادي الحديث على التخصص لم يعد هناك احتمال لتقسيم الأنشطة المختلفة إلى منتجة وغير منتجة.
وذهب الفكر الحديث إلى اعتبار الإنتاج ليس خلق المادة كما ظن الأولون، وإنما هو خلق المنفعة، أو إضافة منفعة جديدة. بمعنى آخر إيجاد استعمالات جديدة لم تكن موجودة مكن قبل. فالخالق ليس من صنع الإنسان، وإنما هو من عمل ينفرد به الخالق المبدع سبحانه وتعالى، وكل ما في طاقة الإنسان ومقدوره إنما هو تغيير شكل المادة بما يتناسب وطرق إشباعها للحاجات.
بما أن الإنتاج هو مجموع السلع والخدمات التي نحصل عليها بتضافر عناصر الإنتاج المختلفة ولتوفير تلك السلع والخدمات كثيرا ما يحتار الإنسان حين يحاول العثور على إجابة شافية على سؤال مثل: ماذا نعني ( حياة أفضل التي يسعى إليها دائما). أليست هذه مسألة شخصية تختلف من فرد لآخر ومن مجتمع لآخر؟. بل أليست هي مسألة نسبية تختلف من وقت لآخر ومن طرف لآخر . ومع هذا فنحن نتفق مع هؤلاء الاقتصاديين الذين رؤوا في عملية التنمية في هذا الوقت من القرن العشرين إنها تلك الجهود التي تسعى لتحقيق ثلاث إنجازات أو ثلاث قيم أساسية تشكل جوهر التنمية وهدفها النهائي لا يختلف كثيرا عن الشكل الذي تتخذه عملية الإنتاج في مجتمع معين. وفي فترة زمنية معينة وهذه الأهداف نذكر منها:
أ- إشباع الحاجات الأساسية للأفراد: للفرد (احتياجاته الأساسية والتي بدونها تصعب الحياة كالمأكل والمسكن والملبس والعلاج والحماية من الشرور والأعداء والأمن الداخلي والدفاع الخارجي). وإذا حدث غياب أو نقص شديد في عرض واحدة من هذه الاحتياجات أمكننا القول أن أحد مسببات التخلف قد تواجدت ولا تتوفر هذه الاحتياجات سالفة الذكر إلا بالعملية الإنتاجية (الإنتاج).
ب- تحقيق الذات وتأكيد الشعور بالإنسانية لدى الجميع:
أن يشعر الإنسان أنه إنسان وأنه ليس مجرد (أداة). لخدمة الآخرين أو مجرد آلة ضخمة تديرها وتحركها أو توقفها قوى أكبر منه. وأن يشعر أنه له كيان يحترم كرامة تؤخذ في الحسبان عند التعامل معه من جانب الدولة أو المجتمع شرف تحرص القيم السائدة على حمايته. واعتراف بإنسانيته في مواجهة الجميع هذا كله جانب آخر لمعنى الحياة الطيبة.
ج- إتاحة الحرية والقدرة على الاختيار: ونعني هنا الحرية بالمفهوم الاقتصادي في التحرر من استعباد الظروف المادية والحاجة والعوز، والتحرر من قهر الظروف البيئية والثقافية للإنسان والتحرر من العبودية في مجال العمل والتحرر من عبودية الإنسان (امرأة أو طفل أو رجل). للإنسان في مجال العبادات والمعتقدات والتي تعيق انطلاق الإنسان من أجل تحقيق حياة أفضل لنفسه ولمجتمعه.
وإتاحة فرص لحصول الأفراد على احتياجاتهم الأساسية من مأكل وملبس ومسكن وحماية دون قيود. وبالتالي تنويع رغباتهم مما يخلق المنافسة في الإنتاج.
وبالتالي فالإنتاج هو المادة الأولية التي تستخدمها دولة من الدول للحصول على تنمية اقتصادية تتماشى مع نظام الاقتصادي العالمي الجديد.
المبحث الأول: الإنتاج
المطلب الأول: تعريف الإنتاج
لقد تعارف الاقتصاديون على إطلاق الإنتاج على:
أولا: هو تلك العمليات التي تغير من شكل المادة فتجعلها صالحة لإشباع حاجات ما أو بعبارة أخرى تلك العمليات التي من شأنها خلق المنفعة أو زيادة المنفعة وهذه هي المنفعة الشكلية مثل تحويل الخشب إلى كراسي أو موائد...الخ.
ثانيا: عمليان نقل من مكان تقل فيه منفعة الشيء إلى مكان آخر وتزيد فيه المنفعة دون تغيير شكلها.
ثالثا: هي عمليات التخزين حيث يضيف التخزين منفعة إلى السلعة، هي الاحتفاظ بها لحين حاجة الناس إليها، وقد يقتضي التخزين إجراء بعض العمليات الشكلية ولكنها محفظة بمادتها الأصلية فيطلق عليها المنفعة الزمنية مثل الاحتفاظ بالفواكه والخضروات عن طريق التبريد.
رابعا: هي الخدمات التي من شأنها تسهيل عملية التبادل، فالتبادل من شأنه أن يزيد من المنفعة، والمنفعة التي تنتج عن هذا الطريق يطلق عليها المنفعة التمليكية.
خامسا: وإن أصحاب المواهب العقلية كالمهندس والمدرس والطبيب والمحامي، ومؤسسات النقل والسياحة وغيرها هؤلاء جميعا يقدمون عملهم للأفراد هم في مسيس الحاجة إليها وهم وإن يشبعون هذه الحاجات، إنما يقومون بالإنتاج وإن لم يكن في صورة مادية.
نخلص من ذلك إلى أن العملية الإنتاجية لا تعني عملية الخلق ذاتها وإنما تعني خلق المنفعة أو زيادتها، وهي بهذا تشمل السلع والخدمات ويتم التبادل في السوق عن طريق الأثمان.
وهذه الأثمان لا تتوقف على طلب المستهلكين على هذه المنتجات فحسب، وإنما أيضا على تكاليف الإنتاج.
غير أن التكاليف بدورها تعتمد على كميات العوامل المختلفة اللازمة لإنتاج منتج معين من ناحية، وعلى الأثمان التي يجب أن تدفع لوحدات هذه العوامل في مقابل استخدامها في الإنتاج من ناحية أخرى.
المطلب الثاني: عناصر الإنتاج
يتفق الاقتصاديون المعاصرون على تقسيم عناصر الإنتاج إلى أربعة أقسام وهي الأرض (الطبيعة)، والعمل ورأس المال والتنظيم (الإدارة)، وفيما يلي توصيف لتلك العناصر:
1- الأرض أو الطبيعة: يطلق لفظ الأرض أو الطبيعة على كل مستلزمات الإنتاج التي أمدتنا بها الطبيعة وهذه تشمل الصفات الطبيعية والكيماوية والحيوية والتضاريسية للأرض بالإضافة إلى ما يحتويه باطنها من مناجم وبترول أو مياه جوفية. كما يشمل هذا المعنى العوامل والظروف المناخية التي تحيط بنا.
2- العـمـل: يقصد بالعمل هنا الجهد الذي يبذله الإنسان ذهنيا كان أو جسمانيا، أثناء قيامه بإنتاج السلع والخدمات الاقتصادية، لذا فإنه يعتبر واحد من الأنشطة الاقتصادية التي تعمل على إيجاد حل للمشكلة الاقتصادية التي تواجه المجتمع ككل، وترجع الفائدة من مساهمة عنصر العمل في الإنتاج إلى قدرته الإنتاجية وبالتالي قدرته على خلق أو زيادة منفعة السلع والخدمات التي يشارك في إنتاجها ويتطلب العمل من الإنسان أن يضحي بعدد من ساعات يومه يقضيها في العمل، هذا بالإضافة إلى الجهد الذهني أو الجسماني الذي يبذله خلال ساعات العمل.
وكلما زادت الساعات التي يخصصها الفرد للعمل كلما زاد بالتالي إنتاجه ولكن ليست هذه العلاقة علاقة طردية مطلقة لأن الإنسان يتعرض إلى التعب.
ولقد اختلف الاقتصاديون الأوائل في نظرتهم إلى العمل، فالاقتصاديون الطبيعيون كانوا يعتقدون أن الأرض هي العنصر الإنتاجي الوحيد وأن العمل الزراعي وحده أيضا قادر على خلق إنتاج من التربة الزراعية في حين أن البعض الآخر وعلى رأسهم آدم سميث كانوا يعتبرون أن العمل هو العنصر الإنتاجي الوحيد، وأن القدرة الإنتاجية للأرض ممثلة فيما تحتويه من معادن، أو مواد عضوية، وماء، وهواء تتحول إلى حاصلات زراعية بفعل الإنسان وأن العمل المنتج هو الذي يؤدي إلى زيادة الكميات المنتجة من السلع المادية الملموسة، أما العمل المستخدم في إنتاج السلع الغير ملموسة أي الخدمات كالخدمات الترفيهية.
ولقد أدى تقسيم العمل والتخصص إلى زيادة قوة العمل المتاحة وزيادة قدرتها الإنتاجية، ولقد كان آدم سميث أول من نادى بتقسيم العمل ويقصد بذلك أن تقسيم العمليات الإنتاجية سواء على الوحدة الإنتاجية أو المستوى القومي أو المستوى الدولي إلى عمليات إنتاجية صغيرة يقوم كل عامل أو مجموعة من العمال بالتخصص في عملها، وبذلك يزداد الإنتاج الكلي وتتوقف إمكانية تقسيم العمل على عوامل كثيرة أهمها نوع العمل أو طبيعته، حجم الأسواق التي يوجه إليها الإنتاج ومدى توفر رؤوس الأموال اللازمة.
3- رأس الـمـال:
تطلق كلمة رأس المال على السلع الإنتاجية أو الرأسمالية أو الاستهلاكية التي يقوم الإنسان بإنتاجها لتساعده على إنتاج السلع والخدمات الأخرى سواء كانت إنتاجية أو استهلاكية أي الثروة التي يستخدمها الإنسان في خلق ثروات أخرى لذا يدخل في هذا التعريف سلع رأسمالية مثل المصانع بما فيها من آلات وعدد وسلع نصف مصنعة والمواد الأولية أو الخام، والسلع الاستهلاكية تشمل المنازل والسلع الغذائية...الخ.
ويذهب بعض الاقتصاديون إلى أن عنصر الأرض والطبيعة يدخل ضمن مفهوم رأس المال معللين ذلك بأن الأرض تعطي قدراتها الإنتاجية على دفعات متعددة شأنها في ذلك شأن السلع الرأسمالية الأخرى وتبعا لذلك ف‘ن عنصر رأس المال يشمل كل شيء سواء كان مصدره الطبيعة أو من صنع الإنسان يستخدم في الإنتاج فيما عدا عنصر العمل.
4- الإدارة أو التنظيم : الإدارة ماهي إلا نوع من أنواع العمل ولكنه يتميز بصفات خاصة وله أهمية كبرى في عمليات الإنتاج لذا فإنه يعتبر عنصرا، ويقوم بالإدارة فرد واحد أو مجموعة من الأفراد مسؤوليته عن إصدار القرارات الخاصة بكمية الإنتاج ومواصفات الإنتاج وكيفية الإنتاج وغيرها من القرارات المتعلقة بعمليات الإنتاج والتسويق وغيرها. وغالبا ما تقع مسؤولية نجاح المشروع أو فشله على مدى قدرة الإدارة وكفاءتها.
الجمع بين عناصر الإنتاج: إن إنتاج سلعة أو خدمة ما يتطلب الجمع بين عنصرين على الأقل من عناصر الإنتاج، فلو نظرنا إلى بدء الخليقة لوجدنا أن الإنسان الأول قد حصل على ما يحتاج إليه من غذاء وكساء عن طريق الجمع بين عنصرين من عناصر الإنتاج أولهما الأرض التي وهبتها له الطبيعة وجهده الجسماني أي العمل، وبمرور الزمان لجأ الإنسان إلى النظام القبائلي لما فيه من تأمين لحياته وتحقيق لرغباته وحاجاته المتعددة، ثم بدأت كل قبيلة نظرا لازدياد حاجات أفرادها في تقسيم العمل بين أفرادها وبدأت أيضا في إنتاج بعض السلع الإنتاجية التي استخدمت في عمليات الإنتاج المختلفة وبازدياد حجم القبائل على مر الزمان بدأت الأفراد والأسر تستقل بحياتها عن القبيلة وصحب ذلك زيادة مطردة في رغباتهم وحاجاتهم، مما يستلزم إنتاج سلع وخدمات بكميات كبيرة، لذا كان لزما على عناصر الإنتاج الأربعة أن تتعاون وتتضافر على تحقيق غاية كل مجتمع في أن يشبع رغبات أكبر عدد ممكن من أفراده عن طريق استغلال موارده المحدودة بكفاءة اقتصادية.
المطلب الثالث: التكاليف
* تعريف التكاليف: كلمة التكاليف لها معاني كثيرة فالنسبة لرجل الأعمال نجد أن المفردات التي تشتمل عليها كلمة التكاليف تختلف باختلاف الأغراض ولكنها تشتمل بصفة عامة كل المدفوعات اللازمة لإنتاج منتج معين كالأجور وأثمان المواد الخام وفوائد رؤوس الأموال المقترضة. أو بعبارة أخرى فإنها تمثل المدفوعات الفعلية.
* طبيعة التكاليف: تنقسم التكاليف من حيث طبيعتها إلى تكاليف نقدية وتكاليف غير نقدية.
أولا: النقدية: هي التي تأخذ شكل مدفوعات تعاقدية تلتزم بها المؤسسة قبل الغير أو كل المصروفات التي تدفع نقدا.
ثانيا: غير النقدية ( الأعباء الدفترية): المؤسسة ليست مجبرة على القيام بمدفوعات للغير ولكن من ناحية أخرى يتعين على أصحاب هذه العوامل الحصول على تعويض مقابل تقديمها للمؤسسة وإلا فأنهم سوف يقومون بتقديمها للغير نظير مبلغ نقدي.
أنواع التكاليف:
أولا: التكاليف الثابتة: هي التكاليف التي يجب أن تتحمل بها المؤسسة بصرف النظر عن حجم الإنتاج ولو كان الإنتاج صفرا. أو هي لا تتغير بتغير الإنتاج.
ثانيا: التكاليف المتغيرة: هي التي تتوقف على حجم الإنتاج ويمكن تعريفها بأنها تكاليف التي لا تكن لتوجد إذا لم يكن هناك إنتاج. والتي تتغير بتغير معدل المنتج (الإنتاج). فنخلص أن للتكاليف علاقة لصيقة بالإنتاج وكميته. فالمؤسسات لا تستطيع تحديد سعر بيع المنتوج إلا بالنظر إلى تكاليف إنتاجه.
وكذلك تحليل تكاليف العائدة لكل عنصر من عناصرها ومقارنتها بأي المقاييس سواء معيارية وتقديرية للتعرف على المسببات هو الذي يساعد الإدارة في الرقابة على التكاليف عن طريق اتخاذ الإجراءات المصححة في الوقت المناسب مما يساعد على اتخاذ القرار في كيفية ونوعية إنتاج منتوج يتماشى مع رغبات الأفراد.
المبحث الثاني: التنمية الاقتصادية
التنمية هدف تسعى لتحقيقه كافة الأمم والشعوب وبينما يشكل النمو الاقتصادي Elonomic growth أحد المكونات الهامة لعملية التنمية إلا أنه لا يعد المكون الوحيد إذ أن التنمية ليست ظاهرة اقتصادية بحتة. إنها تغيير جذري يمتد لينس ما هو أبعد من الجوانب المادية والمالية لحياة الناس. والتنمية يجب النظر إليها باعتبارها عملية متعددة الأبعاد وتتضمن إعادة تنظيم وتوجيه الأنظمة والهياكل الاقتصادية والاجتماعية في بلد ما. ولفهم ما تعنيه عملية التنمية علينا أن نتتبعها في ثوبها التقليدي ثم في تطورها بالمفهوم الحديث.
المطلب الأول: مفهوم التنمية
1- التنمية بالمنظور التقليدي:
كانت استراتيجيات التقليدية للتنمية ترتبط إلى حد الإلتصاص بفكرة التعديل المخطط لهياكل الإنتاج والعمالة بحيث يقل نصيب الزراعة في كليهما بينما يتزايد الاتجاه للتصنيع بقدر المستطاع. ثم يأتي فيما بعد وفي ركاب عملية التنمية بهذا المفهوم الاقتصادي البحت الاهتمام ببعض التعديلات في المجالات غير الاقتصادية مثل الارتفاع بمستويات التعليم والصحة والسكان والخدمات الأخرى.
وإن مشاكل الفقر والبطالة وتوزيع الدخل أخذت مكانا خلفيا في غمرة الاهتمام بالارتفاع بمعدلات نمو الدخل القومي الإجمالي طبقا لهذا المفهوم التقليدي للتنمية.
2- المفهوم الاقتصادي الحديث للتنمية:
انبرت أقلام العديد من الاقتصاديين وواضعي السياسات الاقتصادية في مهاجمة شعار" النمو الاقتصادي". كهدف نهائي للتنمية وكمعيار لقياس درجة نجاحها وأعيد تعريف التنمية الاقتصادية في منتصف السبعينات لتصحيح ( عملية خفض أو القضاء على الفقر وسوء توزيع الدخل والبطالة...وذلك من خلال الرفع المستمر لمعدلات النمو الاقتصادي باختصار أصبحت التنمية عدالة توزيع من خلال النمو الاقتصادي. ومن ثم فالتنمية هي تلك العملية المتعددة الأبعاد والتي تتضمن إجراء تغييرات جذرية في الهياكل الاجتماعية والسلوكية والثقافية والنظم السياسية والإدارية جنبا إلى جنب مع زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة في توزيع الدخل القومي واستئصال جذور الفقر المطلق في مجتمع ما.
المطلب الثاني: الفرق بين النمو والتنمية الاقتصادية
يفرق جمهور الاقتصاديين بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية. أما النمو فيقتصر معناه على مجرد الزيادة في إجمالي الناتج القومي أو الزيادة في إجمالي الناتج القومي أو الزيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي.
وأما التنمية فهي تتضمن كما رأينا من قبل – مفهوما أوسع من ذلك – إذ لا تتوافر للتنمية متطلباتها ما لم تكن هذه الزيادة في الناتج القومي مصحوبة بتغيرات جذرية في الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. والتنمية الاقتصادية هي في الواقع ( عملية تحقيق زيادة سريعة، تراكمية ودائمة، في الدخل الفردي الحقيقي عبر فترة ممتدة من الزمن).
بينما يستخدم اصطلاح النمو الاقتصادي للتعبير عن التطوير الاقتصادي في البلدان المتقدمة التي تتمتع بهياكل اقتصادية، اجتماعية، سياسية، سليمة وقوية، نجد أن استخدام اصطلاح التنمية الاقتصادية يتلاءم وظروف البلدان المتخلفة. فهذه البلدان أشد ما تكون حاجة إلى زيادة معدلات نموها بسرعة واستمرارية لتعويض الفجوة التي تفصلها عن الدولة المتقدمة. ولن تأتي هذه الزيادة السريعة في معدلات نموها الاقتصادي إلا بإجراء تغييرات بنيائية تشمل فنون الإنتاج وعلاقات عناصر الإنتاج النسبية والأنظمة المالية والنقدية بل الهياكل الاجتماعية والتعليمية والثقافية والسياسية.
ولقد عرف أحد كبار الاقتصاديين ويدعى سيمون كيوزنتش النمو الاقتصادي في بلد ما بأنه (زيادة طويلة المدى في طاقة الاقتصاد الوطني وقدرته على إمداد السكان بالسلع المتنوعة. وتعتمد هذه الطاقة المتزايدة على التكنولوجيا المتجددة وعلى التعديلات الهيكلية والسلوكية والإيديولوجية التي تتطلبها عملية النمو هذه ).
ويحتوي هذا التعريف على مكونات ثلاث للنمو الاقتصادي:
1- زيادة مستمرة في إجمالي الناتج القومي كتعبير عن النمو الاقتصادي والقدرة على إمداد السكان بالسلع المتنوعة كعلامة أو دليل على النضج الاقتصادي.
2- التكنولوجيا المتقدمة هي الأساس في النمو الاقتصادي المستمر وهي بمثابة الشرط اللازم ولكنه غير كافي.
3- الشرط المتمم لعملية النمو هو: التعديلات الهيكلية والإيديولوجية والسلوكية الواجب إحداثها. فخلق التكنولوجيا الحديثة في بلد ما دون إجراء التعديلات الاجتماعية اللازمة أشبه بتركيب مصباح كهربائي في منزل ليس فيه تيار كهربائي.
النمو تلقائي والتنمية إرادية محفوزة، النمو نتيجة والتنمية مجهود ضخم يؤدي إلى تلك النتيجة. ومع استخدام للفظة النمو إلا أنه شأنه شأن العديد من الاقتصاديين يستخدمها للتعبير عن الظروف التي تحكم التكور الاقتصادي للبلدان الرأسمالية المتقدمة. وهو يستخدم كغيره أيضا – لفظة تنمية- للتعبير عن الجهود الساعية لرفع معدلات النمو الاقتصادي وإجراءات التغيرات الهيكلية بالبلدان المتخلفة في وقتنا المعاصر.
وفي تحليله لمحددات النمو الاقتصادي للبلدان الرأسمالية المتقدمة في الماضي قدم كيوز نيتس الملامح الستة التالية:
1- إرتفاع معدلات الزيادة في كل من نصيب الفرد من الدخل الحقيقي والنمو السكاني.
2- إرتفاع كبير في إنتاجية عناصر الإنتاج وبصفة خاصة عنصر العمل.
3- تغيير كبير في مجموعة النسب والعلاقات التي تميز الاقتصاد القومي.
4- تغيير كبير في الأنظمة الاجتماعية والإيديولوجيات.
5- ميل هذه الدول إلى الوصول إلى الأسواق الخارجية لتسويق الإنتاج وللحصول على المواد الخام.
6- اقتصار انتشار هذا النمو الاقتصادي على ثلث حجم السكان في العالم فقط.
المطلب الثالث: عقبات التنمية الاقتصادية
لا يتسع المقام بالطبع لعرض كل العقبات التي تتعرض سبيل التنمية في بلدان العالم الثالث فهي متعددة ومعقدة. ويقتضي الأمر لبساطة العرض أن نلجأ إلى الاختيار. وربما يشوب اختيارنا لبعض هذه العقبات.
فالمهم هو لفت الأنظار وإلقاء الأضواء على مواطن الخطورة أو الضعف في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية التيس تتسم بها الدول المتخلفة والتي من شأنها عرقلة جهود التنمية حتى ولو اصطبغت محاولتنا هذه بالطابع الشخصي، فاختلاف المناهج وتعدد وجهات النظر مطلوب لا سيما وأن الموضوع بطبيعته شائك وعريض. ومن هنا سوف نركز في عرض مختصر عقبات التنمية على ما يلي:
أولا: العقبات الداخلية
1- مشكلة السكان: ويمكن تلخيص أسباب ظاهرة الانفجار السكاني إلى العوامل التالية:
- هبوط معدل وفيات: فالأسباب التعليمية، طبية، تكنولوجية انخفضت معدلات الوفيات خاصة بين الأطفال في جميع أنحاء العالم.
- إرتفاع معدلات الخصوبة في العالم الثالث: مقارنة بالبلدان المتقدمة فهو أمر يبدو طبيعيا فليس هناك ما يدعو الاستنتاج بأنه يوجد لدى الدول المتخلفة حافز استثنائي على الإنجاب.
- انخفاض مستوى زواج الفتيات في دول العالم الثالث.
- التخلف الاقتصادي في حد ذاته.
خلاصة القول أن انخفاض معدلات المواليد يكون أكثر وضوحا في تلك البلاد التي تحقق معدلات عالية للنمو الاقتصادي. مما يوحي بوجود علاقة وثيقة بين التنمية ونمو السكان. وفي هذه العلاقة بين مستوى معيشة الأسرة ومعدلات الخصوبة يمكن العثور على بذور الحل لمشكلة النمو السكاني. بتعبير آخر يمكننا القول أن التنمية هي أفضل وسيلة لمنع الحمل.
2- الـغـذاء: يستدل على خطورة مسألة سوء التغذية في كل البلدان المتخلفة تقريبا، من ثلاث مؤشرات:
أ- تقديرات استهلاك المواد الغذائية.
ب- الدراسات العيادية وقياسات أجزاء الجسم البشري.
ج- بيانات معدلات وفيات الأطفال.
كما يؤثر سوء التغذية على الدخل مما يعكس جزئيا آثار سوء تغذية الأطفال على النمو العقلي والقدرة على التحصيل الدراسي – ولكن هناك علاقة مؤكدة بين التغذية والإنتاجية البدنية للأفراد.
3- الـصحة: محددات الصحة على وجه العموم معروفة جيدا منذ فترة طويلة وتتلخص في:
أ- قدرة الإنسان على إشباع حاجاته من السلع والخدمات وتتوقف هذه على مستوى الدخل وعلى مستوى الأسعار.
ب- البيئة الصحية وتتوقف هذه على كل من المناخ ومستوى الخدمات والمرافق الصحية.
ج- وعي الناس بمبادئ التغذية والصحة العامة للوقاية من الأمراض.
4- التعليم: لقد تجاوز عصر الأقمار الصناعية والاتصالات هذه الأمية بمفهومها التقليدي وأصبح محور الأمية يعني أحداث النمو المتعددة في البناء الثقافي والقيمي والنفسي والجسدي للإنسان.
فالهيكل الاجتماعي الاقتصادي لبلد ينعكس على نظام التعليم فيه. كما تؤثر البرامج لطموحه للتعليم في تعديل هذا الهيكل.
ثانيا- العقبات الخارجية: العلاقات الاقتصادية الدولية
تسهم التجارة الخارجية بنسبة لا يستهان بها في الناتج القومي لمعظم الدول المتخلفة. بل تزيد في كثير منها عن نسبة ما يسهم به الاستثمار الوطني، الإنفاق الحكومي معا في إجمالي الدخل القومي.
ويعتقد البعض أن التطورات غير المواتية في القرن التاسع عشر من استعمار وتبعية قد أسفرت عن انحراف الهياكل الإنتاجية للبلدان المتخلفة بعيدا عن توازن الاقتصادي، واندماج نظمها الاقتصادية في النظام الاقتصادي العالمي.
خلاصة القول أنه لهذه الأسباب تتراخى مقدرة البلدان المتخلفة على الاستيراد بسبب العلاقات الاقتصادية التجارية الدولية التي لا تحقق لها نصيبها العادل في مكاسب التجارة الدولية – وأنه في مواجهة احتجاجاتها الشديدة للموارد من الصرف الأجنبي مع قلة حصيلة صادراتها لا تجد هذه الدول أمامها سوى طريق واحد صعب.وهو الاقتراض من أجل سداد العجز في موازين مدفوعاتها وسوف يتضح لنا حالا ما تمثله أزمة الديون الخارجية كعقبة كئود من عقبات التنمية أمام دول العالم الثالث.
المطلب الرابع: التنمية في الصناعة والزراعة
1- الصناعة: حيث اعتمدت الدول الرأسمالية على إستراتيجية التصنيع التلقائي، هذه الإستراتيجية تقوم على مبدأ الحرية الاقتصادية حيث يرون أن طلب السوق على السلع الاستهلاكية يكون كافيا في مراحل التنمية الصناعية الأولى مما يحفز المستثمرين على إنشاء العديد من الصناعات وهذا ما قامت عليه الثورة الصناعية الأولى. ثم شيأ فشيأ اعتمدت إستراتيجية جديدة وهي الإحلال محل الواردات وتعني إقامة بعض الصناعات لسد حاجات السوق المحلية بدلا من الاستيراد.
ثم أتت المرحلة الثالثة التي يتم فيها إنتاج العديد من السلع الوسطية وفد كبير من السلع الإنتاجية مما يؤدي إلى أهمية تلك المنتجات إلى سلع استهلاكية. ثم المرحلة الرابعة وهي إستراتيجية التصنيع للتصدير أي إنشاء صناعات معينة تتوفر لها فرص تصدير كل أو من ناتجها – وقد انتقلت الكثير من الدول النامية إلى تطبيق هذه الإستراتيجية.
2- الـزراعـة: إن الدور الذي تلعبه الزراعة في التنمية الاقتصادية عن طريق إسهامها في تسهيل عملية التصنيع وفي المقابل نجد أن للصناعة دور هام في دعم قطاع الزراعة وذلك لأن الصناعة تمتص فائض قوة العمل من قطاع الزراعة مما يؤدي إلى زيادة متوسط إنتاج العامل الزراعي إضافة إلى أن التقدم الصناعي يزود الزراعة بالعديد من المستلزمات الإنتاجية للزراعة كالأسمدة، والآلات والأدوات. فهناك مشاكل تعترض التنمية:
- عدم قدرة المنتجات المحلية على المنافسة في الأسواق الخارجية.
- إرتفاع تكاليف إنتاج السلع الصناعية بالإضافة إلى انخفاض جودتها.
- إصدار بعض الدول النامية لقوانين تعيق انسياب التجارة الخارجية.
- الرسوم والضرائب الجمركية التي تفرضها الدول المتقدمة على وارداتها.
- التكتلات والاحتكارات الدولية.
- إتباع الدول المتقدمة لسياسة الحماية لمنتوجاتها.
- سوء التسيير في المجالين الزراعي والصناعي.
مــقدمة
المبحث الأول: الإنتاج
المطلب الأول: تعريف الإنتاج
المطلب الثاني: عوامل وعناصر الإنتاج
المطلب الثالث: تكاليف الإنتاج
المبحث الثاني: التنمية الاقتصادية
المطلب الأول: مفهومها
المطلب الثاني: الفرق بين النمو والتنمية الاقتصادية
المطلب الثالث: عقبات التنمية الاقتصادية
المطلب الرابع: دور التنمية في الصناعة والزراعة
خــاتــمة
الـــــــــمـــــــراجع:
- أساسيات الاقتصاد السياسي للدكتور/ مجدي محمد شهاب – أسامة محمد فولي.
- اقتصاديات التنمية للدكتور رمزي على إبراهيم سلامة.
- مبادئ علم الاقتصاد للدكتور إسماعيل محمد هاشم.
- محاضرات في الاقتصاد العام / أستاذ خبابة عبد الله.