خلق الله الدنيا وجعلها من أجمل ماخلق
وزينها بالأنسان ووضع له عقلاً وملكه الأرض به وجعله سيداً على من فيها
وسخر له ماعليها وما بداخلها وقال له أسعى في مناكبها
فتكاثر فيها وصار شعوباً وأمماً وعاش في جميع أصقاعها .
إذاً ماخلقت الدنيا إلا للإنسان وخصه الله بكل ميزاتها
فالإنسان هو غاية الغايات وإليه تجب أن تسخر جميع الإمكانيات والخدمات
ليرقى ويسعد إلى حيث لايمكن للعقل أن يتصور المراحل النهائية لهذه الطموحات
والإنسان هو العنصر الأساسي اللازم لعملية التنمية
والذي أصبح يزيد عن حاجة البلاد وإمكانياتها
لذلك لابد أن ننتبه إلى ضرورة تبني السياسات المناسبة
واتخاذ الإجراءات الملائمة للحد من النمو السكاني المطرد والإقلاع بوتائر التنمية بكل اتجاهاتها
لذلك لابد من عملية تهدف إلى تحقيق ذلك وهي عملية تنظيم الأسرة .
إن كلمة تنظيم كلمة واسعة المدلول فسيحة المفهوم لأن التنظيم مطلوب في كل أمر
وقد يكون التنظيم حسياً أو عاطفياً أو أقتصادياً أو أجتماعياً أو فكرياً ......الخ
وكلمة الأسرة كذلك كلمة عريضة عميقة
فالأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع وبسلامة الأسرة وقوتها يكون المجتمع سليماً قوياً
وبناء الأسرة يحتاج إلى تمهيد وإعداد
فإذا أضفنا كلمة تنظيم إلى كلمة الأسرة
كان علينا أن نفهم من الكلمتين كل أمر يعمل على تهيئة الظروف السوية المنظمة
التي تعاون الأسرة على أن تعيش سعيدة في مختلف النواحي والجهات .
فتنظيم الأسرة هو إنجاب الأطفال في الوقت الذي يحدده الوالدان
وبالعدد الذي يتناسب مع وضعها الصحي والاقتصادي
إنه التخطيط الهادف إلى تكوين الأسرة الصحيحة جسدياً ونفسياً .
أن الأسرة هي الحلقة الأساسية في المجتمع
وإن صحة هذه الأسرة وخلوها من الأمراض الجسدية والنفسية التي تجعل من المجتمع مجتمعاً سليماً قوياً منتجاً
وكل أمر له صلة بالأسرة من حيث تكوينها وصحتها ورفاهيتها
هو بالطبع له أهميتها الاجتماعية والاقتصادية والصحية
ولاشك أن موضوع تنظيم الأسرة يعتبر من أهم الأمور التي تتناول حياة الأسرة من كل جانب
يعد تنظيم الأسرة اليوم أداة هامة من أدوات الطب الوقائي
غايته المساعدة في حماية الأم والطفل من أضرار الحمل والولادة بشكل متعاقب
فهو يهدف إلى تزويد الأبوين بما يلزمها من المعلومات والوسائل لتمديد حجم الأسرة التي سيعملان على إنجابها
وبالتالي تعيين أوقات الحمل بما يتناسب مع أحوالهما الاجتماعية والنفسية والصحية وغير ذلك
تعتبر الأسرة أهم عوامل التربية والتنشئة الاجتماعية التي تشكل شخصية الفرد وتحدد سلوكه ومبادئه
وهي التي تسهم بشكل كبير في النمو الاجتماعي والثقافة الاجتماعية
كما لها دور وظيفة اجتماعية نفسية هامة وهي المدرسة الاجتماعية الأول للطفل
التي تسهم في أشباع رغباته النفسية والبناء النفسي السليم
الأمومة والأبوة مسؤولية كبرى وعندما نختارها بملئ اراداتنا علينا أن نتحمل كل تبعاتها
وأن نضع احتياجات أطفالنا في المقام الأول
ولاسيما في السنوات الخمسة الأولى من حياة الأسرة التي تبنى على أساس المودة والتفاهم والحب
وتهيىء جو أسري متسامح متعاطف مرن بعيد عن الجمود والتزمت
أسرة ذات علاقات ودية بين الوالدين وبين الابناء قائمة على الصداقة والحوار واحترام الآراء
بالاضافة إلى اتفاق الأبوين على استراتجية موحدة فيما يخص طريقة وأساليب التعامل مع أولادها
والاعتراف بقدراتهم وسماكاتهم هي
والسعي لتطويرها دون اللجوء إلى المقارنة فيما بين قدرات الأخوة وانجازاتهم
كل ذلك يوفرعنا صر الثقة والأمان والبناء الصحيح والشخصية المتزنة وانشاء جيل سوي واسرة سعيدة
يحب أفرادها بعضهم بعضاً ومنها إلى حب المدرسة والآقران والمجتمع كله
هذه التربية التي تغذى بالحب والرعاية المستمرة من خلال العلاقات الاجتماعية الصحيحة
تظهر المعاني والقيم الأخلاقية المرتبطة بالعائلة
التي تقوم بدورها إلى آنسابهم تلك المعاني والمعايير والسلوكيات
ولاسيما الصدق والتسامح والمحبة والتعاون ونبذ التعصب
وغيرها من القيم التي تغزز تماسك الشخصية الفردية والاسرة والمجتمع
الكثير من الناس عندما يسمع عبارة تنظيم الأسرة
يتجه فكره إلى تحديد النسل أو تنظيم الأسرة بما يتعلق بعدد الذرية والأولاد فقط
لهذا لابد من التعريف بالعنوان أولاً وماذا نفهم من تنظيم الأسرة الباري عز وجل ماخلق كائنا
وماذرأ من شي إلابنظام دقيق حيث قال تعالى : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) .
وحيث أن الأسرة هي النواة الأولى في قيام المجتمعات كونها المنبع والمصدر الرئيسى
لإمداد المجتمع بالطاقات والقدرات ولما لها من دور كبير في تنظيم العلاقات والروابط بين أفراد المجتمع
فقد أولاها الإسلام اهتماماً بالغاً وجعل لها نظاماً دقيقاً من أجل سعادتها وسعادة الأمة ككل
فتنظيم الأسرة في الأسلام لا ينحصر بالحديث عن عدد أفراد الأسرة وحسب وإنما يتعداه إلى ما هو أشمل وأوسع
لذلك وبقراءة سريعة في أحكام الأسرة تجد الإسلام شرع من أجل التنظيم أموراكثيرة
منها الصفات المطلوبة في الخاطب والخطوبة :
رسم لمن يريد الزواج ( ذكر كان أم أنثى ) خطة عمل في كيفية اختيار هذا الشريك
الذي ينبغي أن يشاركه حياته صغيرها وكبيرها ومنها عدد الأولاد وتربيتهم
وذلك وفق معيار إسلامي رائع ورد في الحديث ( تخيروا لنطفكم ولا تضعوها إلا في الأكفاء ..)
كما أكد على ضرورة وجود الكفاءة بين الزوجين لأنها عامل مهم في استمرارية الزواج وسعادته
كما أعطى الحق الكامل في اختيار الشريك دون إكراه أو إجبار في الحديث الشريف
( أمروا النساء في أنفسهن ...حديث )
فجعل لكل فرد منها حقا كما جعل عليه واجبا إذا قام بواجبه كاملاً
أخذ حقه كاملاً غير منقوص والعكس صحيح وهلم جرا
وذلك من أجل أن تستمر الحياة الزوجية دون منغصات
شرع وسن حقوق الأبناء وواجباتهم تجاه الآباء
فشرع مايجب على الآباء للأبناء وما يجب على الأبناء للآباء
وذلك من أجل ضمان استمرار الترابط الأسري الوثيق والبناء إلى غير ذلك
حتى شمل تنظيم الأسرة في الأسلام كل مفاصل الحياة الأسرية :
فبين المحرمات من النساء حرمة مؤبدة أوحرمة مؤقتة وبين ما لهن وما عليهن
بين حكم التبني وفرق بينه وبين رعاية اليتيم موجها إلى تربية اليتيم ورعايته
بين حكم الرضاع وكيفيته وصفاته والغاية من التحرم والتحليل .
بين الهدف السامي من الزواج والذرية
بين رأية في الزواج من القريبات قرابة قوية .
بين حكم الزواج بشكل عام ومفصل ودقيق
متى يكون الزواج مباحاً ومتى يكون مكروهاً أو مستحباً أو مندوباً أو حراماً .... إلخ .
بين حكم تعدد الزوجات متى يكون مباحاً ومتى يكون مكروهاً أو حراماً
وماشروطه ومامبرراته وغاياته
( ولم يترك الحبل على غاربه كما يظن البعض ) .
بين أحكام الطلاق والفراق والمخالعة ( متى تكون وما مبررات كل واحد .. الخ ) .
كل هذا - وغيره أيضاً - مشمول تحت عنوان عريض اسمه ( تنظيم الأسرة ) .
ولكن والحديث يعنى ببعض فقرات فلا بأس أن نذكر فنقول :
تحديد النسل في الشريعة الإسلامية حرام قطعاً
إذ أن الغاية من الزواج هي التناسل وبقاء النوع الإنساني إضافة إلى غايات أخرى
والنسل والذرية نعمة عظيمة ولعلها هدف كل زوج ذكر كان أم أنثى
يقول تعالى ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) .
ولكن وحتى لا نبالغ في المسألة يجب أن نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهماً صحيحاً عندما قال :
( تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) ( وتزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأمم )
فالتكاثر المقصود في هذا الحديث وغيره تكاثر الكم المقترن بالنوع والكيف
فليست الكثرة هي المقصودة وحسب إنما المطلوب النوع والكيف أولاً
فإذا كان الكم على حساب الكيف فهذا أمر غير محمود .
ورد في الحديث ( لئن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون على الناس )
فلابد من توفر المقومات اللازمة من أجل القيام بهذه الذرية وهدا النسل قياماً صحيحاً سليماً
كما أراده لهذا نقول لا بأس بتنظيم الأسرة
وخصوصاً إذا كان هناك مبررات سواء كانت :
1- صحية : لسلامة الوليد أو الأم من أجل أن يأخذ الطفل الفرصة الكافية والمناسبة للاهتمام به قبل مجىء الآخر
أو أن تأخذ الأم استراحة من عناء الحمل والرضاع والتربية .
2- أو توافقاً مع مقدرات الأسرة وما يحتاجه الطفل من أمور تربوية ومادية
من أجل تعليمه وتربيته وتنشئته التنشئة الحسنة الصالحة .
3- المباعدة في الحمول :
وقد اعتنى الإسلام بهذا الجانب لذلك تجد القرآن الكريم أشار إلى أهمية تباعد الحمول
من أجل إعطاء الطفل الفرصة الكافية من الرضاع والاهتمام .
قوله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) سورة الأحقاف 15 .
قوله تعالى : ( وفصاله في عامين ) سورة لقمان 14 .
وفي هذا تنبيه لبعض الأسر والعوائل التي تكثر فيها نسبة ولادات ( الغيال ) وعندنا تسمى ( غيالة )
وهي أن يولد الطفل الثاني قبل فطام الطفل الأول وربما في السنة نفسها وفي هذا إجحاف في حق الطفلين .
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك بحديث أسماء بنت زيد قالت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تقتلوا أولادكم فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه )
وقد سمي ( الغيال ) غيالاً لأنه يؤدي إلى اغتيال الطفل وإضعافه كما أن هذه الولادات ترهق الأم صحياً أيضاً .
ولعل الكثير من الناس ينسى أن للطفل حقوق كثير على والديه
أن يلهو ويلعب ويمرح ويتعلم إلخ
فكيف يستطيع الأبوان أن يعطيا هؤلاء الأولاد ( أعني - الغيال ) حقهم من اللعب واللهو والتعليم .?
زواج الأقارب :
اعتنى الإسلام بجانب آخر وهو توجيهه للزواج بالبعيدات نسبياً .
وبين أن الزواج بالقريبات له أضرار على الطفل والنسل والذرية .
يقول صلى الله عليه وسلم : ( لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الطفل يخلق ضناوياً )
أي ضعيفاً هذه العادة تنتشر عندنا وبخاصة في الريف
الزواج بين الأقارب أبناء العم والخال وبنات العمات والخالات .. وهلم جرا
وقد تكون لأسباب عشائرية أو مالية حتى لا تتبعثر أموال العائلة
وتبقى ضمن دائرة الأسرة غير مدركين أن من أهداف الزواج توسيع دائرة القرابة
وهذا مفهوم عالي المستوى سام وراق .
لذلك ولما لهذه الظاهرة من تأثير على النسل نجد النبي صلى الله عليه وسلم
ينهى عن زواج القريبات لأن المولود ربما يكون ضعيفاً .
والصحابي الجليل ابن الخطاب يقول لآل السائب وهي قبيلة معروفة اشتهرت بزواج الأقارب :
( يآل السائب قد أضويتم فانكحوا في النزائع )
أي قد ضعف نسلكم فتزوجوا الغريبات .
نستخلص مما سبق أن تنظيم الأسرة في الإسلام كما ذكرناه وبيناه مستحسن وليس جديداً
ونختم بقوله تعالى في بداية سورة النساء :
وهذا دليل آخر على جواز العزل أيضاً
( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثير ونساء
واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً )
والحمدالله رب العالمين
نقول : لقد أصبحت عملية تنظيم الأسرة ضرورة اجتماعية
للحفاظ على التوازن بين الدخل والاستهلاك
وعنصراً هاماً لمتابعة مسيرة التقدم والتنمية في مجتمعنا
وإننا نأمل أن تشكل عوامل تطور الوعي الاقتصادي عند الرجل والمرأة
ورغبتهما في تكوين أسرة مستقرة وإصرارهما على العمل في بناء المجتمع
وحرصهما على تحقيق الذات عن طريق التنظيم دعوة جادة للزوجين إلى تنظيم إنجابهما
وتحديد نسلهما من أجل تحقيق أهدافهما الحياتية
والحفاظ على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لأطفالهما الصغار
في تقديرنا إن الحياة الزوجية ليست حياة غرامية بل هي مسؤولية اجتماعية إنسانية
وعلى الزوجين أن يتحملا مسؤوليتهما ويتباحثا في موضوع تنظيم أسرتهما
وتنظيم إنجابهما وتحديد عدد أطفالهما
لأن ذلك ينعكس عليهما وعلى المجتمع بالفائدة والخير
موضوع: ماذا عن تنضيم الاسرة ؟؟؟ 
