بسم الله الرحمن الرحيم
المذيع :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم .
إخوة الإيمان والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لقد عالج كثير من العلماء عدداً من جوانب الإعجاز القرآني ، لكن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لم تتضح لنا جوانبه الكثيرة كما اتضحت في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه في هذه الأيام ، فأصبح أسلوباً فريداً في الدعوة إلى دين الله ، في زمن فتح الله على الإنسان في العديد من أبواب العلم بالكون ومكوناته ، وفتن الناس فيه بالعلوم الكونية ومعطياتها فتنةً كبيرة .
إخوة الإيمان والإسلام ، نستمر مع هذه الحلقات ، ومع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المدرس في جامعة دمشق وبكلية أصول الدين ، والمدرس الديني في مساجد دمشق ، أهلاً وسهلاً بكم .
الأستاذ :
أهلاً وسهلاً بكم سيدي .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، نتحدث في هذه الحلقة عن الطب في الإسلام ، لقد سمعنا الكثير عن ابن النفيس ، وابن سينا ، والرازي كأطباء ، ولكن هل كان هناك من يقوم مقام الطب في صدر الإسلام ، وكيف كان ذلك ؟
الأستاذ :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، و على آله و صحبه أجمعين ، حينما قال الله عز وجل :
[ سورة الشعراء : 78-80]
هناك ملمح لطيف في هذه الآيات ، الَّذِي خَلَقَنِي فَنَسَبَ الخلق إلى الله عز وجل ، فَهُوَ يَهْدِينَ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ، نسب الإطعام والسقيا إلى الله عز وجل ، وَإِذَا مَرِْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ، نسب المرض إلى الإنسان ، لأن أصل المرض خروج عن منهج الله عز وجل ، وكأن الإنسان مصمم ألا يمرض ، فإذا خالف منهج الله في طريقة حياته ، وفي طعامه وشرابه ، وفي وضعه النفسي ربما كانت هذه المخالفات في مجموعها تسوق الإنسان إلى خلل في صحته ، فالإنسان دين الفطرة ، يحرص في تعاليمه على صحة الجسد ، وطهر النفس ، ويوازن بين المادة والروح ، وبين الحاجات والقيم ، ويهدف إلى إصلاح الدنيا وإصلاح الآخرة ، وأن الأُولى مطية الثانية ، إن صحة الجسد مرتكز لسلامة النفس وسموها ، ومنطلق لصحة العقل ، وتفوقه فالله سبحانه وتعالى جعل صحة الجسد وقوته ورجاحة العقل واستنارته علة الاصطفاء ، فقال تعالى :
[ سورة البقرة : 247]
في قصة سيدنا موسى مع سيدنا شعيب قال تعالى :
[ سورة القصص : 26]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ ، وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )) .
[ مسلم ، ابن ماجه ، أحمد ]
المذيع :
ولكن هناك البعض من يفسر هذا الحديث النبوي الشريف على أن الله هو الذي خلق هذا القوي ، فلماذا يميز الله القوي عن الضعيف ؟
الأستاذ :
نحن نفرق بين قوة مكتسبة ، وبين قوة من قضاء الله وقدره ، وبين ضعف مكتسب و ضعف من قضاء الله وقدره ، الغنى قوة ، والعلم قوة ، وأن تكون في مركز دقيق قوة ، فهذه الأشياء قد تكتسب بالسعي والجد ، وقد لا تكتسب ، فإذا تحدثنا عن فضل المؤمن القوي على المؤمن الضعيف فالمقصود بالقوة التي هي من كسب المؤمن ، لكن هناك ملمح دقيق جداً ، هو أن طريق القوة إذا كان سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن القوي أمامه خيارات في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، وبأن العمل الصالح هو قوام الحياة الدنيا ، بل هو ثمن الآخرة ، أما إذا كان طريق القوة محفوفاً بالمعاصي والآثام ، والكذب والنفاق ، والشرك فمرحباً بالضعف ، فهو وسام شرف في صدر الإنسان ، أضيف على ذلك إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون غنياً ، لأن خيارات الغني في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، أما إذا كان طريق الغنى محفوفاً بالمعاصي والآثام ، والنفاق والكذب ، والدجل فمرحباً بالفقر ، فهو وسام شرف في صدر الإنسان .
الطبّ ـ أستاذ عبد الحليم ـ أنواع عديدة ، منه الطب الطبيعي ، فشخصية المسلم مرتكزة على العطاء لا على الأخذ ، مرتكزة على بذل الجهد لا على استهلاك جهد الآخرين ، مرتكزة على العمل لا على الأمل ، على الإيثار لا على الأثرة ، على التضحية لا على الحرص ، على إنكار الذات لا على تأكيدها ، إن بذل الجهد في حد ذاته صحة ، وأية صحة .
في بعض المؤتمرات الطبية التي عقدت في البحث في أمراض القلب اتفق المؤتمرون على أن صحة القلب في بذل الجهد وراحة النفس ، وأن طبيعة العصر الحديث تقتضي الكسل العضلي ، والتوتر النفسي ، والكسل العضلي وراء تفاقم أمراض القلب في معظم البلاد المتقدمة تقدماً مادياً ، النبي عليه الصلاة والسلام في معركة بدر كان معه رواحل قليلة ، وأصحابه أكثر من ثلاثمئة رجل ، فأعطى توجيهاً وقال : (( وَأَنَا وَعَلِيٌّ وَأَبُو لُبَابَةَ عَلَى رَاحِلَةٍ ، فَكَانَ أَبُو لُبَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ ، فَكَانَتْ نَوْبَةُ رَسُولِ اللهِ ـ دورُه في السَّيْرِ ـ فقالا له : نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ ـ ليظلَّ راكباً ـ فقال : مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى السَّيْرِ ، وَلاَ أَنَا بِأَغْنَى مِنْكُمَا عَنِ الأَجْرِ )) .
[النسائي وأحمد عن ابن مسعود]
رسول الله ، قائد الجيش زعيم الأمة قال قولة تكتب بماء الذهب : (( مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي عَلَى السَّيْرِ ، وَلاَ أَنَا بِأَغْنَى مِنْكُمَا عَنِ الأَجْرِ )) .
أنا أقول : بذل الجهد في حد ذاته صحة للجسم ، كان مع أصحابه في سفر ، أرادوا أن يعالجوا شاةً ، فقال أحدهم : عليّ ذبحها ، وقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال الثالث : عليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعليّ جمع الحطب ، فقالوا : يا رسول الله ، نكفيك ذلك ؟ قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .
لمجرد أن تبذل جهداً يؤكد إنسانيتك وتواضعك وإحساسك أنك كغيرك من الناس ، لست مستعلياً عليهم ، ولا متغطرساً عليهم ، هذا في حد ذاته صحة وأدب وأخلاق ، فبذل الجهد هو الطب الطبيعي ، أكثر أمراض القلب في هذه الأيام بسبب الكسل العضلي ، وعدم بذل الجهد ، والتوتر النفسي ، وصحة آبائنا وسلفنا الصالح بسبب أن عندهم جهداً عضلياً كبيراً هو أحد أسباب صحتهم ، وعندهم راحة نفسية عالية أساسها التوحيد .
المذيع :
فضيلة الدكتور راتب ، بما أنك ذكرت لنا المرض النفسي في حديثك ، هل ذكر الطب النفسي في القرآن الكريم ، أو السنة الشريفة ؟
الأستاذ :
نعم ، الطب النفسي أساسه التوحيد ، والأمراض النفسية أساسها الشرك ، أنت حينما توقن يقيناً قاطعاً أن أمرك كله بيد الله ، وأن الله يعلم ، ويرى ، ويسمع ، وأنه على كل شيء قدير ، وأن كل ما في الكون بيده ، وأنه عادل ، وأنه رحيم ، وأنه غني ، وأنه قدير ، وأنه يستجيب لك إذا دعوته ، وأنه يسمع نداءك ، هذه المعاني التوحيدية في حد ذاتها صحة نفسية ، بينما إذا توهمت أن هذا الإنسان لا يحبك ، ويتمنى أن يقضي عليك ، وهو أقوى منك ، فهذه المشاعر وحدها تسبب أمراضًا نفسية ، وأمراضًا في الجسد لا يعلمها إلا الله ، الطب النفسي يمكن أن نقول عنه : إن هناك أمراضًا كثيرة ، بعضها عضال ، وبعضها مميت ، كأمراض القلب والشرايين ، وأمراض جهاز الهضم والكليتين ، والأمراض النفسية والعصبية إنما ترجع أسبابها الرئيسة إلى أزمات نفسية يعاني منها إنسان الشرك في هذا العصر ، قال تعالى :
[ سورة آل عمران : 151]
فتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها ، وأنت من خوف الفقر في فقر ، وأنت من خوف المرض في مرض ، قال تعالى :
[ سورة المعارج : 19-26]
بعض الأطباء يرى أن ضغط الدم في حقيقته هو ضغط الهم ، لذلك قال تعالى :
[ سورة الشعراء : 213]
الطب النفسي يرتكز على التوحيد والأمراض النفسية أساسها الشرك ، قال تعالى :
[ سورة الشعراء : 213]
لأن المؤمن يرى أن كل شيء بقضاء من الله وقدر ، قال تعالى :
[ سورة التوبة : 51]
هذه المعاني التوحيدية تهب الإنسان صحة نفسية ، والصحة النفسية أساس صحة الجسد ، فالتوحيد صحة ، والشرك مرض ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن ، هذا هو الطب النفسي ، أن تكون مع الله ، وإذا كنت مع الله كان الله معك ، وإذا كان الله معك كان معك كل شيء ، وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ، ماذا فقد من وجدك ، وماذا وجد من فقدك ؟ هذه المعنويات العالية للمؤمن تحقق له هذه الصحة النفسية التي هي صحة للجسد .
أنا أعتقد أنه كلما تقدم العلم كشف أن معظم الأمراض ترجع في أسبابها الحقيقية إلى شدة نفسية ، ثم إنني أرى أن هذه الشدة النفسية أساسها ضعف الإيمان بالله ، وأساسها ضعف التوحيد ، وأساسها حُجُب كثيفة بين العبد وربه بسبب المعاصي والآثام التي يرتكبها .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، ما دمنا تحدثنا عن الطب النفسي في الإسلام ، والطب الطبيعي ، ولكن هناك طب حديث نوعاً ما ، لا أعلم إن كان تحدث عنه الإسلام ، فهناك الطب الوقائي ، مثلاً ، أن يزيل أسباب المرض قبل وقوع المرض .
الأستاذ :
حدثني صديق أنه كان في ألمانيا ، فرأى مستشفى من أضخم المستشفيات كُتِب عليها باللغة الألمانية هذه العبارة : " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع " ، تحت هذه العبارة كتب : " محمد بن عبد الله " ، وعدّ هذا الحديث أصلاً في الطب الوقائي ، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج ، ليس من السهل أن تعالج مرضاً ، لكن من السهل جداً أن تتقيه ، وهذه حقيقة مهمة جداً في الطب الوقائي ، النظافة ، قال تعالى :
[ سورة البقرة : 222]
من الطب الوقائي الوضوء والصلاة ، انتهى إلى علمي أن علماء كبار في السويد ، هذا البلد المتفوق في التمارين الرياضية ، أن علماء كبار في هذا الاختصاص أرادوا أن يضعوا برنامجاً رياضياً يقوم به كل الناس كل يوم ، ذكوراً وإناثاً ، صغاراً وكباراً ، دون أن يرهق قلوبهم ، ودون أن يعطل أعمالهم ، فنظموا تمرينات لو اطلعت عليها لوجدتها قريبة من الصلاة ، تمارين تؤدى كل يوم خمس مرات ، لا ترهق الجسم ، ولا تتعبه ، وتلين العضلات .
من الطب الوقائي أن يكون الإنسان نظيفاً .
ومن الطب الوقائي أن يقوم ، ويتوضأ ، ويصلي .
هناك أمراض كثيرة مثلاً تصيب النساء ، من هذه الأمراض انقلاب الرحم ، هذا المرض قلما يوجد في العالم الإسلامي ، لأن علاج هذا المرض حركات تشبه الصلاة تماماً ، أمراض القذارة ، ثلاثمئة مليون إنسان في الأرض مصاب بأمراض القذارة ، هذه الأمراض معظمها ليست موجودة في العالم الإسلامي بسبب الوضوء ، والمبالغة في التطهير ، وهناك أمراض كأمراض الغرغرين الموات تصيب أناساً كثيرين ، لكن لأن المسلم مكلف أن يتوضأ كل يوم خمس مرات ، وأن يخلل بين أصابعه ، هذا من أجل تنشيط الدورة الدموية ، فالدم حينما لا يصل إلى أطراف الأصابع ، هذه الأطراف تسود ، وتتماوت ، ثم تقطع ، الحقيقة أن هناك أمراضًا كثيرة جداً بسبب مخالفة منهج الله عز وجل .
مثلاً : أنت حينما تسجد ما الذي يحصل ؟ ينطلق الدم على الرأس بالسجود ، فتحتقن الأوعية ، فحينما ترفع ينخفض ضغط الدم حينما تسجد يرتفع ضغط الدم ، ومن هذا الارتفاع والانخفاض المتتالي ينشأ ما يسمى مرونة الأوعية في الدماغ ، هذه المرونة تحتمل ضغطاً مرتفعاً ، لو فرضاً إنسان يصلي ، وارتفع ضغطه إلى رقم كبير جداً الأوعية الدموية في الدماغ المصلي تتحمل ضغطاً مرتفعاً ، بينما الأوعية الدموية في دماغ من لا يصلي لا تحتمل الضغط المرتفع ، الحقيقة أن أداء الصلوات الخمس وتطبيق تعليمات النبي عليه الصلاة والسلام هو في حد ذاته طب وقائي .
المذيع :
أتينا هنا لتعاطي الدواء ، وهو الطب العلاجي ، هل ورد شيء من ذلك حثنا النبي عليه الصلاة والسلام ، أو الله عز وجل في كتابه الكريم ؟
الأستاذ :
إذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، إذا قال : (( تداووا )) ، وهذا أمر وكل أمر في القرآن والسنة يقتضي الوجوب .
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً )) .
[ أحمد ، الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ]
أستاذ عبد الحليم ، هذا الحديث يمكن أن تُكتَب عنه كتب ، لو سمع مريض هذا الحديث بماذا يشعر ؟ أنه ما من داء إلا له دواء ، ترتفع معنوياته ، وإذا ارتفعت معنويات المريض استطاع أن يقوى على عوامل المرض .
حدثني صديق ذهب إلى بريطانيا ليجري عملية في قلبه ، قبل العملية بيوم دخلت ممرضة على مستوى رفيع جداً ، تنسق أزهار الغرفة ، ولم تلتفت إليه ، قالت له : من طبيبك ؟ قال : فلان ، قال : ليس : معقولا ، كيف أخذت موعداً منه ؟ قال : أنا أخذت موعدًا قبل أن آتي إلى بريطانيا ، حدثته عن هذا الطبيب ، وعن عملياته الناجحة ، وعن أنه أجرى عشرة آلاف عملية ، كلها كانت ناجحة ، فلما انتهت العملية ، ودفع ما عليه ، وجد مبلغاً ضخماً لرفع معنوياته ، هو ما فعلته هذه الممرضة ، فهناك حقيقة في الطب أن الإنسان إذا ارتفعت معنوياته يقوى على عوامل المرض ، فالنبي الكريم قال : (( ... فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً )) .
هذا الحديث يرفع معنويات المريض إلا مرض الموت ، هو بوابة الخروج ، لابد من مرض لا يشفى ، هو بوابة الخروج ، وإذا سمع الحديث طبيباً بماذا يشعر ؟ إنه مقصر ، ما دام النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو مبعوث العناية الإلهية يؤكد أن كل مرض له دواء ، فهذا يدعوه إلى المسارعة ، فإن التداوي ، وأخذ الدواء من الدين .
عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )) .
[ مسلم ، أحمد ]
هناك حقيقة ينبغي أن تكون واضحة في هذا الحديث ، أن الله جعل لكل داء دواء ، لكن مهمة الطبيب أن يحسن تشخيص الداء ، ووصف الدواء ، لكن لو أن الطبيب نجح في تشخيص الداء ، ووصف الدواء ، الدواء لا يكون فاعلاً إلا إذا سمح الله له ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله ، إذاً نحتاج نحن إلى أخذ بالأسباب ، ثم التوكل على رب الأرباب .
المذيع :
إذاً فضيلة الدكتور ، نشكرك لهذا الإيضاح عن الطب في الإسلام بشتى أنواعه ، إن كان طبيعياً ، أو وقائياً ، أو نفسياً ، فقد كلمنا الله سبحانه وتعالى ، وكلمنا النبي عليه الصلاة والسلام ، وحثنا على التداوي ، وليس التواكل في هذا الأمر ، يتوكل الإنسان على الله ، ولكن يسعى للحصول على الدواء .
الأستاذ :
أحب أن أضيف أن هناك حديثًا شريفًا دقيقًا جداً ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ تَطَبَّبَ ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ )) .
[النسائي ، أبو داود ، ابن ماجه]
كيف أن الدول الراقية جداً يحاسب الطبيب عن كل أخطائه ، وقد يدفع كل ثروته ، لأنه أعطب عضواً في مريض عنده ، كذلك يقول عليه الصلاة والسلام : (( مَنْ تَطَبَّبَ ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ )) ، أي يدفع تعويضاً لهذا المريض الذي أتلف بعض أعضائه .
المذيع :
إذاً أيها الإخوة والأخوات ، نقتدي بسنة النبي عليه الصلاة والسلام : (( تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً )) .
صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .
إخوة الإيمان والإسلام ، إلى حلقة قادمة بإذن الله تعالى ، ومع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .