ندوات الإعجاز العلمي : الندوة 16 / 30 : الكبد ، لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
و في أنفسكم أفلا تبصرون
( سورة الذاريات ) .
السماء ، البرزخ ، النحل ، الأرض ، ظلمات الفضاء ، الكون ، النمل ، الكواكب ، دقة الإنسان .
التفكر في الخلق والكون
التفكر في الخلق والكون ، حوارات مع الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي من علماء دمشق ، يجريها عبد الحليم قباني .
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم .
إخوة الإيمان والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
إن علماء الإسلام لما التزموا بقيمة العقل ، ولم يحجروا عليه ، فأخذوا بالتفكر والسير والبحث ، كما قال الله تعالى :
( سورة العنكبوت الآية : 20 ) .
فحقَّقوا ما لم يحقِّقه أحد قبلهم ، كما أفاد منهم من جاء بعدهم ، وخاصة الأوربيون الذين استثمروا ما ترجم إلى لغاتهم من ناحية ، وصححه ، وأبدعه علماء المسلمين من ناحية أخرى في نهضتهم الحديثة ، ولولا علماء المسلمين لكانت بدايتهم من نقطة الصفر ، ولتأخرت مسيرة التطور قروناً ، فقد كان لهم فضل الريادة ، بل كانت هناك علوم إسلامية بحتة هي الأساس في الإنجازات العلمية المعاصرة لتلك العلوم الحديثة .
ونتحدث اليوم عن إعجاز القرآن الكريم في هذه الحلقات ، ونقول : إن فيه من الآيات التي نزلت منذ أكثر من 14 قرناً ما يفصح عن حقائق علمية لم تكشف إلا حديثاً ، وللأسف أن المسلمين لم يكونوا هم السبّاقين إلى اكتشاف هذه العلوم ، أو بالأحرى الحقائق العلمية الحديثة على الرغم من إشارات القرآن الكريم .
معنا اليوم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية دمشق ، الخطيب والمدرس الديني في مساجد دمشق .
أهلاً وسهلاً بكم .
الأستاذ :
أهلاً بكم أستاذ عبد الحليم ، جزاكم الله خيراً .
المذيع :
بإذن الله في هذه الحلقة سنتحدث عن جهاز معقد في الإنسان ، وهو الكبد ، فللإنسان أجهزة معقدة يؤدي كل منها وظيفة تفيد الجسم .
الأستاذ :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
قبل أن أبدأ بالحديث عن هذا الجهاز العظيم الذي هو الكبد ، لا بد من لفتة لطيفة سريعة ، أن الثقافة الغربية التي هي في تفوق كبير ، ومن أسباب تفوقها ذهاب الثقافة العربية الإسلامية إليها ، أحد الأدباء يقول : ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء ، لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مرِّ الأجيال ، وهل يُعقَل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها ؟! نحن نقاطع البضائع الاستهلاكية ، الدخان ، المطاعم ، السيارات ، لكن لا نقاطع المنجزات العلمية ، لأننا ساهمنا فيها مساهمة كبيرة ، وهذا باعترافهم .
ذكر لي صديق مقيم في بريطانيا يحضِّر الدكتوراه في الطب ، بعض المدرسين في أثناء الشرح قال : للعرب فضل كبير علينا ، فمعظم علومنا استقيناها منهم ، هذه الحقيقة .
إذاً ثقافة أيّ أمة ملكُ البشرية جمعاء ، لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مرّ الأجيال .
شيء آخر أستاذ عبد الحليم ، أريد أن أقول : إن التفكر في آيات الله الدالة على عظمته هو أوسع باب ندخل منه إلى الله ، وإن التفكر في آيات الله الدالة على عظمته هو أقصر طريق نصل به إلى الله ، لأن هذه الآيات تضعك أمام عظمة الله عز وجل ، والإسلام عقيدة وشريعة ، معرفة بالله عز وجل وتطبيق لمنهجه ، وكنت أقول دائماً : إنك إن عرفت الآمر ، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر .
بقي أن الآيات كثيرة بعضها بثّه الله في السماوات ، وبعضها في الأرض ، لكن أقرب آية إلينا جسمنا ، أقرب آية بين أيدينا أنفسنا ، أقرب آية تدلنا على عظمة الله أعضائنا ، فيمكن أن نمضي وقتاً ـ إن شاء الله ـ في الحديث عن هذا الجهاز الذي يسمى الكبد ، الإنسان أحياناً يأتي بقطعة من هذا الكبد إلى البيت تؤكل في وقت المساء أو في الصباح ، وهو طعام لذيذ ، لكن لو عرف الإنسان أن هذا الجهاز يقوم بمهمات يعجز عنها كبار العلماء .
هذا الكبد بالتعريف الدقيق منطقة صناعية كاملة ، وهو من آيات الله الكبرى الدالة على عظمته ، هذا الكبد الذي أودعه الله في أحشائنا ، هو أكبر عضو في الأحشاء ، والإنسان يتوهم أنه لا يستطيع أن يعيش من دون قلب أكثر من ثلاث دقائق ، يجب أن نعلم أنه أيضاً لا يستطيع أن يعيش من دون كبد أكثر من ثلاث ساعات ، الشيء الذي لا يصدق أن هذا العضو الكبير الخطير ، الذي هو منطقة صناعية كاملة ، لو أنك استأصلت أربعة أخماسه بمبضع الجراح يستطيع أن يعيد يناء نفسه في ستة عشر أسبوعاً ، أسرع خلية على الإطلاق في النمو خلية الكبد ـ تعود إلى نفس الحجم ـ نعم لو أن نصف الكبد أصابه تلف ، وجاء الطبيب الجراح فاستأصل نصفه بكامله في أسابيع معدودة يعيد الكبد بناء نفسه ، الآن صار هناك زراعة كبد ، لكن العملية نجاحها في المئة ثلاثون ، وتكلف عشرات الملايين .
شيء آخر ، إذاً هذا الكبد عنده قدرة فائقة عجيبة على ترميم ذاته ، وإعادة بناء ذاته ، لأن خلايا الكبد هي أسرع خلايا انقساماً على الإطلاق .
الآن كم تتصور أستاذ عبد الحليم أن هذا الكبد يقوم بوظائف ، بعضهم قال : يقوم بخمسمئة وظيفة ، بعضهم قال بسبع مئة وظيفة ، بعضهم قال : وظائفه تعد بالآلاف ، لكن الشيء الذي لا يصدق أيضاً أن كل خلية من خلايا الكبد تقوم بكل هذه الوظائف ، ليس في الكبد اختصاص ، كل خلية فيه تقوم بكل الوظائف ، ذلك لأنه عضو خطير ، لو كان في كل حيز من الكبد اختصاص لو أصيب حيز لانتهى الأمر ، ولكن كل خلايا الكبد تقوم بكل وظائف الكبد ، وهذه خصيصة نادرة في الأعضاء .
المذيع :
قد تقوم الخلايا الباقية بالمساهمة بكل الوظائف في مرحلة ما .
الأستاذ :
الآن من أبرز وظائف الكبد أنه مخزِّن للدم ، وتعلمون أستاذ عبد الحليم من لقاءات سابقة أن معامل كريات الدم الحمراء تصنع في الثانية الواحدة اثنين ونصف مليون كرية حمراء ، في الثانية الواحدة ، وتعلمون أيضاً أن هذا الهيكل العظمي الذي هو قوام الإنسان له وظيفة قد لا ننتبه إليها ، وأنبلُ عضو في الإنسان هو الدماغ محفوظ في الجمجمة ، والنخاع الشوكي محفوظ في العمود الفقري ، وأن الرحم محفوظ في عظم الحوض ، وأن القلب محفوظ في الصدر ، وأن معامل كريات الدم الحمراء محفوظة داخل العظام ، فالدم قوام حياة الإنسان ، في الثانية الواحدة يلد اثنين ونصف مليون كرية حمراء ، وفي الثانية الواحدة يموت اثنان ونصف مليون كرية حمراء ، والعجيب في الأمر أن هذه الكريات التي تموت لا تطرح خارج الجسم ، بل تفكك ، ويستفاد من موادها الأولية ، تفكك الكريات الحمراء إلى خضاب دم ، وإلى حديد ، الحديد يشحن إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام ليعيد بناءه مرة ثانية ، كيف الآن معامل تتغط السيارة المستعملة إلى مربع صغير ، ثم تعاد إلى معامل صهر الحديد أيضاً ، هذا اتجاه اقتصادي ، فالله عز وجل أمْرُه كن فيكون ، زل فيزول ، ومع ذلك فهو يعلِّمنا من خلال خَلقه كيف نكون اقتصاديين ، فهذا الكم الكبير في كل ثانية اثنان ونصف مليون كرية حمراء تموت ، هذه تذهب إلى الطحال لتفكَّك إلى مقوّماتها الأساسية ، هيموغلوبين وحديد ، الحديد يعاد نقله إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام ، والهيموغلوبين يكوّن الصفراء تلك المادة التي تعين على هضم المواد الدسمة.
فأول وظائف الكبد أنه مخزِّن للدم ، حيث يستوعب 1500 من السنتيمترات المكعبة من الدم ، الكبد في الأساس مخزن للدم ، فإذا طرأ طارئ ، وحصل نزيف ، أو حادث ، أو عملية ولادة ، فإن هرموناً في الكظر يأمر الكبد أن يحرر هذا الدم ليكون تعويضاً للدم الذي فقده هذا الإنسان ، ودائماً الدول الراقية تعيش المستقبل ، فلو فرضنا أنه وقع عليها عدوان طارئ فعطل الكهرباء عندها مولدات احتياطية ، فدائماً الإنسان العاقل عنده احتياط في كل شيء ، حتى إن الله عز وجل حينما أودع في القلب جهاز تنبيه كهربائي ، فيه جهاز تنبيه ثانٍاحتياطي ، لو تعطل الأول عمل الثاني ، وجهاز تنبيه احتياطي ثالث ، لو تعطل الثاني عمل الثالث ، هذا من التخطيط .
المذيع :
إذاً وظائف للكبد كثيرة ، من هذه الوظائف التخزين ، وهناك أيضاً وظائف أخرى .
الأستاذ :
مثلاً : من وظائف الكبد تخزين السكر ، وتخزين الدسم ، وتخزين البروتين ، وتخزين الفيتامينات ، العجيب أستاذ عبد الحليم أنه لو فحصت دم إنسان ففيه نسب ثابتة معيّرة من كل المواد ، لو أن نسبة زادت لاختل توازن الإنسان ، لكن المخزون الأساسي هو الكبد ، فالكبد مستودعات الأغذية .
بالمناسبة معيّرة الإنسان متى يجوع ؟ لا يجوع إذا نقص الغذاء في دمه ، لو فحصت دم إنسان جائع ترى النسب كلها نظامية ، يجوع إذا نقصت المواد في المستودعات ، بدليل أن الإنسان حينما يضطرب أو يأتيه خبر سيء ينسى أنه جائع ، ويقوم بعمل مديد بطاقة عالية من دون أن يأكل ، معنى ذلك أن الجوع هو نقص في المواد الغذائية التي في المستودعات ، في الكبد .
والعجيب أيضاً أستاذ عبد الحليم أن هناك مخزوناً في الكبد لا يمكن أن يصرف ، هذا يسمى الآن الاحتياطي الاستراتيجي ، لا يمكن أن يصرف إلا في حالة نادرة ، إذا وضع الإنسان في مكان ليموت جوعاً ، في مثل هذه الحالة ينفق هذا المخزون الاحتياطي ، فالإنسان قد يجوع ، يبحث عن طعام ، أما حينما ييأس من أن يأكل ، وقد وضع في مكان ليموت فيه جوعاً ، هذا الاحتياط الاستراتيجي يتحرر من الكبد ليكون وقوداً للإنسان .
شيء آخر ، الإنسان لو أنه لا يجوع يموت ، أحياناً توضع في السيارة أجهزة تشير إلى ارتفاع الحرارة ، لو أن السائق لم ينتبه إلى هذا الجهاز ، أو لهذه الساعة ، يحترق المحرك ، الآن هناك أجهزة إنذار صوتي ، لكن العجيب أنّ الإنسان إذا جاع يا ترى الإنذار صوتي أم مرئي أم ضوئي ؟ كل كيان الإنسان يشعر بالجوع ، معنى ذلك أن الجوع لولاه لما عاش الإنسان ، الجوع يقتضي أن تعوض هذا الكمّ الذي خسره هذا الكبد من مجموع المواد الغذائية .
المذيع :
طبعاً فضيلة الدكتور ، كما تحدثنا عن وظائف الكبد ، وخصوصاً في التخزين ، تحدثنا عن تخزين الدم ، وتخزين السكر والدسم ، وإلى ما هنالك ، لا بد من أن يكون هناك وظيفة تحويلية ، أو ما شابه ذلك .
الأستاذ :
طبعاً ، أنت إذا كان عندك مستودع للحبوب ، ومستودع للدهون فرضاً ، مواد دهنية ، ومستودع الحبوب انتهى ، لا تستطيع أن تحوّل الدهون إلى حبوب ، هذا فوق طاقة البشر ، لكن الشيء الذي يلفت النظر أن الكبد يمكن أن يحول النشويات إلى مواد دسمة ، والدسمة إلى سكريات ، وهذا التقسيم الكبير للمواد الغذائية بين مواد دسمة ، ومواد نشوية ، ومواد سكرية ، هذا التقسيم في خارج الجسم ، أما الجسم لو اضطر فإنّه يحوّل المواد الدسمة إلى مواد سكرية ، والسكرية إلى نشوية ، هذه خاصة دقيقة جداً في الإنسان ، لأنه مصمَّم على أنه يعالج ذاته معالجة داخلية .
دائماً الكبد يقوم بوظيفة التعيير ، حيث يدخل السكر إلى الكبد بنسب عالية جداً ، أحيانا يأكل الواحد يأكل أكلة فيها حلاوة ، ويكثر منها ، فدخل كمٌّ كبير من المواد السكرية إلى الكبد ، الكبد لا يخرج إلا نسب محدودة جداً من السكريات ، وما مرض السكر إلا ارتفاع السكر في الدم ، فهذا الكبد يقوم بمهمة التعيير ، فكل المواد التي في الدم عيرها الكبد ، هذا شيء مهم جداً من وظائف الكبد ، يعيّر السكر ، ويعيّر بقية المواد .
المذيع :
هنا نريد أن نعطي ملاحظة بالنسبة لمرضى السكري في هذه النقطة ، هل يكون هذا المعيار قد فُقِد عند الإنسان عندما يكون لديه هذا المرض ؟
الأستاذ :
البنكرياس يفرز مادة يمكن أن تحرق السكر في درجة حرارة الإنسان ، لو جئت بملعقة سكر ، ووضعتها على يدك لا تحترق ، فكيف نوفق بين احتراق السكر الذي يحتاج إلى مئة درجة ، وبين احتراق السكر في الدم ؟ السكر في الدم يحترق بدرجة 37 ، بفضل مادة يفرزها البنكرياس ، وهي الأنسولين ، إذا ضعف إفراز هذه المادة بقي السكر الذي لم يحترق في الدم فترتفع نسبته ، والسكر الذي يخترق ينتهي ، فالبنكرياس يفرز مادة اسمها الأنسولين تسهم في حرق السكر في درجة الحرارة العادية ، فإذا كان قلَّت المادة معنى ذلك أن السكر سوف يرتفع في الدم .
شيء آخر في الكبد المادة ، أن هناك وظيفة رابعة له ، هي وظيفة التكوين ، فالكبد يكون عنصر التجلط ، وعنصر التمييع ، تعلمون أن الدم بين أن يكون مائعاً وبين أن يكون جامداً ، إذا جمد الدم في الأوعية مات الإنسان ، يقال : له جلطة ، مثلاً ، وإذا ماع الدم كثيراً ، سال كله من ثقب صغير ، وفي الدم صفيحات ، وهذا من فضل الله عز وجل ، وكريات بيضاء وحمراء ، الصفيحات مهمتها سد الثغرات ، الإنسان إذا أصيب بشظية ، أو جرح يجب أن يخرج الدم كله ، ولولا الصفيحات لسال دمه كله من ثقب بسيط ، ولمات الإنسان ، فلذلك كان تعيير الكريات الحمراء والبيضاء والصفيحات .
ثم إن الكبد يفرز عنصر يميع الدم ، وعنصر يجلطه ، من توازن إفراز هذين العنصرين يكون الدم في حالة بين الميوعة القاتلة وبين التجلط القاتل ، هذا ما يسمى عند الإنسان سيلان الدم ، والأطباء ينصحون الناس بعد الأربعين بتناول حبة أسبرين يومية ، ليكون هذا الدم مائعاً حيث يبتعد عن أي تجلط ، فيسبّب أزمة لصاحبه .
الآن الكبد نفسه يفرز البروتين ، يعيّر ، ويحدّد نسب الماء في الجسم ، ومن التهب كبده أصيب بالاستسقاء ، أي إنّ الجسم يخزن ماء كثيراً يفوق حاجته ، من علامات التهاب الكبد الاستسقاء ، هناك ماء كثير يودع في الأنسجة دون أن يستهلك ، لأن الكبد هو الذي يعير نسب الماء في الجسم ، لو أصيب الكبد بالتهاب حاد لضاع الإنسان فيما يسمى الاستسقاءَ .
من وظائف الكبد أيضاً أنه يدرس وضع السم في الدم ، فإما أن يعدله بتفاعل كيماوي ، وإما أن يقيّده ، وإما أن يطرده ، شيء رائع جداً ، المجرم إما أن نطره خارج البلاد ، وإما أن نقبض عليه ، ونضعه في السجن ، وإما أن نجرده من سلاحه ، إما أن يقوم تفاعل فيلغي سميته ، وإما أن يقيَّد فلا يؤذي أحداً ، وإما أن يطرد خارج الجسم ، وهذا من وظائف الكبد ، وكما قلت في أول اللقاء : لا يستطيع الإنسان أن يعيش من دون كبد أكثر من ثلاث ساعات ، لأنه منطقة صناعية كاملة .
الإنسان حينما يفكر في هذه الأجهزة العملاقة البالغة في الدقة ، البالغة في الاختصاص ، ألا يسبّح الله عز وجل ؟ ألا يقول : سبحان الله ! لأن معرفة الله أصل الدين ، كيف نعرفه ، الله عز وجل ذاته غائبة عنا ، بدليل قوله تعالى :
( سورة الأنعام الآية : 103 ) .
لكن هذا الذي صنعه بين أيدينا ، الصنعة تدل على الصانع ، فنحن نرى الله من خلال صنعته الدقيقة ، وإتقانه لصنعته .
قلت قبل قليل : هناك نمط اقتصادي في الجسم ، فهذه الكريات الحمراء التي ماتت تسهم أعضاء الجسم في تفكيكها إلى عناصرها الأولية ، وإرسال بعضها إلى معامل كريات الدم في نقي العظام ، ويسهم الآخر في إمداد الصفراء بهذه المادة التي تعين على هضم المواد الدسمة .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، طبعاً لكل جهاز مرض ، وقد يصاب الإنسان بأمراض كثيرة ، ولكن بالنسبة للكبد ما المرض الذي يصيبه ؟
الأستاذ :
هناك التهاب كبد وبائي ، هذا مرض خطير ، مرض مميت ، بالمناسبة أحبّ أن أنبّه الإخوة المستمعين أنه لو أن إنسانًا مصابًا بالتهاب كبد وبائي ، وهو يعمل في مطعم ، ولم ينظف ما بين أظافره وأصابعه بعد دخول الحمام فإن 300 رائد من رواد المطعم يصابون بهذا المرض ، القضية خطيرة جداً ، إنسان مصاب بالتهاب كبد وبائي بسبب وصول جرثوم إليه ، إن لم يبالغ في تنظيف يديه حينما يعدّ الطعام فقد يصيب مئات الذين يرتادون هذا المطعم بهذا المرض المميت دون أن يشعر أحد ، فلا بد من دقة بالغة في موضوع ، هذا المرض الخطير اسمه التهاب الكبد الوبائي .
المذيع :
من أين يأتي هذا المرض ؟ هل هو تلوث ؟
الأستاذ :
هو تلوث ، لذلك النظافة من الإيمان ، حينما يبالغ الإنسان في النظافة يكون قد بالغ في صون جسمه من الأمراض ، والملاحظ أن أمراض القذارة كثيرة ، والعدد دقيق ، 300 مليون إنسان في الأرض مصابون بأمراض القذارة ، بينما العالم الإسلامي يعد الشريط الأخضر ، بحكم الوضوء والصلاة ، والإنسان من خلال دينه يبالغ في تنظيف نفسه ، وفي تنظيف فتاحاته وأعضائه ، فهذه الأمراض خطيرة جداً ، سببها القذارة ، وعدم التنظيف ، فهذا التهاب الكبد الوبائي يأتي من جرثوم ، فالإنسان إذا لم يعتنِ بنظافة طعامه ، ونظافة أعضائه فقد يصاب بهذا المرض .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، أيضاً نسمع بتشمع الكبد ، وما شابه ذلك ، كنا في هذه الحلقة نتحدث عن الكبد ، لا بأس إن أعطينا ولو نبذة بسيطة عن ذلك .
الأستاذ :
هذا التشمع في الأعم الأغلب سببه شرب الخمر ، الكحول أحد أسباب تشمع الكبد ، التشمع يعني التليّف ، هذا الكبد خلاياه تعطلت عن أن تقوم بوظائفها ، فيجب أن نعلم علم اليقين أن العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة عليمة ، علاقة سبب بنتيجة ، وأن العلاقة بين الطاعة ونتائجها علاقة علمية ، علاقة سبب بنتيجة ، لأن هذا الدين منهج الله عز وجل ، منهج الله قائم على قوانين ، الفرق بين الدين السماوي ، وبين الدين الوضعي ، الدين الوضعي طقوس حركات وسكنات وتمتمات لا معنى لها ، وليس فيه منهج ، لكن دين الله عز وجل يتّسم بمنهج ، والمنهج مبني على أمر ونهي ، والأمر والنهي أساسه المواد النافعة والمواد الضارة ، فحينما يعاقر الإنسان الخمر فقد يصاب كبده بالتشمع .
المذيع :
أيضاً يجب على الإنسان أن يتنبه لتعاطي الخمر ، فقد ورد تحريمه في الإسلام ، وهذا مما لا يفيد الإنسان ، بل يضره .
أيها الإخوة والأخوات ، أتينا إلى نهاية هذه الحلقة ، وذلك لضيق الوقت ، إن شاء الله نتحدث في حلقات قادمة عن آيات الله الكبرى الدالة على عظمته ، وتحدثنا في هذه الحلقة عن آية كبرى ، وهي أكبر عضو في الأحشاء " الكبد " .
إخوة الإيمان والإسلام إلى حلقة قادمة مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في جامعة دمشق ، والخطيب والأستاذ الديني في جوامع دمشق .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته