مقدمة عامة:
عرفت الممارسة المحاسبية تعايشا كبيرا مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية على مر العصور في المحيط الذي كانت تستعمل فيه المحاسبة، وفي ظل الواقع الاقتصادي الجديد الذي أحدث تحولات كبيرة في العالم وذلك من خلال تطور التجارة واتساع رقعتها وكذلك تعدد وتنوع المعاملات التجارية بين الدول، وانتشار الشركات المتعددة الجنسيات وامتداد نشاطها ليغطي العديد من الدول المختلفة، غير أن اختلاف الممارسات المحاسبية بين الدول دفع الشركات المتعددة الجنسيات إلى المطالبة بتوحيد وتقريب الممارسات المحاسبية من أجل تسهيل عمليتي الرقابة والاتصال عبر مختلف فروعها في العالم.
وفي أوائل السبعينيات من القرن الماضي انطلقت بعض الجهود والمحاولات لوضع أسس دولية لمهنة المحاسبة على مستوى العالم من أجل توفير قاعدة واحدة لقراءة القوائم المالية لمختلف الشركات من مختلف البلدان تمثلت في معايير المحاسبة الدولية، وذلك تجاوبا مع توسع أنشطة التجارة حول الاستثمار والتبادل التجاري بين مختلف دول العالم.
ومن أجل مواكبة الجزائر للاقتصاد العالمي وتفتحها على العولمة من خلال انضمامها المرتقب للمنظمة العالمية للتجارة، حاولت الجزائر ومنذ تخليها عن الاقتصاد الموجه وتبنيها لاقتصاد السوق القيام بإصلاحات اقتصادية، والتي مست عدة جوانب من بينها إصلاح النظام المحاسبي بإعادة هيكلة المخطط المحاسبي الوطني واعتماد مشروع نظام محاسبي مالي جديد يتوافق مع معايير المحاسبة الدولية.
طرح الإشكالية:
مما سبق تبرز إشكالية هذا الموضوع كالتالي:
• ما هي أهم الأسباب و الدوافع التي فرضت الانتقال من المخطط المحاسبي الوطني إلى النظام المحاسبي المالي الجديد؟
لمعالجة هذه الإشكالية نطرح الأسئلة الفرعية التالية:
• هل تعتبر المعايير المحاسبية الدولية نتيجة لتطور المحاسبة؟
• وهل المخطط المحاسبي الوطني يستجيب لمتطلبات التوجه الاقتصادي الجديد في الجزائر؟
• ما هو النظام الجديد الذي انتهجته الجزائر في إطار أعمال الإصلاح المحاسبي؟
الفرضيات:
وللإجابة على الإشكالية والأسئلة المقترحة وضعنا الفرضيات التالية:
1- تعتبر المعايير المحاسبية كنتيجة لتطور المحاسبة.
2- إن المخطط المحاسبي الوطني أصبح لا يستجيب لمتطلبات التوجه الجديد نحو اقتصاد السوق.
3- اعتمدت الجزائر في إطار الإصلاح المحاسبي نظام محاسبي مالي جديد يتطابق مع معايير المحاسبة الدولية.
المنهج المستخدم:
اعتمدنا في دراستنا على المنهج الوصفي عند تناولنا لنشأة المحاسبة وتطور الفكر المحاسبي وعند إعطاء فكرة موجزة حول معايير المحاسبة الدولية ومختلف الهيئات القائمة عليها، وكذلك المنهجين التحليلي والمقارن عند دراستنا للمخطط الوطني المحاسبي والنظام المحاسبي المالي.
دوافع اختيار الموضوع:
هناك عدة أسباب لاختيار هذا الموضوع منها ما هو ذاتي وما هو موضوعي نوجزها فيما يلي:
• الاهتمام بالمجال المحاسبي.
• التوقيت الزمني المتوافق مع مصادقة السلطة التشريعية على تطبيق النظام المحاسبي المالي الجديد.
• البحث عن نوع جديد من الدراسات المحاسبية.
• كون الدراسة من المواضيع المطروحة في الساحة الاقتصادية والمهنية حاليا.
أهمية البحث:
تتمثل أهمية هذا الموضوع في تزامنه مع التغير الحاصل في الأنظمة المحاسبية بالجزائر وهذا بتبنيها لفكرة معايير المحاسبة الدولية من خلال مشروع النظام المحاسبي المالي الجديد، والذي جاء ليطور نظام المحاسبة في الجزائر وتقريبه من التطبيقات المحاسبية على الصعيد الدولي لتسهيل قراءة القوائم المالية من طرف مستخدمي المعلومة المحاسبية.
أهداف الدراسة:
• محاولة إبراز فصول التطور التاريخي الذي عرفته المحاسبة في ظل مسايرتها للأنشطة الاقتصادية.
• محاولة التعريف بالمعايير المحاسبية الدولية والهيئات القائمة عليها.
• دراسة المخطط المحاسبي الوطني ومحاولة إبراز أهم النقائص المتعلقة به.
• التطرق إلى أعمال الإصلاح المحاسبي.
• محاولة تقديم النظام المحاسبي المالي الجديد وإبراز أهم التغيرات بالمقارنة مع المخطط المحاسبي الوطني.
خطة البحث:
وللإجابة على إشكالية البحث وكذا الأسئلة الفرعية المطروحة، فقد تم تقسيم البحث إلى مقدمة، ثلاث فصول، خاتمة، تضمنت المقدمة العناصر المنهجية التي يفترض أن تحتويها كل مقدمة بحث علمي، سواء فيما يتعلق بالإشكالية، الفرضيات، أهداف الدراسة، المنهج المستخدم...الخ.
واحتوى الفصل الأول على عموميات حول المحاسبة ومعايير المحاسبة الدولية وهذا لإعطاء نبذة عن تطور الفكر المحاسبي وماهية المحاسبة وكذا تقديم وجيز لمعايير المحاسبة الدولية.
أما الفصل الثاني فقد اشتمل على دراسة ونقد المخطط المحاسبي الوطني وتم تقسيمه إلى ثلاثة مباحث، الأول والثاني يتعلقان بالإطار النظري والتقني للمخطط المحاسبي الوطني، أما المبحث الثالث فقد تضمن نقدا للمخطط المحاسبي الوطني بهدف تحديد أهم النقائص المتعلقة به.
وخصص الفصل الثالث لدراسة مشروع النظام المحاسبي المالي الجديد من خلال ثلاثة مباحث، تم التطرق في المبحث الأول إلى أعمال الإصلاح المحاسبي، وفي المبحث الثاني إلى تقديم الإطار العام لمشروع النظام المحاسبي المالي الجديد، أما المبحث الثالث فهو دراسة مقارنة بين المخطط المحاسبي الوطني والنظام المحاسبي المالي الجديد.
وأنهينا البحث بخاتمة عامة شملت النتائج المتوصل إليها وأرفقناها ببعض التوصيات.
مقدمة الفصل :
نظرا للأهمية الكبيرة التي تكتسيها المحاسبة على المستوى الاقتصادي، والدور الذي تلعبه في مختلف المجالات في تطوير المشاريع الإقتصادية ذات الطابع الحيوي، خاصة وأن الكثير من الأطراف الاقتصادية يفتقدون لمعرفتهم بأصول علم المحاسبة الذي يحتل مكانة هامة ضمن المجال الإداري في الوقت الحاضر والذي بدونه يتعذر على المؤسسات والشركات أداء وظائفها على أكمل وجه.
فمن الضروري الإجابة على العديد من التساؤلات الأساسية والضرورية والتي أدرجناها ضمن الفصل الأول، والمتعلقة بنشأة المحاسبة وتطور فكرها، ماهية المحاسبة من خلال التطرق إلى مفهومها وتعريفها وتبيان أهميتها وأهدافها، وكذا المعايير المحاسبية الدولية والهيئات المكلفة بإعدادها.
ومن هنا جاء تقسيم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث رئيسية هي:
المبحث الأول: نشأة المحاسبة وتطور الفكر المحاسبي؛
المبحث الثاني: ماهية المحاسبة؛
المبحث الثالث: معايير المحاسبة الدولية.
ومن ثم يتم إبراز الجانب الفعال للمحاسبة من خلال التعرف على أصولها والإلمام بأبعادها، ودورها ضمن مختلف الأنشطة الاقتصادية لتكون بمثابة مقدمة أو دراسة تمهيدية قبل التطرق إلى النظام المحاسبي الذي اتبعته الجزائر من خلال تبنيها للاقتصاد الاشتراكي في الفصل الثاني.
المبحث الأول: نشأة المحاسبة وتطور الفكر المحاسبي
لقد نشأت المحاسبة وتطورت كبقية العلوم الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، حيث تعاقبت عليها الكثير من الحضارات التي ساهمت في تطورها وبروز أهميتها، فأصبحت ضرورة حتمية تقتضي على كل مسير أو عون اقتصادي أو باحث أو يكون على دراية بجوانب هذا العلم، فهذا ما يجسده المبحث الأول المتعلق بنشأة المحاسبة وتطور الفكر المحاسبي.
المطلب الأول: نبذة تاريخية عن تطور علم المحاسبة
إن الدراسة النظرية لتطور الفكر المحاسبي لها أهميتها الخاصة في التعرف على التطور الإيديولوجي في المحاسبة. فالفكر المحاسبي في حالة استمرار مع التغير، فالاستمرار (continuity) يتكلم عن العناصر النابعة من الماضي إلى الحاضر والممتدة إلى المستقبل، والتغير (change) يتحدث عن أثر الظروف الجارية المحيطة والتي قد تؤثر على الاستمرار ولكن لا تلغيه، ويمكن التعبير على هذه الفكرة بلفظ النسبية (relativity) فالتجربة والاستعمال المرضي يمدنا ببعض العناصر التي تصلح للبقاء والاستمرار والظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة قد تدعو إلى التغيير، فلقد كان المؤثر الفعال في ظهور حسابات رأس المال والدخل (capital & income Accounting) بإيطاليا وما تلاها من تطور في طرق القياس والعرض هو الحاجة الملحة والمستمرة لإدارة المشروع إلى بيانات مالية حقيقية عن مشروعاتهم.
وكانت حاجة الإدارة ملحة لمثل هذه البيانات لأن القرارات الإدارية في المستقبل تستطيع أن تستفيد من المراجعة المنتظمة لنتائج قرارات وأعمال الإدارة في الماضي، وبالتجربة والخطأ فإن المحاسب استطاع أن يصل إلى طريقة لتقسيم حساباته.
وطريقة التقسيم المحاسبية مما لاشك فيه قد فتحت الطريق أمام مناقشة العديد من مشاكل الإدارة بطريقة منطقية ومنظمة لأن عمليات المشروع عندما يتم تبويبها في حسابات مستقلة مكنت الإدارة بطريقة فعالة من تفهم نتائج عمليات المشروع بطريقة أصلح كثيرا من الإعتماد على الملاحظة أو التطور العابر .
المطلب الثاني: نشأة المحاسبة وتطورها التاريخي
نشأت المحاسبة نظرا لحاجة الإنسان إلى بيان العمليات المالية للنشاطات التي يقوم بها، وتطورت مع تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعملية للإنسان، ويمكن تقسيم تطور الفكر المحاسبي إلى المراحل التالية:
أولا: المحاسبة في العصور القديمة و الوسطى
المحاسبة هي إثبات منظم لنشاط مؤسسة اقتصادية، نراها قديمة قدم اختراع الكتابة نفسها، نشأت في البحر الأبيض المتوسط فكانت مسايرة لظهور العد والقياس، وتقتصر على كشوف محاسبية كوسيلة لضبط خزائن وممتلكات الملوك والقياصرة والكهنة لمراقبة حركة مخازن المواد الحيوية كالحبوب والأخشاب لبناء السفن.
ففي الاقتصاد الآشوري كانت تعطى قيم مختلفة بحسب المنازل مما أدى إلى تطور علم الحساب وجعل الإثبات المحاسبي ممكنا، فكانت تثبت البيانات على ألواح من الفخار وتحفظ في صناديق مرتبة وفق أرشيف خاص، لكن هذا الإثبات كان مقتصرا على محاسبة المخازن.
ففي عهد الفراعنة كانت المحاسبة أيضا مقتصرة على المخازن لكن أكثر تطورا وتفصيلا، وخير مثال على ذلك قصة سيدنا يوسف عليه السلام كما وردت في القرآن الكريم، فقد احتفظ بالغلال مدة سبع سنين متتالية.
وفي عهد الإغريق والرومان لم تكن أشكال متطورة للتسجيل المحاسبي مثلما وجدت في بلاد الشرق الأدنى القديم، فقد اكتفى بإثبات ديون الحرفيين والتجار بشكل عرفي على ألواح شمعية، كما أن نظام الأعداد الروماني القائم على استخدام الحروف دون وجود منازل قد أعاق لمدة طويلة حتى القرن الخامس عشر بعد الميلاد تطور علم الحساب والمحاسبة.
وفي العصر الوسيط الذي ساده نظام إقطاعي، اقتصر الإثبات المحاسبي على سجلات من رقائق جلود الحيوانات تمسك لدى كبار ملاك الأراضي من رجال الكنيسة والإقطاعيين لمراقبة استلام وتسليم محاصيل الفلاحين لسيدهم الإقطاعي .
ثانيا: المحاسبة في عصر النهضة ومبدأ القيد المزدوج
كان للحروب الصليبية دور في احتكاك سكان حوض المتوسط مع العرب الذين نقلوا العلوم والمعرفة إليهم خاصة في إيطاليا، الذي سمح بإدخال الرياضيات ونظام الأرقام العشري ليحل محل النظام العددي الروماني، فقدم النظام العشري الأساس لتطور علم الحساب والرياضيات والمحاسبة وبقية العلوم الأخرى، كما ساعد انتقال صناعة الورق إلى أوروبا عبر الأندلس في خلق أرضية ملائمة لنشوء علم المحاسبة.
ولكن بقي الاعتماد على النظام العددي الروماني لأنه هو المعتمد قانونا، فالتجار الإيطاليون كانوا يمسكون نوعين من السجلات مجموعة بالأرقام العربية لتسهيل العمليات والإثبات المحاسبي والأخرى بالنظام الروماني.
وحوالي نهاية القرن الثالث عشر ظهرت الحسابات الإسمية كحساب الألبسة الذي يبين حساب البضائع وانتشرت سريعا، وفي نفس الوقت تقريبا بدأ التسجيل المحاسبي في الحسابات يأخذ شكل "منه -له" ممسوكا وفق الشكل التقليدي المعروف حاليا بالحرف "T" وبدأت تظهر بوادر القيد المزدوج وتنتشر بشكل خاص في مجال الأعمال المصرفية.
إن بدايات مسك الدفاتر وفق القيد المزدوج قد ظهرت في فلورنسا في إيطاليا قرب نهاية القرن الثالث عشر، غير أن إختراع القيد المزدوج لا يعني إكتمال النظام المحاسبي فمازال ينقصه الإقفال.
ففي القرن الرابع عشر استعملت لأول مرة عملية إقفال شكلي الحسابات وفي ذلك الوقت انتشرت المدارس المحاسبية في إيطاليا، وفي سنة 1494 نشر أول كتاب مرجعي في المحاسبة للوكا باسيولي "مراجعة عامة في الحساب والهندسة والنسب والتناسب" الذي شرح فيه الإثبات المحاسبي وفق نظام القيد المزدوج .
ثالثا: المحاسبة في عصر الرأسمالية
في هذه المرحلة ساهمت المحاسبة مساهمة فعالة في انتشار الرأسمالية التجارية، إذ قدمت أداة عقلانية تقوم على تكميم الغاية (الربح) والوسائل (المشتريات والمبيعات، المصروفات والإيرادات)، وظهرت الحاجة إلى الميزانية العامة المنشأة فنتج عنها فرضية الدورية.
وفي سنة 1673 فرض في فرنسا مسك السجلات المحاسبية وتطبيق أسلوب الجرد الفعلي وإعداد الميزانية العامة ولهذا ظهر التأثير لا قانوني على شكل ومضمون الميزانية لحماية حقوق الدائنين بالدرجة الأولى ثم بدأت تظهر السجلات المحاسبية من يوميات مساعدة وأستاذ مساعد وعام.
إن أهم المبادئ أو القواعد المحاسبية السائدة خلال مرحلة الرأسمالية هي:
•مبدأ تحقيق الإيراد عند البيع.
• تحديد الربح وفق حجم المبيعات بمقابلة الإيرادات بالنفقات.
• اعتماد البيانات الفعلية التاريخية في الإثبات المحاسبي وتحديد نتيجة النشاط.
المطلب الثالث: مراحل التنظير المحاسبي
يقصد بالتنظير المحاسبي الانتقال من البحث عن المبادئ إلى إنشاء معايير وذلك عن طريق تقييم المبادئ والقواعد المحاسبية السائدة في الحياة العملية وتوضح الأبحاث المحاسبية أن التنظير المحاسبي مر بثلاث مراحل أساسية وهي:
أولا: مرحلة مساهمة الإدارة (1900-1933)
لقد تنامى دور الإدارة في التأثير على صياغة المبادئ المحاسبية مع انتشار الشركات المساهمة بعد سنة 1900 كشكل جديد للملكية ساهم في توسع الشركات ونمو حجمها، فقد اتضح أن الشركات المساهمة هي وسيلة فعالة لتجميع رؤوس الأموال الضخمة نظرا لما توفره من مخاطر محدودة للمساهمين.
لقد أدى انتشار شكل الشركات المساهمة إلى ظهور خاصتين:
• خاصية استمرار الشركات المساهمة دون عمر محدود: وهذه الخاصية هي الأساس الذي يقوم عليه فرض الإستمرارية "going concern" في المحاسبة المالية .
• خاصية الملكية الغائبة: أي انفصال الملكية عن الإدارة وبالتالي ظهور الشخصية المعنوية المستقلة، وكان لهذه الخاصية تأثير على تطور الفكر المحاسبي، وذلك على صعيدين:
1. الصعيد العملي:
لقد أثرت ظاهرة الملكية الغائبة تأثيرا كبيرا على المحاسبة، فقد أظهرت أهمية الدور المحاسبي في مجال تقييم الإدارة وما يتطلبه ذلك من مقابلة الإيرادات بالمصروفات، مما أدى إلى تركيز الإهتمام على قائمة الدخل بالدرجة الأولى وانتشار تطبيق مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات واعتماد نتيجة الدورة كمؤشر لتقييم كفاءة الإدارة في استثمار الأموال الموكلة إليها، وهكذا أصبحت الميزانية حلقة وصل بين قائمة الدخل والفترات المتعاقبة.
وتجدر الملاحظة إلى أن جذور نظرية الوكالة تعود إلى تلك الفترة المرتبطة بانتشار الشركات المساهمة، فقد اعتبرت الإدارة وكيلا عن الملاك المساهمين يقوم بإدارة المشروع لمصلحتهم ويرغب في إظهار مدى نجاحه في المهمة الموكلة إليه عن طريق تعظيم الأرباح المعلن عنها في القوائم المالية.
إن توكيل الإدارة بالتصرف بالموارد الإقتصادية المتاحة للمنشأة واتخاذ القرارات نيابة عن المساهمين الملاك قد أعطى الإدارة سيطرة كاملة على شكل ومضمون القوائم المالية والإفصاح المحاسبي، ولقد أدى هذا الوضع إلى اعتماد حلول خاصة متحيزة تخدم مصالح الإدارة، كلما أمكن ذلك وإيجاد حلول للمشاكل الملحة فقط.
إن اعتماد الإدارة في إيجاد حلول المشاكل كان له النتائج التالية:
• افتقار غالبية الممارسات المحاسبية إلى الخلفية النظرية، وذلك بسبب السمة العملية للحلول المعتمدة؛
• التركيز على الدخل الخاضع الضريبة بما يؤدي إلى تدنية ضريبة الدخل، إذ فرضت القوانين ضريبة على دخل الشركات المساهمة؛
• اعتماد الممارسات والإجراءات المحاسبية بشكل يؤدي إلى تمهيد مستوى الدخل؛
• تجنب معالجة المشكلات المعقدة واختيار حلول نفعية؛
• اعتماد حلول مختلفة وممارسات مختلفة لنفس المشكلة في المنشآت المختلفة.
2. الصعيد النظري أو الأكاديمي:
أي ماذا قدم الأساتذة والكتاب في هذه الفترة.
يعد أستاذ المحاسبة وليام باتون صاحب أول محاولة عملية متكاملة لبناء نظرية المحاسبة وفق المنهج الاستنباطي، بنشر كتاب "نظرية المحاسبة" عام 1922، حيث حدد ستة فروض محاسبية أساسية هي:
أ) الوحدة المحاسبية: ويقصد بها وجود شخصية معنوية مستقلة للمشروع كوحدة تنظيمية ترتبط بها السجلات المحاسبية، ويعد باتون أول من نادى باعتبار الوحدة المحاسبية شخصية معنوية مستقلة عن شخصية أصحاب المشروع.
ب) الاستمرار: ويقصد بها أن المشروع مستمر في نشاطه ولا توجد نية في تصفيته وبناءا على فرض الاستمرار تقوم أصول المشروع الثابتة والمتداولة بالتكلفة التاريخية.
ج) معادلة الميزانية: ويقصد أيضا فرض التوازن التام بين القيود المدينة والقيود الدائنة أو الأرصدة المدينة والأرصدة الدائنة أو التوازن بين إجمالي الأصول وإجمالي الخصوم، ويمثل فرض التوازن جوهر تطبيق القيد المزدوج.
د) عدم تغير وحدة القياس النقدي: أو ما يسمى حديثا بفرض ثبات وحدة القياس النقدي، فالنقد هو المعادل العام للأصول والخصوم، ورغم أن وحدة القياس النقدي غير ثابتة بسبب تغير الأسعار والتكاليف، فإن المحاسب مضطر إلى افتراض ثبات وحدة القياس النقدي.
ه) التصاق أو تتبع التكلفة: يرى باتون أن الأصل يجب أن يثبت محاسبيا وفق تكلفة شراءه، فالتكلفة هي الحقيقة الوحيدة المتاحة عند حيازة الأصل، أما في المنشآت الصناعية فيعتمد باتون على مفهوم "تتبع التكلفة" وبمعنى أن قيمة أي سلعة مصروفة في الإنتاج من مواد وأجور وتكاليف صناعية غير مباشرة تحتسب على قيمة المنتج سوءا كان نهائيا أو مازال تحت التصنيع، ويعد مفهوم تتبع التكلفة الأساس الضروري لنظام محاسبة التكاليف.
و) استحقاق المصروفات وتحقيق الإيرادات أو الأرباح: ويقصد بها تسجيل المصروفات الفعلية وفق أساس الإستحقاق ومقارنتها مع الإيرادات المحققة بالبيع لاستخراج صافي الربح، وهذا ما يسمى حديثا بمبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات لتحديد نتيجة الربح من ربح وخسارة.
ثانيا: مرحلة مساهمة المجمعات المحاسبية (1933-1973)
أدت الأزمة الإقتصادية لسنة 1929 إلى إفلاس الكثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة لحساب المنشآت الكبيرة التي أخذت تسيطر وتحتكر الأسواق، وخوفا من الإفلاس دفع هذا الوضع إدارات العديد من الشركات إلى المزيد من الإقتراض وإلى تقديم قوائم مالية مغايرة للواقع عن طريق اختيار إجراءات وسياسات محاسبية تؤدي إلى رفع قيمة الأصول وزيادة الأرباح صوريا، وهكذا تضررت مصالح المقرضين والمساهمين (أصحاب السندات والأسهم في السوق الأوراق المالية) الأمر الذي دفعهم إلى القضاء لمساءلة الإدارة أو المحاسب أو مدقق الحسابات، وكثيرا ما كانت أحكام القضاء تصدر ضد مدقق الحسابات أو المحاسب أو الإدارة دفاعا عن المجتمع الإستثماري المالي ودرءا للغش والتلاعب .
و هذا ما زاد من طلب تدخل الدولة لتنظيم المبادئ المحاسبية وحماية المستثمرين، وذلك بوضع مبادئ تلزم الإدارة وتحمي المحاسبين والمراجعين في مختلف الشركات.
المبادئ المحاسبية والمعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين Aicpa :
قام المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين بإنشاء لجنة بهدف وضع مبادئ محاسبية مقبولة، حيث أصدر وثيقة سنة 1934 لتطوير مبادئ المحاسبة فاعتمد منهجا وصفيا للمبادئ المحاسبية السائدة.
أهم القواعد المحاسبية الصادرة في بيان المعهد الأمريكي هي:
• قاعدة تحقق الإيراد للبيع؛
• قاعدة عدم جواز إضافة المكاسب الرأسمالية إلى قائمة الدخل، أي عدم إضافة المكاسب الرأسمالية إلى أرباح العمليات العادية للمشروع؛
• لا يجوز احتساب أرباح للأسهم أو فوائد للسندات المملوكة والعائد للشركة نفسها وعرضها دائنة في حساب الأرباح و الخسائر؛
• يجب استبعاد أوراق القبض الموقعة من موظفي الشركة أو موقعة من شركات تابعة، وإظهارها كمفردة مستقلة.
ولقد أطلقت اللجنة على مبادئ عام 1934 السابقة مصطلح "المبادئ المحاسبية المقبولة " .
• في عام 1936، اعتمد المعهد مصطلح "المبادئ المحاسبية المقبولة عموما" بهدف توحيد الممارسة العملية وجعلها تتلاءم مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة؛
• في عام 1937، كون المعهد لجنة الإجراءات المحاسبية بغرض تصنيف المجالات الإختلاف في التقارير والقوائم المالية؛
• في سنة 1959،كون المعهد الأمريكي هيئة المبادئ المحاسبية بهدف تطوير وتوضيح مضمون المبادئ المحاسبية تحت مصطلح "المبادئ المحاسبية المقبولة عموما".
خلال حياتها ( 1959 – 1973 ) أصدرت الهيئة "آراء المبادئ المحاسبية" التي تعبر عن حلول مقترحة تواجهها المحاسبة.
حيث واجهت الهيئة ضغوطات كبيرة بشكل خاص من مكاتب التدقيق الثمانية في الولايات المتحدة الأمريكية فهو كان يفتقر إلى إطار فلسفي متكامل للتصدي للمشاكل المختلفة .
ثالثا:مرحلة التسييس (1973 وحتى الوقت الحاضر)
لقد باءت بالفشل محاولات المجمعات المهنية (1933 – 1973) لصياغة نظرية محاسبية واستبعاد الممارسات المهنية غير المرغوب فيها والسائدة في الحياة العملية والحد من إساءة استخدام وتطبيق تلك الممارسات وبدائل القياس المحاسبي المتعددة والمتناقضة أحيانا، الأمر الذي أدى إلى حل هيئة المبادئ المحاسبية التابعة للمعهد الأمريكي وإنشاء هيئة معايير المحاسبة المالية في عام 1973.
منذ إنشاءها اعتمدت هيئة معايير المحاسبة المالية (بصورة أكثر من الهيئات واللجان السابقة) مدخلا علميا استنباطيا استقرائيا وكذلك جعلت عملية التنظيم المحاسبي ووضع المعايير ذات طابع سياسي واجتماعي .
عند صدور تكليف هيئة معايير المحاسبة المالية عام 1973 كان غياب نظرية المحاسبة واضحا لجميع الجهات المعنية، ولقد لوحظ ذلك في أمر تكليف الهيئة، فبدلا من تكليفها بمهمة تحديد الفروض والمبادئ العلمية كما كان ذلك بالنسبة لهيئة المبادئ المحاسبية السابقة، نجد أن المهمة الموكلة إليها ذات شقين:
• تكوين الإطار المفاهيمي لنظرية المحاسبة.
• إصدار معايير التطبيق العملي.
أي أن اهتمام قد تحول من تحديد الفروض والمبادئ المحاسبية إلى تحديد الأهداف والمفاهيم والمعايير.
الشق الأول: تكوين الإطار المفاهيمي لنظرية المحاسبة
لقد حققت هيئة المعايير المالية بالنسبة للإطار المفاهيمي نشاطا علميا وإنتاجيا متميزا، وقدمت بذلك قاعدة هامة لتطوير نظرية المحاسبة إذ صدرت عن الهيئة بين 1978 و 1985 ستة بيانات كما صدر حديثا بيان سابع في عام 2000 .
الشق الثاني: إصدار معايير التطبيق العملي
لقد حققت هيئة المعايير المحاسبية المالية نجاحا ملحوظا أيضا بالنسبة لمعايير التطبيق العملي، فقد صدرت عن الهيئة حتى آذار 1995، 121 معيارا محاسبيا تناولت المبادئ السابقة بالتعديل وإعادة الصياغة والتوضيح .
المطلب الرابع: الطبيعة العلمية للمحاسبة
لدراسة الطبيعة العلمية للمحاسبة نجد خلاف في وجهات النظر حول طبيعتها العلمية، هل المحاسبة فن أم علم ؟ أم ماذا ؟ والإجابة على هذا السؤال تحكمه مجموعة من الآراء نلخصها في ثلاث مدارس فكرية:
أولا: المدرسة الفنية
إن أصحاب هذه المدرسة ينظرون إلى أن المحاسبة ماهي إلا تطبيقات لفنون وممارسات المحاسبين، دون أن يسترشدوا ببعض المبادئ العلمية والأسس والأصول المحاسبية، لذا تركز هذه النظرية على الجانب العملي والتطبيقي لتدوين الأحداث الإقتصادية والمعاملات المالية.
ومن مؤيدي هذه المدرسة المحاسب الفرنسي دي مور (DE MURE) إذ قدم تعريف للمحاسبة يؤيد هذه النظرية، جاء فيه: "إن الحياسبة هي مجموعة دفتر أستاذ (Ledger Book) وبعض الدفاتر الأخرى، والسجلات والمستندات التي تمكن من التسجيل في الحسابات مع تلافي إضاعة الوقت، أو الوقوع في الأخطاء، بالإضافة إلى تلخيص أو مراقبة القيود المسجلة في الحسابات واستخلاص الملاحظات المختلفة لحسن إدارة المشاريع التجارية أو الصناعية أو الزراعية".
إن هذه الأفكار المعبرة عن تلك المدرسة قد لاقت قبولا في بداية ظهور واستخدام المحاسبة بمفهومها الفني والبسيط، بسبب كون مجال استخدامها كان ضيقا وحجم أعمال المشروعات كان صغيرا كما أن الطابع والشكل القانوني لملكية تلك المشروعات كان فرديا.
وتجسد كل ذلك من جراء تطبيق نظام القيد المفرد كأساس للتسجيل المحاسبي، واستمر هذا الوضع لغاية حصول تطور نوعي ملموس في نظام التسجيل المحاسبي في القرن الرابع عشر عندما بدأ الحديث في الأوساط المهتمة بمهنة المحاسبة بالإنتقال إلى نظام مغاير للتسجيل المحاسبي اصطلح عليه نظام القيد المزدوج أو (نظام الحساب الثنائي)، وتطورت هذه الأفكار خلال أكثر من قرن لحين ظهورها بشكل مكتوب في نهاية القرن الخامس عشر، وذلك عندما أصدر الباحث الإيطالي لوكا باسيولي كتابه عام 1494 تناول فيه نظام القيد المزدوج، وكان ذلك بمثابة الأساس الموضوعي لظهور المدرسة الثانية .
ثانيا: المدرسة العلمية
مثلما أسلفنا فإن الكتاب الذي أصدره الباحث الرياضي لوكا باسيولي عام 1494 قد أفرد فيه فصلا عن نظام القيد المزدوج (نظام الحساب الثنائي) ليشكل البداية الفعلية لهذه المدرسة، نظرا لعدم إمكانية استمرار تبني آراء المدرسة الفنية وعدم ملائمة القيد المفرد كنظام لتسجيل الأحداث والمعاملات المالية، التي بدأت تلك الأحداث تتوسع وتزداد انعكاسا لتوسع حجم ونوع الأنشطة والفعاليات الاقتصادية.
إن جوهر هذه النظرية يدعوا إلى اعتبار المحاسبة علما فقط له مبادئ وأسس علمية وفلسفية نظرية ومجال ومنهج بحث علمي كباقي العلوم.
ومن مؤيدي هذه النظرية (غابريل فور) (GABRIEL FAURE) الذي قدم تعريفا للمحاسبة "بأنها علم الحسابات، يمكن من تسجيل الحوادث التي تؤثر على مجموعة من الأموال لإظهار تفاصيل هذه الحوادث والنتيجة التي تنتج عنها".
كما عرف (ليون باتارودون) (LEON BATARDON) بأن "المحاسبة هي العلم الذي يبين القواعد الواجب اتباعها لتسجيل العمليات الإقتصادية التي يقوم بها شخص واحد أو عدة أشخاص".
إن المدرسة الثانية قد عالجت بعض أوجه قصور المدرسة الأولى، لكنها ذاتها لم تخلو من بعض العيوب، وفي مقدمتها نظرتها الأحادية الداعية إلى أن المحاسبة هي علم فقط، وإغفال الجانب الفني عنها، ونظرا لعدم قدرة أصحاب هذه المدرسة على الصمود و الاستمرار في الدفاع عن آرائهم ،مما استدعى ظهور مدرسة ثالثة كبديل عن المدرستين السابقتين .
ثالثا:المدرسة الحديثة
إن أصحاب هذه المدرسة لهم رأي مغاير عن المدرستين السابقتين، بحيث يرون بأن المحاسبة علم وفن معاً إذ تحكمها أسس ومبادئ وقواعد ومعايير وأصول وفرضيات وأهداف تتجسد في صياغة نظرية علمية يتم الاستفادة منها والاسترشاد بها في تطبيق الأنظمة المحاسبية في تحقيق الهدف العام للنظام المحاسبي المتمثل بإنتاج وخلق المعلومات المحاسبية اللازمة لاتخاذ القرارات .
نجد أن الأسس قائمة لكن التطبيق متباين طبقا لآراء وأفكار ومعالجات هذا المحاسب أو ذاك، إذ نذكر مثلا لا بد من حساب مصروف الاهتلاك للتعبير عن تناقص قيمة الأصول الثابتة، حيث يعتبر ذلك أمراً أساسيا لا بد من الالتزام به من قبل جميع المحاسبين انسجاما مع كل من مبدأ التكلفة التاريخية من جهة، ومبدأ مقابلة الإيرادات بالمصاريف من جهة أخرى، لكن نجد أن تطبق هذا المبدأ متباين بين محاسب وآخر، حسب طريقة ومعدل الاهتلاك.
وكذلك لا بد من تقويم المخزون الصادر من المخازن إلى مراكز التوزيع بالنسبة للمؤسسات التجارية، أو إلى الأقسام الإنتاجية بالنسبة للوحدات الصناعية، لكن الجانب الفني هنا الذي يختلف حوله المحاسبون، أي من طرق تسعير المخزون التي يستخدمها هذا المحاسب أو ذاك، من الطرق الثلاثة عشر لتسعير المخزون.
من هذه الأمثلة وغيرها تأكد صحة الرأي القائل بأن المحاسبة هي أحد العلوم الاجتماعية، لها أحكامها وأصولها،كما أنها فن من الفنون التي تعتمد على طريقة فنية للتسجيل المحاسبي للأحداث والمعاملات المالية، والمعالجة المحاسبية لها بما لا يتعارض مع الأصول و المبادئ العلمية والقواعد الأساسية في المحاسبة.
كما أن إضفاء الطابع العلمي للمحاسبة ينسجم مع فلسفة تطور الفكر المحاسبي ذاته، والذي كان نتيجة موضوعية لتلبية حاجات ومتطلبات اجتماعية وسياسية واقتصادية وقانونية وبيئية و غيره من العوامل التي تعكس تطور المجتمع البشري، وحاجة مختلف فئاته إلى نظام للمعلومات يساعدهم في اتخاذ القرارات، فكانت المحاسبة بإطاريها العلمي و العملي تلك الأداة الفعالة التي حققت هذه الأهداف .
وهكذا كان ظهور المحاسبة وليد التطور الصناعي والتجاري، فأصبح من الضروري على أصحاب رؤوس الأموال الضخمة والشركات الكبرى أن يسجلوا عملياتهم في الدفاتر والسجلات بشكل يسمح لهم بمعرفة ما عليهم من ديون تجاه الغير، وما لهم من مطلوبات مستحقة لصالحهم.
و تتجسد مكانة المحاسبة في إعطاء ونقل المعلومات المالية والاقتصادية مع تبيان المركز المالي الحقيقي للمؤسسة، كما تقوم بتقديم البيانات والنتائج للجهات الإدارية العليا مما يساعدنا على اتخاذ القرارات السليمة، خاصة بالنسبة للحكومة في تحديد سياستها الاقتصادية كونها وسيلة للرقابة والتخطيط، وكذلك بالنسبة للبنوك في إمكانية منح القروض، وإدارة الضرائب في تحديد الوعاء الضريبي، وغيرها من الهيئات الإدارية الناشطة في مختلف المجالات.
المبحث الثاني: ماهية المحاسبة
لقد كان لقيام الثورة الصناعية في أوربا، وتدفق رؤوس الأموال نحو الصناعة انعكاسات هامة أدى إلى ضرورة البحث في تطوير الأساليب والنظم المحاسبية قصد تحقيق الهدف الأول وهو إحكام الرقابة، خاصة في المشاريع الصناعية الكبرى التي تواجه مشاكل إدارية تتعقد يوماً بعد يوم، وكذا هدف رسم السياسات السلبية مع تجنب أخطاء الماضي.
لهذا تعتبر المحاسبة أداة لا يمكن الاستغناء عنها من أجل التسيير الناجح لمختلف المؤسسات، وفق قيود وشروط محددة تستوجب استعمال مجموعة من المبادئ والأسس والقواعد في تحليل العمليات المالية والمحاسبية عند حدوثها وتسجيلها على أساس الوثائق المثبتة لها، ثم تبويب وتصنيف هذه العمليات وتلخيصها في الوقت المناسب وبصورة سليمة، حتى تتمكن إدارة المؤسسة من تسييرها بكفاءة ونجاح.
المطلب الأول: مفهوم وتعريف المحاسبة
لقد وردة عدة تعاريف لتوضيح ما المقصود بمفهوم المحاسبة، سنحاول أن نورد بعض التعاريف التي توضح مفهوم المحاسبة الذي أورده بعض الكتاب والباحثين في مجال المحاسبة، وكذلك بعض التعاريف الصادرة عن بعض الجمعيات العلمية والمعاهد المتخصصة في المحاسبة.
تعريف 1:
المحاسبة هي علم يشمل مجموعة من المبادئ والأسس والقواعد التي تستعمل في تحليل العمليات المالية عند حدوثها، وتسجيلها من واقع مستندات مؤيدة لها، ثم تبويب وتصنيف هذه العمليات وتلخيصها بحيث تمكن الوحدة الاقتصادية من تحديد إيراداتها وتكلفة الحصول على هذه الإيرادات، ومن ثم استخراج نتيجة أعمالها من ربح أو خسارة عن فترة مالية معينة، وبيان مركزها المالي في نهاية هذه الفترة .
تعريف2:
عرف المعهد الأمريكي للمحاسبين الأمريكيين(AICPA) المحاسبة بأنها:
"عملية تسجيل وتصنيف (تبويب) وتلخيص العمليات التجارية ذات الأثر المالي، إضافة لاستخلاص النتائج المالية وتفسير هذه النتائج وتحليلها " .
تعريف3:
المحاسبة هي مجموعة من الإجراءات والطرق الفنية الموجهة لمتابعة نشاط المؤسسة، ومدى تأثيره على هيكلة أموالها أو ذمتها المالية خلال مدة معينة هي عمومها السنة المالية .
تعريف4:
المحاسبة هي مجموعة من المبادئ والقواعد المتعارف عليها التي تستعمل في تسجيل وتبويب وتحليل العمليات المالية والتبادلات التجارية ذات القيمة النقدية في السجلات المحاسبية لغرض تحديد نتائج عمليات الوحدة الاقتصادية خلال فترة مالية معينة وكذلك المركز المالي في نهاية تلك الفترة .
المطلب الثاني: المبادئ الأساسية للمحاسبة
ترسم المبادئ المحاسبية الإطار العام الذي يحكم الطرق والإجراءات المتبعة في إثبات العمليات المالية وفي إعداد القوائم والبيانات المالية، والمبادئ المحاسبية هي تعميمات أو إرشادات توجيهية عامة لما يجب أن يتبعه المحاسب في ظرف أو موقف معين وهي من صنع الإنسان تطورت عبر السنين لاستخدامها كأداة عملية تساعد في حل المشاكل المحاسبية، وتتصف بالشمول والملائمة وبالقابلية للاستخدام في معظم المشروعات الاقتصادية، وهذه المبادئ خلافا للقوانين الرياضية والعلمية لم تشتق علمياً، لذا يعاد النظر فيها باستمرار ويجري تعديلها لتتماشى وظروف البيئة الاقتصادية المحيطة بتطبيقها واستخدامها.
في رأي مجلس معايير المحاسبة المالية (FASB) هناك أربعة مبادئ محاسبية مشتقة من الفروض المحاسبية و هي:
• مبدأ التكلفة التاريخية؛
• مبدأ الاعتراف بالإيراد؛
• مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات؛
• مبدأ الإفصاح الشامل.
أولا: مبدأ التكلفة التاريخية
بموجب هذا المبدأ فإن التكلفة هي أفضل أساس لتقييم موجودات المنشأة، وتتضمن التكلفة جميع النفقات والمصروفات التي تكبدتها المنشأة في الحصول على الأصل وحتى أصبح جاهزاً للاستعمال في مكانه المخصص له بالمنشأة، ومن أجل الغرض الذي أمتلك من أجله، وبذلك فهي تشمل ثمن الشراء بالإضافة إلى جميع مصروفات الشراء من عمولة ونقل وشحن وتأمين وجمارك ومصروفات التركيب والإشراف والتجارب، وهناك اتفاق عام بين مستخدمي ومعدي القوائم المالية، وهذا يعني يجب أن تعد هذه القوائم المالية وفقا للتكلفة الحقيقية للحصول على هذه العناصر، وتتميز التكلفة التاريخية بسهولة التحقق من صحتها وموضوعيتها، وذلك لأن الأسعار محددة ومعروفة بالكامل عند حدوث الصفقة أو المعاملة التجارية، وهي غير قابلة للجدل أو التغير كما أنها واقعية لتوافر المستندات والوثائق المؤيدة لها، ومن هنا تكون البيانات المالية المعدة بموجب التكلفة التاريخية دقيقة ولها أساس حقيقي وموضوعي قابل للصحة والتحقق، وغير خاضعة للحكم الشخصي.
وبالرغم من كل ما تقدم، فإن تطبيق أساس التكلفة التاريخية يواجه عدة انتقادات وبخاصة في حالة التضخم، حيث أن القيم التاريخية تصبح غير واقعية، وبالتالي لا تمثل القوائم المالية المركز المالي الحقيقي للمنشآت الاقتصادية، فضلا عن صعوبة المقارنة بين المراكز المالية خلال عدة فترات محاسبية متتالية .
ثانيا: مبدأ الاعتراف بالإيراد
يمكن تعريف الإيراد بأنه التدفق الداخل الذي يؤدي إلى زيادة أصول المنشأة أو إلى نقص في المطلوبات أو الاثنين معا، وذلك نتيجة بيع السلع أو تقديم الخدمات، وكذلك التدفقات الناجمة عن استخدام موجودات المنشأة كالإيجارات والفوائد الدائنة خلال السنة المالية.
والإيراد هو المقياس المحاسبي للأصول المستلمة من بيع السلع وتقديم الخدمات، ويقاس الإيراد بالنقدية أو ما يعادلها من قيمة للشيء المستلم مقابل السلع والخدمات المباعة، ويشمل أيضا الأرباح الناتجة عن بيع أو تبادل أصول غير النقدية، بالإضافة إلى الأرباح الناتجة عن التسويات المرجحة للالتزامات.
و القاعدة العامة أن يعترف بالإيراد عند نقطة البيع، وقد يعترف به عند استلام الثمن أو عند الإنتاج أو بعد نقطة البيع، وهناك شرطان للاعتراف بالإيراد:
• أن يكون قد تحقق أو قابل للتحقق؛
• أن يكون قد اكتسب.
والاعتراف بالإيراد يتمثل في عملية إثبات المعاملات في السجلات المحاسبية والقوائم المالية .
ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك أساسان من الأسس الواجب إتباعها عند تحقق الإيراد أو المصروف وهما:
1. الأساس النقدي:
ويقضي هذا الأساس أن يتم الاعتراف بالإيراد عند استلام النقدية وكذلك المصروف عند دفع النقدية، وبموجب هذا الأساس فإن صافي الربح هو الفرق بين الإيرادات المقبوضة نقدا و المصاريف المدفوعة، أي أنه يمثل صافي الربح النقدي.
يستخدم هذا الأساس في محاسبة المهن الحرة كالأطباء والمحامين والمهندسين والمنضمات التي لا تهدف إلى تحقيق الربح كالنوادي والجمعيات الخيرية وكذلك في حالة البيع بالتقسيط.
2. أساس الاستحقاق:
ويعني هذا الأساس تحميل كل فترة مالية بجميع ما يخصها في إيرادات تم اكتسابها وتخص هذه الفترة سواء قبضت أم لم تقبض ومن مصاريف ونفقات تخص الفترة دفعت أم لم تدفع.
وبموجب هذا الأساس فإن لكل فترة مالية شخصية قائمة بذاتها ومستقلة عن الفترات الأخرى مما يتيح تصوير نتيجة أعمال تلك الفترة المالية بشكل صحيح و فعلي، إضافة إلى أن عملية المقارنة بين السنوات المالية تكون أسهل، وإمكانية فرض الرقابة أفضل .
ثالثا: مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات
لقد نشأ هذا المبدأ انسجاما مع التطبيق العملي لفرض الفترة المحاسبية أو تقسيم عمر المشروع إلى فترات دورية متساوية، حيث يقوم هذا المبدأ على تحديد صافي دخل المشروع لفترة زمنية معينة (سنة مالية غالبا) وذلك بمقارنة المصاريف التي تكبدها المشروع خلال تلك الفترة مع الإيرادات التي تولدت عن هذه المصاريف، أي نطرح من الإيرادات الكلية جميع المصاريف المستنفذة في سبيل تحقق الإيراد لنفس الفترة المالية .
رابعا: مبدأ الإفصاح الشامل
يعتبر الإفصاح في الوقت الراهن من المبادئ المحاسبية التي يمكن أن تسهم بفعالية في إثراء قيمة المعلومات المحاسبية التي تظهرها القوائم والتقارير المالية في ظل المبادئ القائمة، وينص هذا المبدأ على أنه يتوجب على إدارة الشركة نشر كافة المعلومات المالية الضرورية في تقريرها المالي السنوي بشكل تام وكامل والتي تجعل القوائم المالية واضحة ومفهومة لقرائها مع عدم جواز حذف أي معلومات جوهرية .
المطلب الثالث: فرضيات ووظائف المحاسبة
أولا: فرضيات المحاسبة
على الرغم من أن كلمة الفرض أو الافتراض تعني إمكانية صحة هذا الأمر أم عدم صحته، إلا أن هناك إجماع محاسبي على صحة الفروض المحاسبية إذ أن الفرض المحاسبي هو افتراض يتسم بالصحة والسلامة والقبول العام كإطار تمهيدي للوصول إلى الحقيقة العلمية المؤكدة بالبراهين، وكما يسجل للفروض المحاسبية قابليتها للتطوير والتغيير تبعا للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية للبيئة المحيطة بالمنشأة، لا سيما وأن النظام المحاسبي نظام مفتوح يتأثر بالبيئة المحيطة به ويؤثر بالبيئة المحيطة بها.
وعموما فإن أكثر الفروض المحاسبية قبولا هي:
• الاستقلالية؛
• الاستمرارية؛
• الفترة المحاسبية؛
• وحدة القياس النقدي.
1. الاستقلالية:
يستند هذا الافتراض إلى حقيقة مفادها استقلالية المشروع (أو الوحدة الاقتصادية) عن مالكيها أو الذين يتولون إدارتها، لذا ينظر إلى المشروع باستقلالية وفصل كامل عن مالكيه وإدارته ماليا وقانونيا واجتماعيا وغيرها، وانطلاقا من الاستقلالية المالية للمشروع عن المالية للمالكين واستقلالية الشخصية المعنوية عن شخصية أصحاب المشروع تم استنتاج ما يسمى بالمعادلة المحاسبية التي تستخدم عند تحليل العمليات المالية والتي تفيد أن: الأصول= الالتزامات +حقوق الملكية.
إن ملخص هذه المعادلة مفاده أن موجودات أو ممتلكات المشروع تساوي بالتأكيد التزامات المشروع تجاه الغير وتجاه أصحاب المشروع، الأمر الذي يعني أن جميع الأصول والالتزامات والحقوق المتعلقة بصاحب المشروع و لا تتعلق بالمشروع ذاته يتم تجاهلها وعدم ذكرها في دفاتر المشروع وسجلاته.
2. الاستمرارية:
يفيد هذا الفرض أن المشروع مستمر في عملياته إلى أمد غير محدود ما لم تظهر أدلة موضوعية ودلائل تثبت عكس ذلك، كما هو الحال عند تصفية المشروع أو دمجه بآخر حيث ينهي ذلك استمرارية المشروع، وهذا يفيد كثيراً في الجوانب العلمية إذ لا نجد محاسبا يذكر في القوائم المالية ما يمكن الحصول عيه في حالة تصفية الشركة وهذا ما يستدعي أيضا تسجيل الأصول الثابتة وامتلاكها عبر عدة سنوات عوضا عن امتلاكها لسنة واحدة .
3. الفترة المحاسبية:
بم أن استمرارية المشروع هي أحد الفروض المحاسبية التي تفترض أن حياة المشروع مستمرة ما لا نهاية أو على الأقل إلى عدد كبير من السنوات، فإن هذا الأمر يقلق المستثمر (صاحب المشروع) لأنه من غير المنطقي أن ينتظر حتى ينتهي عمر المشروع ليتعرف على صافي دخله أو ما حققه الاستثمار في هذا المشروع، لذلك تم افتراض تقسيم عمر المشروع الاقتصادي إلى فترات زمنية متساوية و متتابعة ثم التعارف على أن تكون الفترة الزمنية الواحدة سنة ميلادية تسمى الفترة المحاسبية أو السنة المالية يتم خلالها إعداد التقارير وبيان نتائج العمليات، بهدف تحديد الضريبة المستحقة على المشروع وقياس مدى كفاءة إدارة المشروع ومدى النجاح والنمو الذي حققه المشروع، إضافة إلى إعطاء صورة عن واقع المشروع بهدف تطويره وتنميته وتعزيز نقاطه الايجابية ومعالجة جوانبه السلبية .
4. وحدة القياس النقدي:
تعتمد هذه الفرضية على أن وحدة النقود هي أفضل وسيلة لقياس العمليات التجارية ومقارنتها، حيث يمكن تسجيل هذه العمليات بلغة رقمية تترجم القيمة النقدية لهذه لعمليات وبخاصة أنها العامل المشترك لعمليات المنشأة جميعها، وعليه يمكننا إجراء المقارنة بين سنة وأخرى على أساسها. ومن عيوب هذه الفرضية أنها تعتمد على ثبات الوحدة النقدية بين فترة زمنية وأخرى، وهذا ما أثبتته السنوات الأخيرة من تذبذبات الأسعار في القوة الشرائية لوحدة لنقود، وكذلك فإنها تفيدنا عند إعداد التقارير، حيث تعتمد دون سواها من وحدات القياس الأخرى لقياس الوزن أو الطول أو اعتماد العدد .
ثانيا: وظائف المحاسبة
للمحاسبة عدة وظائف من بينها:
1. الوظيفة القانونية:
تنص المادة 90 من القانون التجاري "كل شخص معنوي أو طبيعي له صفة التاجر يجب عليه مسك الدفاتر ليسجل العمليات المحاسبية"، لذا فإن القانون التجاري نص على أن مسك الدفاتر المحاسبية عملية إلزامية قانونية، كما أن تحديد الوعاء الضريبي يتم انطلاقا من النتائج المدونة على مستوى المحاسبة.
2. الوظيفة التسييرية:
تعمل المحاسبة على تزويد الإدارة بالمعلومات المالية والاقتصادية والمحاسبية الضرورية لاتخاذ القرارات السليمة، كما تساعد المعلومات المحاسبية إدارة المؤسسة في الرقابة على الموارد المالية والبشرية، وتعتبر المحاسبة أداة من أدوات التسيير.
المطلب الرابع: فروع المحاسبة وأهدافها
أولا: الفروع المحاسبية
للمحاسبة عدة فروع نذكر منها:
1. محاسبة المؤسسة:
وهي تلك المحاسبة الموجهة خصيصا لخدمة غرض أو أغراض المؤسسات، لا سيما الاقتصادية منها، خدمية كانت أو إنتاجية خاصة كانت أو عمومية، ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع منها كما يلي:
أ) المحاسبة المالية:
ويطلق عليها البعض لفظ "العامة"والبعض الآخر لفظ "المعمقة "وتعني مجموعة من الإجراءات والوثائق والمستندات الموجهة لمسايرة نشاط المؤسسة على امتداد السنة المالية الواحدة، قصد تقويمه وإثبات أثره على مكونات الذمة المالية للمؤسسة استنادا إلى نظام محاسبي موحد "دليل محاسبي وطني"، يكفل تجانس المعالجة المحاسبية بين جميع المتعاملين الاقتصاديين، ومن هنا كانت تسميتها ووضعيتها من حين لآخر، وهي محاسبة عامة لأنها تسري على تقويم النشاط العام للمؤسسة على امتداد السنة المالية، وهي محاسبة معمقة لأنها تقوم بكل هذه الأمور وتضطلع بمجمل هذه المهام استنادا إلى دليل (مخطط) محاسبي وطني موحد، بمعنى تعميق آليات المعالجة المحاسبية لمجريات أحداث النشاط العام للمؤسسة وفق نصوص ومحتويات هذا الدليل.
ب) المحاسبة التحليلية:
ويطلق عليها البعض عبارة "محاسبة التكاليف" والبعض الآخر "محاسبة الاستغلال"، وتعني مجموعة من الإجراءات والتقنيات الموجهة لمسايرة تكاليف الأداء على امتداد فترة زمنية محددة (أسبوع، شهر،ثلاثي...)، قصد تقويم المنتجات أو الخدمات المنبثقة عن النشاط من جهة، ومراقبة شروط التشغيل الداخلي (الاستغلال) من جهة أخرى، من هنا كانت تسمياته المختلفة، فهي محاسبة تحليلية لأنها تنصب على تحليل نشاط المؤسسة عبر وظائف ومراكز تكاليفية لغرض مسايرة آلية تجميع التكاليف ضمن هذه الوظائف أو المرا