منتدى المدية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى, و شكرا.
إدارة المنتدى

منتدى المدية
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى, و شكرا.
إدارة المنتدى

منتدى المدية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير مختصر لسورة الفتح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Billel
 
 
Billel


عدد المساهمات : 293
تاريخ التسجيل : 08/01/2010
العمر : 30
الموقع : Medea

تفسير مختصر لسورة الفتح Empty
مُساهمةموضوع: تفسير مختصر لسورة الفتح   تفسير مختصر لسورة الفتح Emptyالأحد 11 أبريل 2010 - 19:36

بسملة 3

سورة الفتح


((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ)) يارسول الله ((فَتْحًا مُّبِينًا)) واضحاً، قالوا نزلت بعد أن رجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الحديبية، والمراد أنه سيفتح له، فنُزل المضارع المحقق الوقوع منزلة الماضي، لأنه في كونه يقيناً مثل المستقبل، أو المراد أن الحديبية فتح، لأنها كانت سبب الفتح ومفتتحه.


وإنما فتحنا لك ((لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ)) على الفتح، ((وَمَا تَأَخَّرَ))، أي أن الفتح سبب لغفران كل الذنوب، والمراد به، أما ذنوبه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الكفار، فإنه كان عاقاً قاطعاً للرحم عندهم وقد قتل رجالهم وسبّ آلهتهم قبل الفتح وبعد الفتح، فإذا سُلّط عليهم غمضوا عن ذنوبه، كما هي العادة أن الإنسان إذا تسلّط غفر الناس ما يزعمون له من ذنوب، وأما المراد بالذنوب ما ذكروا من ذنوب الأنبياء من أنها تعد ذنوباً بالنظر الى الكمال الواقعي، يمنعه الإضطرار الى المأكل والمشرب وما أشبه، فهو نوع تواضع يرفع النقص الذي أُلجئ إليه إضطراراً، وأما المراد ذنوب الأمة فإن ذنب الأتباع يعد ذنب الرئيس - عُرفاً - فالجهاد يكميل للمضطر إليه، أو سبب غفران ذنب الأمة، ((وَ)) لـ((يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)) بإعلاء الإسلام وضم السيطرة الى النبوة، ((وَ)) لـ((يَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)) فإن الهداية تتلاحق آناً بعد آن وفي حالة بعد حالة، مثلها مثل الحياة، ومثل ماء النهر، فكل خطوة بعدها إما هداية أو ضلال، لأنه إن مشى مستقيماً - بعد تلك الخطوة - فهو هداية وإلا كان ضلالاً، والفتح سبب الهداية، لأنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يمشي في البلد المفتوح بسيرة حسنة وهي هداية جديدة.


((وَ)) لـ((يَنصُرَكَ اللَّهُ))، فإن الفتح سبب النصرة - وإن كان نفس الفتح أيضاً نصرة - ((نَصْرًا عَزِيزًا)) فيه عز ومنعة، فالفتح صار سبباً لأربعة أمور، غفران الذنب، وتمام النعمة، والهداية الجديدة، والنصرة العزيزة.


وليشكر المؤمنون نعمة الفتح، فإن الله ((هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ)): الصفة الموجبة للسكون والطمأنينة ((فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ))، فإن تهيئة الإنسان للمقدمات توجب إفاضة الله للنتائج، كما أن تهيئة الزارع للزرع توجب إفاضة الله النبات، ولما إستعد المؤمنون للإطاعة بقتال الأعداء، ذهب منهم الخوف والإضطراب وصارت لهم الطمأنينة، مما أوجبت فتحهم السريع، ((لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا)) جديداً ((مَّعَ إِيمَانِهِمْ)) القديم، فإن سكون القلب يوجب التفكر حسناً ورؤية الأشياء كما هي الواقع، فيرون فضل الله عليهم وبذلك يزدادون إيماناً، ((وَ)) لا يزعم المؤمنون أنهم بدون فضل الله تمكنوا من الفتح، بل كان معهم جند الله، مثل إلقاء الرعب في قلوب الكافرين وإنزال السكينة في قلوب المؤمنين، إذ ((لِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)): الجنود المادية والمعنوية، ((وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا)) يعلم كيف ينصر المسلمين على الكافرين، ((حَكِيماً)) يضع الأشياء موضعها فلما أن هيّء المسلمون أنفسهم للقتال، كانت الحكمة تقتضي نصرتهم، كما إن الأب الحكيم يمدّ ولده بالمال كلما رأى حسن طاعته له.


وإنما فعل سبحانه ما فعل من النصرة للمؤمنين بعد أن أطاعوا أوامره ((لِـ)) يزيد ثوابهم فـ((يُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)) - لأنهن أيضاً كَنّ مجاهدات - ((جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ))، أي من تحت أشجارها، في حال كونهم ((خَالِدِينَ فِيهَا)) أبداً، ((وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ))، أي يغطيها ويزيلها، فإن الجهاد سبب غفران الذنب، كما هو سبب رفع الدرجة في الجنة، فالمراد بإدخالهم الجنة في أثر الجهاد، الجنة الرفيعة التي لولا الجهاد لم يستحقوها، ((وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا)) لأنه منتهى رغبة الإنسان، أن يكون في لذة دائمة، ولعل ذكر "عند الله" للإفادة بأنهم في نعمة معنوية أيضاً، لأنهم يلتذون بأنهم قُرب الله سبحانه قُرباً معنوياً.


((وَيُعَذِّبَ)) عطف على (يدخل)، أي أن الله نصر المؤمنين لأمرين: الأول، لأجل رفعة درجات المؤمنين في الآخرة، والثاني، ليزيد عذاب ((الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ)) لأنهم بنفاقهم في باب هذه النصرة زاد عذابهم في الآخرة، ((وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ)) لأنهم ببقائهم على الشرك ومحاربتهم للرسول زاد عذابهم، ((الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ)) حيث كانوا يظنون أن الله لا ينصر رسوله وأنه كذب سبحانه مع رسوله في ما وعده من النصرة، ((عَلَيْهِمْ)): على أولئك المنافقين والكفار ((دَائِرَةُ السَّوْءِ))، أي ما كانوا يظنونه من عدم النصرة حتى يسوء المؤمنون، دائر عليهم وحائق بهم، وسميت دائرة من دوران الفلك، فقد دارت دائرة سيئة بالنسبة إليهم، وقوله سبحانه "عليهم .." إما إخبار أو دعاء عليهم، ((وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)): قطعهم عن رحمته ((وَلَعَنَهُمْ)): أبعدهم عن كل خير، وذلك لأن الله تعالى لا يتغير حاله، ولا يعروه غضب ونحوه كما قرر في علم أصول الدين، ((وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا))، أي أن جهنم موضع سوء يصيرون إليه بعد موتهم.


((وَ)) يؤكد سبحانه للمؤمنين وجوب إقدامهم في الحروب لأجل الإسلام، كرر سبحانه ((لِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)) فالحر والبرد والمطر والريح من جنوده في السماء، والرعب في القلب والتشتت للشمل ونحوهما من جنوده في الأرض، إلى غيرهما من جنوده الكثيرة، ((وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا)) يقدر أن يفعل ما يريد لعزّته، ((حَكِيمًا)) يضع الأشياء موضعها، فإذا نصر المؤمنون دينه نصرهم.


ولما ذكر شيء من صفاته سبحانه ذكر بعض صفات رسوله القائد للمؤمنين ليعلم المؤمنون أن قائدهم صالح لقيادتهم إلى خير الدنيا وسعادة الآخرة، ((إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ)) يارسول الله ((شَاهِدًا)) على الناس لتشهد على المؤمن بالإيمان وعلى الكافر بالكفر وعلى المنافق بالنفاق، ((وَمُبَشِّرًا)) تبشّر المؤمنين بخير الدنيا والآخرة، ((وَنَذِيرًا)) تنذر الكافرين والمنافقين بشر الدنيا والآخرة .

وإنما أرسلنا الرسول ((لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)) لأنه الدال إلى الله وإلى رسوله، ((وَتُعَزِّرُوهُ)) تقوّوه بالنصرة، وذلك بتقوية دينه ونصرة أحكامه، ((وَتُوَقِّرُوهُ)) تعظموه ((وَتُسَبِّحُوهُ))، ينزهوه عن الشريك وعن المناقص ((بُكْرَةً)): صباحاً ((وَأَصِيلًا)): عصراً.


وإذ بيّن سبحانه أن عذرهم كان كاذباً، أراد أن يبيّن طلبهم للتوبة والإستغفار أيضاً كذب ((سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ)) الذين تخلّفوا عن النصر مع الرسول الى الحديبية ((إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى)) حرب جديد مما فيه ((مَغَانِمَ)) جمع مغنم بمعنى الغنيمة ((لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا))، أي دعونا ((نَتَّبِعْكُمْ)) فحيث كان الخوف من أهل مكة لم يسافروا مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أما حيث حرب طفيفة، يريدون الكون معكم ليحصلوا على الغنائم ((يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ)) فإن المسلمين إستعدوا لقتال أهل مكة في الحديبية ليعلوا الإسلام، لكن كان رأيهم خطأً، إذ ما كان بالإمكان فتح مكة، مع علم أهلها بأن الرسول يريد محاربتهم، بل أراد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الصلح، ولما ثقل على المسلمين، حيث لم يحاربوا ولم يحصلوا على مغانم من أهل مكة، وعدهم الله أن يعوّضهم عن مغانم مكة بمغانم خيبر، فكانت مغانم خيبر لأهل الحديبية - حسب وعد الله سبحانه - فإذا تبع المخلّفون المسلمين في فتح خيبر كان ذلك تبديلاً لكلام الله تعالى، ولذا فـ ((قُل)) يارسول الله للمخلّفين ((لَّن تَتَّبِعُونَا)) إنشاء في صورة إخبار، لبيان أنه محقق الوقوع ((كَذَلِكُمْ))، أي هكذا و(كم) أداة خطاب ((قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ))، أي من قبل أن نتهيّء لخيبر، وهو في الحديبية ((فَسَيَقُولُونَ))، أي المخلّفون ((بَلْ تَحْسُدُونَنَا)) أن نشارككم في الغنائم، وهذا نفي لكلام المؤمنين حيث قالوا للمخلّفين (إن الله وعد الغنائم لأهل الحديبية) ((بَلْ)) ليس كما يقول المخلّفون إذ أنهم ((كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)) فهم لا يفهموا حتى موازين الدنيا، فإن من عليه الغُرم فله الغرم، لا أن يكون الخوف والصعوبة للمؤمنين، ثم يشاركهم المخالفون في الغنائم.


((قُل)) يارسول الله ((لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ)) كرّر ذكرهم بهذا الإسم مبالغة في ذمّهم وإشعاراً بشناعة تخلّفهم ((سَتُدْعَوْنَ إِلَى)) قتال ((قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)) حيث يكون فيه الخوف والغنم معاً، فإنكم حيث لم تتحمّلوا خوف الحديبية لا تأخذون من غنائم خيبر، أما في المستقبل لنا حرب مع قوم أولي بأس شديد، كأهل مكة (حين نريد فتحها) وكـ(حرب حنين) وكـ(حرب الطائف) وغيرها، فلكم أن تأتوا معنا لتنالوا قسطكم من صعوبة الحرب، وقسطكم من غنائمها ((تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ)) فأما القتال حتى النصر، أو أن يسلموا بدون قتال، ولعله إشارة الى أن أهل مكة إستسلموا بدون قتال، وأن أهل حنين قوتلوا الى أن إنتصر المسلمون ((فَإِن تُطِيعُوا)) باستجابة الذهاب مع المسلمين الى قتال هؤلاء ((يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا)) بتوسعة التجارة مع أهل مكة، وبالغنائم في حنين بالإضافة الى ثواب الله في الآخرة ((وَإِن تَتَوَلَّوْا)) ولم تحضروا القتال ((كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ)) في الحديبية ((يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) مؤلماً لتضاعف جرمكم، باصراركم على مخالفة الرسول "صلّى الله عليه وآله وسلّم".


نعم لا يجب حضور الجهاد على الكل، فالمتخلّف في الحديبية وفي غير الحديبية لا يشمله التهديد والوعيد فـ ((لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ))، أي لا نشتد عليه بالزامه حضور الحرب ((وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ)) لأنه لا يتمكن من اللحاق بالمجاهدين الماشين، ولا يقدر على ركوب الفرس، لعدم وصول رجله الى الرِكاب ((وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)) إذا كان مرضه يمنعه عن السير ((وَ)) إذا أطعتم أيها المخلّفون، في المستقبل إذا دعاكم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الى الحرب فإن ((مَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)) فلا يذوق حر الصحراء، لأنه في جنة، ولا عطش شُح الماء، لأنه عند الأنهار الجارية ((وَمَن يَتَوَلَّ)) منكم ((يُعَذِّبْهُ)) الله ((عَذَابًا أَلِيمًا)) مؤلماً، وقد كرّر سبحانه التهديد ليكون أبلغ في التخويف وليهيّء نفوسهم لقبول الأوامر.


ثم جاء الكلام لينقل قصة الحديبية لتكون بشارة للمؤمنين الذين شهدوا الحديبية, وتعريضاً بالمتخلّفين لزيادة تحذيرهم عن التخلّف ثانياً فقال سبحانه ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) كانت في الحديبية شجرة جلس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحتها، وأخذ البيعة من المسلمين الذين كانوا معه لمحاربة قريش، حين أُشيع بأنهم قتلوا رسول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إليهم، وهذه البيعة سُمّيت بيعة الرضوان، لقوله تعالى "لقد رضي الله" والمراد برضي زيادة الرضا، لأن الله كان راضياً عنهم قبل ذلك، أو رضاه ببيعتهم ((فَعَلِمَ)) الله بسبب بيعتهم ((مَا فِي قُلُوبِهِمْ)) من الإيمان والإخلاص، والمراد رفع علمه سبحانه على المعلوم حين وُجد المعلوم في الخارج، فالمراد ظهر ما في بطونهم، وهذا الظهور كان معلوماً لله تعالى، وعلى هذا فالفاء في "فعَلِمَ" للترتيب الكلامي لا الترتيب الخارجي ((فَأَنزَلَ)) الله جزاءً لبيعتهم ((السَّكِينَةَ)) سكون النفس ((عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ)) وأعطاهم ثواباً لذلك ((فَتْحًا قَرِيبًا)) هو فتحهم لخيبر بعد إنصرافهم من الحديبية.


((وَ)) أثابهم ((مَغَانِمَ)) غنائم ((كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا)) من خيبر ((وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا)) غالباً على أمره ((حَكِيمًا)) يفعل الأشياء حسب المصلحة والحكمة، فحركة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الى الحديبية، أفادت طغى القبائل في أهل مكة حيث منعوا عن الحرم، كما فتحت الطريق أمام فتح مكة حيث أن نقض المشركين للعهد أعطى الزمام بيد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليهاجم مكة دفاعاً، وكذلك كرّس -منعهم عن الحج- نفوسهم الى التصميم على فتح خيبر.


((وَعَدَكُمُ اللَّهُ)) أيها المسلمون ((مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا)) وهي المغانم التي حصل ويحصل عليها المسلمون منذ الحديبية الى يوم القيامة ((فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ)) مغانم خيبر ((وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ)) أيدي أهل خيبر فلم يقدروا من محاربتكم، إذ إنهم ذُهلوا وسُقط في أيديهم فلم يحاربوا بقدر قواهم الواقعية ((وَلِتَكُونَ)) هذه الغنائم، وكف أيدي الناس ((آيَةً)) علامة ((لِّلْمُؤْمِنِينَ)) حيث ظهر صدق الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث أخبرهم قبل خيبر أنه سيغلبون ويغنمون غنائم كثيرة، والظاهر أن "لتكون" عطف على مقدر يفهم من الكلام السابق فكأنه قال (عجّل الغنيمة وكف الأعداء) لتنتقموا مادياً، ولتكون آية لتنتفعوا معنوياً ((وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)) عطف على "لتكون" إذ المعونة المادية والمعنوية تزيد الإنسان صلابة للإستقامة في الطريق، فقد تقدّم أن كل خطوة في الحياة، أما مستقيمة أو منحرفة.

وإذ عرف المسلمون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حق المعرفة فاللازم أن يعرفوا أن بيعتهم له لازمة عليهم، لأن بيعته بيعة لله تعالى، فإذا نكث الإنسان بيعته - فبالإضافة إلى أنه خان الله ورسوله - كان ضاراً لنفسه، إذ فائدة البيعة تعود إلى نفس المؤمنين، ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ)) يارسول الله ((إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ))، إذ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ممثل الله تعالى، ((يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ))، فقد كان أسلوب البيعة أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يرفع يده ممدودة باطنها إلى الأرض وظاهرها إلى السماء، فيأتي المبايع فيُمِرّ باطن كفّه بكفّ الرسول مبتدءاً من رأس الخنصر منتهياً إلى رأس إبهام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هذه هي كيفية البيعة، وهي رمز أن البائع قد باع كل شيء له من نفس ومال وغيرهما للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال سبحانه (إنّ الله إشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة)، وإتيان الصيغة باب المفاعلة، لأنه باع ما عنده ليأخذ بقدره من الجنة، فالبيع من الطرفين، وإذا أراد شخص نقض البيعة مع أمير أو ما أشبه، كان يُمرّ يده من رأس الإبهام إلى رأس الخنصر وكما يُستفاد من روايتين ذكرهما الفيض (رحمه الله) في الصافي، ويد الله كناية، مثل بيت الله وناقة الله، ((فَمَن نَّكَثَ)): نقض البيعة ((فَإِنَّمَا يَنكُثُ)) بما يعود ضرره ((عَلَى نَفْسِهِ))، لأنه إذا لم يتّبع سبيل الله إتّبع السُبُل المنحرفة التي في سلوكها الضلال والعذاب، ((وَمَنْ أَوْفَى))، أي وفّى، كلاهما بمعنى واحد كما قال سبحانه: (أوفوا بالعقود) وهل فائدة باب الأفعال الدلالة على كمال الوفاء تأكيداً له ((بِمَا))، أي بالذي ((عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ)) الله في الدنيا والآخرة ((أَجْرًا عَظِيمًا))، والسين لأجل أن الحصول على الفوائد الدنيوية لا يكون إلا متأخراً، وقد ورد أن هذه الآية نزلت في بيعة الرضوان عام الحديبية، وقد كان تخلّف عن رسول الله في سفره إليها قبائل أسلم وجهينة ومزينة وغفار وغيرهم فإنهم بعد أن إستنفرهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إعتلوا بالشغل بأموالهم وأهاليهم، فنزلت فيهم هذه الآية.


((سَيَقُولُ لَكَ)) يارسول الله ((الْمُخَلَّفُونَ)) - كأنّ ضعف إيمانهم سبب مخالفتهم، ولذا جيء بصيغة المفعول، مثل (ألقى السحرة ساجدين) بصيغة المجهول - ((مِنَ الْأَعْرَابِ)) وهم أهل البادية، ولا يسمى أهل المدن أعراباً، وإنما يسمون عرباً: ((شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا)) عن السفر معك يا رسول الله ((فَاسْتَغْفِرْ لَنَا)): أطلب الغفران من الله على تخلفنا، فإنهم تخلّفوا خوفاً، ولما رجع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) منتصراً ندموا وجاءوا يعتذرون، ولكن كلامهم في إعتذارهم - أولاً - وفي طلب إستغفاره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم - ثانياً - كان كذباً ((يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ))، فعدم نفرهم - أولاً - كان خوفاً وطلب إستغفارهم - ثانياً - كان لأجل أن يمحو عن أنفسهم وصمة العار التي لحقت بهم عند المؤمنين ((قُلْ)) يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهم: ((فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا)): هل هناك من يقدر على منع نفوذ قضاء الله فيكم ((إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا)) بالقتل وإغارة قبيلة على قبيلة أو ما أشبه ذلك؟ فأنتم كان فراركم خوفاً، بينما لا ينفع الفرار من بأس الله إن كان مقدّراً أن ينزل بكم، ((أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا))، والآن أنتم جئتم معتذرين لتحصلوا من إعتذاركم على نفع المستقبل من الجاه عند المؤمنين والغنيمة في المستقبل، بينما النفع بيد الله، لا إن إعتذاركم يجر إليكم نفعاً، والحاصل أنهم كانت أعمالهم وعدم نفرهم، وإعتذارهم، تابعة لخوفهم ورجائهم، بينما الضرر والنفع كلاهما بيد الله، لا بحسب أعمالهم ((بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)) فعلم سبب تخلّفكم وسبب إعتذاركم (على خلاف ما أظهرتم).


ثم بيّن الله سبحانه كذبهم في دعواهم (شغلتنا أموالنا وأهلينا) بقوله: ((بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا))، لأن كفّار مكة يقتلونهم ((وَزُيِّنَ ذَلِكَ)) الظن ((فِي قُلُوبِكُمْ)) فإن الإنسان يرتاب أولاً ثم يشك ثم يظن، ثم يقوى ظنه الى حد أنه الذي يزيّن له فيصرفه عن العمل بخلاف ذلك ((وَ)) قد كان هذا الظن باطلاً إذ ((ظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ)) لم يكن يستحق أن يزيّن في قلوبكم، إذ ما كنتم تعلمون من خطط النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحكيمة، ومن نصرة الله له كان ينبغي أن يصرفكم عن ظنكم ((وَكُنتُمْ)) بانصرافكم عن النصر مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ((قَوْمًا بُورًا)) جمع بائر، أي هالكين، هلكت دنياكم لأنكم فُضحتم، وآخرتكم لما أعدّه الله لكم من العقاب.


لقد كنتم قوماً بوراً في الدنيا كما وضح ذلك للجميع ((وَ)) أما أنكم بور في الآخرة فلوضوح أن ((مَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)) كما ظهر ذلك من تخلّفكم عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الساعة الحرجة ((فَإِنَّا أَعْتَدْنَا)) هيّئنا ((لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا)) ناراً تستعر.


((وَ)) الله سبحانه قادر على عذابهم إذ ((لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)) لا يتمكن الهروب عن إرادته ولكن إذا رجع هؤلاء الى التوبة والطاعة فلعله سبحانه يغفر لهم إذ هو تعالى ((يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء)) وليست مشيئته إعتباطية بل تابعة لعمل الإنسان فيشاء غفران التائب وعذاب المصرّ ((وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا)) يستر ذنب التائب ((رَّحِيمًا)) يرحمه بأن يبدّل سيئاته حسنات.


((وَأُخْرَى)) عطف على (هذه)، أي عجّل لكم غنائم خيبر وادّخر لكم غنائم أخرى هي غنائم هوازن ((لَمْ تَقْدِرُوا)) بعد ((عَلَيْهَا)) لأنه لم تقع حرب هوازن بعد ((قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا))، أي استولى عليها بالعلم والقدرة مثل الدائرة المحيطة بالشيء حيث لا يقدر ذلك الشيء التخلّص من تلك الدائرة ((وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)) فسيرشدكم على كيفية التسلّط على تلك الغنائم، وهذا أما إخبار بالغيب أو إن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يعرفه بتجسس تجمع المشركين للقضاء على المسلمين، فإن للحرب إرصاداً في الغالب.


إن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صالح في الحديبية، وحارب مع أهل خيبر، وقد إجتمع لمناصرة خيبر حلفائهم، لكنهم لما رأوا قوة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنهزموا ((وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)) من حلفاء خيبر ((لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ)) وانهزموا وانكسروا في القتال، وذلك لوضوح أنه لو إنهزمت القوة الأقوى لانهزمت القوة القوة الأضعف ((ثُمَّ لَا يَجِدُونَ)) أولئك الحلفاء ((وَلِيًّا)) يلي أمورهم بالتوسّط الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأعطاهم المعلومات ونحوها كما يفعل أولياء كل جماعة بهم ((وَلَا نَصِيرًا)) ينصرهم في حربهم مع الرسول.


هذه هي ((سُنَّةَ اللَّهِ)) طريقته حيث ينصر أوليائه على أعدائه، ويعطي الأولياء غنائم الأعداء ((الَّتِي قَدْ خَلَتْ)) مضت ((مِن قَبْلُ)) في سائر الأنبياء، وإن قلتَ: "فكيف كان يقتل الكفار الأنبياء،" قلتُ: "كانوا يتسلّطون عليهم حيث لا يكون للنبي جماعة مدافعة،" أما إذا كانت فسُنّة الله نُصرة الأنبياء، لا يُقال إذاً لا فرق بين الأنبياء وبين غيرهم، لأنه يُقال الفرق أن الأنبياء ينتصرون ولو بدون مكافئة القوى غير الأنبياء، إن قلتَ: "وكذلك بعض الأمم الضعيفة تغلب على الأمم القوية،" قلتُ: "إذا أخذت الغلبة بالمعنى المادي،" أي تبديل أُناس في الحكم بأُناس آخرين فقط بدون تغيير النظام فهي موجودة في أية فئة قليلة مصمّمة، أما إذا أخذت بالمعنى المادي والمعنوي فتلك خاصة بأهل الله تعالى ((وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)) إذ أن قوانين الله في الحياة لا تتغير، فهي جارية الى نزول الحياة عن الأرض.


ثم بيّن سبحانه فلسفة الصلح في الحديبية، ولتوضيح أن النُصرة كانت هناك للمؤمنين -حسب سُنّة الله- وإنما يقاتل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا لخوف الإنهزام بل لمصلحة أخرى ((وَهُوَ)) الله سبحانه ((الَّذِي كَفَّ)) منع ((أَيْدِيَهُمْ)) أيدي الكفار ((عَنكُمْ)) فلم يتجرؤوا على قتالكم ((وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم)) فقبلتم الصلح وتركتم الحرب ((بِبَطْنِ مَكَّةَ)) مركز العداوة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم تقع الحرب في بطن مكة ((مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ)) فبعد أن كانوا يغزونكم بالمدينة طلبوا منكم الصلح في الحديبية وهذا ظفر معنوي ((وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)) حيث أطعتم الرسول بعدم الحرب، مع أن رأيكم كان الحرب، وكنتم ترون عدم الحرب إنهزاماً.


وقد كان أهل مكة مستحقين للحرب لأنهم ((هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)) بالله ورسوله ((وَصَدُّوكُمْ)) منعوكم ((عَنِ)) زيارة ((الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) حيث كان المسلمون يريدون العمرة ((وَ)) منعوا عن ((الْهَدْيَ)) الإبل التي ساقها المسلمون لعمرتهم ((مَعْكُوفًا)) من عكف إذا حبس لأن الإبل كان محبوساً على الهدي ليُنحر بعد قضاء العمرة، فقد منع المشركون ((أَن يَبْلُغَ)) الهدي ((مَحِلَّهُ)) المكان الذي ينحر فيه بمكة، وبهذا قد استحقوا القتال مرة لكفرهم، ومرة لصدّهم عن المسجد، ومرة لمنعهم الهدي، ومع ذلك فقد كفّ الله تعالى أيديكم عنهم ((وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ)) في مكة مختلطين بالكفار ((لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ)) بأشخاصهم، لتتجنّبوا قتالهم عند قتالكم مع المشركين ((أَن تَطَؤُوهُمْ)) بدل إشتمال من "رجال مؤمنون .."، أي لولا خوف سحقكم و"وطئكم" في حالة حرب المشركين، لرجال ونساء مسلمين ((فَـ)) إذا وطئتموهم ((تُصِيبَكُم مِّنْهُم)) من جهة أولئك المسحوقين ((مَّعَرَّةٌ))، أي مكروه إذ يحزن المسلم أن يقتل المسلم، إذا وقع القتل إشتباهاً، بالإضافةة الى تعيير المشركين للمسلمين بأنهم قتلوا حتى إخوانهم في الدين، الى غير ذلك ((بِغَيْرِ عِلْمٍ)) منكم المسلم من غير المسلم، فقوله: "لم تعلموهم" لبيان أنهم لا يعرفون أولئك المسلمين، وقوله "بغير علم" لبيان أن سحقهم بغير علم، فلا تكرار، وجواب "لولا" محذوف لدلالة الكلام عليه، أي لولا خوف سحقكم للمؤمنين المجهولين، لما كفّ الله أيديكم عن المشركين، وإنما كنّا نُجيز لكم في حرب أهل مكة لولا خوف سحق المؤمنين ((لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء)) من الذين يحاربون، فظاهر "ليُدخل" أنه تعليل للجواب المحذوف، ففي الآية معلولان (الحرب) و(الكف) وعلّتان (الإدخال في الرحمة للأول) و(خوف السحق للثاني) لكن لما كان الثاني أهم، رجّحه سبحانه على الأول، ثم أكّد سبحانه أن الكف عن الحرب كان لخوف سحق المؤمنين بقوله ((لَوْ تَزَيَّلُوا)) تفرّقوا ويميّز المسلم عن الكافر -في مكة- ((لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ)) من أهل مكة -في قبال الذين آمنوا منهم- ((عَذَابًا أَلِيمًا)) مؤلماً، بالقتل والأسر وغنيمة الأموال.


وقد كان كفّ الله أيديكم عنهم وحتى لا تقع حرب ((إِذْ)) في زمان ((جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا)) من أهل مكة ((فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ))، أي الكِبَر والأَنَفة ((حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ)) فإن (الحميّة) مشتقة الحمى، وقد تُستعمل لحمية الشر، ولذا بيّنه سبحانهبأنها كانت حميّة الجاهلية، إذ الجاهل يحمي عن الباطل، وذلك لأنه بعد أن تقرر الصلح بين الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين رسول المشركين (في الحديبية) قال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السلام) : "أكتُب بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة ..." فقال سهل بن عمير رسول المشركين : "بل أكتب باسمك اللهم [وذلك لأنهم كانوا يكرهون إسم الرحمان لجهلهم] ولا تكتب رسول الله، لأنّا لو عرفناه رسولاً ما حاربناه ..." فأمر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يكتب كما قاله سهل، ولولا مسامحة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لاشتعلت نار الحرب، ((فَـ)) قد جعل رسول المشركين في قلبه حميّة الجاهلية لكن ((أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ)) سكونه ((عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) فلم يصرّوا على كيفية كتابة الصلح ((وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى)) فجنحوا الى الخوف من الله في أن لا ينساقوا وراء الكِبر فتقع الحرب، ويُسحق المؤمنون المجهولون الذين كانوا بمكة، و"السكينة" هي (حلم الرسول - صلّى الله عليه وآله وسلّم - والمؤمنون، في حال قدرتهم على الحرب) والمراد بالكلمة (الشعار) فإن المؤمنين جعلوا شعارهم التقوى، فكلما وقعت مشكلة، إلتفّوا حول هذا الشعار ((وَكَانُوا)) الرسول والمؤمنون ((أَحَقَّ بِهَا)) من المشركين، لأن المؤمن أحق بتجنيب المزالق من غير المؤمن ((وَ)) كانوا ((أَهْلَهَا)) أهل التقوى، من قبيل قولنا: أهل الرجل أحق باتباع الرجل ((وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)) يعلم ما يفعله المؤمنون من جهة تقواهم، فيثيبهم عليه، كما يعلم ما يفعله الكفار من جهة حميّتهم فيعاقبهم عليه.


كان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل خروجه الى الحديبية رأى في المنام أنه والمؤمنين معه دخلوا المسجد الحرام، فنقل رؤياه للمؤمنين، ولما قَبِلَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الصلح في الحديبية ولم يدخل المسجد الحرام، تسائل المؤمنون عن مدى صحة الرؤيا، وهل كانت أضغاث أحلام؟ وإذا كانت صادقة فلما لم تتحقق؟، وأجاب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن الرؤيا صحيحة وأنهم يدخلون المسجد، ولكن ما ظنّه المسلمون من أن تحقق الرؤيا يكون في هذه السنة -سنة الحديبية- كان غير صحيح فـ ((لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا)) فكان ما أراه الله في المنام صدق ((بِالْحَقِّ)) الصدق هو مطابقة الخبر للواقع، والحق هو مطابقة الواقع للخبر، وقد يجتمعان للتأكيد، أو المراد أم ما أراه تعالى له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان صدقاً -يقع في المستقبل- متلبساً بـ "الحق"، أي بالغرض الصحيح والحكمة البالغة، فأنتم أيها المؤمنون ((لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ)) مؤكداً باللام ونون الثقيلة ((إِن شَاء اللَّهُ)) إنشاء الله أما كلمة تبرّك، فليس لها معنى الشرط، أو هي مثل لفظ "لعل" الذي يستعمله القرآن الحكيم المراد به أن الكلام محل "لعل" أو محل "إنشاء الله" وإن كان سبحانه لا يرجو شيئاً ولا شك له حتى يعلّق على المشيئة، فهو كإستعمال الأمر بقصد التهديد أو ما أشبه، وكذلك في كل إنشاء وإخبار، قد يُستعملان بقصد آخر، في حال كونهم ((آمِنِينَ)) عن محاربة الكفار لكم، وفي حال كونكم ((مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)) من أظفاركم وغيرهما، والظاهر أن المراد أن قسماً محلّق وقسماً مقصّر ((لَا تَخَافُونَ)) بعد ذلك، فالآمن حين الدخول، وعدم الخوف بعد ذلك ((فَـ)) لمجرد الترتيب في الكلام ((عَلِمَ)) الله ((مَا لَمْ تَعْلَمُوا)) من كون المصلحة تأخير دخول المسجد الحرام، وقد تقدّم أن المصلحة ظهرت بعد ذلك ((فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ)) من قبل دخولكم المسجد الحرام ((فَتْحًا قَرِيبًا)) هو فتح خيبر، وبذلك قوي الإسلام واطمئن المسلمون بالنصر والغنائم، الى أن تيسّر وقت فتح مكة، تصديقاً لرؤى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).


وكيف يزعم بعض المسلمين في الحديبية أنهم إنهزموا، حتى قال قائلهم: "ما شككتُ في نبوّة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثل شكّي يوم الحديبية،" والحال أن الله ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى)) يصحبه الهدى، لهداية الناس الى الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة، ((وَدِينِ الْحَقِّ))، الدين هي الطريقة، والحق هو الواقع (لأن لكل شيء واقعاً صحيحاً) فالدين الحق هو الطريقة، والهدى عبارة عن الهداية إليه، كما يُقال : هديتهُ الى الطريق، والنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جاء بأن يهدي الناس، وكان معه خريطة دين الحق، وإنما أرسله الله سبحانه ((لِيُظْهِرَهُ)) ليغلبه ((عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)) كل الأديان، سواء كانت سماوية منسوخة أو غير سماوية، ((وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) أن الله يشهد بأنه رسوله وأن ما أتى به هو الدين الحق، وشهادته سبحانه عبارة عن جعله تعالى الفطرة البشرية موافقة له، وجعل الحجّة له، أو المراد جعل المعجزة المصدّقة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معه، ثم إنه كما يحق لمخترع الطائرة أن يقول ستعم الطائرة كل البلاد، وسيُنسخ السفر بالدواب -لأنه يعلم ذلك بالمقايسة بين المركوبين، وبفهم طبيعة البشر المائلة الى الراحة- كذلك ظهور الإسلام على الأديان كلها، شيء موافق للمنطق، بعد فهم طبيعة الإنسان المائلة الى الأخذ بالمنهج الصحيح، وفهم طبيعة الإسلام ومقايسته بسائر الأديان ليظهر أنه الألئم بطبيعة الإنسان.


وإذ تقدّم الكلام عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعن المؤمنين به وعن المنافقين ذكر الله تعالى صفاتهم الظاهرة ليعرف بها المؤمن عن المنافق ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ)) ظاهر الآية أنه مبتدء وخبر ((وَالَّذِينَ مَعَهُ)) من المؤمنين ((أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ)) لأن الكافر مبدئه فاسد مفسد فإذا لم يُؤخذ بالشدة لإيقافهم عند حدّه فسد وأفسد، لكن المراد بالشدة الشدة العقلائية -كما هو المتبادر منها- لا الشدة بمعنى القساوة والإفراط ((رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)) يرحم بعضهم بعضاً، فإن أرواحهم تتلاقى بالإيمان، مما يوجب رحم بعضهم بعضاً ((تَرَاهُمْ)) أيها الرائي ((رُكَّعًا سُجَّدًا)) لكثرة صلاتهم ((يَبْتَغُونَ)) أي يلتمسون بكثرة الصلاة ((فَضْلًا)) وزيادة ((مِّنَ اللَّهِ)) ثواباً ((وَرِضْوَانًا)) يطلبون مرضاته فهؤلاء ((سِيمَاهُمْ)) علامة إيمانهم ((فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) كالسمة التي تحدث في جباههم من كثرة سجودهم، فهذه ثلاث صفات لهم، صفة مع الأعداء، وصفة مع المؤمنين، وصفة مع الله ((ذَلِكَ)) الوصف الذي ذُكر لهم ((مَثَلُهُمْ)) أي وصفهم ((فِي التَّوْرَاةِ)) المنزلة على موسى (عليه السلام) ((وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ)) المنزلة على عيسى (عليه السلام)، فقد وصف المؤمنون في الكتابين، بالأوصاف الثلاثة المتقدمة، ثم بيّن سبحانه حالة نموّهم وكثرتهم، من جراء تلك الأوصاف الثلاثة السابقة، فهم ((كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ)) أي فراخه ((فَآزَرَهُ)) فقوّاه، أي قوّى الزرع فراخه، إذ الفراخ يقوى قليلاً قليلاً ((فَاسْتَغْلَظَ)) ذلك الزرع، أي صار من الدقّة الى الغلظة ((فَاسْتَوَى)) واستقام ذلك الزرع بعد الغلظة ((عَلَى سُوقِهِ)) جمع ساق، فإنه كان في بدو أمره، بدون فراخ، وبدون غلظة الساق، وبدون الإستقامة، فإذا هبت ريح أمالته وربما قلعته ((يُعْجِبُ)) ذلك الزرع ((الزُّرَّاعَ)) من منظره وفراخه وغلظته وقوته وكذلك بدء المؤمنون قليلين، ثم أفرخوا فألحقوا بأنفسهم أناساً آخرين، فهم كالفراخ بالنسبة الى المؤمنين الأولين، وبذلك حصل موازرة السابقين لللاحقين، وبذلك صار الأولون أقوياء كأنهم إستغلظوا، لأن من وجد الأعوان يقوى، وحينذاك قاموا بأنفسهم أشداء، لا تخوّفهم رياح الكفر، ولا يمثل بهم أعاصير الباطل ((لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)) اللام للعاقبة، مثل (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً)، أي كان عاقبة كونهم كالزرع الكذائي غيظ الكفار، ولعل الإتيان بهذه الصفة "غيظ الكافرين" لأجل بيان أنهم لغيظهم يكيدون للمؤمنين، مما يعطي المؤمنين تبرير قتالهم واستئصال شأفتهم، وبذلك (يُظهره على الدّين كلّه) ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم)) إشارة الى أن كل هذه الكثرة التي إلتفّت حول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مما هم كالزرع، ليسوا من أصحاب الجنة بل المؤمنون منهم فقط كذلك ((مَّغْفِرَةً)) غفراناً لذنوبهم ((وَأَجْرًا عَظِيمًا)) في الآخرة، فدنيا المؤمنين كزرع كذا، وآخرتهم غفران وأجر.

صدق الله العضيم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير مختصر لسورة الفتح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير مختصر لسورة ص
» تفسير مختصر لسورة عبس
» تفسير مختصر لسورة الإخلاص
» تفسير مختصر لسورة العلق
» تفسير مختصر لسورة النبأ

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المدية :: - دينــــــــــي الحنيــــــــف - :: المنتــدى الإسلامـــي :: قســم تفسيـــر القــرآن-
انتقل الى: