الخطبة الثانية :
الحمد لله العظيم شأنه، العزيز سلطانه، الدائمُ بره واحسانه، نحمده تعالى ونشكره، وشكره دليل الصدق وعنوانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين ..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله { وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ - - وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة.
عباد الله . يتمسك بعض المفتونين بالاختلاط بشبه هي أوهى من بيت العنكبوت، لكن قد يغتر بها بعض الجهال، ومن ذلك قولهم: إن الاختلاط موجودٌ في عصر النبوة، وكان الرجال والنساء يختلطون في المساجد ونحوها. والحق أن ليس في ذلك مستمسكاً لهم، فقد كان النساء يصلين مع رسول الله - - وهن بكامل حجابهن وحشمتهن وحيائهن، ثم قد كان - - يحث النساء على الصلاة في آخر الصفوف، يقول - - "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" رواه مسلمٌ وأهل السنن، كما حثَّ - - الرجال على المكث في المصلى حتى تخرج النساء حتى لا يختلطنَّ بالرجال . رواه البخار وغيره، وعند أبي داود أنه - - أمر النساء بلزوم حافات الطريق حتى لا يختلطن بالرجال، هذا الذي ينبغي للنساء حتى لا يفتنَّ أو يُفتنَّ.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن المرأة إذا صلت في الحرم أو غيره من المساجد فعليها أن تلتزم الأدب الإسلامي، وأن ترعى حرمة هذه البقاع الطاهرة، حتى ترجع بالأجر والمثوبة، أما إذا تساهلت في حجابها، ونبذت الحياء والحشمة ووقعت في التبرج والزينة، يخشى أن تكون مأزورة غير مأجورة، ومما تنبغي ملاحظته ضرورة تربية البنات منذ الصغر على البعد عن الاختلاط بالرجال، حتى يتربين على العفة والفضيلة .
أيها الاخوة: ولما كان الناس يعيشون هذه الأيام فرصة إجازة نصف العام الدراسي، فإنه مما ينبغي التنبيه عليه حفظ الأوقات، وشغلها بطاعة الله والبعد عن المعاصي، وأن يلتزم الرجال والنساء، والبنات والأبناء، شرع الله في سترهم إقامتهم، وأن يحذروا من الأماكن الموبوءة، والبقاع المختلطة، ولقد سرنا وسر كل مسلم أن كثيراً من الناس يتوجهون إلى الحرمين الشريفين في هذه الإجازة في عمرةٍ وزيارة، وذلك من نعم الله - - وهو أمرٌ طيبٌ يُشَجَّعون عليه، لكن كم نود لو التزم الناس أكثر لاسيما النساء بآداب هذه البقعة المباركة، فإذا أتت المرأة إلى الحرم تأتي تفٍلةً متبذلة، لا متعطرةً ولا متبرجة، وإذا طافت لزمت الاتجاه الأيمن، بعيداً عن الاختلاط بالرجال، وإذا صلت ففي آخر الصفوف، ولا تزاحم عند الأبواب ولا غيرها، ويتأكد على أوليائهن أمرهن بذلك، وإلا فبيوتهن خير لهن .
ومن نعم الله على هذه البقاع المباركة، أن تميزت بمنهجها الإسلامي، فلا يسمح الاختلاط في مدارسها، وجامعاتها ومؤسساتها، وهذه نعمةٌ نسأل الله أن يوزعنا شكرها، وأن يثبتنا عليها، وأن يزيد هذه البلاد وبلاد المسلمين من الهدى والتوفيق بمنه وكرمه .
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال عز من قائل { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }
اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر الملاحدة وسائر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين . اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه لما تحب وترضى، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم هيئ له في كل أموره رأياً سديداً، وعملاً رشيداً، يا حي يا قيوم اللهم اجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للحكم بشريعتك، واتباع سنة نبيك - - ووفق علماءهم للدعوة إلى الله وبيان الحق يا أرحم الراحمين، ووفق ولاة أمورهم للتعاون مع علمائهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم وفق المسلمين إلى ما تحبه وترضاه، اللهم اهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا، والزلازل والمحن والتبرج وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفق نساء المسلمين للالتزام بالحجاب والعفاف والحشمة، وقهنَّ شر التبرج والسفور يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين على اليهود الغاصبين، وانصرهم في البوسنة والهرسك على الصرب الظالمين، وفي بلاد الشيشان على الملاحدة الشيوعيين، وفي كشمير على الظلمة الوثنيين، وفي كل مكان يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون